Post: #1
Title: القضاء على سرطان الكيزان: بصحيفة "مقصات" كلية الزراعة شمبات بدأنا … وعلى جدار الوطن نكتب الخاتمة
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 08-26-2025, 04:26 PM
04:26 PM August, 26 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
هذه شهادة للتاريخ، بدأت على جدار صحيفة حائطية في داخليات جامعة الخرطوم - شمبات، وها هي اليوم تُكتب على جدار الوطن كله…
القضاء على سرطان الكيزان: بصحيفة "مقصات" كلية الزراعة شمبات بدأنا … وعلى جدار الوطن نكتب الخاتمة د.احمد التيجاني سيد احمد
لم تكن صحيفة "مقصات" التي خططنا لها في كلية الزراعة – شمبات في منتصف ستينات القرن الماضي مجرد ورقة تُلصق على جدار، بل كانت مشروع وعي صغير يتطلع أن يكون جدارًا للوطن كله. كانت مقصات أقرب إلى مرآة كاشفة لأمراض السياسة السودانية المتوارثة، خصوصًا نزعات الشمولية التي تتدثر بشعارات الدين أو الثورة. كتبناها بروح الطرافة، لكننا قصدنا أن نضع في كل سطورٍ منها تحذيرًا مبكرًا من سرطانٍ سيتمدّد لاحقًا حتى يفتك بجسد السودان كله: الكيزان.
بدأنا من شمبات، ثم عبرنا قهوة النشاط وداخليات الطب، وصولًا إلى قاعة الصحف الحائطية الكبرى في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. هناك تلاقحت الأفكار وتصارعت التيارات، وهناك رأينا بأعيننا كيف يزرع الإسلامويون بذور مشروعهم تحت لافتة الدين، وكيف يتمدد الحزب الشيوعي بدوره تحت لافتة العدالة الاجتماعية. ومنذ ذلك الزمن البعيد، ترسخ يقيني أن السودان مقبل على مواجهة مع هذه الشموليات، لكن التجربة أثبتت لاحقًا أن الخطر الأكبر والأشد فتكًا كان سرطان الكيزان.
كيف زرعوا الفكرة؟ ومن موّل هذا السرطان؟ الإخوان المسلمون لم يهبطوا على السودان صدفة، بل جاؤوا محمّلين بمشروع عابر للحدود. في المدارس الابتدائية و الثانوية و الجامعات بدأوا، ثم تمددوا بدعم من أجهزة إقليمية: مصر الناصرية التي رأت فيهم كابحًا للشيوعية، والسعودية التي استثمرت فيهم لمواجهة المد القومي و الوعي الديني الحقيقي ، وإيران التي احتضنتهم لاحقًا عندما احتاجت إلى حليفٍ في أفريقيا. الدعم المالي والفكري كان واضحًا: منح دراسية، طباعة كتب، تمويل اتحادات، بل وحتى إرسال بعثات تدريبية. كل ذلك صنع أرضية جعلت الحركة الإسلاموية في السودان أكثر تماسكًا من غيرها في المنطقة.
انقلاب الليل: حين خطفوا الدولة باسم المشروع الحضاري في ليلة ٣٠ يونيو ١٩٨٩، خرجت الدبابات إلى شوارع الخرطوم. في الصباح، صحا السودانيون على بيانٍ عسكري لكن خلفه كانت الجبهة الإسلامية القومية. أطلقوا عليه لاحقًا "المشروع الحضاري"، و علي حكمهم "حكومة الإنقاذ" وهما عنوانان برّاقان يخفيان حقيقة واحدة: الاستيلاء الكامل على الدولة وتحويلها إلى أداة في يد التنظيم. تم استبدال الولاء للوطن بالولاء للتنظيم، واستبدلت الكفاءة بالمحسوبية، وأُفرغت الخدمة المدنية من موظفيها ليستبدلهم الإسلامويون بأعضائهم.
اقتصاد النهب: أين ذهبت مليارات النفط؟ حين تدفق النفط في أواخر التسعينات، اعتقد السودانيون أن عهد الرخاء قد حلّ. لكن الحقيقة أن عائدات النفط، التي تجاوزت تسعة مليارات دولار بين ١٩٩٩ و٢٠١١، تحولت إلى خزائن سرية، وشركات وهمية، وحسابات خارجية للمنظومة الشمولية العقائدية الشريرة . في المقابل انهارت مشاريع الوطن الكبرى: مشروع الجزيرة، السكة حديد، النقل الجوي ،النقل البحري و النهري، مصانع النسيج. لم يجنِ المواطن سوى التضخم والفقر، بينما تشكلت طبقة طفيلية جديدة تدير اقتصادًا موازيًا يخدم التنظيم وأذرعه الأمنية.
دم على أطراف الوطن: من دارفور إلى القيادة العامة الإسلامويون لم يكتفوا بنهب الثروة، بل أمعنوا في قتل المواطن. في دارفور، أشعلوا حربًا وصفتها الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية، راح ضحيتها مئات الآلاف، وهُجّر الملايين. في جبال النوبة والنيل الأزرق تكرر المشهد: قصف جوي، تجويع، تهجير قسري. وفي قلب الخرطوم، جاء المشهد الفاصل: مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو ٢٠١٩، حيث تمّت إبادة مئات الشباب الثائرين بدمٍ بارد. تلك كانت اللحظة التي رآها العالم عيانًا: طبيعة الكيزان لا تعرف إلا القتل والعنف. و كعهدهم اخفوا سمات الفاعل "" مليشيات الكيزان و الامن"" و البسوه أزياءا و ادوات نقل و قتل فجورا و بهتانا "قوات الدعم السريع. لكن -بعد فوات الاوان -عرف من هم الفاعلون بأدلة دامغة محفوظة للوقت المناسب و للقصاص العادل .
هل يمكن التفاوض مع وباء؟ جرّب السودان مرارًا أن يفاوض الكيزان: من نيفاشا، إلى الحوار الوطني، إلى تسويات ما بعد سقوط البشير. لكن النتيجة واحدة: كل مرة يعودون بوجه جديد، لكن بنفس العقلية. السؤال هنا: هل يُعقل أن تفاوض السرطان على أن يتوقف عن النمو؟ هل يمكن أن تعقد هدنة مع وباء؟ الكيزان ليسوا حزبًا سياسيًا بالمعنى المتعارف عليه؛ هم تنظيم عقائدي شمولي، يرى نفسه فوق الدولة وفوق المجتمع، و للمدقق فوق الله و فوق الإسلام ، ولا يلتزم إلا بفقه التمكين والاستحواذ.
القطيعة الكبرى: قضاء لا مهادنة الدرس الأهم أن لا خلاص إلا بالقطيعة الكاملة معهم. لا مجال للتسوية ولا للمصالحة. هذه ليست دعوة للانتقام، بل للشفاء. كما أن الطبيب لا يستطيع أن يعالج المريض إلا باستئصال الورم الخبيث، كذلك لا يمكن للسودان أن يتعافى إلا باجتثاث الحركة الإسلاموية من جذورها. أي محاولة لإبقاء هذا التنظيم في المشهد تعني ببساطة إعادة إنتاج الكارثة.
المستقبل الذي ننشده: سودان بلا كيزان تخيلوا سودانًا بلا كيزان: وطنٌ تُدار فيه الدولة بالمواطنة لا بالولاء التنظيمي. جيشٌ قومي لا مليشيات فيه. اقتصادٌ شفاف يُدار بالعلم والخبرة لا بالفساد والتمكين. هذا المستقبل ممكن، لكنه مرهون بجرأة السودانيين في إغلاق هذا الفصل القاتم من تاريخهم. سودان المستقبل يجب أن يقوم على الحرية والعدالة والكرامة، وأن يُبنى على أسس جديدة لا مكان فيها للاستبداد باسم الدين أو الأيديولوجيا.
خاتمة: شهادة للتاريخ من مقصات شمبات، مرورًا بقهوة النشاط وداخليات الطب، وصولًا إلى قاعة الصحف الحائطية الكبرى، بدأنا هذه الشهادة. واليوم، نكتب الخاتمة على جدار الوطن كله: الكيزان سرطان لا علاج له إلا البتر الكامل. هذه ليست قسوة، بل حكمة مستخلصة من تجربة طويلة ومريرة. سيذكر التاريخ أن السودانيين لم ينهضوا إلا حين تخلصوا من هذا الورم، وفتحوا الطريق إلى وطنٍ جديد.
كسرةً
أتحفتني اليوم في تقديم "بود كاست " جديد لها المحللة السياسية البارعة المرموقة الملتزمة الاستاذة رشا عوض بقولها: انا لازم كتاباتي تكون ضد الكيزان.هم خصوصا بعد هذه الحرب. اي كتابات ما متماهية مع سردية الكيزان لطبيعة الحرب و اهدافها و المسولين عن إشعالها هذه الكتابات يجب ان تصنف بانها متطرفة و خائنةً وعميلة و مدفوعة القيمة وارتزاق.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
عضو مؤسس في تحالف تأسيس
٢٦ اغسطس ٢٠٢٥ ؛ روما، إيطاليا.
المراجع • محمد سعيد القدال (١٩٩٢). الإسلام والسياسة في السودان: ١٩٦٤–١٩٨٩. بيروت: دار الجيل. • آدم الزين (٢٠٠١). الحركة الإسلامية السودانية: دائرة الضوء – خيوط الظلام. القاهرة: مركز الدراسات السودانية. • فتحي الضوء (٢٠١٢). بيت العنكبوت: أسرار الجهاز السري للحركة الإسلامية في السودان. القاهرة: شركة مدبولي. • منصور خالد (٢٠٠٣). النخبة السودانية وإدمان الفشل. بيروت: دار الأمين. • لجنة إزالة التمكين (٢٠١٩–٢٠٢١). تقارير رسمية منشورة. • الأمم المتحدة (٢٠٠٥–٢٠٠٩). تقارير لجنة تقصّي الحقائق حول دارفور. نيويورك: الأمم المتحدة. • المحكمة الجنائية الدولية (٢٠٠٩–٢٠٢١). ملفات القضايا ضد عمر البشير، أحمد هارون، علي كوشيب. • وزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) (٢٠٠١–٢٠٢٠). تقارير حول شبكات تمويل الإرهاب المرتبطة بالسودان. • Eric Reeves (2007). A Long Day’s Dying: Critical Moments in the Darfur Genocide. Key Publishing House Inc. • Alex de Waal (2009). The Real Politics of the Horn of Africa: Money, War and the Business of Power. Polity Press. • Gérard Prunier (2005). Darfur: The Ambiguous Genocide. Cornell University Press.
|
|