مسار القوى المدنية والمجتمع السوداني بين الحرب وإعادة إنتاج الاستبداد#

مسار القوى المدنية والمجتمع السوداني بين الحرب وإعادة إنتاج الاستبداد#


08-24-2025, 09:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1756066627&rn=0


Post: #1
Title: مسار القوى المدنية والمجتمع السوداني بين الحرب وإعادة إنتاج الاستبداد#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 08-24-2025, 09:17 PM

09:17 PM August, 24 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





أكتب هذه القراءة لا بوصفها توصيفًا سطحيًا للحرب الجارية، وإنما محاولة لتفكيك المسار الذي مرّ به المجتمع المدني السوداني في مواجهة أعقد أزمة سياسية وأمنية في تاريخه الحديث.
إن فهم هذا المسار لا ينفصل عن طبيعة الهندسة الإعلامية، والانهيار المؤسسي، واستغلال الإسلاميين للأزمة، وما ترتب على ذلك من تآكل للمساحة المدنية.

أولاً: التضليل الإعلامي واستقطاب الرأي العام

منذ اندلاع الحرب، سخّرت الأطراف المتحاربة – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – آلتها الإعلامية لإنتاج خطاب تعبوي يقوم على شيطنة الآخر وتقديم الذات باعتبارها "المدافع الوحيد عن الوطن".
تم استخدام لغة عاطفية مشحونة بالوطنية والكبرياء والمقاومة، ما جعل أي صوت ينادي بالسلام أو يوجه نقدًا متوازنًا يُتهم بالخيانة أو التواطؤ. تحوّل السؤال الجوهري من كيف نوقف هذه الحرب العبثية؟ إلى مع من أنت؟.
ثانيًا: الانهيار المؤسسي وفراغ الحماية

مع انهيار مؤسسات الدولة وتفكك سلطة القانون، أصبح المدنيون مكشوفين أمام العنف والنهب والانتهاكات، خصوصًا في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
هذا الانكشاف خلق حاجة جمعية إلى أي قوة تحمي، حتى وإن كانت حماية وهمية أو ناقصة. وهكذا بدا الجيش، رغم تاريخه المثقل بالأزمات، الملاذ الوحيد الممكن، في إطار "الاختيار القسري" بين السيئ والأسوأ.

ثالثًا: الاستغلال السياسي والهندسة الاجتماعية (دور الإسلاميين)

أدركت الحركة الإسلامية، بقايا المؤتمر الوطني داخل أجهزة الدولة والجيش، أن الحرب يمكن أن تُستخدم كأداة لإعادة إنتاج سلطتها.
فمن خلال خطابها الإعلامي وشبكاتها التنظيمية، دفعت باتجاه اصطفاف المجتمع حول الجيش، وصورت الدعم السريع كعدو أوحد، مع تغييب حقيقة دورها في صناعة هذه المليشيا وتعزيز نفوذها سابقًا.
الهدف كان واضحًا: صناعة أزمة كبرى تُغلق أمام المدنيين أبواب الديمقراطية، وتفتح الباب لعودة الحكم العسكري الأمني باعتباره "الخيار الواقعي الوحيد".
رابعًا: تآكل المساحة المدنية وإقصاء الصوت العقلاني
في مناخ الاستقطاب، تراجعت قوى الثورة التي قادت انتفاضة 2019. تم اتهام النقابات، والمثقفين، والناشطين الذين حاولوا تبني خطاب وسطي بالخيانة أو الضعف. هذا القمع المعنوي ترافق مع التهديدات المباشرة
ما أدى إلى شلل الحراك المدني وانقسامه بين معسكرين أو دخوله في صمت قسري. النتيجة: احتكر الخطاب العسكري الساحة العامة وأُقصي الخطاب المدني العقلاني.
خامسًا: الحرب كأداة لإعادة التشكيل السياسي
لم تكن الحرب مجرد انفجار تلقائي للتوترات، بل كانت خيارًا استراتيجيًا لقوى داخل النظام القديم. عبر إشعالها:
تم تدمير التحالف المدني الثوري الذي أطاح بالبشير.
أُجبر المجتمع على الاصطفاف داخل معسكرات متناحرة.

تحوّل النقاش من مساءلة النظام القديم إلى صراع وجودي للبقاء.
أُعيد إنتاج شرعية جديدة قوامها "الدفاع عن الوطن" بدلًا من الشرعية الديمقراطية.

حرب الاستبداد ضد المجتمع
لقد تحولت الحرب إلى أداة لإعادة إنتاج النظام القديم بلبوس جديد، حيث استُخدم الألم والمعاناة كوقود لإدامة السلطة.
إن ما يفسر صعوبة الوصول إلى حل سياسي اليوم هو أن بعض القوى لا ترى في الحرب كارثة وطنية بل تراها بوابتها الوحيدة للبقاء.
وهكذا تظل القوى المدنية والمجتمع السوداني أمام معركة مزدوجة: معركة ضد الحرب بوصفها جحيمًا مادّيًا، ومعركة ضد الاستبداد بوصفه جحيمًا معنويًا.