Post: #1
Title: أيها الناس: اطمئنوا، حلايب لن تضيع! كتبه بدر موسى
Author: بدر موسى
Date: 08-27-2025, 05:04 AM
05:04 AM August, 27 2025 سودانيز اون لاين بدر موسى-USA مكتبتى رابط مختصر
استهلال ضروري في أوائل عقد الثمانينات من القرن الماضي، وعقب توقيع اتفاقية الحريات الأربع بين مصر والسودان، بمزاعم أنها اتفاقيات تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدولتين في مجالات حيوية تتعلق بحريات التنقل، والإقامة، والعمل، والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية، كانت قد رشحت وقتها التقارير التي تفيد بأن الأسباب الحقيقية وراء توقيع تلك الاتفاقية هو تخطيط حكومة مصر المستتر والرامي إلى تمليك المصريين للأراضي السودانية، تحت غطاء مزاعم تعزيز التعاون بين الدولتين. ولقد أخرج الأخوان الجمهوريون وقتها كتابا في نقد الاتفاقية صدر بعنوان (التكامل)، وللأسف لم أعثر على نسخة منه منشورة في موقع الفكرة الجمهورية alfikra.org الذي يحوي تقريباً جميع كتب ومراجع الفكرة الجمهورية، ولذا أنا مضطر إلى أن أكتب من الذاكرة. كتاب التكامل: لقد تناول الأخوان الجمهوريون موضوع اتفاقية الحريات الأربع في كتابهم بعنوان "التكامل" بشكل نقدي، حيث قدموا رؤيتهم حول العلاقة بين مصر والسودان والحاجة إلى تكامل حقيقي بين البلدين، وكانت من بين أهم النقاط الرئيسية التي تم تناولها الكتاب، تأكيد الروابط التاريخية والثقافية بين مصر والسودان، حيث فصلوا بأن هذه الروابط يجب أن تعزز من تكامل الشعوب بدلاً من الاكتفاء بالاتفاقيات الإدارية. وذكروا أن اتفاقية الحريات الأربع لم تكن كافية لتحقيق التكامل المطلوب، بل كانت مجرد خطوات إدارية سطحية، لا تعكس التفاعل العميق بين الشعبين. ودعا الأخوان الجمهوريون إلى أن يكون التكامل مستندًا إلى المبادئ الإنسانية والفكرية، وليس مجرد شكليات سياسية، مشددين على أهمية الاعتراف بالمصالح المشتركة والتعاون في المجالات الثقافية والاقتصادية بشكل أعمق. وأشاروا إلى أن التكامل يجب أن يمتد ليشمل جميع مجالات الحياة، بما في ذلك التعليم والثقافة والاقتصاد، لتحقيق الأهداف المنشودة للدولتين. لا بد مت رؤية استراتيجية شاملة وفي كتاب "التكامل"، عبر الأخوان الجمهوريون عن رؤيتهم التفصيلية حول العلاقة بين مصر والسودان، مشددين على أن اتفاقية الحريات الأربع ليست كافية وحدها لتحقيق التكامل الحقيقي، ويؤكدون ضرورة وجود رؤية شاملة تتجاوز الأبعاد السياسية لتشمل الجانب الثقافي والاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى النقاط الرئيسية للاتفاقية: ١- حرية التنقل: تمنح الاتفاقية مواطني كل من مصر والسودان الحق في التنقل بحرية بين الدولتين، مما يسهل حركة الأفراد. ٢- حرية الإقامة: يسمح للمواطنين من كل دولة بالإقامة في الدولة الأخرى دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرات محددة أو تصاريح خاصة. ٣- حرية العمل: تتيح الاتفاقية لمواطني الدولتين حق العمل في الدولة الأخرى، مما يعزز من فرص العمل ويشجع على تبادل الخبرات والعمالة. ٤- الحقوق السياسية: تعطي الاتفاقية حقوقًا للمواطنين في كل من الدولتين للمشاركة في الحياة السياسية للدولة الأخرى، مما يعزز من الاندماج بين الشعبين. تصحيح العلاقات: لقد كتبت في مقالي الأخير الذي نشرته بعنوان: (حول دعوة الأستاذ محمود محمد طه لتصحيح العلاقة بين السودان ومصر): (في عام ١٩٥٢ كتب الأستاذ محمود محمد طه إلى الرئيس المصري الجديد، محمد نجيب، عقب نجاح الضباط الأحرار في الإطاحة بالنظام الملكي ليقول له: «وشيء آخر نحب أن نشير إليه هو علاقة مصر بالسودان، فإنها قامت، ولا تزال تقوم على فهم سيء، فإن أنت استقبلتها بعقل القوي، تستطيع أن تبرئها من المطمع المستخفي، والعطف المستعلن، فإن السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع فيما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون». لقد ظل الدكتور عبد الله الفكي البشير يذكرنا دواما وأبداً برؤية الأستاذ محمود حول أهمية العلاقات السودانية المصرية، والتي لخصها في القول بأن بين السودان ومصر جوار جغرافي، وتاريخ مشترك طويل، ولهذا لا بد من تحرير هذه العلاقات الثنائية من الإرث السياسي، ومن الجهل بها، كعلاقات مصيرية، حيث لا بد لنا من بنائها على المصلحة المستقبلية للشعبين). انتهى مداولات الجمهوريين قبل إصدار كتاب التكامل: أذكر أنني قد حضرت وقتها جلسة مسائية عقدت في الساحة أمام منزل الأستاذ محمود محمد طه، بأمدرمان تم خلالها التداول الطويل بين تلاميذه من الجمهوريين والجمهوريات. والذين عبروا عن مخاوفهم الكبيرة من أن تنجح تلك الاتفاقية في تسهيل مؤامرة الحكومة المصرية للاستحواذ على الأراضي السودانية، والتي ظلوا طامعين فيها منذ عقود سحيقة. وقد كنت أحد أولئك المرعوبين من هذه الخطوة. وأذكر أن الجلسة انتهت إلى تكليف واحد أو بضعة من تلاميذ الأستاذ محمود، بالشروع فى كتابة الكتاب، ولكن، وقيل ختام الجلسة، قال الأستاذ محمود عبارات لا تزال تتردد في ذهني كلما بدرت بوادر تآمر الحكومات المصرية على أراضي وثروات السودان، حيث قال الأستاذ مطمئنا لنا، ما معناه، أن هذه البلاد محفوظة، ولن تنجح أي مؤامرات تستهدف حيازة أرضها، فليطمئن أبنائي وبناتي الجمهوريين والجمهوريات، ولا يستبد بهم الخوف، أو كما قال، وأرجو ممن يتذكر صحيح كلماته بدقة أكثر مني أن يصحح لي ويضبط العبارات. هذه عقيدتك، فأين الرؤية والأسباب الموضوعية ؟ وقد يقول لي قائل إن ما تقدم مجرد تعبير عن عقيدتي في صحة وصدق نبوءة قالها والدي ومرشدي الأستاذ محمود، وليست قراءة منطقية وموضوعية يمكن الاعتماد عليها، فهل هناك من الحقائق الموضوعية التي استند عليها في كتابة مقالي هذا تحت عنوان: أيها الناس: اطمئنوا، حلايب لن تضيع! ولهؤلاء أقول الآتي: إن الدولة المصرية تواجه بالفعل أزمة نقص الغذاء التي تهددها بالمجاعة، خاصة عند قراءة تفاقم مشكلة الانفجار السكاني فيها، الذي تزامن مع اندلاع الحرب الأوكرانية، منتجة القمح الذي تعتبر مصر المستورد الرئيسي له، وقد ارتفع سعره وتضاعف من جراء الحرب. ونحن نعلم أن مصر بصورة عامة تستورد سبعين في المائة من غذائها، وهذه الأزمة لن تجد لها حلا أسرع وأسهل من الوصول إلى اتفاق استراتيجي مع السودان، يمكن الدولتين من زراعة الأراضي الزراعية السودانية الشاسعة، ميسورة الري، وسهلة الزراعة، والتي تقدر بثلاثة أرباع اجمالي الأراضي السودانية، هذا بالإضافة إلى تطوير الثروة الحيوانيّة السودانية، ومنها أكثر من مائة مليون من الأبقار، علاوة على الجمال والخراف وغيرها. وبلا شك فإن الوصول إلى مثل هذه الاتفاقية الاستراتيجية سيمكن الدولتين من زيادة وتحسين الإنتاج، والذي لا بد أن يتطور إلى عدالة التوزيع، لتأخذ كل دولة نصيبها بالكامل، بما يرضي الله، ويحقق مصالح الشعبين. إن الوصول إلى مثل هذه العلاقات الاستراتيجية لا يمكن أن يتم تحت ظل تصاعد مشاعر ومظاهر العداءات، وبوادر ومؤشرات تنامي الأطماع المصرية في السودان. هذا هو المنطق الذي سيجعل مصر تعيد حساباتها وتتراجع عن احتلال حلايب، كما تراجع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من قبل. وهناك حقيقة موضوعية أخرى، لا بد أن حكومة مصر تعلمها. وهي تلك التي تتعلق بمشروعية حق البرهان في التنازل عن حلايب بهذه البساطة، وتحت الضغوط المصرية.
|
|