زيارة القاهرة والنقطة السوداء كتبه د. ياسر محجوب الحسين

زيارة القاهرة والنقطة السوداء كتبه د. ياسر محجوب الحسين


08-10-2025, 04:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1754797000&rn=0


Post: #1
Title: زيارة القاهرة والنقطة السوداء كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 08-10-2025, 04:36 AM

04:36 AM August, 09 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة











في أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، اختار رئيس الوزراء السوداني الجديد القاهرة وجهة أولى، في تقليد يعكس مركزية العلاقة مع مصر في العقل الاستراتيجي السوداني، باعتبارها شريكا أساسيا في قضايا الأمن الإقليمي والاستقرار والتكامل الاقتصادي. الأمر الذي يقتضي اهتماما متبادلا متساوي القدر.



فرغم ثبات هذا المسار من الجانب السوداني، يظل التفاعل المصري على المستوى الرئاسي محدودا، ما يثير تساؤلات حول موازنة الاهتمام، خاصة في الأزمات المصيرية. زيارة من الرئيس المصري إلى بورتسودان، العاصمة المؤقتة، كانت ستشكل رسالة قوية بدعم الشرعية السودانية وتعزيز استقرار الحكومة الحالية وربما التأثير في المعادلة السياسية داخليًا وإقليميًا.



لكن المطلوب من زيارة رئيس الوزراء هذه المرة أن تتجاوز المجاملات إلى مواقف واضحة ونتائج ملموسة. فالسودان يحتاج من مصر موقفا حاسما غير متلجلج بدعم الحكومة الشرعية ورفض جرائم مليشيا الدعم السريع، لما تمثله من تهديد لوحدة السودان وللأمن القومي المصري. كما ينبغي بحث تفعيل مشاريع التكامل، وعلى رأسها اتفاقية “الحريات الأربع” (حرية الحركة، التملك، الإقامة، والعمل) بصورة عملية، مع مساهمة مصرية مباشرة في إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات للمناطق المتضررة. هذه هي الشراكة الحقيقية التي تبني على المصالح المتبادلة وتوظف إمكانات البلدين لصالح شعبيهما.



يقف السودان اليوم على مفترق طرق ومستقبل غامض بسبب تداعيات هذه الحرب المفروضة على البلاد. الضرر لم يقتصر على تدمير البنية التحتية، بل شمل انهيار نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى مستويات تهدد بالتقسيم الفعلي.



إعادة البناء تتطلب - حسب تقديرات بعض الخبراء - ما لا يقل عن 195 مليار دولار، لكن المال وحده غير كافٍ. هناك حاجة لخطة شاملة تركز على دعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والحيوانية وزيادة الصادرات، إعادة بناء الصحة والتعليم وتوفير شبكة أمان اجتماعي واسعة، حماية الاستثمار بتهيئة بيئة آمنة للمستثمرين المحليين والأجانب، وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وفق أعلى المعايير.



وفي خضم هذه التحديات، أثار تصريح رئيس الوزراء عن وجود “طابور خامس” داخل مؤسسات الدولة القلق، لأنه يوحي بالاكتفاء بالشكوى لا بالفعل، في وقت تحتاج فيه البلاد لقرارات حاسمة. المعركة الأخطر قد تدور في قلب أجهزة الحكم، وإذا بقي الجهاز التنفيذي على الهامش، ستصبح الدولة بلا قيادة وسط العاصفة. هنا، تقع المسؤولية على رئيس مجلس السيادة لتجاوز حالة الجمود وضمان وجود يد تمسك بالدفة.

ومع ذلك، فإن انتقاد رئيس الوزراء في بعض الأحيان يأتي بدافع الإشفاق عليه ودعمه، خاصة وأن مسيرته في بدايتها، بما يمنحه فرصة لتدارك القصور قبل استفحال الأخطاء، لا بقصد النيل منه أو إحباطه.



غير أن النقطة السوداء في هذه الزيارة كانت الصمت المخجل تجاه اعتقال السلطات المصرية لقائد لواء البراء، الذي دخل القاهرة بتأشيرة نظامية للعلاج وزيارة أسرته. اعتقاله المفاجئ وربما الفظ وتعمد الغموض بشأنه يستوجبان استفسارا رسميا، خاصة أنه شخصية مؤثرة في الحرب ضد مليشيا الدعم السريع، وقواته لعبت دورا بارزا في معركة الكرامة. وبغض النظر عن مكانته العسكرية، فهو مواطن سوداني يتمتع بحقوق الإنسان، والحكومة السودانية هي الجهة الوحيدة القادرة على مطالبة القاهرة بتوضيح، خصوصا مع وجود رئيس الوزراء هناك في زيارة رسمية. وهنا يجب الإشارة إلى تقدير السودانيين لأخوتهم في مصر لوقوفهم معهم في محنتهم واحتضان اعداد مهولة من السودانيين كانوا قد لجوء إلى مصر.



إن العلاقات السودانية المصرية ليست ترفا سياسيا، بل ضرورة وجودية لكلا البلدين. وكلما تراجعت هذه العلاقة إلى الهامش، دفعت شعوب وادي النيل الثمن غاليًا. هذه الزيارة، رغم رمزيتها، تمثل اختبارا حقيقيا لمتانة الروابط وصدق الالتزامات، والقدرة على تحويل التاريخ والجغرافيا المشتركة إلى أفق جديد من العمل المشترك والدعم المتبادل.



للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب سلسلة (أمواج ناعمة): https://shorturl.at/YcqOh