Post: #1
Title: الإسلاميون وصناعة الحرب في السودان- مشروع بقاء لا مشروع دولة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 08-19-2025, 02:00 PM
02:00 PM August, 19 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
منذ اندلاع الحرب في السودان، رُوِّج لها في الخطاب الرسمي على أنها معركة بين "الجيش الوطني" وقوات الدعم السريع. لكن خلف هذه الرواية المكرّسة، تتكشف صورة أكثر تعقيداً مشروع إسلاموي أعاد ترتيب أوراقه عبر تفكيك الدولة من الداخل، وتحويل مؤسساتها إلى أدوات حرب وفوضى. الحقيقة أن ما يجري ليس مجرد تنازع مسلح، بل صراع وجودي بين مشروع إسلاموي يستمد بقاءه من العنف والهيمنة الأيديولوجية، ومشروع مدني يحاول إنقاذ فكرة "السودان الوطن" من التلاشي. دولة مختطفة ومؤسسات مشوّهة الإسلاميون لم يكتفوا بالهيمنة السياسية، بل مارسوا ما يمكن تسميته بـ الهندسة العكسية للدولة. الجيش تحوّل إلى غطاء قانوني للمليشيات، بعد أن جرى إخضاعه لولاءات أيديولوجية أفقدته طبيعته الوطنية. المخابرات صارت جهازاً قمعياً بحتاً، موجهاً لمراقبة الخصوم وتجنيد المليشيات. الاقتصاد أُعيد توجيهه لتمويل الحرب، عبر شبكات تهريب الذهب وصفقات السلاح الخارجية، فيما استُخدم الفقر كأداة لتجنيد الشباب برواتب تفوق دخل الموظف الحكومي. مليشيات بوجه إسلامي إلى جانب الجيش والأمن، أنشأ الإسلاميون شبكة من المليشيات المتعددة الأسماء، لكنها تشترك في وظيفة واحدة: تدمير المجتمع وضمان استدامة الفوضى.
"فيلق البراء" يتلقى دعماً إيرانياً/تركياً وينفذ ضربات بالطائرات المسيّرة.
"كتائب العمل الخاص" قادت حملات تطهير عرقي في دارفور وكردفان.
"أسود العرين" ارتبطت بقطر وتخصصت في قمع المظاهرات.
"لواء النخبة" مارس الاغتيالات والتفجيرات بتدريب خارجي.
إلى جانب السلاح التقليدي، لجأت هذه المليشيات إلى الحرب الإلكترونية لاختراق حسابات النشطاء وتجميل صورتها إعلامياً.
مشروع يتجاوز الحدود
الصراع الذي يعيشه السودان ليس محلياً فقط، بل جزء من مشروع جيوسياسي متشابك:
إيران تسعى لموطئ قدم في البحر الأحمر عبر تسليح المليشيات.
تركيا تقدم تدريباً حربياً لمقاتلي "البراء" في تكتيكات المدن.
أطراف مناوئة للغرب تجد في السودان منصة لتصدير الفوضى إلى الإقليم.
وفي الداخل، أُفرغت مؤسسات الدولة من دورها الطبيعي في الصحة والتعليم، ليفسح المجال أمام المليشيات لتقديم خدمات بديلة تعزز ولاء السكان.
المستقبل المعلّق بين ثلاثة سيناريوهات
المشهد السوداني مفتوح على ثلاثة احتمالات:
أسود- انزلاق نحو "صوملة" طويلة الأمد، بحرب أهلية لا نهاية لها.
رمادي - تقسيم فعلي للبلاد إلى كيانات متصارعة (شمال إسلامي/جنوب علماني).
أبيض - انتفاضة شعبية مدعومة إقليمياً تنجح في تجريد الإسلاميين من السلاح وإعادة بناء الدولة (وهو السيناريو الأضعف حتى الآن).
الحرب كإستراتيجية للبقاء
الخلاصة أن الإسلاميين لا يخوضون هذه الحرب من أجل الانتصار العسكري، بل من أجل إدامة بقائهم السياسي.
هم يدمرون أي أفق لدولة مدنية بدعوى "محاربة العلمانية".
يحولون الجيش إلى واجهة تخفي سلطة المليشيات.
ويستثمرون في الفوضى باعتبارها مصدر ثراء ونفوذ.
الصراع إذن يتجاوز ثنائية "جيش" و"دعم سريع"، ليصبح مواجهة بين مشروعين:
مشروع إسلاموي يرى الدولة غنيمة والسلطة حقاً دينياً.
ومشروع مدني يحاول إنقاذ السودان من الانهيار.
توصيات ورؤية للخروج
المساءلة الدولية: لا يمكن لأي حديث عن سلام أن ينجح من دون محاسبة حقيقية لمرتكبي الجرائم والانتهاكات.
تفكيك شبكات التمويل: يجب استهداف اقتصاد الحرب عبر عقوبات ذكية تلاحق شبكات الذهب والموارد التي تموّل المليشيات.
دعم القوى المدنية: المجتمع الدولي والإقليمي مدعو لتقوية المؤسسات المدنية والنقابات والحركات الشبابية، باعتبارها صمام أمان المستقبل.
حوار وطني شامل: يتطلب الخروج من الأزمة عقداً اجتماعياً جديداً، يقطع الطريق أمام الإسلاميين في استخدام الدين كطوطم للهيمنة، ويعيد تعريف الدولة على أسس المواطنة لا الولاءات الأيديولوجية.
|
|