Post: #1
Title: الوعي والأخلاق أكثر ما ينقصنا كتبه كمال الهِدَي
Author: كمال الهدي
Date: 08-15-2025, 02:06 PM
02:06 PM August, 15 2025 سودانيز اون لاين كمال الهدي-عمان مكتبتى رابط مختصر
تأمُلات
رضينا أم أبينا، نحن شعب حباه الله بثروات وموارد يحسدنا عليها الكثيرون، لكننا فشلنا في أن نصنع لأنفسنا بلداً نفاخر به الآخرين، والسبب ليس أطماعاً ومؤامرات خارجية كما ندعي.
بل لأننا شعبٌ يركن إلى ماضيٍ جُله عبارة عن شعارات وأغانٍ حماسية، كما أننا نعيش حالات انفصام تستوجب العلاج.
فنحن ضد تنظيم سياسي بعينه، ويمكن أن يضحي شبابنا بأرواحهم من أجل إزاحته، لكننا لا نمانع في التعامل مع أفراد هذا التنظيم الإجرامي بكل ود، ونقبلهم في مجالسنا ونرحب بهم ترحيباً حاراً تحت دعاوى " تسامح السودانيين" ، بينما هو في الواقع نفاقٌ اجتماعي.
ضعف القيادة والوعي الشعبي ساستنا يجيدون الخطابة وإطلاق العبارات الرنانة المُلهبة للحماس، لكن ما إن تأتيهم فرصة التغيير الحقيقي وتجنيب البلد المزيد من المخاطر، يجبنون ويتقاعسون، والأعذار والمبررات دائماً جاهزة.
فهم من شدة خوفهم المزعوم علينا، يريدون أن يحافظوا على دمائنا، لكنهم في الواقع يساهمون في سفك المزيد منه بقصر نظر بعضهم وانتهازية أكثرهم.
إذاً، ثمة أزمةُ أخلاقٍ لا نريد الاعتراف بها، والأدلة على ذلك على قفا من يشيل.
صحيح أن الكيزان، أسوأ خلق الله على هذه البسيطة، قد حكموا البلاد لعقودٍ طويلة عملوا خلالها على إفساد خلق الله، لكنهم وجدونا شعباً هيناً وضعيف التمسك بأخلاقه وقيمه، ولذلك نجحوا في مسعاهم.
وإلا، فكيف قسموا الأحزاب والحركات المسلحة للعشرات وربما المئات بتلك السهولة؟
وكيف وجدوا المئات من الإعلاميين الرخيصين لخدمة أغراضهم الدنيئة، لولا ضعف الوازع الديني والأخلاقي لدينا؟
ألم يكن بإمكاننا مُحاصرة هؤلاء الإعلاميين المُتكسبين، الذين أضاعوا أجيالاً كاملة بالتضليل وتغبيش الوعي، ولفظهم ونبذهم حتى يرعووا؟
لم نفعل ذلك بالطبع، بل قبلناهم وسطنا - وما زلنا- بالرغم من كل هذه الأهوال، تحت دعاوى "إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" ، مع أننا نعلم في قرارة أنفسنا أنهم يؤيدون قتلة ومجرمين ولصوصاً ومفسدين لأنهم يتكسبون من وراء ذلك، وليس للأمر أي علاقة بإختلاف الرأي. أفلا يعد ذلك ضعف أخلاقٍ؟
الانتهازية والمال السياسي نرفض الكيزان وفسادهم في العلن، لكن لا مانع عندنا من أن يغدق أتفه كوز على مؤسساتنا الرياضية والفنية وغيرها. وهنا تختلط الانتهازية وضعف الأخلاق بضعف الوعي، لأن هؤلاء المفسدين ينفقون على مؤسساتنا من أموالٍ يحققونها من مواردنا، بينما نهلل للواحد منهم، ويحتشد حوله الأرزقية لكتابة ما يضلل الناس كعبارات من شاكلة " الرجل ينفق من حر ماله"!
حتى حميدتي، المجرم الذي صنعه الكيزان لقتل أهلنا في دارفور وحرق قراهم ومدنهم، وجد الآلاف، وربما الملايين، ممن هللوا له لأنه صرف عليهم - من موارد البلد أيضاً، لا من أموال ورثها عن أجداده - ثم بعد أن اشتعلت حرب الكيزان وجنجويدهم، انقلب عليه أصدقاء الأمس ليصفونه بأبشع الصفات. وهذه الفئة تشمل سياسيين معروفين، زعماء إدارات أهلة، عسكريين، إعلاميين، إداريي أندية كرة ومواطنيين عاديين، فأين أخلاق السودانيين التي نتكلم عنها، بالله عليكم؟!
أزمة الأخلاق والوعي وسط المثقفين أما ضعف الوعي والانتهازية فهما متفشيان وسط أكثرنا تعليماً، فمع كل الدمار والموت اللذين لحقا بنا جراء حرب عبثية بين الكيزان وأداتهم التي صنعوها لمثل هذا اليوم، تجد انقساماً بين معسكرين: أحدهما يناصر الكيزان تحت ستار الجيش، والآخر يدعم الجنجويد صنيعة الكيزان أنفسهم.
الأول يزعم إنها حرب كرامة ووجود، والثاني يردد بغباء أن القضاء على دولة ٥٦ واجب وطني. والمثير للاشمئزاز والقرف أن جل المستنيرين الذين يرددون مثل هذه الأسطوانة المشروخة، ممن تعلموا وحصلوا على المنح الدراسية الخارجية، وعلموا أولادهم ورعوهم وعالجوهم تحت مظلة دولة ٥٦ هذه.
إذاً هي أزمة أخلاق ووعي لا أكثر، وكل ما يردده الكثيرون مبررات لا تدخل عقل طفلٍ غض.
الانفصام الاجتماعي وحتمية التغيير كما أن حالة الانفصام التي نعيشها لا تحتاج لرفع الضوء، فمن يستعيد شريط ذكريات أيام اعتصام القيادة، وكيف كان الشباب يتضافرون وينظمون كل شيء ويحرصون على حياة وممتلكات بعضهم، ويقارن ذلك بما ظللنا نشهده منذ بدء هذه الحرب من وحشية وجشع وطمع واستغلال وتكسب على حساب أرواح الناس، يظن أننا نتناول شعبين من عالمين محتلفين لا يربط بينهما رابط.
فكيف نريد لهذه الحرب أن تتوقف، وكيف نمنع التدخلات الإقليمية والدولية - المتوقعة أصلاً – ونحن لا نريد أن نغير ما بأنفسنا؟
|
|