Post: #1
Title: على عبدالعزيز آدم الحلو عدم توريط الجيش الشعبي في مغامراته السياسية الفاشلة... كتبه عبدالغني بريش ف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 08-23-2025, 05:06 AM
05:06 AM August, 23 2025 سودانيز اون لاين عبدالغني بريش فيوف -USA مكتبتى رابط مختصر
إذا حاولنا استدعاء التاريخ السوداني عبر عدسته الأكثر صدقا، سنجد أن الجيش الشعبي لتحرير السودان لم يكن يوما مجرد تنظيم عسكري تقليدي، بل جاء كعصارة لتراكم طويل من جراحات ومآسي السواد الأعظم من الشعب. جيش خرج من رحم القهر والتهميش، فصار صوتا للعدالة وراية للحرية، كل بندقية فيه هي حكاية جرح لا يندمل، وكل جندي فيه هو حلم منسي بأيام أجمل في وطن مذبوح بين منشار القهر وسكين أهواء السياسيين. أربعون عاما وزيادة، والجيش الشعبي يحيا، يُقاتل، يُحاصر، يُفاوض، يَقبل الهزيمة بشرف وينتزع النصر بكرامة، اسمه ارتبط بالطهرانية النضالية، حتى أصبح مثالا يُضرب به لدى الشعوب التي تبحث عن كفاح حر ونظيف، فهل يجوز لهذا الكيان الذي يحمل إرث الثورة، أن يتحول فجأة إلى ميليشيا مرتزقة أو أداة في يد الطامحين إلى الصفقات؟ الجيش الشعبي لم يكن يوما جيشا تقليديا، بل إنه ُبني من كل حواف المجتمع السوداني الهامشي، حصيلة دموع الأمهات، صبر الآباء، ثورة الشباب، وتضحيات الأجيال المتعاقبة، عبر أكثر من أربعين عاما، صمد في وجه الأنظمة الشمولية، قدّم أكثر مما أخذ، وبقي اسمه مرادفا للعزة والثبات والبسالة النادرة. اليوم وللأسف الشديد، يجد الجيش الشعبي نفسه موضوعا للمغامرة من قبل قائده عبدالعزيز آدم الحلو، الذي أبرم اتفاقا مع ميليشيا الدعم السريع (الجنجويد)، سيئة الذكر، مطالبا الجيش الشعبي بالدخول في مواجهة عسكرية إلى جانب قوى كانت ولا تزال الوجه الآخر للبؤس والشقاء السوداني. هكذا إذن، بدأت الحكاية، عندما قرر القائد عبدالعزيز الحلو، تحويل هذا الهيكل المقدس إلى وسيلة في مغامرات سياسية شخصية، إذ أن كل من يعرف تاريخ الجيش الشعبي، يعلم أنه ليس ملكا لأي قائد مهما علا شأنه أو ازدادت رتبته أو صفق له الإعلام. إن الجيش الشعبي أكبر من الأفراد، وأعمق من اللحظة، وأطهر من أي مناورة لا تحترم جوهر النضال. رفيقي العزيز.. عندما نقول، الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، لا نقصد شلة حول طاولة، بل نتحدث عن إرث فكري وأخلاقي بنته القواعد على مدى عقود، من جنوب السودان إلى النيل الأزرق إلى جبال النوبة، مرورا بقراها ومدنها، تشكلت رؤية في الوعي، تقوم على أن يكون النضال نظيفا أو لا يكون، إذ أن قواعد الحركة الشعبية، ليست مزاجية، ولا تتبع طيفا عابرا، بل تحمل قوام العقد الأخلاقي والميثاق الثوري، والذي به كُتب اسم الجيش الشعبي بأحرف من دم وعرق. وعندما يحاول القائد عبدالعزيز الحلو، أن يقفز فوق هذه القواعد، مستغلا اسمه أو موقعه أو سلطته، فهو يخوض مغامرة لا يدفع ثمنها سوى جنود الجيش الشعبي أنفسهم، وأسرهم ومدنهم ودمائهم وأحلامهم، لتتحول الثورة إلى تجارة، وتتحول الوطنية إلى سلعة، وتتحول قضايا المهمشين إلى أوراق تفاوض ضمن أجندة شخصية لا تصنع الحدث سوى على جثة الثورة نفسها. إنها من السخرية، أن يحاول القائد عبدالعزيز الحلو، مقايضة دماء جنود الجيش الشعبي على طاولة مع الجنجويد، أولئك الذين ارتبط اسمهم بكل المجازر وحملات الإبادة والحرق والسرقة والاغتصاب التي عرفها تاريخ السودان الحديث. من ذا الذي يصدق أن قائد الحركة الشعبية، سيقف في لحظة فارقة ليصافح قادة الجنجويد، ويطلب بعذر أقبح من ذنب، أن يقاتل الجيش الشعبي جنبا إلى جنب مع ميليشيا الدعم السريع، متجاهلا كل الدماء المراقة على أيادِ هؤلاء؟ هل ننسى أبدا أن الجنجويد كانوا قبل سنوات يداهمون بيوت الهامش، يخطفون الأطفال، يحرقون القرى، ويهتفون على أنقاض الأرواح والانتهاكات، وهل يمكن لأي قائد يحترم إرث الثورة أن يجعل الجيش الشعبي ألعوبة في يد هؤلاء المجرمين؟ عزيزي القارئ.. الأسوأ ليس في الاتفاق ذاته، بل في النتائج الكارثية التي قد تترتب عليه،، حصار الفاشر، وتجويع الدلينج وكادوقلي، مدن تمثل قلب الهوية السودانية، وحين يقرر الجيش الشعبي المشاركة في حصار هذه المدن، لتحقيق أهداف لا علاقة لها بجوهر القضية الثورية، فإننا أمام فضيحة أخلاقية وسياسية لا يمكن أن تعالج بكلمات تجميلية، إنه سقوط في الممارسة وخيانة للعقيدة التي أسست الجيش الشعبي. أي ثورة تلك التي تبدأ بقتل أطفال وحصار عجائز وتجويع سكان مدن من أجل مكاسب سياسية ضيقة؟ أي قائد هذا الذي لا يعرف أن الدم السوداني غال، وأن حصار المدن لا يصنع أبطالا بل يولّد مجرمين، وأن التاريخ لن يغفر هذه الخطيئة، مهما حاولت الأقلام المرتزقة أن تطمس معالمها. لا أحد يُنكر على عبدالعزيز الحلو تاريخه في الحركة الشعبية، ولا أحد يشكك في دوره في الدفاع عن الهامش في وقت من الأوقات، لكن المسألة تتجاوز الأفراد، فحياة الشعوب لا تحتمل المغامرات الفردية، ولا تقبل أن يكون النضال مرهونا برهانات القائد الشخصية. الحقيقة البسيطة، هي أن الحلو في لحظة غرور أو يأس، قرر أن الجيش الشعبي، بكل تاريخه وتضحياته، هو أداة في يده لصفقة لا تليق، ومغامرة شخصية ترفضها قواعد الحركة الشعبية، وهنا، تحول الحلو من رمز إلى مغامر، ومن زعيم إلى تاجر، ويصبح الحديث عن الثورة مسببا للاستعصاء على الضمير الجمعي. الجيد في الأمر، ومع جنون اللحظة واندفاع المغامرة، تبقى قواعد الحركة الشعبية صامدة كجدار الحقيقة، قواعد يعرفها كل من جالس أرامل المناضلين، ورافق أرجل الجنود المجروحة، وأكل خبز البسطاء في الأرياف، وعاش وهم الحلم الثوري في مخيمات النازحين، هؤلاء لا ينسون حقيقة الجيش الشعبي، ولا يتخلون عن قواعد النضال النظيف، ويرفضون اليوم وبكل شجاعة أن ينجر الجيش الشعبي إلى مغامرات سياسية لا علاقة لها بالثورة ولا بالمبادئ. صوت القواعد يقول بوضوح، نحن أصحاب القضية، ولسنا حراس طاولة المقامرين، نحن الجيش الشعبي، نقدم أرواحنا للحرية وللعدالة وللمساواة، لا لننتصر للجنجويد ولا لنحاصر مدنا ولا لنبيع قضيتنا في سوق السياسة الرخيصة. إن الجيش الشعبي، بما يحمله من تراكمات تجربة، وبما يعبر به عن القيم العليا، ليس جيشا مأجورا ولا ميليشيا في خدمة المغامرين، إنه قوة أخلاقية قبل أن يكون قوة عسكرية، يحمل إرث نسل الثورة السودانية، ويميّز بين المشاركة في المعارك الكفاحية وبين التورط في صفقات لا تطابق معايير النضال الثوري النظيف. أي محاولة لاستخدام الجيش الشعبي في تحالفات مشبوهة، أو في عمليات عسكرية تخدم أجندات الجنجويد أو تقايض حياة السودانيين في مدن الهامش مقابل مكاسب شخصية، هي تزييف للوعي الجمعي وخيانة عظمى لقضية النضال. كل الثورات تمر بامتحان المبادئ والمصالح، ويُعرف القائد الحق حين يختار الأصعب، الإخلاص للمبدأ ولو أدى للسقوط، لا المقايضة والمراوغة. عبدالعزيز الحلو، اليوم على مفترق طريق، إمّا أن يعود إلى صوت القواعد النقية ويعيد الجيش الشعبي إلى مساره الأخلاقي، أو يستمر في تحالفه مع الجنجويد، فتكون النهاية سقوطا مدويّا في سجل النضال الثوري. الضمير الثوري يُذبح حين تُقدّم الدماء قربانا على مذبح الطموح السياسي، وعندما تضيع المدن في لعبة الحصار، ويصبح الأطفال الذين لم يعرفوا سوى الخوف مجرد بيادق في لعبة الزعيم، لا أحد يملك هذا الحق، ولا شيء في الدنيا يمنح للقائد سلطة أن يُسقط الثورة من عليائها. التاريخ قاس جدا مع الساقطين، ولا يرحم من يسيء للرموز أو يمد اليد بصفقة على جثث الأبرياء. الجيش الشعبي ولد من رحم الكفاح، ولا يليق به أن يكون أداة في يد المغامرين. سقوط عبدالعزيز الحلو في فخ الجنجويد ليس مأساة لشخصه فقط، بل يمثل سقوطا مدوّيا لأخلاق النضال، ولمفهوم الثورة ككل، ويمثل سقطة لن يغفرها لا التاريخ ولا الأمهات ولا ذاكرة السودان. في نهاية المطاف، يبقى الجيش الشعبي لتحرير السودان أكبر من الأشخاص، وأسمى من لحظة طيش أو صفقة عابرة. لقد سطر أبطاله عبر سنوات الكفاح معاني التضحية والصمود، وحملوا أحلام المهمشين على أكتافهم، متحدّين الرياح العاتية والأنظمة المستبدة، ومؤمنين بأن النضال لا يقبل المساومات ولا التحالفات الملوّثة، فالزعيم الحقيقي هو من يصغي لصوت شعبه، ومن يحفظ دماء رفاقه ولا يساوم عليها في مزاد السياسة أو لعبة المصالح. إن الرهان على المبادئ وحدها هو خيار الثوار الحقيقيين، وما يميز الثورة عن غيرها، هو قدرتها على مقاومة الإغراءات والانتصار للقيم الأصيلة، حتى لو كانت الطريق أكثر صعوبة وأشد ألما، فالتاريخ لن يتوقف عند مغامرات القادة أو اختيارات الفرد، بل سيحكم على الجميع من خلال تلك اللحظة الفاصلة: هل انتصرنا للدماء الزكية وأصوات المقهورين، أم بعنا الحلم الكبير في سوق الزعامات الزائفة؟ واجب الجيش الشعبي وقواعد الحركة الشعبية اليوم، استعادة البوصلة الأخلاقية للتنظيم، ورفض كل محاولات توريط الجيش الشعبي في معارك لا تخدم القضية الأصلية، لأن السير على نهج المبادئ وتصحيح المسار هو الوفاء الحقيقي لدماء المناضلين والجرحى والأمهات الثكالى. ستظل الثورة حية ما دام هناك من يتمسك بقيمها دون مساومة، أما من يختار الطريق الآخر، فسيبقى مجرد عابر في ذاكرة وطن جريح لا يعرف النسيان ولا يسامح الخيانة، لأن النضال من أجل الحقوق المسلوبة، ليس مجرد حكاية أبطال، بل إرث ثوري متراكم، وما ضاع حق وراءه مطالبون، وما انتصر الطغيان على إرادة الحياة.
|
|