كيف يُسمّم الحُكّام الأوطان: السودان نموذجًا كتبه د. حسين عمر عثمان

كيف يُسمّم الحُكّام الأوطان: السودان نموذجًا كتبه د. حسين عمر عثمان


08-31-2025, 04:11 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1756653088&rn=0


Post: #1
Title: كيف يُسمّم الحُكّام الأوطان: السودان نموذجًا كتبه د. حسين عمر عثمان
Author: د.حسين عمر عثمان
Date: 08-31-2025, 04:11 PM

04:11 PM August, 31 2025

سودانيز اون لاين
د.حسين عمر عثمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




– وجهة نظر
في تاريخ الشعوب، كثيرًا ما تتحوّل السلطة من أداة لبناء الأوطان إلى أداة لتمزيقها، خصوصًا حين تطول فترة بقاء الأنظمة في الحكم، وتصبح الأولوية حماية المصالح والأيديولوجيات الضيّقة على حساب الثوابت الوطنية. وحين تتآكل القيم الوطنية لصالح نزعات الهيمنة، تتحوّل الدولة إلى ساحة تجريب لسياسات مرتجلة وقرارات انفعالية، تؤدّي في النهاية إلى انهيار الاقتصاد، وتفكّك المجتمع، وضعف مؤسسات الدولة. تجربة السودان في عهد النظام البائد، الذي استمر قرابة ثلاثين عامًا، واحدة من أكثر الأمثلة مأساوية على ذلك؛ فقد جُرِّبت كل السياسات الممكنة وغير الممكنة، من الشعارات الثورية إلى التمكين السياسي، لكن النتيجة كانت كارثية: تفاقمت الأزمات الاقتصادية، انهارت قيمة العملة، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة، اندلعت الحروب الأهلية، وانتهى الأمر بانفصال الجنوب وتدهور البنية المؤسسية للدولة، بينما ظلّ الوطن يدفع الثمن حتى بعد سقوط النظام. هذه المأساة ليست حكرًا على السودان وحده؛ فالتاريخ الحديث مليء بأنظمة أطالت البقاء حتى سمّمت أوطانها. في زيمبابوي، حكم روبرت موغابي لأكثر من ثلاثين عامًا تحت شعارات التحرّر والمساواة، لكن سياساته الكارثية أدّت إلى انهيار الأمن الغذائي، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية جعلت الدولار الزيمبابوي بلا قيمة، فانهار الاقتصاد وتبدّد حلم الاستقرار. وفي ليبيا، حوّل معمر القذافي الدولة إلى مختبر لتجارب سياسية غريبة عبر *"الكتاب الأخضر"*، فتمّ إقصاء الكفاءات وتفكيك المؤسسات، وحين سقط النظام، وجدت البلاد نفسها غارقة في فوضى سلاح وصراعات لا تنتهي. القاسم المشترك بين هذه التجارب جميعًا هو غياب الرؤية الوطنية طويلة المدى، حيث تتحوّل الأيديولوجيات إلى أداة للصراع لا وسيلة للبناء، ويتم إضعاف مؤسسات الدولة لحساب الحاكم الفرد، وتُهمَّش الكفاءات لصالح الولاءات الضيّقة، بينما تنشغل الأنظمة بشراء الوقت بدلًا من بناء المستقبل. وبدلًا من الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، تُبدَّد الموارد في صراعات سياسية داخلية ومغامرات خارجية، لتجد الأوطان نفسها في نهاية المطاف أمام انهيار اقتصادي، وانقسام اجتماعي، وفقدان الثقة بين المواطن والدولة. إن تجربة السودان وتجارب غيره من الدول تؤكد حقيقة واحدة: حين تتحوّل السلطة إلى غاية في ذاتها، يصبح الوطن هو الضحية الأولى. فالثوابت الوطنية ليست شعارات يمكن التلاعب بها، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة الحديثة. وإذا لم تُبنَ السياسات على رؤية استراتيجية عابرة للأشخاص والأحزاب، فإن النتيجة الحتمية هي دولة هشّة مُنهَكة، غير قادرة على حماية شعبها أو الدفاع عن مصالحها. السودان اليوم يقف أمام لحظة فارقة: إمّا أن يستفيد من دروس الماضي ويعيد بناء مؤسساته على أسس من الشفافية والعدالة، أو يستمر في دوّامة الفوضى التي صنعتها أنظمة جعلت بقاءها أهمّ من بقاء الوطن.