Post: #1
Title: مأساة السودان: النخبة التي خانت ذاتها ولعنة الكيزان كتبه د. احمد التيجاني سيد احمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 08-18-2025, 01:52 PM
01:52 PM August, 18 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
١. خواطر من ندوة النور حمد حضرت ندوة د. النور حمد عبر منصة Clubhouse يوم ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ بعنوان: «هل سنقايض وقف الحرب بوأد الثورة؟». على مدى أربع ساعات، كان الرجل منسقًا في الطرح، متسقًا في الاستماع، صبورًا على المداخلات. لكن بعض المشاركين من الكيزان، لم يجدوا سوى الهجوم مع الشتائم الكيزانية المعتادة والفاحشة احيانا. أما المثقفون السودانيون، فقد ظلّت مداخلاتهم كعادتهم أسيرة الأمنيات الطيبة، بلا خيال سياسي أو برنامج عملي. هنا يتجدد السؤال المرّ: هل تغيّرت النخبة السودانية منذ أن وصفها منصور خالد قبل نصف قرن بأنها صفوة عاجزة عن الفعل، خانت ذاتها وارتضت العيش على هامش التاريخ؟
٢. منصور خالد: من «حوار مع الصفوة» إلى The Government They Deserve منصور خالد كان أول من صاغ هذا التشخيص بجرأة ووضوح. فمنذ كتابه المبكر «حوار مع الصفوة» (١٩٧٤)(١) وحتى عمله الأشمل بالإنجليزية The Government They Deserve: The Role of the Elite in Sudan’s Political Evolution (1990)(٢)، ظل يؤكد أن مأساة السودان لم تكن في عوامه، بل في نخبته السياسية والفكرية. نخبة أصابها العجز والكسل، وتهرّبت من مسؤولية بناء وطن على أسس كوشية-نوبية–أفريقية أصيلة، فانشغلت بالأهواء الحزبية الضيقة والأيديولوجيات المستوردة.
٣. تاريخ الأحزاب وخيانة الديمقراطية في عام ١٩٥٨، سلّم عبد الله خليل، رئيس الوزراء وزعيم حزب الأمة، السلطة للجيش(٣). وفي ١٩٦٩، كان انقسام الأحزاب وتآمر النخب بوابة انقلاب مايو بقيادة جعفر نميري(٤). ثم جاء ١٩٨٩، حين تحالفت الحركة الإسلامية مع الجيش في انقلاب الكيزان(٥)، الذي أرسى مشروع التمكين على أنقاض الدولة الوطنية.
هكذا، لم تسقط الأحزاب وحدها، بل سقط معها جيل كامل من المثقفين الذين لم يجرؤوا تماما على مواجهة ذواتهم.
٤. الجيش من مؤسسة وطنية إلى أداة أيديولوجية منذ انقلاب الكيزان، تحوّل الجيش من مؤسسة وطنية يُفترض فيها الحياد إلى ذراع أيديولوجي للحركة الإسلامية: - أُعيدت صياغة عقيدته العسكرية لتخدم التمكين. - أُقيم جهاز أمني عقائدي متغوّل. - زُرعت المليشيات: الدفاع الشعبي، المجاهدون، الجنجويد، وصولًا إلى الدعم السريع(٦).
بهذا، تلاشت الأخلاق الوطنية لصالح ثقافة الحرب والتكفير.
٥. المثقفون: جهل اختياري وخيانة للذات المثقفون السودانيون، في أغلبهم، مارسوا جهلًا اختياريًا: - تجاهلوا هويتهم الكوشية-النوبية–الأفريقية الأصيلة. - ارتموا في أحضان عروبة زائفة لا تعترف بهم، وإسلام سياسي دخيل لا ينتمي إلى تربتهم. - باعوا ذواتهم بثمن بخس، ففتحوا الباب لثقافة الكراهية والتشظي.
ومع ذلك، لا بد من الإنصاف. فليس جميع المثقفين السودانيين كانوا أسرى العجز والجهل الاختياري. فقد ظهرت عبر العقود أصوات مضيئة تركت أثرًا ملموسًا في الدفاع عن القيم الوطنية، وفي فضح الاستبداد، وفي إسناد الحركات الشعبية. ولعلّي أشرت في مقالي السابق «هذا عام الرزايا» إلى بعض هذه الشواهد الإيجابية، التي تؤكد أن المشهد لم يكن معتمًا بالكامل. غير أن هذه الجهود المخلصة، رغم أهميتها، لم تكن كافية لوقف انهيار المشروع الوطني أمام سيل التواطؤ والخذلان الذي شكّل القاعدة العريضة لسلوك النخب.
٦. لعنة الكيزان الكيزان لم يسرقوا السلطة فحسب، بل اغتالوا الأخلاق الوطنية. - رسخوا التشظي السياسي والقبلي. - حوّلوا الوطن إلى ساحة مليشيات وقتلة. - أفسدوا فكرة "الوطن" نفسها، حتى صارت الحرب الأهلية قدرًا يتجدد.
لقد تركوا جيلًا بلا مرجعيات، وجعلوا السودان في حالة انهيار دائم.
٧. بارقة الأمل رغم كل ذلك، ظل الأمل السوداني يتوهج في ثوراته الشابة ضد حكم العسكر: من أكتوبر ١٩٦٤، إلى أبريل ١٩٨٥، إلى ديسمبر ٢٠١٨. واليوم، يتجلى الأمل عبر مؤسسات تسعى معًا ومن خلال النخب السياسية والمهنية والمدنية المكوِّنة لتحالف التأسيس — وقد انخرطت فيها قوى مسلحة كقوات الدعم السريع، وحركة عبد العزيز الحلو، والحركات الأخرى — لبناء مشروع وطني بديل. إذا نجح هذا المسعى، سيكون هو الخلاص الحقيقي: الانتقال من دولة ١٩٥٦ الموروثة والمأزومة، إلى غدٍ جديد مُشرق يليق بالسودان وتاريخه.
٨. خاتمة: الحرب الفاصلة اليوم نقف على مفترق طرق. إما أن نواصل حتى التحرير الكامل من إرث الكيزان وخيانة النخب، وإما أن نتبخر كالماء في هواء الانقسامات التي لا تنتهي.
قد يصيب هذا المقال مقتلاً عند البعض، وقد يتبخر كالماء عند البعض الآخر. لكن الحقيقة تظل: مأساة السودان لم تكن يومًا في عوامه، بل في نخبه التي خانت ذاتها، وفتحت أبواب الجحيم على وطنٍ كان يمكن أن يكون عظيمًا بلا مُوازي.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد عضو مؤسس في تحالف تأسيس التاريخ: ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا
المراجع 1. منصور خالد، «حوار مع الصفوة»، الخرطوم، ١٩٧٤.
2. Mansour Khalid, The Government They Deserve: The Role of the Elite in Sudan’s Political Evolution, Kegan Paul International, London and New York, 1990.
3. انقلاب ١٩٥٨ بقيادة الفريق إبراهيم عبود بعد تسليم السلطة من رئيس الوزراء عبد الله خليل.
4. انقلاب مايو ١٩٦٩ بقيادة جعفر نميري بدعم من قوى يسارية وقومية.
5. انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ بقيادة عمر البشير وتحالفه مع الجبهة الإسلامية القومية.
6. تأسيس قوات الدفاع الشعبي (١٩٨٩)، وبروز مليشيات الجنجويد في مطلع الألفية، ثم قوات الدعم السريع (٢٠١٣).
🔎" تمت الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تحقيق الوقايع و الخلاصات"
|
|