مولانا رمضان شميله، يعلن تاريخ جديد لسودان جديد أساسه المواطنة كتبه خالد كودي

مولانا رمضان شميله، يعلن تاريخ جديد لسودان جديد أساسه المواطنة كتبه خالد كودي


09-01-2025, 02:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1756732057&rn=0


Post: #1
Title: مولانا رمضان شميله، يعلن تاريخ جديد لسودان جديد أساسه المواطنة كتبه خالد كودي
Author: خالد كودي
Date: 09-01-2025, 02:07 PM

02:07 PM September, 01 2025

سودانيز اون لاين
خالد كودي-USA
مكتبتى
رابط مختصر






1/9/2025 خالد كودي، بوسطن

القسم الدستوري/الإعلان الصادق كحدث تأسيسي: من الطقس إلى التعاقد الاجتماعي الجديد:
في لحظة تاريخية فارقة لم يعرفها السودان من قبل، وقف أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة تحالف "تأسيس" ليؤدوا القسم الدستوري والإعلان الصادق على يد مولانا رمضان شميله، رئيس السلطة القضائية في السلطة المدنية للسودان الجديد. لم يكن هذا القسم مجرّد طقس بروتوكولي مكرور، بل كان فعلًا ثوريًا تأسيسيًا أعاد تعريف الدولة السودانية من جذورها. ارتكز القسم على الميثاق التأسيسي والدستور التأسيسي، وهما وثيقتان تعلنان بلا لبس أن السودان الجديد هو دولة علمانية، ديمقراطية، لامركزية، تقطع مع ميراث طويل من التلاعب بالهوية واستغلال الدين، الجهة، النوع والاثنية كأدوات للهيمنة السياسية.
إنها المرة الأولى في تاريخ السودان التي يُؤدى فيها القسم والاعلان الصادق على دستور يحمي وطنًا علمانيًا ديمقراطيًا لامركزيًا، ويجعل من المواطنة المتساوية حجر الزاوية للحقوق والواجبات. بهذا التحول، لم يعد السودان حبيس شعارات جوفاء أو وعود مؤجلة، بل دخل مرحلة جديدة تُعرِّف الدولة على أساس إنساني وأخلاقي يكرّم جميع مواطنيها بمساواة.
هذا التحول النوعي ليس لحظة سياسية عابرة، بل قطيعة جذرية مع تاريخ طويل من التواطؤ مع خطاب الهيمنة الدينية والعنصرية. وهو في جوهره إعلان بأن السودان لم يعد ملعبًا للهوس الديني، الطائفي أو العنصري، بل أصبح في مصاف الدول التي تُبنى على قيم المواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية. إنها لحظة لا تحدد فقط حاضر السودان، بل ترسم أفق مستقبله، وتضعه في قلب الخريطة العالمية كدولة محترمة، لا تستمد شرعيتها من السماء، ولا من طائفة، ولا من اثنية او جهة، بل من إرادة مواطنيها الأحرار المتساوين في كل الحقوق والواجبات.

من "العقد الاجتماعي" إلى لحظة التأسيس
يمكن النظر إلى لحظة القسم الدستوري/الإعلان الصادق على يد مولانا رمضان شميله باعتبارها تجسيدًا حقيقيًا لفكرة العقد الاجتماعي كما صاغها جان جاك روسو: الانتقال من الخضوع لسلطة مفروضة تُكرّس الامتيازات التاريخية، إلى حالة التعاقد الحر القائم على الاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات. غير أن ما جرى في السودان لم يكن استنساخًا لفلسفة أوروبية، بل كان تجربة سودانية خالصة، نابعة من تاريخ طويل من الصراع ضد الاستبداد الديني والعنصري، وضد النخب التي ظلت تتوارى خلف خطاب واهٍ عن "المدنية" و"التوافق"، فيما هي تحافظ على نصوص دستورية تضع المهمشين في مرتبة "مواطنين من الدرجة الثانية."
إن الثورات السودانية التي تعاقبت منذ أكتوبر 1964 مرورًا بأبريل 1985، ووصولًا إلى ديسمبر 2018، كانت محاولات ناقصة لأنها لم تُفضِ إلى عقد اجتماعي جديد. لقد تحايلت النخب في كل مرة على مبدأ المواطنة المتساوية، فجاءت دساتيرها انعكاسًا لمصالح أصحاب الامتيازات التاريخية ومراكز القوى، لا لتطلعات الشعب الثائر. وبذلك، أبقت على بنية دولة المركز التي تُقصي الأطراف وتكرّس التراتبية بين السودانيين.
حنة أرندت وصفت الثورة الحقيقية بأنها ليست فقط إسقاط الأنظمة، بل تأسيس بداية جديدة عبر دستور يحوّل الحرية إلى مؤسسات. بهذا المعنى، فإن القسم الذي أداره مولانا رمضان شميله هو أول فعل ثوري كامل في تاريخ السودان الحديث: إعلان ميلاد دولة جديدة – سودان جديد – يقطع مع ماضي الدساتير المزيّفة والهوية الزائفة، ويؤسس لمستقبل يقوم على الحرية، العدالة، والمساواة.
إنها ليست فقط لحظة اعلان صادق اوقسم، بل لحظة تأسيس لعقد اجتماعي لم يُكتب قط في السودان منذ الاستقلال؛ عقد يُنهي عهد الاحتيال على المواطنة، ويعيد تعريف الدولة بوصفها ملكًا لجميع أبنائها، لا حكرًا على أصحاب الامتيازات.

قطيعة مع الماضي ورهان على المستقبل:
القسم الدستوري/الإعلان الصادق في هذه اللحظة كان خط الانفصال التاريخي بين السودان القديم والسودان الجديد: بين دولة الهيمنة الدينية التي حوّلت الوطن إلى أداة للتمييز والإقصاء، ودولة المواطنة التي تضع الإنسان – كل إنسان – في قلب الشرعية. لقد كان إعلانًا صادقا بأن السودان لا يجب ان يستمر مسرحًا للهوس الديني الطائفي والعنصري، بل ليصبح عضوًا في عائلة الدول التي تُبنى على القيم الإنسانية الكونية.
وبذلك، فإن القسم/ الإعلان الصادق الذي أداره مولانا رمضان شميله لم يكن مجرد حدث يُسجل في دفتر التاريخ، بل كان لحظة تأسيس لعقد اجتماعي جديد يحدد مستقبل السودان بوضوح: إما دولة المواطنة والعلمانية والعدالة، أو العودة إلى جحيم الدولة الثيوقراطية التي لفظها الشعب بثوراته ودمائه.

رمزية القضاء في صناعة الشرعية:
بإشرافه على القسم/الإعلان الصادق، لم يكن مولانا رمضان شميله مجرد قاضٍ يؤدي واجبًا شكليًا، بل أصبح شاهدًا وضامنًا لولادة شرعية جديدة. فقد حملت السلطة القضائية مسؤولية رمزية في نقل السودان من إرث الاستبداد والمحاكم المسيّسة إلى فضاء العدالة المستقلة والشرعية الدستورية. بهذا الفعل، أصبح مولانا شميله شخصية مؤسسة في مسار السودان الجديد، ودخل التاريخ كأحد حراس الدولة المدنية الحديثة.

ارتباك النخب السودانية: نهاية المراوغة
لقد جاءت لحظة الإعلان الصادق/ القسم الدستوري لتكشف عمق مأزق النخب السياسية السودانية، يمينها ويسارها، تلك التي اعتادت لعقود طويلة أن تناور في مسألة العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة، إمّا خوفًا من بطش الإسلاميين أو تواطؤًا مصلحيًا معهم. غير أنّ حكومة "تأسيس" حسمت هذا التردّد التاريخي وحوّلت العلمانية من شعارٍ مؤجل إلى واقع دستوري مُلزِم، لتقطع بذلك الطريق على كل أشكال التلاعب والتهرّب.
إن الاعتراف الصريح بـ المواطنة المتساوية كأساس للدولة أسقط الأقنعة عن كل الأحزاب والقوى التي لطالما تهربت من مواجهة هذا السؤال الجوهري، سواء عبر صمتٍ جبان يبرّره الخوف او التماهي مع الإسلاميين، أو عبر التلاعب بمفاهيم ضبابية مثل "الدولة المدنية" و"الدستور التوافقي". هذه المصطلحات لم تكن سوى غطاء لتمديد نفوذ الثيوقراطية، إذ قبلت معظم النخب ومنظمات المجتمع المدني ضمنيًا بجرعةٍ من الدين السياسي، ما دام ذلك لا يهدد مصالحها المباشرة ولا حظوتها في النظام الاجتماعي.
اليوم، تجاوزت حكومة "تأسيس" هذه المراوغات جميعها، وأعادت تعريف السياسة في السودان بوصفها فعلًا تأسيسيًا لدولة المواطنة الشاملة، لا مجال فيها للتفاضل على أساس الدين أو العرق أو الجهة. لقد أُجبر المركز ونخبُه على مواجهة ما تهرّبوا منه لعقود، بينما جاء هذا التحول من الهامش الثوري الذي امتلك الشجاعة ليحسم المسألة جذريًا. وبذلك يكون الهامش قد فتح للنخب باب الحرية الذي لم تكن قادرة على انتزاعه بنفسها، ولو تُركت لعاداتها في المساومة والمناورة، لظلت أسيرة لعقدة الإسلام السياسي إلى ما لا نهاية.

مقارنات تاريخية: السودان الجديد ضمن تقاليد ثورية عالمية:
جنوب أفريقيا بعد الأبارتهايد:
ما حدث في نيالا يشبه، من حيث الجوهر، لحظة أداء القسم الدستوري في جنوب أفريقيا عام 1994، عندما أقسم نيلسون مانديلا وأعضاء الحكومة على دستور جديد يقوم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن اللون والاثنية. كما كان القسم في جنوب أفريقيا إعلانًا لنهاية قرون من التمييز العنصري، فإن القسم الذي أداره مولانا شميله هو إعلان لنهاية عقود من التمييز الديني والاثني والثقافي في السودان.
بوليفيا وإعادة تأسيس الدولة:
في بوليفيا، مثّل القسم على دستور 2009 لحظة فارقة، إذ أعلن إيفو موراليس ومعه ممثلو الشعوب الأصلية قيام دولة متعددة القوميات تعترف بحقوق السكان الأصليين وتعيد توزيع السلطة. وبالمثل، فإن السودان الجديد من خلال القسم الدستوري على يد مولانا رمضان شميله يفتح الباب أمام الاعتراف بالتعدد القومي والثقافي والديني للسودانيين، بوصفه أساسًا لديمقراطية حقيقية.
الولايات المتحدة وحقوق المواطنة:
يمكن أيضًا استدعاء لحظة التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي (1868)، الذي أقرّ مبدأ المواطنة المتساوية بعد الحرب الأهلية، وقد أشرنا لهذا التعديل في عدد من المقالات السابقة لأهميته وارتباطه بوضعنا في السودان. فكما شكّل ذلك التعديل إعلانًا لنهاية العبودية ونظام الامتيازات البيضاء، فإن القسم السوداني على دستور "تأسيس" هو إعلان لنهاية الدولة الدينية الطائفية ونظام الامتيازات التاريخية الذي حكم السودان منذ الاستقلال.

السودان الجديد: من الخطاب إلى الفعل:
بهذا القسم والإعلان الصادق، خرج السودان الجديد من دائرة الحلم والخطاب إلى أفق الفعل السياسي والمؤسساتي الملموس. لم يعد شعار "السودان الجديد" مجرد صيغة ثورية تُتداول في خطابات الحركات السياسية، بل أصبح إطارًا دستوريًا مُلزِمًا له أثر قانوني وسياسي مباشر. إن الانتقال من مستوى الشعارات إلى مستوى التأسيس الدستوري يضع السودان في مصاف اللحظات التاريخية التي غيّرت مجرى شعوبها عبر إعادة تعريف الدولة، كما حدث في جنوب أفريقيا بعد الأبارتهايد أو في بوليفيا بعد إعادة كتابة الدستور لصالح الشعوب الأصلية، او رواندا بعد حرب الابادة. هذه ليست مجرد لحظة سياسية، بل حدث تأسيسي يرسم ملامح الدولة السودانية على أسس جديدة من العلمانية، الديمقراطية، واللامركزية.

التهرب من تسمية الحقيقة: أزمة الحقل السياسي السوداني:
رغم وضوح هذا التحول التاريخي، فمنذ الامس ما يزال الحقل السياسي السوداني يعيش حالة من الارتباك والإنكار والتهرب الجماعي من الاعتراف الصريح بأن السودان قد تغيّر إلى الأبد، وأنه بات اليوم دولة علمانية ديمقراطية لامركزية. هذه ليست مجرد خطوة إجرائية أو تفصيلًا عابرًا، بل يمكن القول بثقة إنها أعظم لحظة في تاريخ السودان منذ نشأته، لأنها تمس جوهر الدولة نفسها: المواطنة المتساوية كأساس أوحد للحقوق والواجبات.
لكن النخب السياسية – يمينها ويسارها، حلفاؤها وتائهوها – تحاول التقليل من شأن هذه اللحظة الفاصلة عبر خطاب مراوغ يلتف حول الحقيقة أو يغرق في تفاصيل ثانوية لإخفاء أن التأسيس الجديد قد أغلق باب المناورة نهائيًا. هذه النخب التي عاشت على توازنات هشّة مع الإسلاميين، إمّا خوفًا من بطشهم أو تواطؤًا لحماية مصالحها، تجد نفسها اليوم أمام واقع لا يقبل الرمادية ولا يحتمل الغموض.
لقد حدد القسم الدستوري/الإعلان الصادق الذي أداره مولانا رمضان شميله طبيعة الصراع في السودان بوضوح لم يسبق له مثيل: إما الاصطفاف مع الدولة الثيوقراطية التي تمثلها حكومة الإخوان المسلمين بقيادة البرهان وكامل إدريس وكتائب الإسلام السياسي، أو الوقوف مع الدولة العلمانية الديمقراطية اللامركزية التي تجسدها حكومة "تأسيس". لم يعد هناك مجال للوسط، ولم يعد ممكناً الاحتماء بالشعارات الفضفاضة مثل "الدولة المدنية" أو "الحلول التوافقية". إننا أمام خط فاصل حاسم يرسم ملامح المستقبل، ويجعل من كل موقف سياسي أو أخلاقي إعلان انتماء صريح إلى أحد المشروعين: مشروع الحرية والمواطنة أو مشروع الاستبداد والثيوقراطية.

أخيرا:
لقد دخل مولانا رمضان شميله التاريخ من أوسع أبوابه، ليس بوصفه قاضيًا يؤدي واجبًا مهنيًا روتينيا، بل كأحد الآباء المؤسسين للسودان الجديد. لقد أشرف بصلابة ووقار على أول قسم دستوري يُعلن بوضوح لا لبس فيه أن المواطنة المتساوية، والعلمانية، والديمقراطية، واللامركزية هي الأسس غير القابلة للتراجع لبناء الدولة السودانية. بهذا المعنى، لم يكن مجرد شاهد على لحظة دستورية، بل كان ضامنًا أخلاقيًا وركيزة رمزية لشرعية جديدة تتجاوز كل ما سبقها.
إن وقوف مولانا شميله في هذه اللحظة المفصلية يقارب في رمزيته مواقف تاريخية خالدة: كالمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة عند إقرار مبدأ المساواة بعد الحرب الأهلية؛ أو القضاة الذين أشرفوا على القسم الدستوري لمانديلا في جنوب أفريقيا، حيث أعلن العالم نهاية الأبارتهايد؛ أو لحظة الاعتراف الدستوري بحقوق الشعوب الأصيلة في بوليفيا تحت قيادة إيفو موراليس. في كل هذه الحالات، كان القضاء شريكًا في تأسيس بدايات جديدة، لا حارسًا لماضٍ منهار.
لقد صار مولانا رمضان شميله، بما مثّله من استقلال وجرأة، رمزًا لانتقال السودان إلى زمن آخر؛ زمنٍ تُبنى فيه الدولة لا على الامتيازات الطائفية والهوية الزائفة، بل على الكرامة الإنسانية والعدالة التاريخية. إن ما أدارَهُ في لحظة القسم لم يكن مجرد فعل إجرائي، بل مرافعة كبرى باسم المستقبل، تُعيد للسودان مكانته ضمن تقاليد الشعوب التي واجهت ماضيها وابتكرت عقدًا اجتماعيًا جديدًا.
وبذلك، فإن هذه اللحظة لا تعني فقط ميلاد حكومة جديدة، بل هي ولادة دولة جديدة، تنتمي إلى الإرث الثوري العالمي الذي جعل من القسم والمواطنة والمساواة لحظةً فاصلة في ميلاد أمم حرّة. لقد خطّ مولانا شميله اسمه في سجلّ القضاة الذين لم يكتفوا بقراءة نصوص الدستور، بل جعلوا من القسم عليه جسرًا لعبور الشعوب إلى التاريخ.

النضال مستمر والنصر اكيد.

(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)