Post: #1
Title: القيم تصنع الأوطان قبل الجيوش: سلطنات وممالك دارفور نموذجًا كتبه د. حسين عمر عثمان
Author: د.حسين عمر عثمان
Date: 08-11-2025, 03:54 AM
03:54 AM August, 10 2025 سودانيز اون لاين د.حسين عمر عثمان-السودان مكتبتى رابط مختصر
– وجهة نظر لكل من يسعى إلى تأسيس حكومة او إعادة بناء دولة، أن الدول لا تقوم بالحديد والنار والقتل والسرقة، بل تقوم على القيم والأخلاق، وتستمر بالحب والسلام، وتنهض بالعدل والمساواة. هذه حقائق أثبتها التاريخ، وأكدتها تجارب الأمم، ويشهد بها ماضي السودان قبل حاضره. منذ فجر التاريخ، كانت القيم الإنسانية هي العمود الفقري الذي قامت عليه الممالك والسلطنات في السودان، لا سيما في دارفور، بل وفي أنحاء القارة الإفريقية وغيرها. هذه القيم ـ المتمثلة في الحب، والسلام، والعدل، واحترام كرامة الإنسان ـ لم تكن مجرد شعارات، بل كانت واقعًا معاشًا يلتف حوله الناس، وتأتي الهجرات والقبائل لتؤسس الحضارات. وعندما ننظر إلى النهضة الأوروبية الحديثة، نجد أنها بدورها قامت على أساس القيم: العدل، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان. وهي القيم نفسها التي قامت عليها الممالك السودانية قديمًا، وهو ما جعل أوروبا المعاصرة جاذبة للشباب الطامحين إلى مستقبل أفضل، خاصة من الدول النامية. الفارق أن تلك القيم هناك تُترجم إلى مؤسسات حقيقية تحفظ الحقوق وتحقق الأمان. وفي تاريخ السودان والعالم، كانت سلطنة الفور مثالًا ناصعًا ؛ فقد عُرفت هذه السلطنة بدورها الحضاري والديني المرموق، ومن أبرز ما قدمته للمسلمين إرسال المحمل وكسوة الكعبة، وهو عمل رسّخ مكانتها في وجدان المسلمين وأهل السودان، والتف حولها الناس. وكذلك سلطنة المساليت التي وحّد الفكي إسماعيل صفوف الناس بما تحلّت به من عدل وأمان، وسلطنة القمر، وسلطنة الزغاوة، وغيرها. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فالسلطنات والممالك والنظارات في دارفور كثيرة، وكلها كيانات تاريخية صهرت شعوبًا وقبائل متعددة في بوتقة واحدة من السلم والتعايش. حتى النُّظّار والمشيخات في ديار الزريقات، والتعايشة، والبني هلبة، والفلاتة، وغيرها، كانت تقوم على مبادئ الأمن والأمان، وتحظى بإجماع الناس وتعايشهم معها، لأنها حافظت على القيم التي تمنح الإنسان الطمأنينة والاحترام. إن تأسيس أي دولة أو حكومة على أسس تبتعد عن القيم، والأخلاق، والحب، والعدل، والمساواة، والسلام، هو مشروع فاشل منذ بدايته. فالدولة ليست مجرد مؤسسات وسلطات، بل هي رابطة أخلاقية ومعنوية بين الحاكم والمحكوم. والإنسان بطبعه كائن اجتماعي يبحث عن الأمان والسلام والاستقرار، فإذا فُقدت هذه القيم انهارت الدول، مهما بلغت قوتها المادية أو العسكرية. تاريخ الأمم حافل بالأمثلة على ذلك؛ فالحكومات التي انهارت كانت بسبب فقدانها البوصلة الأخلاقية. وحتى في تاريخنا القريب في السودان، لم تسقط حكومة المؤتمر الوطني إلا بعد أن نخر الفساد جسدها، وابتعدت عن قيم العدل والشفافية وخدمة الناس. لهذا، فإن أي محاولة لتأسيس حكومة أو دولة بعيدًا عن منظومة القيم التي قامت عليها الممالك والسلطنات التاريخية، ستكون عاجزة عن جمع الناس حولها؛ لأن من لا يملك القيم لن يقدر على صناعة وحدة وطنية حقيقية. إن درس التاريخ واضح، لا يقبل التأويل: لا نهضة بلا قيم، ولا دولة بلا أخلاق، ولا استقرار بلا حب وسلام.
|
|