Post: #1
Title: مايكروسوفت.. فساد الثقة وغياب الشفافية كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 08-12-2025, 11:53 PM
11:53 PM August, 12 2025 سودانيز اون لاين د. ياسر محجوب الحسين-UK مكتبتى رابط مختصر
أمواج ناعمة
في زمنٍ يُسوَّق فيه للتكنولوجيا على أنها قوة لتحسين حياة البشر، تكشف الحقائق الميدانية أن ذات الشركات التي نضع بين أيديها بياناتنا الشخصية قد تتحول إلى أدوات مراقبة جماعية، بل وحتى إلى شركاء في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. أحدث الأمثلة على ذلك هو تورط شركة مايكروسوفت في دعم الوحدة 8200 الإسرائيلية، وهي وحدة الاستخبارات الإلكترونية التابعة لجيش الإحتلال الإسرائيلي، في مشروع ضخم لتسجيل وتخزين مكالمات الفلسطينيين، بما يصل إلى 200 مليون ساعة من التسجيلات الصوتية.
وأفادت تحقيقات مشتركة أجرتها الغارديان البريطانية ومجلة +972 وAl وشبكة الجزيرة الإخبارية بأن التعاون بين مايكروسوفت والوحدة 8200 قد بدأ أواخر عام 2021 بعد اجتماع بين قائد الوحدة، يوسي سارييل، والرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، ساتيا ناديلا. المشروع أتاح للوحدة بيئة تخزين ومعالجة داخل سحابة أزور Azure التابعة لمايكروسوفت، مكّنتها من أرشفة ما يصل لنحو ألف مكالمة في الساعة، ليبلغ المخزون بحلول يوليو 2025 حوالي 11,500 تيرابايت — ما يعادل 200 مليون ساعة من المكالمات.
المصادر الداخلية كشفت أن هذه البيانات استُخدمت في التخطيط لضربات جوية، وعمليات اعتقال، وابتزاز أفراد، في حين تصر مايكروسوفت على أنها لم تكن تعلم بمحتوى المكالمات، وأن الهدف كان “تعزيز الأمن السيبراني”. لكن حجم المشروع ونطاقه يثيران تساؤلات جدية حول حدود جهل الشركة الفعلي أو رغبتها في غض الطرف.
هذه الحادثة ليست استثناءً. في السنوات الأخيرة، تورطت شركات تقنية كبرى في تعاونات مثيرة للجدل فقد تعرضت قوقل Google لانتقادات لاذ بسبب مشروع مافن Maven لتطوير تقنيات التعرف على الصور لأغراض عسكرية لصالح وزارة الدفاع الأمريكية. كذلك واجهت ميتا #### المالكة لتطبيقات مثل فيسبوك وواتساب فضيحة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica التي كشفت استغلال بيانات مئات الملايين من المستخدمين في التأثير على الانتخابات. كما أتهمت أمازون Amazon بتسهيل المراقبة الميدانية من خلال شبكة كاميرات رنق Ring المتصلة بالشرطة الأمريكية.
هذه الأمثلة غيض من فيض والتي تكشف أن ما يُسمى بـ “رأسمالية المراقبة” لا تتوقف عند جمع البيانات لأغراض تجارية، بل قد تتحول إلى شراكات استراتيجية مع الحكومات، بما في ذلك الأنظمة التي لديها سجل حافل في انتهاكات حقوق الإنسان.
من الناحية النظرية، توجد أطر قانونية لمساءلة الشركات العابرة للحدود عن أفعالها، لكن الواقع يظهر أن هذه الأطر غالبًا ما تُشلّ بفعل النفوذ الاقتصادي لهذه الشركات، الذي يمنحها القدرة على الضغط على الحكومات. وكذلك تمويلها للأحزاب والسياسيين بشكل مباشر أو غير مباشر. فضلا عن اعتماد الدول على خدماتها في البنية التحتية الرقمية والأمنية، ما يجعل محاسبتها محفوفة بالمخاطر. حتى بعض المنظمات الدولية، التي يُفترض أن تكون محايدة، قد تتأثر بالضغوط السياسية والمالية، وهو ما يضعف قدرتها على فرض المساءلة المستقلة.
السؤال الملح هنا والمستفز أيضا: إذا كان الأمن القومي يُستخدم ذريعة لتبرير المراقبة الشاملة، فمتى يصبح الأمن نفسه أداة لتدمير الحريات؟ إن غياب الشفافية يحوّل شركات التقنية من مزوّدي خدمات إلى شركاء في الانتهاكات، بل وأحيانًا إلى صانعي القرار في حياة وموت الأفراد، دون أي تفويض شعبي أو رقابة حقيقية.
التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب خطوات جذرية بعضها سيظل أمرا نظريا مثل: تشريعات دولية ملزمة لفرض الشفافية الكاملة على عقود التعاون بين الشركات والحكومات. وكذلك إفصاح علني عن طبيعة البيانات المخزنة وأغراض استخدامها. إضافة إلى إنشاء هيئات رقابية مستقلة بتمويل محمي من التدخل السياسي. أما الحل الواقعي الذي يمكن الوثوق فيه هو رفع الوعي الرقمي لدى المستخدمين حول مخاطر تسليم بياناتهم بلا مساءلة.
إن فضيحة مايكروسوفت ليست حادثا معزولا، بل حلقة في سلسلة طويلة من الشراكات المظلمة بين التكنولوجيا والسلطة. وفي عالم تحكمه الأموال وتقيد فيه العدالة بخيوط النفوذ، تصبح مسؤولية كشف هذه الممارسات ونشر الوعي بها واجبًا أخلاقيا لا يقل أهمية عن أي قانون أو حكم قضائي.
للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة): https://shorturl.at/YcqOh
|
|