يسـوع الرب الشافي كتبه إيليا أرومي كوكو

يسـوع الرب الشافي كتبه إيليا أرومي كوكو


08-08-2025, 07:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1754677484&rn=0


Post: #1
Title: يسـوع الرب الشافي كتبه إيليا أرومي كوكو
Author: ايليا أرومي كوكو
Date: 08-08-2025, 07:24 PM

07:24 PM August, 08 2025

سودانيز اون لاين
ايليا أرومي كوكو-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




يســـــــــــوع
الرب الشافي

الجزء الاول

إيليا أرومي كوكو





يســـــــــــوع
الرب الشافي

الجزء الاول


إيليا أرومي كوكو
نوفمبر 2024 م
الابيض – السودان

المحتويات
الصفحة
المقدمة 5
1- يسوع المسيح طبيبك الخاص 8
2 - الابرص 13
3- غلام قائد المئة 18
4 الرجل المشلول 23
5- المرأة نازفة الدم 28
6- اقامة ابنة يايرس 32
7 - بارتيماوس الاعمي 39
8- أبنة الكنعانية 45
9- الأصم الأعقد 50
10- مجنون كورة الجدبيين 54
11 – المولود أعمي 59
12 - المرأة المنحنية 65
13 – المعلم نيقوديموس 69
14 – المرأة السامرية 76
15 – المرأة الزانية 82
16 – العشرة البرص 86 17 – مريم المجدلية 91










الاهداء
الي كل مريض يأن تحت وطئ المرض
اياً كان مرضك جسدي نفسي روحي
أدعوك أسرع تعال الي الرب يسوع المسيح
لأنه هو طبيبك الخاص والرب الشافي















المقدمة

اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ، يغفر ذنوبهم ويكفر عن اثامهم . يسوع الذي هو هو أمس واليوم والي الابد ، وفي كل حين واقف علي باب قلبك يقرع ، فهل تفتح له قلبك وتسلمه كل حياتك ؟ . فهو يقول لك أنت شخصياً بأسمك في سفر الرؤيا :
( هانذا واقف علي الباب اقرع ان سمع احدٌ صوتي وفتح لي الباب ، أدخل اليه واتعشي معه ) سفر الرؤيا 2:3
ان يسوع هذا هو طبيبك الشخصي الخاص، انه طبيبك الخاص وهو طلبل كل الناس لآنه الرب الشافي وبالاحري هو طبيبك وطبيب اسرتك وأهل بيتك . وهو يمكن ان يكون طبيب بلدك ووطنك لأنه طبيب كل العالم : . فقد جاء ليخلص العالم ويشفيه من الأمراض الجسدية والنفسية والروحية . لأنه الطبيب الاله وهو الرب المشير العجيب الغريب المدهش ، وهو الرب المحب الرحيم الغفور ، لأنه الرب المجيب المستجيب القادر المستطيع الذي يستطيع كل شيئ ولا يعسر عليه أمر .
وليس من مرض خطير قاتل ولا داء عضال مضني . او أي وباء وبال فتاك كارثيٌ كان أياً أسمه او سمه ما تشاء يصعب او يستحيل عليه ابراه وشفاه في الحال بأيمانك به . فما الذي تشتكي منه في جسدك وبدنك من اسقام او حتي من أثام فهو ايضاً يشفي من الأثام والخطايا يغفرها كلها . والامراض الروحيه النفسية والارواح الشريرة الساكنة داخلك يخرجها منك ويطردها بعيداً عنك . أن كنت تشتكي من الحزن والكأبة والاحباط او من القلق والاضطراب النفسي والتشأم و حتي من الزهايمر مرض الكبر والكهولة والعجز البدني الروحي ستجد فيه الرب المعين الذي بقدرته يجدد مثل النسر شبابك . مهما كان نوع مرضك أو أمراضك ومن أي انوع من انواع الامراض الشتي او الامراض العادية المعروفة كالملاريا والزكام او حتي الامراض الخبيثة الخطر ة كأمراض البرص والجزام والدرن والجرب . او الامراض العصرية كالسكري والسرطان والايدز او الكوفيد 19 . ان الرب يسوع المسيح هو ايضاً طبيب مختص في أمراض الطفولة السته وغيرها من أمراض النساء والرجال كالعقم و الحرمان من الولادة والانجاب وتشوهات الاجنة . اليه اشير لك بالذهاب اليه مقابلته لأنه وحده هو طبيبك الخاص يسوع ، وهو القادر علي شفائك من كل داء ابرائك من الامراض جميعاً . فمتي اتيه وزرته مؤمناً به . ان أتيته باكياً شاكياً أعطاك ما تريد وتحتاج وتطلب منه . لأنه هو القائل : ( لايحتاج الاصحاء الي طبيب بل المرضي ) متي 9 : 12 بهذا فهو يعيد ويكرر التأكيد لك ولغيرك أنه طبيبك الخاص والشخصي جداً .
ويسوع هذا ليس بمعطي الشفاء فقط لكنه هو رب الحياة . الذي يعطي لا الحياة فحسب بل يمنح الحياة الافضل ويهبها مجاناً للذين يريدون حسب وعده : فهو القائل : ( واما انا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم الافضل ). يوحنا 10 : 10
وتلك الحياة الافضل هي الحياة السليمة الصحيحة الجيدة الخالية من تشوهات الامراض الجسدية والروحية معاً . لأنه من يهب الحياة المعفية من والعناء والتعب ، . والحياة التي يمنحها لك هي الحياة التي لا تعتريها او تشوبها الاحزان ، لأنه هو الروح المعزي الذي يعزيك ويسليك وينسيك الهموم كلها . هو الرب الذي يعطيك الحياة الطاهرة الصافية النقية من الادران الروحية والارواح الشريرة يزجرها ويطردها بعيداً . وهو القادر ان يعوضك عن السنين التي أكلها الجراد .لأنه يستبدل المشاكل والازمات والحروب بالفرح والسلام وألأطمئنان . حقاً هذا هو طبيبك الخاص الذي اسمه يسوع فهل عرفته ؟ .
يسوع هذا هو الرب الكلمة الذي كان منذ الازل عند الاب ، فمنذ البدء كان هو الكلمة عند الله . والكلمة جاءات في ملء الزمان ليخلص شعبه من خطاياهم واوزارهم وكل شرورهم و ما يعتريهم من كل التشوهات الجسدية والنفسية والروحية .
يقول الكتاب المقدس عنه في لوقا . جاء يسوع الي الناصرة حيث كان قد تربي . ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ . فدفع اليه سفر اشعياء النبي . ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوب فيه . ( روح السيد الرب عليَ لأنه مسحني لأبشر المساكين ، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب ، لأنادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر ، وأرسل المنسحقين في الحرية ، واكرز بسنة الرب المقبولة ) . 4 : 16 - 19
يسوع هو الصديق الالزق لكل من يحتاجه في كل الاوقات مهما كانت تلك الاوقات صعبةُ وعصيةٌ او قاسية . فما عليك الا أن تستدعيه وستجده ، وفي أي مكان وزمان تناديه سيأتيك حيث أنت. لأنه هو ملء كل الازمنة السحيقة الماضية القديمة او العصرية الجديدة الحديثة كما ستجده في المستقبل الاتي . يسوع هذا موجود في كل مكان علي أديم سطح الكرة الارضية حيثما وجد الانسان فهو موجود ليلبي النداء ويستجيب الاستغاثة . أنه رب وسيد كل الاكوان واله كل الازمان المخاص بكل المهمات في كل الأوقات في اليسر والعسر . في الشدة والرخاء وعند الضيق هو الفرج العظيم فقط أدعوه وهو قريب جداً سامع لك بل مستعد ان يلبي ندائك الان !. وهو الوحيد القادر ان يستجيب لكل طلباتك مهما كنت تراها صعبة وعصية عليك ومستحيلة وغير مستطاعة . ولا ريب ان كل من دعوه نالوا ما كل ما كانوا يبتغون ولم يخزوا ابداً بل رأت وجوههم النور واستنارت قلبوهم لأنه هو نور العالم .
سيبقي المرض دائماً هو عدو الانسان اللدود ولا غرابة ان قالوا : واصفين المرض ( بالسلطان ) . وعند فراش المرض يتساوي الجميع فهو في ألامه واوجاعه لا يفرز بين الكبير والصغير ولا يفرق بين الرئيس والخفير او الغني والفقير فالناس في ساعة المرض أسوياء . فالمرض لايعرف الملك الجالس علي كرسي العرش ولايخشاه أو يهابه . كما أن المرض أيضاً لا يستثني خادم الملك الواقف عند باب قصره ولا يهاب رب قصره. كما انه يطال الجميع الاغنياء مهما كثرت أموالهم والفقراء المعدمين من كفاف يومهم .
عليه فان كنت فقيراً معدماً لكنك تتمتع بالصحة والعافية فأنت غني وملك نفسك المتوج علي عرش ذاتك . أنت بالصحة والعافية ثري وغني بل أنت ملكاً بحق . لأن الصحة تاج علي رؤس الاصحاء لا يراه الا المرضي . هذا كما يقول المثل. نعم الصحة نعمة وبركة من نعم الله وبركاته الكثيرة الجزيلة التي يمنحها لبعض عباده . وعلي هذه النعمة والعطية السماوية المجانية يحسد الاغيناء الاثرياء من الملوك والسلاطين والرؤساء يحسدون الفقراء المساكين المعدمين يحسدونهم علي الصحة والعافية التي يتمتعون بها رغم فقرهم . الصحة والعافية قيمة غالية لا تقدر بثمن وعلي من يتمتعون به يجب عليهم المحافظة عليها ما أمكن الي ذلك سبيلاً ، كما عليهم واجب شكر الله شكراً كثيراً حميلاً اناء الليل واثناء النهار .
اذا يقول الكتاب المقدس في انجيل متي 4: 23 – 24 . وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، يشفي كل مرضي وكل ضعف في الشعب . فذاع خبره في جميع سورية . فأحضروا اليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة ، و المجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم . متي 4 : 23 - 24
فاياً كنت ايها الانسان ومهما كان مقامك وموقعك أنت بحاجة للقاء الرب يسوع المسيح وجهاً لوجه لتتعرف به شخصياً . انه يدعو الجميع دون فرز لأي لون او لغة وقبيلة ولسان او جنس وطائفة كان او انتماء فالجميع مدعوين للقاء ومقابلة وورؤية الرب يسوع . لأنه كل الذين رأوه استنارت وجوههم و ابيضت قلوبهم وتغيرت حياتهم الي الافضل . وللمغلوبين المضطهدين المعذين في الارض ينادي يسوع عليهم قائلاً ( تعالوا اليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الاهمال وانا أريحكم . أحملوا نيري عليكم وتعلموا مني ، لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم . لأن نيري هين وحمل خفيفٌ ) متي 11 : 28 – 30
فاسرع تعال يا ايها انسان لا تتردد ولا تبطيئ في الخطي بل اسرع بالمجيئ الي يسوع طبيبك الخاص . هذا الامر مهم جداً وجاد لكي لا يفوتك الفرصة الثمينة فقد آن الاوان . نأكد لك القول مجدداً عند يسوع ستجد الدواء لكل داء وستنال الشفاء من كل مرض فتاك عضال في الجسد والنفس والروح .
وهو ايضاً يعدك وعده ووعد صادق أمين فلا تأجل اللقاء به ولا تتردد . فأنت تستحق ان تكون معه الان في هذا العالم متمتعاً بالصحة والعافية الوقتية وان تكون معه ايضاً في مجده وملكوته الاتي في المستقبل بحسب قوله الحق .
( اما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً ان يصيروا أولأد الله أي المؤمنين بأسمه يوحنا 1: 13
























يسوع طبيبك الخاص

فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين
بأمراض مختلفة ، والمصابين بأمراض
وأوجاع مختلفة ، والمجانين والمصروعين
والمفلوجين ، فشفاهم . متي 4 : 24

في مستهل بدء يسوع المسيح عمله وتعالميه العلانية . فقد صاحبت تلك التعاليم دورات تدريبية للتلاميذ وايام علاجية مجانية للجموع . وهذا ما جعل كل تعاليمه فريدة ومميزة عن غيره من المعلمين اليهود ومن الكهنة ورؤساء الشعب . فهذه التعاليم العملية الجديدة التي أتي بها المعلم يسوع ، لفتت أنظار الجماهير المتعطشة الي هذا النوع العلمي العملي التطبيقي الفعلي . وهذا ما جعل هؤلاء الجماهير تأتي اليه من مناطق الشمال في الجليل ومن اليهودية وأورشليم بل حتي من نواحي سوريا ولبنان والاردن . كانت الجموع تتقاطر وتتدافع صوب يسوع طالبين الايمان العملي الروحي النوعي لأنهم كانوا بحاجة شديد لمثل هذا النوع من ايات الشفاء التي كانت تجري علي يدي يسوع بقوة وسلطان.
لم يكن ليسوع مدرسة خاصة للتعليم العلمي الادبي الاكاديمي ، ولا كان له مجمع خاص به او كلية لاهوت للوعظ والتبشير ولا جامعة عليا لعلوم الطب والهندسة . كما لم يكن يملك مشفاً او عيادةٌ خاصة به لأجراء العمليات والمعجزات وآيات الشفاء . لم يحتاج المعلم يوماً الي مكان معين لممارسة تعاليمه ونشر اخباره الساره لجموع الناس المتدافعة اليه من كل حدب وصوب لحظة بلحظه .
اتخذ الطبيب الرب يسوع المسيح احياناً من الهيكل والمجامع اليهودية أماكن مناسبة للقاء الجماهير وتعليمهم وتسديد كافة احتياجاتهم . وكان المعلم العظيم والطبيب الاعظم يسوع يعرف ويعي جيداً كل الحاجات الروحية والجسدية التي يرغبها ويريدها هؤلاء قبل أن يتقدموا بطلباتهم . كما كان يدرك السر العظيم المعلن فيه مسبقاً لأعلان مجد الله للناس كافة عبر تعاليمه التي كشفت للبشر محبة اللة للأنسان . فبالرغم من عصيان الأنسان لله وتمرده ضد شرائعه ونوامسيه . فقد كان الانسان ولا يزال عدواً لنفسه ولله . وهذا ما جعل علاقة الانسان بالله في تنافر بينما علاقته مع الابليس أشبه بالعلاقة التحالفية ضد الله . شكل هذا الابليس المسمي بالشيطان او الحية القديمة وهو ايضاً عدو كل خير و فرح او سلام للأنسان مع الله . فقد تمكن الشيطان من خلق وبناء جدار فاصل وتمكن من تشييد سور عظيم حول هذا الانسان تفصله عن خالقه المحب الذي يريد له الخير والصلاح . وسيبقي حب الله للأنسان حب ابدي ثابت لا يتزحزح ولا يتراجع او يتقهقر الي الوراء . وهذا تأكيداً لقوله : ( محبة ابدية أحببتك لذلك أدمت لك الرحمة ) . وستظل محبة الله اللانهائية و رحمته الازلية قائمة ثاببةُ للأنسان كما ستظل وشائجها وعراها قوية ومتينة في كل الازمان الي ابد الدهور . بل سيبقي حماية الله للأنسان مبدأ ثابت لا يستطيع الشيطان ان يزعزعه او ينال منه . وستبقي تلكم العلاقة القوية ترس وخوذة منيعة قوية بل جدار سد منيع تتكسر وتتحطم عندها كل سهام الشرير الملتهبة الغادرة .
فمنذ ان أخطأ الانسان في شخصي ابينا أدم و أمنا حواء وطردا من الجنة عقاباً لجرمهما وتعديهما السافر لوصية الله . بخطأ الانسان وأقدامه علي هذا العصيان والتمرد استحق الانسان الموت . ( لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا ) .
فالله سبق ان قال لأدم وحواء عند بدء الخليقة في سفر التكوين كما يلي :
وأوصي الرب الاله أدم قائلاً : ( من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ، اما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها أكلاً ، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ) . مع كل هذه الوصايا الذهبية الوحيدة ، وهذه الامر الالهي الواضح والبينة التي لا لبس فيها او غموض وتشويش . اختار أدم وحواء الموت بسبق الاصرار والتحدي الارعن لأرادة الله . أختارا علي ان يعصيا الله بأردة حرةً ووعي عقلي كامل ، وبمحض الارادة أختارا ان يعصيا الله بكامل أرادتهما الحرة وفضلا أن يتبعا الشيطان في الطريق الذي ينتهي بهما الي الهلاك والموت الابدي .
وتأكيداً علي ان ( أجرة الخطية هي الموت ) . استحق كل الجنس البشري الموت ، عقاباً وقصاصاً وهذا العقاب ليس عقاباً ضد الانسان لكنه هو عقاب ضد الخطية لأن الله يكره الشيطان وهو يكره الخطية لأنها ذات صلة مباشرة بالشيطان وأفعاله . وهذا أيضاً تأكيد بقدسية الله القدوس البار ، فالله طاهر ومنزه عن الشر و الخطية . وليس للخطية والخاطيئ مجال او مقام مع الله . لم يترك الله لحواء وأدم مجالاً او فراغاً في حياتهما حتي يجعلهما يفكران في عصيان وجحود نعمته التي انعم بها عليهما . لم يترك الله لأبوينا ثغرة صغيرة يجعلها يضعفان ومن ثم يفكران في الاثم والشر حتي يرتكبا الخطيئة التي انذرهما الله بعدم فعلها . كانت الجنة ابداع الخالق بوتقة من الألق و السحر والابهار والجمال والكمال الباهر والمتعة الفياضة . وكان أتساع الجنة وشموله بكل ما فيه من ما يشتهيه الانسان يكفي اشباع كل أحتياجاته ويرضي جميع رغباته . وكانت عدن مستودع لتلك النعم الكثيرة وكانت كل نعم نعيم الجنة كافية وافية لأشباع كل تلك الرغبات الجامحة في نفس الانسان مهما كانت . و كانت لذة الله مع الانسان الاول تتمثل في الشراكة الكاملة ، تلك الشراكة العامرة الكامنة في حب الله للأنسان . وكان قصد الله هو القصد السليم في بناء العلاقة البينة الصحيحة المشتركة مع الانسان .
أحب الله أن يكون في شراكة وشركة مميزة وفريدة بينه وبين أدم وحواء . ولكي تنمو تلك الروح الحميمة التي كانت في فكر الله . أغدق عليهما كل ما يشبع شوق وجوع وعطش الانسان الي كل ما يريد . كل هذه الامتيازات كانت كافيه جداً بل يزيد حاجة هذان الانسانان الاولان . فقد اشبع الله كل رغبات أدم بخلق حواء كما لبي الله كل مشتهيات حواء في نظيرها أدم . لم يقصر الله ابداً مع حواء ولا مع أدم لكنها الانانية والكبرياء البشرية وحب الذات وهذه كلها صفات الشيطان الرجيم .
لم يكن ابليس ابداً مرتاحا القلب ولا قرير العين هانيها لتلك العلاقة الودية السمحة المميزة والعشرة الجميلة الصادقة البريئة بين الله وابوينا أدم وحواء . وكان الشيطان يشطط غيظاً وغلواً وهو يغلي كالمرجل حسداً يكاد ان ينفجر . كان الشيطان كالبركان الهائج في ثورته بنيران ههمه المشتعلة علي الانسان ليصرعه ويفنيه من الوجود طارداً اياه من جنة عدن. لأن الجنة كانت الساحة الكبري للقاء الله السعيد الحميم مع الانسان في ساعات النهار وصحبته في الامسيات الجميلة . شكل اذ شكل الود و الحب والسعد المتبادل بين الله والانسان من عداوة ابليس زاد من حنق وغيرة الشيطان عليهما . وكاد حسد الشيطان وغيرته علي تفضيل الله للأسان عليه ان يصرعه ويميته بغيظه الملتهب شرراً وفجوره المتقلب الملتهبة فيه فجن جنون الشيطان وكان يغلي ويفو كالمرجل .
شغل الشيطان كل أدوات فكره وعقله الشيطاني المجرم المجنون . فكر في كل شاردة وواردة تمكنه من تحقيق حلمه الشيطاني الاثم الشرير الفاجر . وعمل ناشطاً مستخدماً كل الوسائل والوسائط . اقدم الشيطان علي استخدام كل السبل المتاحة الممكنة والغير ممكنة لأصطياد الانسان بعيداً عن الله . ومن ثم الايقاع به في خبث حبائل شركه ومصيدته جتي يوقعه فريسة سهلة الانقضاض عليها وثم ابتلاعها . وكان العدو الأبليس يدنو ويقترب بخبثٍ من الانسان يوماً بعد يوم وظل يقترب رويداً رويداً من أدم وحواء وهما في الجنة قبيل مواعيد لقاءات الله المرتقبة . وكان أدم هو الاخر حريصاً علي هذا اللقاء وحريصاً ايضاً علي البقاء جنباً الي جنب بالقرب من خليلته عشيقته بل وحبيبة قلبه العزيزة حواء . وظل هذا الابليس لزمن طويل يصول ويجول متربصاً بحواء وأدم محاولاً مراراً وتكراراً وهو يجرب المحاولات الواحدة تلو الاخري للتفريق بينهما فيستطيع من الأنقضاض السهل علي كل واحد منهما علي حدا . لكن بوجود أدم وحواء معاً في كل حين صعبت مهمة الشيطان واستعصت عليه كل اسباب الحيل والمكر والمكايد . وهذا ما دفعه الي ابتكار اسباب ووسائل من الحيل الجديدة . ولجأ الشيطان ابتداع واختراعات أفكار أخري أكثر ضماناً لنجاح خططه الأثمة الشريرة .
فكر الشيطان عدو الله الاول وعدو الانسان فكر جيداً في الطريقة التي يمكن من خلاله ايقاع الانسان في المحظور . و ذلك بجعل الانسان يعصي ويتمرد ويخرج عن طاعة الله و من ثم يقع في شرك الخطيئة . ( وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الأله ) . وكانت الحية في تلك الاوقات كثيرة الذهاب والهومان حول شجرة معرفة الخير و الشر. كما كانت بين الفينة والاخري تتقمص صورة حية في شكل جميلة . أظن ان الحية كانت تشكل في عيون حواء بصورة أمرأة جميلة المحيا لتتردد حول تلك البقاع حيث يأتي أدم بصحبة حواء كل يوم . و من وقت لأخر كانت الحية المرأة او المرأة الحية المندسة في الحية الماكرة الشريرة تتقرب من حواء من وقت لأخر لتأنس وحدتها في الاوقات التي يكون أدم فيها بعيداً منها . اذ كان أدم يذهب الي الحقول و المراعي ليعمل بين المروج الخضراء الشاطئة عند نهر قيشان في الناحية الاخري من عدن .
وفي ذات يوم من ذوات الايام الحالكات السواد جاءت الحية لتصادفة مصادفة وربي صدفة خير من الف وعد . صادفت الحية الماكرة وهي أحيل حيوانات الجنة كما يصفها الوحي الألهي في سفر التكوين . أتت الحية الي الجنة وكانت حواء تتمشي في النواحي القريبة من شجرة معرفة الخير والشر . فسبقت الحية حواء الي الشجرة الجميلة المنظر ذات الثمار الشهية واغصانها وأوراقها الذهبية البهية التي تسحر الالباب وتفضح العيون وتصرع القلوب والافئدة . استدعت الحية حواء بنداء وصوت رخيم معسول وبلغة تردد صداها بين غصون الاشجار . وظلت الحية الماكرة تسحر حواء بشذي صوتها الأسر العذب بطعم الشر قائلة : تعالي يا حواء ولا تخافي ، فليس في المكان ما يدعو للخوف والوجل والتوجس والارتباك . انظري نحوي الأ تراني ابدو اكثر جمالاً وهدواءً وفي سلام و أطمئنان وراحة بال .
فتجلدت وترجلت حواء او ترجلت وتجلدت و استجمعت كل قواها العقلية و الذهنية واستنفرت كل جيوش شجاعتها . وبخطوات تغلبها الرهبة والخوف ما بين الوجل والخجل والارتباك وافكار مهزومة مشوشة ما بين الطاعة والعصيان . كانت تخشي تخشي من العواقب وكانت تتذكر كلام الله الذي قال فيه لأدم : ( لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت ) . وللتو ارتجفت حواء وتسارع دقات قلبها . خافت من العاقبة وصرامة العقاب الذي تكلم به الله . لكنها في لحظة غياب الضمير والعقل والفكر الالهي وصلت حواء الي المكان الحرام وأقتربت من الشجرة المحرمة. وجدت حواء نفسها وهي تدري او لا تدري عند المكان وجهاً لوجه عند الشجرة الذي أمرهما الله قائلاً : ( . ان لا تقتربان منه وان لا تمساه و ان لا تأكلا من ثماره ) . ( لأنكما يوم تأكلا منه موتاً تموتا ) .
لكن حواء كانت قد قطعت نصف الطريق الي العصيان ولم يتبقي لها الا النصف الاخر للخروج من المسار الالهي والسراط المستقيم . وظلت حواء تختلس النظرات المتوجسة ما بين الحية و الشجرة محتارة من الموقف و المشهد وهي في حيرة من أمرها مصيرها الذي أضحي حكم المجهول . تحول ذك المصير الواضح والمستقبل الجميل المضمون و باتت كل مجهول وغامض وحواء الان في حال تحسد عليها . لم تنتظر الحية كثيراً لكنها باغتت حواء بسؤالها الغبيث الماكر الخادع الخبيث . مجدداً وقالت : (الحية للمرأة هل حقاً قال الله لا تأكلا من كل شجرة الجنة ) ؟
فأجابتها حواء بأستغراب و اندهاش . قائلة : ( لا من ثمر الجنة نأكل . وأما الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا !
فقالت الحية للمرأة : لن تموتا !
( بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر )
فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل ، وانها بهجة للعيون ، وان الشجرة شهية للنظر . فأخذت وأكلت ، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل . فأنفتحت عيونهما وعلما انهما عريانين ,فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مأزر ) تكوين 3 : 1 – 7
وبأكل الانسان الاول من الشجرة المحرمة . وساعة وقوع هذا الجرم الكبير العظيم تم الاعلان الرسمي بتعدي الانسان و عصيانه وتمرده وخروجه علي وصايا الله والتمرد وعدم الطاعة .
وبهذا حكم الانسان علي نفسه بالطرد و الابعاد من الجنة و ثم مواجهة مصيره المعلوم مسبقاً .( أجرة الخطيئة هي الموت ). لآنكما يوما تأكلان منه موتاً تموتا .
ومن لحظة خروج الانسان من الجنة ، صار الانسان تائها في الأرض هائماً علي وجهه يواجه مصيره الذي خطه بقلبه وفكره بأرادة حرة باختيار شخصي محض . فقد أختار الانسان الموت بكامل أرادته الحرة الواعيه وهو يعلم جيداً بكل التداعيات والمصير المحتم والحكم الصادر قبلاً .
ومن وقتها صار الانسان يحصد ويجني ثمار ما زرعته يداه . بالتعب يعمل وبعرق جبينه يفلح الارض ليوفر قوته من الطعام و المعيشة ليحيا . والمرأة هي الاخري تشتاق الي الرجل ، والي رجلها يكون اشتياقها والرجل يسود عليها. وبالتعب والعناء أيضاً تحبل المرأة من زوجها الرجل وتتعب في مخاضها العسير وتصرخ من الانين وما بين الحياة والموت تلد لتفرح بثمرة بطنها .
ومن وقتها ايضاً أطل المرض برأسه كنوع اخر من أنواع الحكم و العقاب للأنسان بسبب الخطيئة . والمرض هوحكم وجزاء لما اقترفه الانسان بيده من شر وعصيان وتعدي علي سنن الله ونواميسه وحروجه عن الوصايا الالهية . ومع كل هذا لم يترك الله الانسان وحيداً لمصير مجهول . و لم يتخلي الله عن حبه للانسان لحظة من اللحظات الحرجة ابداً . و لم ينس الله الانسان كل النسيان . بل كان الانسان ابداً دائماً حاضراً في فكر الله كان لم يول في قلب الله ومخيلته .
ومن جهة أخري لم يتنازل الله عن عدله ونزاهته وصرامته في الحق. كما لم يتراجع الله قيد أنملة عن بره وطهره وقداسته . وفي الجانب الاخر ظل الله أميناً لوعوده حافظاً لعهوده الابدية الازلية .
ومن تلك الوعود والعهودةة الامينة الصادقة التي وعد وعاهد الله بها الأنسان . كانت كلمة الله الامينة الكاملة الشاملة للأنسان هو الوعد الصادق بالخلاص والفداء .
فقال الله للحية القديمة الشيطان عدوء الله والانسان ( لأنك فعلت هذا ، ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية . علي بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل ايام حياتك . وأضع عداوة بين وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه .
وكان يسوع الاقنوم الثالث أبن المرأة هو وعد الله الازلي وخطته الابدية لخلاص كل الجنس البشري من خطاياهم . بهذا أي في يسوع المسيح كلمة الله الازلية تكتمل خطة الله المرسومة لأحقاق عدالته . وفي هذه ايضاً تكمن خطتة الله لاتمام مشوار مشروع محبته الابدية للأنسان بموت المسيح علي الصليب فداءاً وخلاصاً للأنسان .
وفي ملء الزمان جاء يسوع المسيح مولوداً من المرأة لأكمال الخطة المرسومة بعناية فائقة من الاب الله السماوي وهي خطة خلاص البشر بموت ابنه الوحيد علي الصليب العار . وبهذا يكون الله الاب مصالحاً العالم لنفسه في ابنه الوحيد . لانه هكذا أحب لله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من أمن به بل تكون له الحياة الابدية .
لأن المسيح هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم .
هكذا يفصح اشعياء النبي متكلماً وفي مشهد من الحزن يتحدث عن المسيح المضروب المخذول المحتقر لأجلنا في الاصحاح 53 يقول النبي اشعياء : ( من صدق خبرنا ، ولمن استعلنت ذراع الرب ؟ نبت قدامه كعرق من أرض يابسةٍ ، لا صورة ولا جمال فننظر اليه ، ولا منظر فنشتهيه . محتقرٌ ومخذول من الناس ، رجل أوجاع ومختبر أحزان ، وكمسترٍ عنه وجوهنا ، محتقر فلم نعتد به .
ولكن أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها . ونحن حسبناهٌ مصاباً ومضروباً من الله ومذلولاً . وهو مجروحٌ لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل أثامنا . تأديب سلامنا عليه ، بحبره شفينا ) . اشعياء 53 : 1 – 5
عليه سيظل المسيح علي مدار التاريخ وفي كل العصور القديمة والحديثة حديث الناس جميعاً كاعظم طبيب جاء وأطل علي حياة كل البشر. المسيح هو الوحيد من عند الاب الذي جاء وسار بين الناس وهو الوحيد القادر المستطيع أن يعطي العلاج الجسدي النفسي الروحي لكل الناس علي السواء . فقد سار بين الناس العاديين مقدماً نفسه باذلاً حياته لأجلهم . جاء ليخدم لا ليخدم . أحب الناس جمعياً دون فرز ولا تمييز . جاء ليكون لهم الحياة بل الحياة الافضل .
استقبل البرص والمجزومين و أرسلهم اصحاء من أمراضهم ليخبروا كم صنع الرب بهم
شفي العميان و اعاد لهم ابصارهم الجسدية وبصائرهم الروحية
غفر خطايا المرأة الزانية التي قدمها الرؤساء لترجم . لكن المسيح لم يدنها بعد ان فشل اؤلئك في التقدم ورفع الحجر ورجمها . لآنه أي المسيح فضح وكشف نفاقهم وزيفهم وأشهرهم جهاراً نهاراً . بل و ذكرهم بخطاياهم المستترة وكشفها أمامهم .
شفي المجانين و المسكونيين بالارواح الشريرة وطردها منهم الشياطين وحررهم . ومن ثم أرسلهم ليشهدوا ويخبروا كم صنع الرب بهم .
هذا هو الرب يسوع المسيح الذي نعلنه لك طبيباً خاصاً فادياً مخلصاً وهو بالاحري رب واله حي . فأن قبلته ستشفي من كل أمراضك و سيغفر لك الله الاب جميع خطاياك وذنوبك . وألاهم جداً انه سيضمن لك الحياة الابدية في ملكوت ابيه السماوي الاتي عن قريب . أمين

وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنين بأسمه .
الذين ولدوا ليس من دم ، ولا من مشيئة جسدٍ ، ولا من مشيئة رجل ، بل من الله .
يوحنا 1 : 12 – 13





شفاء الأبرص

واذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً : ( يا سيد ، ان أردت تقدر ان تطهرني )
فمد يسوع يده ولمسه قائلاً : ( أريد فأطهر! ) فللووقت طهر برصه . متي 8 : 2 - 3

منذ الازمنة القديمة كان مرض البرص يعد من الامراض الخطير والمعدية والتي لا يوجد لها علاج . وهذا المرض علاوة علي انه مشوه لصورة لأنسان ، كان مرضاً مخيفاً مرعباً يخشاه الناس جميعاً . كان الجميع يتوجسون من مرضي البرص ويحذرون الاقتراب من المصابين بالبرص . ليس هذا فقط بل كانوا يعزلون ويبعدون المصابين بالبرص من المجتمع ويخرجونهم الي خارج أسوار المدن الاسرائيلية . ويشابه مرض البرص الي حد كبير مرض الايدز في عصرنا الحالي . فمرض الايدز لايزال يشكل فوبيا يصيب الكل بالذعر والرعب والخوف الشديد وهو يدخل في النفوس الهلع . هذا لأرتباط مرض الايدز بوصمة العار وايضاً لخطورته وصعوبة او قلة فرص العلاج والشفاء منه .
علاوة علي أن مريض الايدز متهم من قبل الجميع حتي تثبت أدانته ، فهو متهم بالعلاقات الجنسية المشبوهة والغير قانونية ( الزني ) . بالاحري فالانسان المريض بالايدز يعد انساناً فاحشاً لظن الناس انه رجل او أمرأة زانية وهو بالتالي انسان خارج او انسانة خارجة عن الاخلاق والاداب . ووصمة الزنا من الخطايا التي تلتصق بصاحبها وتظل تلاحقه مدي الحياة .
في العهد القديم كان المريض بالبرص يعامل معاملة قاسية من المجتمع حوله يتفاداه الناس بأنه انسان نجس و غير طاهر يتوجب الابتعاد منه قدر الامكان . ويفترض علي الناس ان لا يمسوا أغراضه وحاجياته لأنها نجسة وغير طاهرة . وان حدث ان مس أحدهم الابرض فهو نجس حتي المساء . هذا كما جاء في سفر اللاويين وكلم الرب موسي وهارون قائلاً : ( اذا كان انسان في جلد جسده ناتيُ او قوباءُ أو لمعةُ تصير في جلد جسده ضربة برص ، يؤتي به الي الكاهن او الي أحد بنيه الكهنة . فأن رأي الكاهن الضربة في جلد الجسد ، وفي الضربة شعر أبيض ، ومنظر أعمق من جلد جسده ، فهي ضربة برص . فمتي رأه الكاهن يحكم بنجاسته) . لاويين 13 : 1 - 3
في ذلك الزمان البعيد كان الكهنة وقتها يقومون مقام رجال الدين والدنيا . أي ان الكهنة كانوا المراجع العامة في شتي الامور الحياتية اليومية . كانوا هم الباحثين المفتشين في شئون الشعب وأمور الناس . وكانوا هم الاطباء المختصين الذين يفتون في الامور الطبية لاسيما في ما يخص بالطهر والنجاسة . كما كانوا هم المراجع الدينية الروحية القانونية والقائمين ايضاً علي الامور المادية المختلفة الاجتماعية والزراعية والادارية والاقتصادية . بل وكل ما شابه ذلك من أمور حياة الناس !
وهنا يمكننا أن نعود ونرجع الي زمن نبي الله اليشع حيث كانت كل المدن في اسرائيل محصنة بالاسوار العالية المحمية بالدوريات العسكرية المسلحة جيداً بالعدة العسكرية والعتاد من السلاح الحربي علي مدار الساعة . يحدث كل هذا ويتم ذ لك تفادياً من الأختراقات واللهجمات والاعتداءات من المناطق الاخري . وهذا بمثابة توقي الحذر وبالتالي تفادي وقوع المشاكل . تلك الاحداث التي يمكن ان تحدث أن يقوم بها الاعداء في أية وقت ولحظة . كما كانت ابواب المدن تغلق بحلول الغروب عند الساعة السادسة مساءاً . ولا تفتح الابواب الا مع بزوغ وشروق شمس فجر صباح اليوم التالي . في تلك الايام كانت القوات الأرامية تحكم حصارها الشديد القوي علي السامرة . واستمر الحصار لمدة طويلة لا خروج ولا دخول من او الي السامرة . وقد احدث هذا الحصار جوع وشظف في العيش وغلاء في الاسعار اشبه بما يمر به بلادنا السودان وبلدان أخري تدور فيها رحي الحروب العبثية . ففي هذه الايام الصعبة القاسية يعيش الكثيرين في كل القري والمناطق البعيدة . كما يعيش لبناس في بعض القري والمدن المحاصرة في السودان يعيشون ويمرون بأوضاع وحالات من المجاعات التي تفتك و تقتل الاطفال .
وبالتالي كان مرضي البرص المتواجدين خارج الاسوار يعانون كثيراً لأنهم اول ضحايا مثل هذا الحصار العنيف الجائر . فبحكم نفيهم وطردهم من المدن او المناطق المحمية بالاسوار العالية . كان موقعهم الطبيعي هو الاقامة خارج وخلف تلك الاسوار . وفي حالات الجوع كانوا يواجهون الموت لأنه هو المصير المحتم لهم في كل الأحوال . هذا يجعلالبرص في مواجهةُ بشكل مباشر مع الموت وجهاً لوجه . وهذه الحالات من الموت تشبه المحكوم عليهم قتلاً بالاعدام البطيئ لكن برصاص هذا المرض والجوع والعطش . في ذاك الزمان ضرب الجوع الشديد ومزق احشاء وأوصال أهل السامرة المحاصرة وابتدأ الناس يموتون بالمسبغة . وكان الناس يأكلون الحمير وزبل الحمام والدجاج التي ارتفعت اسعارها الي ارقام قياسية في ظل انعدم العملات من والذهب الفضة في ايدي أغلب السكان . والادهي والامر في الأمر هو ان بعض النسوة ابتدأن في طبخ وأكل فلذات أكبادهن من الأطفال . !
ومكتوب : ( أيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن . صاروا طعاما لهن في سحق بنت شعبي ) .مراثي أرمياء 4 : 10
كان البرص المطرودين من السامرة يواجهون نفس مصير أهل السامرة المقيمن في داخلها . ولم يتبقي للبرص الا تسلية أنفسهم بتناول الاحاديث العامة حول ما يعانونه من شدة الجوع وأنهم حتماً سيموتون جوعاً أن يفعلوا شيئاً لأنقاذ أنفسهم ، لذلك كانوا يتسامرون ويسلون انفسهم . كان البرص يحاولون ان ينسوا بليتهم متناسين أنهم ضحايا الاضطهاد والحصار وها المجاعة تحاصرهم ايضاً . وها هم اليوم امام الجوع يواجهون الموت وجهاً لوجه قدام اسوار وابواب السامرة المغلقة في وجوههم. وكانت جحافل القوات والجيوش والأرامية تلتف وتطوق السامرة الجعائة كالسوار حول المعصم . فكر أربعة من هؤلاء البرص الذين تواجدوا معاً في كمين بين السور والقوات الارامية فكروا في مصيرهم . وكان الموت المتربص والمهدد الذي يطرق ابواب حياتهم يقترب ويدنو منهم لحظة بلحظةً . وهذا ما خلص ووصل اليه البرص من تفكير وقرار اتفقوا ان يتخذوا أمر ما كتحدي مصيري وليكن ما يكون .
في ذاك الزمان كان أربعة من البرص عند مدخل الباب ، فقال أحدهم لصاحبه ( لماذا نحن هنا حتي نموت جوعاً ؟ اذا قلنا ندخل المدينة ، فالجوع في المدينة فنموت فيها . واذا جلسنا هنا نموت . فألان هلم نسقط الي محلة الاراميين، فأن استحيونا حيينا وان قتلونا متنا ..... ملوك الثاني 7: 3 .ويمكنك قرأة هذا الاصحاح الي اخر الاصحاح ان شئت المتابعة . لكنني هنا الخص مضمون ما قام به اؤلئك البرص الشجعان المنبوذين !
فضل الرجال البرص ان يتخذوا القرار الشجاع السليم في الوقت المناسب وقبيل فوات الاوان . وكان الامر بالنسبة لهم نوع من التحدي الكبير لكنهم وجدوا في قرارهم نوع من الحلم والحكمة والرشد واليقظة . خطي البرص خطوات مشهودة واتخذ هؤلاء المنبوذين المطرودين من مجتمعهم كل ما يمكن أن يقوموا به حتي لا يموتوا كمنتحرين رافضين الحياة وهاربين الي الامام . وبروح الايمان والصمود والتحدي قام البرص العزل بأقتحام معسكر الجنود الأراميين أقتحاماً كمن يندفع في أتون النار المتقد وهو يعلم بأن سيموت حرقاً وسيتحول جسده في لحظات الي رماد . فقد كان في فكرهم انهم سيواجهون حرس الدورية الليلة من الجنود الأراميين المدججين بالاسلحة النارية والاسلحة البيضاء معاً . كما كانوا يدركون جيداً ان الجنود ربما يبادرون بأطلاق النار عليهم ويقتلوهم جميعاً . وهذه هي الفرضية الاولي والحتمية التي لا يجادل فيه أثنين . لكنهم كانوا ايضاً يقولون بأن الاراميين الاعداء ربما يستحييوننا وهذا هو أضعف الايمان .
وعلي فرضية أضعف الايمان أخترق البرص الاربعة ثكنة الأراميين العسكرية بقوة قلب وروح الاتكال والتسليم الكامل علي الله . أخترق البرص الاربعة المعسكر متكلين او محمولين علي الاذرع الأبدية وكان الله معهم . دخل الرجال البرص الخيمة الاولي ولم يجدوا بها جندياً واحداً ثم ذهبوا الي الثانية و الثالثة والرابعة . كانت الخيام كلها من أولها الي اخر خيمة في الثكنة العسكرية الأرامية خالية علي عروشها . استغرب الرجال البرص من الامر وساورهم الخوف والخشية وأضطرب قلوبهم . كيف يكون كل هذا المعسكر الكبيرمهجوراً تماماً والخيام بلا جنود وهي تقف علي عروشها فاضية بلا جنود ولا عسكر كأنها بيوت اشباه . أين ذهب الجنود الأراميين ؟ او أين يختبئون الان ؟ وما الذي يكمنون له لأهل السامرة . كا ن البرص حقيقة في حيرة كبيرة من أمرهم . لكنهم بعد وقت من الزمن استعادوا زمام الامر . فقالوا لبعضهم البعض بأن الله حارب الأرميين بسيف اليشع . وها نحن هنا في محلتهم حيث لايوجد اعداء ولا يحزنون . فيا له من أمر عجيب مدهش غريب .
يقول الكتاب في سفر الملوك الثاني الاصحاح السابع . وكان أربعة رجالٍ برص عند مدخل الباب ، فقال أحدهم لصاحبه : ( نحن جالسون هنا حتي نموت ؟ إذا قلنا ندخل المدينة ، فالجوع في المدينة فنموت فيها . اذا جلسنا هنا نموت . فالان هلم نسقط إلي محلة الأراميين ، فأن استحيونا حيينا ، وإن قتلونا متنا ) فقاموا في العشاء ليذهبوا إلي محلة الأراميين . فجاءوا الي آخر محلة الأراميين فلم يكن هناك أحدٌ . فان الرب أسمع جيش الاراميين صوت مركبات وصوت خيل ، صوت جيش عظيم ) . فقالوا الواحد لأخيه ( هوذا ملك اسرائيل قد استأجر ضدنا ملوك الحثيين وملوك المصريين ليأتوا علينا ) . فقاموا وهربوا في العشاء وتركوا خيامهم وخيلهم وحميرهم ، والمحلة كما هي وهربوا لأجل النجاة بأنفسهم . ملوك الثاني 7 : 3 – 7
أكل البرص من عشاء ألأراميين وشربوا وشبعوأ وحملوا الفضة والذهب وذهبوا بها وطمروها في ألارض لأنفسهم أغتنموا وأغتنوا . أخذوا كثيراً من غائم الاعداء وطمروها في الارض . لكن في النهاية تداركوا الامر في أنفسهم وقالوا : ( لبعضهم بعضاً الطمع ودر وما جمع ) .
ثم قال بعضهم لبعضٍ : ( لسنا عاملين حسناً . هذا اليوم يوم بشارةً ونحن ساكتون ، فأن انتظرنا الي ضوء الصباح يصادفنا شرُ . فلهم ألان ندخل ونخبر بيت الملك ) ملوك الثاني 7 : 9
هرع البرص الاربعة مسرعين الي الباب المغلق واخبروا الحرس بما حدث . وتحدث الحراس الي بيت الملك بما قاله البرص نقلوا تلك الاخبار التي تقول بأن جيوش الأراميين قد فروا هربوا وتركوا المعسكر خالياً علي عروشه
أتت البشارات والاخبار السعيدة المفرحة لبيت الملك وكل السامرة بالانفراج الكبير والنصر العطيم من عند الله . اخبروا بيت الملك بهروب جيوش الأراميين بعد انهزامهم امام جيوش الله . ومن البرص المنبوذين أتت البشارتت السارة لبيت ملك السامرة وارتفعت شارات ورأيات النصر المأزر جديداً فوق أسور السامرة . و انداح الشر بالحل الالهي وتم فك الحصار عن المدينة وحل السلام كل السامرة ومحيطها وشبعت السامرة من غنائم الاعداء . و صارت كيلة الدقيق بدل رأس الحمار بفلسيين و كيلة الشعير مكان زبال الحمام بلا ثمن .
هكذا يتم ويصدق القول المأثور من ألأكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة . فالذي معنا دائماً أعظم واكبر وأقوي من الذي ضدنا وعلينا .
وهذا ما قال الرسول بولس مؤكداً أن حضور الله يغني عن كل شيئ ويزيد وبالله في الرب يسوع المسيح نستطيع كل شيئ . اذ قال : من سيشتكي علي مختاري الله ؟ الله هو الذي يبرر . من هو الذي يدين ؟ المسيح هو الذي مات ، بل بالحري قام أيضاً ، الذي هو أيضاً عن يمين الله ، الذي أيضاً يشفع فينا . من سيفصلنا عن محبة المسيح ؟ أشدةٌ أم ضيق أم أضطهادٌ أم جوع أم عريٌ أم خطرٌ أم سيفُ ؟ كما هو مكتوب : ( إننا من أجلك نمات كل النهار . قد حسبنا مثل غنم للذبح ) . ولكننا في هذه جميعها يعظم أنتصارنا بالذي أحبنا .
أما قصة الابرص التي نحن بصدده هنا فهي تعكس لنا الاعمال العظيمة التي كان الرب يسوع المسيح يقوم بها . فقد جاء يسوع كطبيب خاص لأجل ان يشفي برصنا الجسدي والروحي بلمسة يده الشافية . فهو وحده القادر ان يطهرك ويغسل قلبك من برصك الروحي بقوة روحه القدوس . هذا أن أمنت به وفتحت له قلبك وقبلته رئيساً مخلصاً وفادياً لحياتك .
ولآن البرص كانوا دائماً منبوذين مبعدين ومنفيون من مجتمعاتهم كما اسلفنا القول . لم يذكر الكتاب المقدس في الاناجيل الاربعة التي وردت فيها هذه القصة أين تقابل هذا الابرص مع يسوع ؟ . والارحج ان يسوع في حله وترحاله وتجواله من منطقة الي أخري ومن المدن الي القري و البقاع . الارجح هنا هو ان يسوع في علمه السابق هو الذي حدد الزمان و المكان للقاء هذا الابرص علي وجه الخصوص . ذلك لأن يسوع كان يدرك و يعلم ويعرف جيداً انه هو طبيب هذا الابرص الخاص . وبالقطع لم يكن لقاء الرجلين ، الرجل الابرص والرب يسوع ضربة من الحظ والصدفه والسعد الذي صاف الابرص . لكنه كان لقاءاً محدداً بالزمان والمكان .
واذا أبرص قد جاء وسجد له قائلاً : ( يا سيد ، ان أردت تقدر ان تطهرني )
فمد يسوع يده ولمسه قائلاً : ( أريد فأطهر! ) فلووقت طهر برصه . متي 8 : 2 - 3
في لحظة اللقاء بين الرب يسوع والابرص لم يكن الابرص ابداً هو المبادر بمد يده الي يسوع . لأن البرص لم يكن مسموحاً لهم خالص بالاختلاط بالناس في أية حال من الاحوال او تحت أية ظرف من الظروف . كانت الهواجس النفسية تتحكم علي البرص وتردعهم لذلك فأنهم كانوا دائماً في حالة من الخوف يتوجسون اللقاءات المباشرة مع الناس . وكانت تلك العلاقات الاجتماعية تشكل لهم ضغطاً نفسياً كبيراً جداً وتنفرهم من الناس وتنفر الناس منهم .وهذا ما جعل البرص دائماً يفضلون الابتعاد من الناس تفادياً من الأشمئزاز والقرف الذي يقابلهم الناس به . وكان الناس يبادرون بالهرب منهم وهم خائفين من انتقال العدوة والاصابة اليهم . ولما كان يسوع هو الطبيب المختص وهو المخطط المبادر و المبارك لهذا اللقاء . فقد تقدم يسوع بروح المحبة نحو الابرص وقبله و من ثم عانقه وصافحه بروح ودية وشوق حار حميم كالصديق للصديق والحبيب لحبيبه . لم يكن الرب يسوع كسائر اليهود يخاف من مرض البرص او أي مرض أخر لأنه هو الرب الاله القادر علي كل شيئ وهو الطبيب المختص المانح الشفاء لكل داء . ومن أجل المرضي بالامراض الجسدية والروحية جاء يسوع خصيصاً ليشفيهم ويبرأهم ويمنحهم الصحة الجسدية والنفسية والروحية .
وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرضٍ وكل ضعف في الشعب . فذاع خبره في جميع سورية . فأحضروا إليه السقماء والمصابين بأمراض وأوجاع مختلفةٍ ، والمجانين والمصروعين والمفلوجين ، فشفاهم . فتبعه جموع كثيرةٌ من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الاردن . متي 4 : 23 – 25
وما أن رأي الابرص يسوع مقبل اليه حتي علم يقيناً في قرارة نفسه أنه اليوم سيبرأ من البرص . وهذا ما اكسب الابرص الجرأة والشجاعة والاريحية و النشوة والاستعداد النفسي لمقابلة يسوع عن قرب . فقد علم بأن يسوع هو طبيبه الخاص القادر ان يشفيه من برصه الجسدي و البدني والنفسي الروحي . وهذا ما جعله يتقدم الي يسوع بثقة الايمان يخر ويسجد عند قدميه قائلاً له : (يا سيد ، ان أردت تقدر ان تطهرني ) ليبادر يسوع بمد يده ويلمسه قائلاً : ( أريد فأطهر! ) فللوقت طهر برصه.
ومن الجهة الاخري يشكل مرض الخطية الخطر الاكبر لحياة الانسان ليس هنا علي الارض بل ايضاً في الحياة المقبلة مع الله في ملكوته . ومرض الخطية أكثر فتكاً بالانسان من كل الامراض الجسدية البدنية الاخري مهما كانت خطرة جداً . فالمرض يمكن ان يقتل الانسان ويحرمه من الحياة في هذه الدنيا الفانية . لكن مرض الخطية التي يبقي الأنسان نفسه فيها دون طلب العلاج والشفاء من الرب يسوع بالتوبة وطلب الغفران والمصالحة مع الله هو المرض الحقيقي الذي ينبغي علي الكل السعي طلباً للعلاج الشفاء منه .
وهذا ما قاله الرب للفريسيين عندما رأوه يأكل مع العشارين والخطأة ويدنو من البرص الغير طاهرين بحسب نظرهم . فلما رأوه يأكل مع العشارين والخطاة قالوا لتلاميذه : ( ما باله يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة ) فلما سمع يسوع قال لهم : ( لا يحتاج الاصحاء الي طبيبٍ بل المرضي . لم أت لأدعو أبراراً بل خطاةً غلي التوبة ) . مرقس 2 : 16 – 17



























غلام قائد المئة

جاء اليه قائد يطلب اليه. ويقول :( يا سيد ، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً )
فقال له يسوع : ( انا أتي وأشفيه ) . فأجاب قائد المئة وقال :
يا سيد ، لست مستحقاً ان تدخل تحت سقفي لكن قل كلمة فيبرأ غلامي ) متي 8 : 5 – 8

لم يكن قائد المئة هذا رجلاً يهودياً ، بل كان قائداً أممياً رومانياً . وكانت ألأمبروطورية الرومانية وقتها هي القوي العظمي المسيطرة علي كل أرجاء العالم . كما كان الرومان بقوة جبروتهم وتسلطهم علي الامم هم الذين يفرضون نفوذهم وسيطرتهم الكامل علي كل الامبروطورية طولاً وعرضاً وحيثما وجودوا . كانوا يفرضون نفوذهم بقوة يدهم الحديدة ويتسلطون علي كل الشعوب بقوة السلاح والنار . وكانت السيطرة الرومانية الحديدية واضحة جلية علي كل الطرق والمعابر ذهاباً واياباً من والي روما العاصمة الامبروطورية المحصنة بفيالق الجيوش المدربين والمسلحين جيداً . وعلي هذه الشاكلة قدروا واستطاعوا علي بسط السيطرة الكاملة المحكمة علي كل الطرق والمعابر والجسور ، لذلك أصبحت روما مضرب المثل السائر: ( كل الطرق تؤدي الي روما ) . فالقانون والسلطة العليا كان بيد افراد وضباط الجيوش وقادتهم ، والحكم والقضاء العسكري والمدني والقانون كان كذلك بيدهم العليا . ازاء هذا التوغل والقوة في بسط النفوذ الروماني الأمر والناهي ، وجد المواطنيين من اليهود وباقي الامم نفسوسهم في وضع لا يحسدون عليه . كما وجد الفرد او الجندي الروماني نفسه في وضع مريح جداً حيثما وجد في كل انحاء هذه الامبروطورية الشاسعة . فالجندي او القائد الروماني هو وحده القادر علي اخذ القانون بيده وتطبيقه حسب اهوائه كيفما شاء ومتي شاء دون رقيب او حسيب . وكانت الشعوب المستعمرة تخضع للسلطات الرومانية خضوعاً تاماً غير مشروط . بل كانوا في ضع المستسلمين المقهورين الذين لاحول ولا قول لهم سوي الأنبطاح والاذعان والانصياع والخضوع الكامل المذل .
فقائد المئة الذي نحن هنا بصدد الحديث عنه ربما كان من طينة أخري لا تشابه الطينة التي خلق منها الرومان ابداً . فقد كان يرأس مئة جندي من العسكر الرومان الاقويا الاشداء الافذاذ . وهذا يعني ما يعني ، فقد كان بيده السلطة والنفوذ الغير محدودين في اطار صلاحياته بين الجنود الذين يقودهم ويرأسهم . هذه السلطات والنفوذ التي كانت تتجاوز أطرها كثيراً في التعامل من اليهود والشعوب الاخري الخاضعة لهم . فالمواطن الروماني العادي كان يتميز بخصائص وميزات كثيرة ونوعية مقارنة بالاخرين من الشعوب المضطهدين . هذا كان حتي امام العدل والقانون والحق فأن ميزان الانسان الروماني هو الارجح وكفته هي العالية . ولا يوجد حق في الرفض او القبول ولا رأي اخر يمكن سماعه . فالقائد الروماني عندما يقول كلامه فقد أـنتهي الامر نقطة أقفل الصفحة سطر جديد !
لم يأت قائد المئة الي يسوع كقائد روماني كبير و لا كشخص وانسان مميز عن الاخرين بأي ميزة من الميزات التي كان يتميز بها ويتفوق فيها علي الجميع . لكن جاء هذا القائد الكبير كأي انسان يهودي او حتي أممي يطلب حاجته كما كان كل الاخرين يفعلون ويطلبون من الرب يسوع المسيح .
والاكثر من ذلك والمستغرب هو ان قائد المئة جاء الي يسوع بتواضع جم وصغر نفس وبصورة مغايرة تماماً لتلك الصورة التي عهدها الناس من عنجهية وافتراء القادة الرومان . جاء هذا الرجل الخلوق الكريم المؤمن بالرب يسوع المسيح كسيد ورب ومخلص وطبيب خاص لغلامة . جاء برغبة صادقة طارحاً نفسه كصاحب حاجة ملحة ً جداً لا تستطيع أمبرطوريته ان تمحنه اياه . فتقدم قائد المئة الي يسوع بتواضع وخشوع وخضوع تام في رغبة وطاعة حقيقة لنيل ما كان يبغي ويريد . فقط كان ينقصه ان يخر ويركع أمام السيد الرب والمخلص يسوع ويقول له : ( ربي والهي ! ) . لكنه لم يفعل هذا شكلياً وأن فعله بالايمان القلبي . وهذا ليس خوفاً ولا خشية منه لأنه كان يملك من الجرأة والشجاعة الكافية التي تمكنه من فعل ذلك لكنه كان حقيقة يؤمن بالرب يسوع المسيح أنه أبن الله الحي . فعل قائد المئة تماماً ما كان يفعله جنوده له من ابداء الاحترام والولاء والاكبار والتوقير والولاء والخضوع . فعل كل ذلك مظهراً روح التواضع والوداعة بسماحة النفس وطيب الخاطر وهو غير مجبر في شيئ من احد ما . وهذا عكس كل ما كان يقوم به الجندي العادي امام قائده العام فبعضهم يكون مجبر او متظاهر بما لا يبطن . لكن قائد المئة وأتي وجاء الي يسوع وفي قرارة نفسه ايمان لا يشوبه غبار وأذعان لا يأتيه الباطل من بين يديه . جاء يحمل في قلبه اشواق وأمنيات وأماني كثيرة اكثر بكثير مما أظهر في طلبه من يسوع بشفاء غلامه المريض المفلوج المعذب جداً . جاء قائد المئة الي السيد الرب يسوع المسيح مبدياً ايمانه الكامل . فقد أمن قائد المئة بأن يسوع هذا أكثر من نبي عادي كسائر انبياء اليهود الذين سمع عنهم . بل جاء عالماً بالايمان الخفي الذي كان يؤمن به بأن يسوع المسيح هو السيد والرب والمخلص وهو الرجل البار وابن الله .
علي هذا الاساس الراسخ الثابت تقدم قائد المئة بطلبه الواضح الظاهر للعيان تقدم الي يسوع قائلاً : ( يا سيد ، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً ) . تكلم قائد المئة الي يسوع عن غلامه كما لوكان يتكلم عن نفسه المعذبة داخله او كما أراد أن يكشف للرب لواعج روحه المشتاقة الي لمسة يد يسوع الشافية . هنا أكاد أسمع عذاباته وأناته الصارخة في صمت وهدوء وسكون ، لكن تقاطيع وجهه كانت تفضح ما بداخله وتكشف ما كان يكنه ويكتمه في داخل قلبه . أدرك يسوع حاجة هذا القائد الروحية الداخلية الشخصية الي الشفاء الروحي . تلك الحاجات الداخلية الغير ظاهرة عليه قبل حاجته الي التحدث اليه عن الغلام المفلوج المحتاج الي الشفاء البدني العاجل .
فقال له يسوع عالماً بأيمانه المسبق به طوبي لك أيها القائد العظيم فقد أجبت علي طلبك الشخصي وان كنت لم تذكره لي الان لكنني قد أدركته وأجبته . اما عن الغلام ، فقال له يسوع : ( انا أتي وأشفيه ) .
وهنا أظهر قائدة المئة ولاء أكبر وتواضع أعظم وايمان أوفي بل كامل . أبدي القائد الولاء الي الرب المخلص والقائد الشخصي والملك المتوج علي عرش قلبه الرب يسوع . أمن قائد المئة بيسوع وهذا ما منحه أمتيازاً اكبر وأعطاه بركة أعظم ورجاءاً لم يكن بالنسبة له بمنتظر . عرف هذا القائد بأنه قد نال مبتغاه واستجيبت طلباته الشخصية والخاصة . كما تأكد بما يمكن ان يفعله يسوع وهو واقف في مكانه هنا لغلامة المفلوج المعذب . فالسيد الرب يسوع المسيح الطبيب الأعظم ليس بحاجة الي الذهاب معه الي بيته لأنه لا يستحق هذا الاستحقاق الكبير جداً بحسب وجه نظره الي نفسه كرجل خاطيئ . وكان القائد راضياً تماماً متكتفياً ذاتياً وكلياً بما ناله من يسوع ولم يكن ينتظر ابداً أكثر من ذلك . نعم فقد اقر بعدم جدوي الحاجة الي ذهاب الرب يسوع المسيح معه الي البيت للقاء الغلام وشفائه .
فأجاب قائد المئة ( يا سيد ، لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي ، لكن قل كلمة فيبرأ غلامي ).
نعم هذا هو الايمان الكامل الذي جاء في سفر العبرانيين الاصحاح 11 : 1 ( اما الايمان فهو الثقة بما يرجي والايقان بأمور لا تري ) .
قبل قائد المئة الرب سوع المسيح مخلصاً شخصياً له و بإيمانه الكامل أحس بقوة الشفاء التي اعترت نفسه . تلك القوة التي شعر بها كانت قد استولت علي كل كيانه وكل حياته بغفران كل خطاياه ! . وبغفران تلك الخطايا دخلته الراحة النفسية والروحية واجتاحت وجدانه كلياً اذ شعر انه الان أنسان أخر وبالاحري تأكد بأنه قد صار انساناً جديداً .
وايمان قائد المئة المصرح والمعلن به جاء في لقاء عابر جمعه علي الطريق بالرب يسوع المسيح الطبيب الخاص . وهذا هو الايمان الذي لم يوجد حتي في قلوب تلاميذ يسوع الذين أكلوا وشربوا معه . هؤلاء التلاميذ الذين قضوا معه كل الوقت وكانوا يسيرون ورائه كل يوم ويسمعون تعاليمه ويشاهدون المعجزات الخارقة للطبيعة التي كان يجريها قدامهم . هؤلاء التلاميذ الذين عمل الرب يسوع المسيح بينهم لأكثر من ثلات أعوام وجد فيما بعد بينهم من خان الرب يسوع المسيح وباعه بأبخس ثمن . مثل يهوذا الاسخريوطي الذي أئتمنه الرب يسوع علي صندوق المال . لم يكن يهوذا أميناً مخلصاً للصندوق ولم يكن كذلك أميناً علي حياة الرب يسوع . كما لم يوجد هذا الايمان في بطرس الذي ابدي استعداده ان يموت عن يسوع في وقت من الاوقات . فبطرس وهو التلميذ الكبير الذي أسمه الصخرة ، نعم فحتي و البطرس ظهرعلي حقيقته ففي ساعة الجد خاف وانكر سيده أمام جارية نكرة ومجهولة . كما لم يوجد مثل ايمان قائد المئة في توما الذي قال في وقت من الاوقات عندما اخبرهم يسوع قائلاً : ( لعازر مات ) فقال توما : ( لنذهب ونموت معه ! ) . فكم تستغربون ان توما هذا رفض رفضاً قاطعاً فكرة قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات . هذا حدث عندما حدثه أخوته التلاميذ الأخرين قائلين له : ( قد رأينا الرب !) . وكان توما رافضاً للفكرة تماماً مشدداً علي عدم الايمان . فأسمعوا الكلام الذي قاله لهم توما : ( ان لم أبصر في يديه أثر المسامير ، وأضع يدي في جنبه لا أومن )
فيا للبون الشاسع الواسع وشتان ما بين ايمان قائد المئة و ايمان التلاميذ الذين عاشوا مع الرب يسوع وساروا وراوا بأم أعينهم كل الايات والمعجزات والأعمال العظيمة الجليلة الخارقة للطبيعة البشرية . تلك الاعمال المدهشة العظيمة التي عملها وصنعها يسوع المسيح أمامهم وأمام أعين كل الجماهير المحتشدة . تلك الجماهير التي كانت تتسابق مشتاقة وملهوفة لتلتف حول الرب يسوع تسمعه وتنصت الي تعاليمه . حتي تلك الحشود الكبير من الذين كانوا يجرون ويركضون وراء يسوع المسيح من مكان الي مكان هم أنفسهم وذاتهم هم الذين وقفوا ضده في محكمة بيلاطس وقالوا له : ( أصلبه ، أصلبه دمه علينا وعلي أولادنا ! )
تكلم قائد المئة الذي لم يذكر اسمه وتحدث بأيجابية الي الرب يسوع مبدياً تواضعه الجم ووداعته السمحة وإيمانه المنقطع النظير قأئلاً : ( يا سيد ، لست مستحقاً ان تدخل تحت سقفي ، لكن قل كلمة فيبرأ غلامي !) .
فلما سمع يسوع كلام قائد المئة تعجب وقال للذين يتبعونه : ( الحق أقول لكم لم اجد ولا في اسرائيل إيماناً بهذا المقدار ! ) . وأقول لكم ان كثيرين سيأتون من المغارب والمشارق ويتكئون مع ابراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات . وأما بنوا الملكوت فيطرحون الي الظلمة الخارجية . هناك يكون البكاء وصرير الاسنان ) . متي 8 : 10 – 12
بعيداً عن شفاء الغلام الذي تم في التو واللحظة التي تكلم فيها يسوع عن ايمان هذا الرجل الشهم . دعونا نخوص قليلاً في إيمان هذا القائد المبجل ، إذ يجوز أن نقول عنه : ( بأن إيمانه هو إيمان فائق جداً متفرد ومتميز ) . وهذا ما دعا الرب يسوع المسيح وهو المعلم العظيم المخضرم أن يبدي أعجابه واستحسانه بقائد المئة ويمتدحه ويشيد به أمام الملأ . قد لا نستغربه لكننا نحكي عنه بأنه ايمان لم يوجد في كل اسرائيل و لا بين كل اليهود في عصره كما ذكر يسوع حرفاً .
انه لأيمان كل ألأمم و الشعوب في سائر أرجاء المسكونة وكل الارض في مشارقها ومغاربها . انه ايمان كل الناس بكل قبائلهم و أجناسهم ، بسحنات وجوههم المختلفة و الوان بشرتهم الشتي سود حمر بيض وصفر وخضر وملونين . كل الالسنة واللغات جميعها مع الخلفيات التاريخية والجغرافية و الاجتماعية والنوعيات الجنسية المختلفة . اسيويين من هنود قارة اسياء من صيين يابانيين وكوريين فلبيينين والتاميل وبنغلاديشيين اتراك وفرس ايرانين وأفغان سيأتون الي الرب يسوع المسيح يوماً وبخرون ويسجدون. وكل سكان الشرق الاوسط من عرب دول الخليج وشمال افربقيا والفرس والأكراد كما كل الافارقة وابناء كوش التي ستجري رافعة يديها الي الرب يسوع . الاوروبيين والامريكيين جنوبيين و شماليين سيأتون الهنود الحمر وشعب امريكا الجنوبية واستراليا والقاطنين في القطب الشمالي المتجمد من الأسكيمو . ومن وكل باقي الاقطار والبطون والامصار والدول والقارات المعروفة والمجهولة في غابات الانديز . جميعهم وغيرهم سيأتون يوماً وسيؤمنون بالرب الاله ويسوع المسيح الرب والمخلص الشخصي لكل فرد منهم .
وما ايمان القائد الروماني الا نموذج الفريد المميز والصريح فهو مرأة لأيماننا جميعاً في كل العصور وعبر التاريخ القديم والحديث . هذا الايمان الذ يفترئ عليه من الكثيرين حتي الان سيظل هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يصل به الانسان الي السماء و دخول مجد الله ان اراد الحياة الابدية . لأنه أي يسوع المسيح هو الطريق او سبيل الوحيد للوصول الي الله . هذا هو الايمان الذي يخبر به يكرز وينادي به في كل ارجاء العالم بشتي الطرق والوسائط . هذا هو الايمان الذي يذاع عبر كلمات الرب القائل : ( انا هو الطريق و الحق و الحياة ) . وانه هو الوسيط الوحيد بين الله والناس . كما ليس بأحد غيره يمكن نوال هذا الخلاص الابدي المجاني . لأنه هو الخلاص العظيم الذي أعده الله الاب منذ انشاء العالم .
ولا أظن أن إيمان قائد المئة أنتهي عند هذا الحد . لكنه بالاحري أخذ هذا الايمان ينمو ويكبر ويتقدم في قلبه يوما بعد يوم . وظل هذا القائد واحد من الذين كان يتابعون أعمال وتعاليم الرب وأن من بعيد لأسباب قد تتعلق بخصوصية أعماله وأنتماته وخلفيته . تلك الظروف هي لم تسمح له بالترك والتخلي عن عمله كلياً والتفرغ والسير وراء الرب يسوع . تلك كانت مواقف وظروف قائد المئة وغيره أخرين كثيرين ، وقد تفهم يسوع المسيح مواقف هؤلاء النفر المؤمن وقدر ظروفهم وأمن عليها . ومن هؤلاء نذكر هنا علي سبيل المثال لا الحصر يوسف الرامي والعالم الجليل نيقوديموس ورئيس المجمع يايرس وبالطبع قائد المئة هذا . وكثيرات من النساء الامينات كن يتابعن الرب ويقدمن له ولتلاميذه كل الخدمات والاعانات والمساعدات العينية والمادية وأيضاً المعنوية . وأينما ذهب يسوع كن هن من يقفن معه وتلاميذه ويأزرونه بالاستضافة في بيوتهم والاقامة في قراهم ومدنهم بأريحية وكرم فياض .
لم يأت كل هذا من فراغ بل أن الله كان قد أعد ورتب الكثيرين من المتطوعين المستعدين للعمل والمساعدة والمساندة بكل من يملكون في سبيل انجاح هذا العمل الكبير العظيم وهو عمل الله بالدرجة الاولي . وعلي هذا الاساس المتين قام الرب في بداية أعماله وتعاليمه قام بادر بأرسال تلاميذه الاثني عشر الي اليهود بالتحديد أولاً . هذا لأنه كان يهدف بهذا الخطوة الي منح اليهود الفرصة والاولوية كأبناء ابراهيم وهو عالم بأنهم لن يقبلوه وهذا ما ذكر في أنجيل يوحنا الاصحاح الاول . الي خاصته جاء ، وخاصته لم تقبله . وأما الذين قبلوه فأعطاهم السلطان أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنين بأسمه . يوحنا 1 : 11- 12 . واولاد الله ليسوا بالضرورة أولاد ابراهيم الذي يدعي اليهود بأنه أبيهم لوحدهم . بل أولاد الله هم كل من أمن بالرب يسوع المسيح أنه أبن الله الحي كقائد المئة والمرأة الكنعانية وسمعان القيرواني . فهؤلاء هم ابناء الله الحقيقين بالايمان بالرب يسوع المستعدين للبذل والتضحية ونكران الذات . هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : ( إلي طريق الامم لا تمضوا ، والي مدينة للسامريين لا تدخلوا ) . بل أذهبوا بالحري إلي خراف بيت إسرائيل الضالة . وفيما أنتم ذاهبون أكرزوا قائلين : أنه قد أقترب ملكوت السماوات . أشفوا مرضي . طهروا برصاً . أقيموا موتي . أخرجوا شياطين . مجاناً أخذتم ، مجاناً أعطوا . لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم . ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا ، لأن الفاعل مستحق طعامه . متي 10 : 5 – 10


































الرجل المشلول

واذا مفلوج يقدمونه اليه مطروحاً علي فراش فلما رأي يسوع
إيمانهم قال للمفلوج : ( ثق يا بني . مغفور لك خطاياك ) متي 9 : 2

ورد قصة الرجل المشلول الذي حمله اصدقائقه في الاناجيل الثلاثة متي ، مرقس ولوقا . وقد كتبت بطرق مختلفة في السرد ، لكنها تكاد تكون متطابقة في المضمون و المحتوي والصياغة النهائية . ومن هنا يمكننا أن نلقي النظرة العامة علي شفاء هذا المشلول من زواياها ارلابعة المختلفة كما يأتي :-
1 - ايمان أصدقاء الرجل المشلول
2- يسوع يغفر خطايا المشلول
3- اتهام الكتبة ليسوع بالتجديف
4- شفاء الرجل المشلول
حمل اصدقاء الرجل المشلول صاحبهم علي أكتافهم وقطعوا به مسافات طويلة في رحلة مضنية مرهقة . عملوا كل ذلك سيعاً لمقابلة المعلم والرب يسوع مهما كلفهم الامر من التعب والعناء . وقد ضحي هؤلاء الاصدقاء بوقتهم ومالهم وقوتهم الجسمانية وراحة انفسهم لأجل الحصول علي الشفاء لصديق عمرهم ورفيق دربهم الحبيب العزيز . وكان همهم الاول والاخير هو شفاء هذا الصديق واستعادة صحته وعافيته قدر الامكان . ولم يكن أي ظرف عادي او طارئ قادر علي اثنائهم من الوصول الي هدفهم ونيل بغيتهم مهما كلفهم هذا الامر من بذل وتضحية ومال . وقد أبدوا بهذه اللفتة البارعة والصورة الناصعة البياض الذي يعبر عن أجل معاني الحب والصدقة والبذل والعطاء ونكران الذات. فلا شك انهم ذهبوا بصديقهم هذا من قبل الي اطباء كثيرين في أماكن مختلفة والي مشافي عامة وعيادات خاصة . وكانت نصائح كل الاطباء لهم هو ان هذا النوع من الشلل الكامل الذي أصاب صديقهم هو من النوع الذي لايمكن علاجه بل يستحيل ذلك . فالاجدر بهم سب كلام اطباء عدم أرهاق أنفسهم في مزيد من التعب البدني والنفسي والمالي . لكن حب الاصدقاء الشديد لصديقهم الحبيب جعلهم لا ييأسون. بل كان الامل الكبير بشفاء صديقهم يراود قلوبهم و يشغل افكارهم ويقلق مضاجعهم ويدعوهم الي بذل المزيد من الجهد وعدم الاستسلام ابداً او فقدان الامل وخيبة الرجاء .
1 - ايمان أصدقاء الرجل المشلول
وفي تلكم الايام توارددت الانباء والاخبار المتواترة وانتشرت الدعايات والاشاعات القوية تتكلم عن معلم جديد ظهر في أورشليم . بعضهم كان يتحدث عنه كنبي يشفي الامراض جميعها مهما استعصي الشفاء منها لدي كل الاطباء العموميون والاختصاصيون . فهذا النبي كان له من القوة والقدرة والسلطان علي شفاء كل الامراض المزمنة اياً كانت هذه الامراض في نظر الناس والاطباء خطيرة ومستحيلة الشفاء وميئوس منها في العلاج . وتكلم اخرين بأنه المسيا الذي تحدثت عنه التوارة والانبياء مثل موسي وارميا وداود النبي وغيرهم . وانه المسيا الموعود بفداء وخلاص بني اسرائيل وتحريرهم من السلطة الرومانية الخاشمة . وقعت تلك الانباء والاخبار في صميم فكرهم واخذوها علي محمل الجد . فبدأوا في والتفكير الجاد والتدبير و قاموا بالاجراءات الخاصة الضرورية اللأزمة لأيصال مريضهم الي حيث يمكنهم لقاء يسوع .
وفي ذات أول فجر من الصباح الباكر خرجوا بصديقهم محمولاً علي الاكتاف . نعم بكروا مع أول خيوط الفجر قاموا و أخذوا صاحبهم وخرجوا به من داره سعياً وراء البحث الحثيث عن الرب يسوع المسيح . والسؤال المهم الان والمطروح هنا ليس كيف اخذوه والي أين ذهبوا به ؟ لكن المهم هو انهم وصلوا الي المكان الذي وجدوا فيه طبيبهم الخاص . فقد تواجد الرب يسوع المسيح في ذلك اليوم في منزل من المنازل التي كان يرتادها من وقت لأخر في كفرناحوم . وكان المنزل مزدحماً مكتظاً علي أخره مزدحم بأرتال وحشود من البشر المجتمعين حول يسوع . فكل هؤلاء الجمع الغفير من تلك الحشود أتت الي يسوع بهذه الأعداد الكبيرة جداً مما جعل المكان يضايق بهم زرعاً . لأن كل واحد منهم كان يتوق الي الوصول الي يسوع بأي شكل من الاشكال مهما كلفهم الامر ! .
لم يكن أمر الوصول الي يسوع أمراً هيناً وميسوراً . ولكن غاية أصحاب المشلول كان اكبر وأعظم من كل صعوبة وحاجز يمنع او يقف امامهم دون الوصول الي يسوع . كان الهدف الاعظم الملح هو فعل وعمل المستحيل للوصول الي هذا الطبيب الذي تأكدوا الان أكثر من أي وقت مضي او ، تأكدوا أنه الطبيب الذي أنتظروه طويلاً . وانه هو الطبيب الخاص المختص الذي سيشفي مريضهم . وها هم الان قاب قوسين او أدني من تحقيق هدقهم ونيل مرادهم . اذاً عليهم مزيداً من الصبر وقوة التحمل فمهما صعب أمر الوصول ، لكنهم عن وقت قريب سيصلون الي هدفهم ومن ثم يتحقق حلمهم وأملهم المرتجي ونيل مرادهم المنتظر. فواجبهم الان بدأ لهم واجباً مقدساً وضروريا و ملحاً جداً أكثر أي وقت سبق . ومن أجل تحقيق هذا الهدف والحلم الجميل السامي . لابد لهم من بذل المزيد من قوة العزيمة والاصرار ، فها ها هم الان غير قادرين علي شق الحشود ، فحاولوا فعل ذلك بشق الانفس لكنهم وقفوا في مكان ما في وسط الجموع وهم شبه عاجزين عن التقدم نحو يسوع ولو شبراً واحداً حدث هذا كله مع أن الجماهير والحشود كانت تتجاوب وتتعاطف معهم احياناً . كانت تلك الجماهر تشفق وتتعاطف معهم فتفسح وتفتح لهم الطريق ليعبروا. لكنهم وصلوا الي نقطة ما صعبت فيها الوصول الي يسوع نسبة لأن الالتفاف الجماهيري عند هذه النقطة كان جداراً صلباً يصعب اختراقة بأي حال من الاحوال .
عليه فكروا في عمل المستحيل مهما كلفهم الأمر فالغاية تبرر الوسيلة كما يقولون ! . وهذا ما جعلهم يصعدون الي سطح المنزل ويثقبون السقف الواقع فوق وأمام الرب يسوع مباشرةً . وهذا ما مكنهم أخيراً ان يصلوا الي الهدف وان طال السفر . أنهم الان وجهاً لوجه قبالة الطبيب العظيم الرب القادر علي كل شيئ الذي لا يعسر عليه أمر . نعم نعم قد تمكنوا ان يدولوا مريضهم المشلول قدام يسوع الطبيب الخاص وهذا حسبوه بنظرهم معجزة اولية قاموا به بأنفسهم . والان تبقت المعجزة الكبري المنتظرة من الرب يسوع ، وقد توقعوها تخيلوها ان تكون بلمسات او بكلمات واشارات وأي فعل غير معتاد يقوم به الرب يسوع المسيح لمريضهم . وهنا رأي يسوع إيمانهم المنقطع النظير والغير محدود ، انه هو ذلك الايمان الذي يجوز ان يقال عنه الايمان الذي لا ينطق به ومجيد. الايمان الذي يتأني ويصبر وينتظر ولا ييأس . هو الايمان الذي لا يحده حدود لآنه أيمان غير محدود . هذا هو الايمان الذي لايمكن ان تقف أمامه أية حواجز او سدود و لا يعرف المحال والغير ممكن والمستحيل لان بالإيمان كل شيئ ممكن وليس من أمر و شيئ غير ممكن او مستحيل علي الايمان . انها الارادة القوية والشكيمة الصلبة العصية علي التراجع والتقهقر او النظر الي الوراء قبل تحقيق الهدف ونيل المقصد المنتظر.

2- يسوع يغفر خطايا المشلول
ولما رأي يسوع إيمانهم قال للمفلوج ( ثق يا بني . مغفور لك خطاياك ) . في الوحلة الاولي وقع كلام يسوع علي مسامع وأذان الجميع وقع عليهم وقع الصاعقة وشكل صدمة قوية للمريض . فما معني غفران خطاياه الان . فهو محتاج للشفاء البدني الجسماني الان أكثر من الحاجة الي غفران الخطايا مهما كانت كثيرة وحجمها كبير . خيب كلام يسوع كل أمل كان ينتظره ويترقبه بلهفةً وشوق هذا المريض واصدقائه معاً . وربما كادت الصدمة العنيفة التي تلقوها أن يصيبهم في مقتل . ومع هذا ظل الاصدقاء اكثر ايماناً وتماسكاً ، بينما صار لغط وهرج في وسط الجمهور وبدات فيهم نوع من التذمر والتململ والنمنمة وبعض الهرج والمرج تشكل في وسط الحاضرين . فبالرغم من أن الاصدقاء لم يأتوا بصديقهم الي يسوع لطلب الغفران من الخطايا ولا محو الذنوب او التكفير عنها . ولم يكن هذا الامر يدور في خلدهم من بعيد او قريب . الا ان هذا ايضاً لم يسبب لهم حيرة و لا أصابهم بنوع من اليأس رغم الصدمة الاولي من الاستغراب والاندهاش . وهي ذات الواقعة التي أصابت صديقهم المريض الذي أصيب لوقت بنوع ربما من خيبة ألأمل الكبير . قال البعض في أنفسهم ما هذا الهراء الذي يتكلم به الرب يسوع . هل أخطأ يسوع في معرفة الغرض الذي جعل أؤلئك الرجال يتكبدون كل هذه المشقة والعناء والعذاب ليصلوا اليه أخيراً بشق ألانفس . وها هم الان قد تمكنوا اخيراً من الوصول اليه بنحاج وقد وضعوا صاحبهم المشلول أمامه علي أمل نيله الشفاء . و هذا ما اتاح الفرصة لقليل او كثير من الشك ان يدب في نفوس الاصدقاء . ففكروا في انفسهم قليلاً قائلين : ( اننا لا نظن ان ما نحتاجه ويحتاجه المريض منك الان يا يسوع هو غفران الخطايا ) . ولا نحن الان بحاجة منك الي تفسير وتعويل وشرح هذا الامر . فإيماننا بك وبقدراتك علي الشفاء هو الذي دفعنا الي المجيئ اليك وتقديم هذا المشلول حتي تشفيه . وقد سادهم نوع من الصمت والوجوم لبرهة من الزمن وكانوا في انتظار ان يفعل يسوع شيئاً . كانوا مشتاقين لسماع يسوع يقول كلمة او يشير اشارة بأصبعه تشفي مريضهم وتروي ظماي غليلهم . كانوا في انتظار ان يقول المسيح فقط ولو كلمة واحدة فيروا صديقهم يقوم علي رجليه صحيحاً يمشي أمامهم معافي من كل داءً ومرض. وبينما هم علي هكذا حالة من التوجس والترقب والانتظار الصعب .
اذ قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم : ( هذا الأنسان يجدف ! . فعلم يسوع أفكارهم ، فقال لهم لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم ؟
3- اتهام الكبتة يسوع بالتجديف
وكان الكتبة وبعض الكهنة يتواجدون دائماً حثما وجد يسوع لينتقدوه او ان يمسكوه بكلمة . بل كان الكتبة والكهنة يحرصون دائماً وهم يتابعون يسوع في حله وترحاله لأنهم مرسلين من رؤساء الكهنة ليتجسسوا عليه . كانوا يرصدون يسوع ويتربصون به ويرمونه بكلمات يظنوا انها ستستفزه ليصطادوه بكلمة او خطأً ما يوقعونه فيه . وعندما قال يسوع للمشلول مغفورة لك خطاياك وجدوا ضالتهم وظنوا انهم أصابوا قد هدفهم كنقطة رئيسة يمكن تسجيله في سجل يسوع الاسود لديهم . هذا وان لم يستعجلو بالبوح به كما وان لم يصروحوا به جهاراً الان لكنهم كتموه في غيظهم . كانوا يفكرون او بالاحري افتكروه في أعماق قلوبهم ، فقالوا في انفسهم انه : (يجدف ) . وأنتم تعرفون جميعاً معني كلمة التجديف في حكم الناموس وشريعة موسي . وهذا يعني ان الكتبة فسروا قول الرب يسوع بغفران خطايا الرجل المشلول نوع التجديف الصريح ضد الله ، وأن يسوع وضع نفسه معادلاً ومساوياً لله الاب السماوي . وهذا كما قلنا يعني التجديف والكفر الصريح بحق الله . هو الامر الذي لايمكن ولا يجوز لأي انسان او كائن بشري ان يجاهر بمثل هذه الكلمات واضعاً نفسه والله في كفتي ميزان واحد ..
علم يسوع وعرف خبايا وخفايا افكارهم وما خبئته سوء نياتهم كما ادرك تماماً ما كانوا يخبئونه له من مكائد ودسائس ومن المؤامرات والخبائث. كان يسوع حقاً اكثر من كاهن او نبي ورسول لأنه ابن الله الحي . ولم يكن يسوع مجرد طبيب بشري عظيم يأتيه الناس بأسقامهم المختلفة ليبرأوا منها ويستشفوا والسلام . لا والف لا فقد كان يسوع هذا رب ومسيح ومخلص بل هو كلمة الله وروح منه . نعم فيسوع هو ايضاً طبيب الجسد والبدن القادر علي شفاء كل الالأم وهو ويداوي جميع الجروح وألاسقام . لكنه هو ذاته طبيب النفس والروح غافر الذنوب والخطايا والاثام لكل البشر . وكانت الفرصة سانحة ومواتية انتهزها يسوع في الوقت المناسب ليكشف عن نفسه وعن ابعاد ارساليته الالهيه العظمي لخلاص كل الجنس البشر من خطاياهم . ذلك لأنه هو حمل الله الذي يغفر كل خطايا العالم .
دحض يسوع افكارهم الشريرة في مهدها واسكتهم وكشف الغطاء عن نيات الكتبة والفريسيين المندسين المبيتة . عرف يسوع سرائر قلوبهم وضمائرهم المريضة وان لم يبوحوا بها جهراً . لكنه واجههم بما كانوا يكظمون في قلوبهم وضمائرهم وجهاً لوجه بحضور الجميع . فقال لهم : ( لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم ؟ . ايما أيسر ، ان يقال : مغفور لك خطاياك ، ام ان يقال : قم وأمشي ؟ ) . متي 8 : 4 – 5 .
قال كل هذا ليثبت لهم انه الرب القادر علي فعل الامرين معاً لأنه هو حمل الله الذي جاء حقاً ليرفع خطايا كل العالم .
4- شفاء المشلول
ومضي يسوع في القول : ( ولكن لكي تعلموا ان لأبن الانسان سلطاناً علي ألأرض ان يغفر الخطايا ) . حينئذ قال للمفلوج : ( قم وأحمل فراشك وأذهب الي بيتك ! ) . فقام ومضي الي بيته . فلما رأي الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطي الناس سلطاناً مثل هذا . متي 8 : 6 – 8
قام المشلول وطفر في مشيته وقفز في خفة ورشاقة سغل الأيل الصغير. تم كل هذا المشهد أمام ووسط ذهول وانهبار الجميع عندما قام الرجل الذي كان مشلولاً . قام علي مرأي منهم وحمل فراشه وابتدأ في السير الي بيته . كان المشلول السابق الذي جاء محمولاً علي اربعة يخطو بخطوات ثابة واثقة ويضرب الارض بزهو في مشيته فتردد أيقاعات مشيهلم مموسقة بدوذنات الفرح والانتصار. وكانت روحه المعنوية عالية وعلي وجهه ارتسمت الابتسامات التي توحي بالغبطة والفرح العارم . حدث هذا وسط اجواء من الفرح الذي تكاد ان تصدقه أعين الاصدقاء وهم يتابعون شريط الحدث والفرح الغامر يغمر قلوبهم وأفئدتهم . فبدأت التهاليل والتمجيد ينطلق من أفواه ألاصدفاء الاربعة وهم يحمدون ويشكرون الله في شخص الرب يسوع بترنيمات الشكر والحمد والاكرام . هؤلاء الاصدقاء الذين لم تسعهم روح الظفر والانتصار كادوا يطيرون عالياً وهم يقفزون في الهواء كما لو أن صديقهم الذي نال الشفاء قد ولد ولادة جديدة ثانية . بل حقيقة في هذا اليوم صار صديقهم أنساناً جديداً فعلاً . عبر الاصدقاء عن ابتهاجهم كما لو كانوا خارجين لتوهم من معركة كبري لم يكونوا متوقعين الخروج منها منتصرين . لكنهم الان انتصروا هزموا وغلبوا فيها العدو وقهروه ! . ولا ريب في شيئ . فقد كانوا في حرب التجربة القاسية مع الابليس هذا العدو اللدود اللعين الذي شل صديقهم بالمرض الذي أصابه واقعده من مزاولة حياته الطبيعية مع أهله واصدقائه لأعوام كثيرة جداً .
دهش الجميع لسطان الرب يسوع هذا السلطان الفائق القدرة وهو سلطان الله الغير محدودة علي اتيان ألأيات و اجراء المعجزات بأمر وكلمة منه . فلما رأي الجموع تعجبوا وأمن به الكثيرين منهم ومجدوا الله الذي أعطي الناس سلطاناً مثل هذا . ومع ان البعض منهم من لم يؤمنوا وكانوا يردودون في قلوبهم متي جاء المسيا يفعل ويعمل أهم من هذا . وعليهم انطبقت الاية التي أطلقها يسوع عليهم ليس : ( لنبي كرامة عند أهله ) .
قلنا جاء المشلول علي محمولاً علي اكتاف اربعة من الاصدقاء الاوفياً . بل كان محمولاً علي ايمانهم و رغبتهم القصوي ان ينال هذا المشلول الشفاء الجسدي . ولكنهم فوجئوا جميعاً بأن عطية يسوع المجانية لا تقتصر فقط علي علاج وشفاء الأجساد المادية التي حتماً ستمرض ايضاً وتموت فيما بعد . نعم نعم فأن أجسامنا المادية هذه الاجسام حتماً ستمرض ايضاً فيما بعد ونموت وندفن في ألأرض التراب لأننا تراب والي التراب نعود . والحقيقة هنا يقال ان الاصدقاء كانوا أكثر فرحاً وبهجة بغفران الخطايا الذي وان استنكره الفريسيين والكهنة . الا انهم كانوا اكثر ارتياحاً وغبطةً وسعادة وفرح . وفيما بعد علم الاصدقاء الاربعة يقيناً ان يسوع هذا هو الطبيب الخاص وكل الذين يأتون اليه بالايمان سينالون منه ما يريدون و يبتغون . جاء يسوع ليعطي الحياة معناً حلواً وفائدة قصوي بل جاء ليجعل الحياة أكثر لذة وطعماً ًلا بل أكثر قيمة ومعني ومخزئ . لأنه هو الذي جاء ليهب للناس الحياة الافضل ليس فقط هنا علي الارض. بل الحياة الابدية هناك عند الاب السماوي . والحياة الابدية في الملكوت لأنه هو الحياة الاسمي الذي ينتظره كل الذين أمنوا برب الحياة . هذا سيتم حسب الوعد الذي رأه يوحنا في رؤياه وهو في جزيرة بطمس ليكتب من هنالك قائلاً : 3 وسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ.
4 وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ».
5 وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا ) . رؤيا 21 : 3 – 4











المرأةُ نازفة الدم

( وأمرأة بنزف دم بنزف دم منذ أثنتي عشرة سنةً . .
وقد تألمت كثيرأ من أطباء كثيرين ،
وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً ،
بل صارت الي حال أردأ ) مرقس 5 : 25 – 26

توافق البشير متي ومرقس ولوقا في السرد والحكي الشيق لحادثتي شفاء المرأة نازفة الدم و أقامة ابنة يايرس . فقد اتفقوا علي نقلها الينا بسرد الحكواتين الحرفين المتقدرين في القص . فجاء القصتين في عمل واحد متسلسل و شبه متطابقةً في الشكل والمضمون وربما في الاحرف والكلمات والجمل . وهذا ان دل فهو يدل علي ان حادثتي شفاء المرأة النازفة وأقامة ابنة يايرس كانتا متزامنتان في الزمان والمكان . اذ حدثت هذان الحدثان العظيمان في ذات اليوم ولا يقع بينهما الا مسافة قطع الطريق وصولاً الي بيت يايرس . ذلك عندما كان يسوع في الطريق الذي خرج فيه للقاء يايرس ومقابلة المرأة نازفة الدم . فقد كان يسوع يعلم الجموع في مكان ما من الاماكن التي اعتاد ان يتواجد فيها من وقت لأخروهو يقابل الناس ويسد احتياجاتهم الكثيرة والمختلفة . كما أن واقع هاتين الحادثتين الشهيرتين في المكان والزمان اوالوقت المتقارب جاء لأيمان رجل ملكوم ومنقبض القلب . وهذا الرجل المدعو يايرس كان رئيساً لمجمع يهودي وهو رجل طيب وشهير عرف بدثامة خلقه ورقة كلامه عذوبة المحيا . لكن عندما مرضت ابنته الوحيدة لم يجد حرجاً من اليهود لكنه خطف رجليه واسرع المجيئ الي يسوع . هذا عندما كانت أبنته تلفظ أنفاسها وهي في الرمق الاخير تصارع الموت . لكن قبل ان يصل يسوع معه الي البيت أتته انباء بأن ابنته الوحيدة العزيزة قد ماتت فعلاً . وفي الجانب الاخر من نفس الطريق نري ونقف علي ايمان أمرأة مجروحة القلب مضطهدة من أهلها وقومها لأنها كانت مريضة بمرض النزيف المزمن و المستمر . هذه المرأة بحسب الشريعة وتعاليم ناموس موسي هي أمرأة نجسة وغير طاهرة يحرم عليها لقاء الناس وبألاخص الرجال . وهي بالتالي ممنوعة من مقابلتهم عن قرب او الاختلاط بهم بأي سبب من الاسباب او حال من الاحوال . فالمرأة حسب الشريعة تلزم وتبقي في البيت طوال فترة دورتها الشهرية لأنها نجسة ، وتظل حبيسة جدران بيتها طوال ايام طمثها ودورتها الدموية . وايضاً تعتبر المرأة نجسة في ايام الوضع والولادة , تحسب نجسة ولا يقرب منها حتي رجلها . وهي كذلك غير طاهرة متي كانت مريضة بأي نوع من الأمرض التي تسبب لها سيلان الدم والنزيف الغير طبيعي.

المرأة نازفة
أما المرأة نازفة الدم كما جاء في الاناجيل الثلاث فقد كانت تعاني معاناة مذدوجة من نواحي كثيرة متداخلة مع بعضها البعض سببها الاول والاخير مرض نزيف الدم . ولأن النازفة والطامثة كما اشرنا نجسة وغير طاهرة . فقد سبب لها هذا المرض عزلة اجتماعية تكاد تشبه الي حد كبير حالات عزلة المصابين بالبرص . وان كان يسمح للمرأة النجسة ان تقيم في بيتها وان تسكن في البيت ومع زوجها و أهلها وأسرتها الا انها محرومة منهم جميعاً في التقارب والتلامس والاختلاط المباشر . انها ممنوعة ومحرومة علي زوجها في العلاقات والروابط الزوجية الحميمية . فحكم من يلامس المرأة وهي في دورتها الشهرية هو النجاسة وعدم الطهر ، وهذا يتطلب منه الاعتزال حتي المساء مع وجوب الأغتسال والتطهير . وفي بعض الاحيان يظل الانسان معتزلاً لأكثر من يوم وربما يمتدد حكم النجاسة الي اسبوع .
بهذا يمكنكم ان تدركوا وتقدروا وان تعرفوا كم المعاناة والألام التي عاشتها هذه المرأة ولأكثر من اثنتي عشرة عام . لاشك انه زمن طويل من التعب والوجع والاحساس بالغربة من الناس حتي في داخل الاسرة نفسها . عاشت هذه المرأة المؤمنة بما أصابها في صميم قلبها بايمان وأمل ورجاء كبير انها يوماً ما ستشفي بمشيئة الله ، نعم أمنت أنها ستشفي في يوم من الايام . بل كانت واثقة ومتأكدة بأيمانها انها ستنال الشفاء في يوم من الايام وستتمكن من العودة الي أسرتها و أهلها والمجتمع والعيش معهم وبينهم عيشة طبيعية كريمة . لذلك ظلت تطرق كل ابواب الاطباء العموميين والمختصين بأمرض النساء والولادة والانجاب . كانت تأمل في طبيب يصف لها دواء او عقار يهدئ ويوقف اسباب النزيف الدموي المستمر ولسنوات ممتدة دون توقف . استمر سيعها الدؤوب متواصلاً طوال الوقت وتراكمت الايام الي شهور وسنين وصل الي اثنتي عشرة عام . لم تترك مكان او مدينة قريبة او بعيدة لم تذهب اليه ، وكلما سمعت خبراً عن طبيب شهير وشاطر اسرعت اليه وطرقت ابواب مشفاه . وكانت الأيام والشهور تمر وتمضي سنة وراء السنه . لم تهنأ هذه المرأة ولو لساعة واحدة من راحة النفس والبال وضياع العمر والمال وحالة البؤس والفقر. وقبل ان تصل الي هذه الحالة المزرية من العزلة والحرمان وفقدان كل بارقة او شعاع في أخر النفق يشيئ بالرجاء والأمل .
فلا شك انها كانت أمرأة غنية ثرية وكانت تملك من الثروة الشيئ الكثير . وبكل التأكيد كانت غنية وصاحبة مدخرات وأموال كثيرة وربما كان زوجها وأهلها أغنياء وميسوري الحال . او انها شخصياً كانت سيدة أعمال والأ لما تمكنت من الاستمرار في الجري والسعي سعياً وراء اللعلاج ومعاودة الاطباء كل هذه السنين الطويلة . مع ذلك وبالرغم من الغني وستر الحال يقول الكتاب أنها استنفذت كل شيئ وأنفقت كل أموالها ومعيشتها لللأطباء و لم تقدر ان تشفي من أحدهم . لم يتبق لها بعد كل الجهود التي بذلتها هي وأهلها . لم يتبق لهم شيئاً بعد ان فقدت وانفقت كل ما عندها للأطباء .
لكنها في وقت من الاوقات سمعت هذه المرأة الناس يتكلمون عن رجل اسمه يسوع . وقد قيل لها انه شفي الابرص وايضاً شفي غلام قائد المئة كما انه قام بشفاء أخرين وغيرهم كثيرين وأن كل الذين قابلوه نالوا الشفاء الكامل من يديه . وقد زاد ما سمعته من الناس من ايمانها ، وقوي ثقتها ويقينها بأنها اذا استطاعت ان تقابل يسوع فأنها بكل تأكيد ستبرأ وستنال منه الشفاء . ومن يومها عقدت العزم الوطيد الموثق في قلبها بالأصرار وقوة العزيمة والايمان . ثم عكفت الي انتهاز الفرصة الثمينة المناسبة لذلك . فوثقت في قلبها ان يسوع هذا هو طبيبها الخاص القادرعلي وقف ليس فقط سيل النزيف بل القادر علي تغيير كل مجري حياتها الي الافضل . وكان الامل الكبير المعقود علي اللقاء بالرب يسوع في المكان والوقت المناسبين هو كل حلمها . وكان الحلم بنيل الشفاء منه ينمو ويكبر في مخيلتها وقلبها ويزداد كل يوم . وفي وقت ما ادركت بيقين هذا ألأيمان ان كل المطلوب منها هو تدبير الطريقة والوسيلة الاسلم للوصول الي يسوع . وعلي هذا الامل القوي الراسخ بنت كل رجائها وعقدت عزمها وداعبت احلامها في اليقظة بنيل الشفاء العاجل من يسوع . وكانت تخطط وتدبر كيف ومتي ستتمكن من الخروج والذهاب للقاء يسوع مهما كلفها الامر من المشقات والتضحيات وتلك الحواجز الأجتماعية والدينية التي شرعتها شريعة وناموس موسي .
فكرت المرأة النازفة جيداً وضربت اخماسها في اسداسها . وكانت تصلي أن يلهمها الله بروح الجرأة والشجاعة فطار الخوف من قلبها وتبددت منها الهواجس والاحزان . وعندما جاء الوقت المناسب خطر في خاطرها ان الغاية تبرر الوسيلة . وقالت في نفسها انا أمرأة مريضة والان أمامي فرصة ذهبية لأشفي فما الذي يجعلني أنسانة مترددة ؟ . كيف افوت الفرصة المتاحة وانا أعلم بأن ليس علي المريض حرج ؟ . فغايتي هي غاية سليمة وليس بداخلي نية السوء . انا أمرأة مريضة والان اريد الشفاء وهذا الشفاء موجود عند رجل أسمه او يقال له يسوع .
فكل المطلوب مني الان هو ان أقوم فوراً وأذهب الي المكان الذي يوجد فيه يسوع . الأن وقد وضح لها جلياً أن أمر شفائها وتوفق نزيف الدم منها مرهون متوقف علي يد الب يسوع الذي أمنت به بأنه طييبها الخاص . وظلت تردد ان كل المطلوب مني الان فقط هو القيام من هذا المكان والذهاب الي يسوع . وظلت ترسم خططها كما ظلت تأكد الرغبة القوية للوصول الي يسوع . وفكرت بأن كل ما عليها عندما تصل الي يسوع هو ان تقوم بلمس طرف وهدب ثوبه وستشفي في الحال ! . وعلي هذا الاساس بنت ورسمت خططها وجهزت في خيالها سيناريو الحدث بدقة . كل المطلوب الان هو القيام والذهاب ولمس هدب ثوب يسوع من الوراء .
فقامت المرأة للحظة والتو وخرجت من دارها وبيتها وسارت في البرية تشق طريقها الي يسوع . حيث عرفت من بعضهم ان يسوع موجود في مكان ما قريب من بيت عنيا في كفرناحوم . وكانت المرأة تستعجل الخطي فتمشي حيناً وتركض أخري مسرعة والامل يحدوها ويلف كل كينها . وكان الايمان يرفعها ويدفعها قدماً الي الامام بأتجاه المكان الذي يوجد فيه يسوع الان . وكانت تحس انها محمولة علي أجنحة النسور ومرفعة الي فوق والاذرع الابدية من تحتها . فتتخيل نفسها انها مرفوعة الي فوق السماء وانها الان قريبة من حضن إبيها ابراهيم . وفي وقت قصير ووجيز وصلت الي حيث كان يسوع خارجاً من احدي البيوت في بيت عنيا . كانت زحمة الجموع السائرين معه كالعادة لا تفسح تمنح مجالاً لرجل شاب قوي ان يصل اليه . فما بالك بأمرأة مريضة ونازفة الدم المنهوكة والغائرة القوة التي يعدها كل الناس انها أمرأة نجسة . نعم كانت حقيقة مكدودة الجسد ومنهوكة القوة والقدرة وكان التعب والاعياء الشديد يأخذ منها كل مأخذ . لكنها كانت ايضاً قوية الايمان وهذا الايمان توطد ورسخ في قلبها ان هذا الشخص الذي اسمته الرب يسوع مخلصي . لانها الأن قد صارت أمرأة مؤمنة بيسوع وتشعر الان في قرارة نفسها انها مملوئة بالامل والرجاء والرغبة الجامحة في نيل الشفاء . هذا الشفاء الذي جرت ورائه لأكثر من أثنتي عشرة عاماً تسعي وراء الاطباء من طبيب الي اخر . وقد أنفقت كل أموالها ومدخراتها في دفع أجورهم الباهظة . لكنها الان باتت قريباً جداً من نيل هذا الشفاء المجاني الذي سيعطيها لها أبن الله الحي طبيبها الخاص الذي اسمه يسوع, وكانت تردد اسمه يسوع .. اسمه يسوع الذي تفسيره الله معنا . ها هي الان قد اقتربت الي الهدف وما تبفي بينها ويسوع هو هذه المسافة القصيرة التي تفصل بينهما أنها بضع خطوات . هذه الخطوات هي الخطوات الاخيرة أن بدأتها بألف ميل لكنها الان علي مرمي حجر وبمزيد من الخطوات القليلة ستصل اليه . نعم انها الان باتت أقرب ولم يتبق الا مسافة يد ممدودة ولمسة أصبع تلمس به هدب ثوب يسوع وتشفي!
كان موكب يسوع المستعجل الخارج من ذاك البيت في طريقه الي مكان ما للقاء اناس أخرين . ما او دخلت المرأة بين الناس حتي سارت بسرعة وسط الرجال تشق طريقها بثبات وثقة بين الجمهور والتلاميذ . ولم يوقفها أحد كما أن أحداً منهم لم يعرفها من تكون . لكن الرب يسوع وحده هو الذي كان يعلم بهذا اللقاء والوعد . الموكب يتقدم بأتجاه المرأة النازفة رويداً رويداً والمرأة ايضاً تقترب منه وفي لحظة ما توقف الموكب فجأة . وكانت تلك اللحظات هي اللحظة التي أوقف فيها يايرس الرب يسوع المسيح . حيث كان يايرس يطلب من يسوع ان يذهب معه الي بيته لشفاء ابنته التي تركها في الرمق الاخير بين الحياة و الموت علي حد وصف وقول يايرس . . وكانت كل الجموع منشغلة بحديث يايرس مع الرب يسوع . وكانت المرأة تنتهز الفرصة الغالية لتتسلل كالسهم المقذوف بين الجموع دون ان يلحظوها . تسللت بالسرعة ذاتها ومدت المرأة النازفة التي اندفعت بالقوة الصاروخية لتجد نفسها خلف مباشرة يسوع . بتلك السرعة مدت ليس يدها وأصبعها فقط بل فتحت كل قلبها ليدخل فيه الرب يسوع المسيح ويقيم معها . أخيراً تمكنت المرأة من نيل بغيتها عندما مدت أصبعها ولمست هدب ثوب يسوع دون ان يراها أحد . لم يراها أو يحس بها أحد الا الرب يسوع وحده هو الذي رأها وأحس بها تلمس هدب ثوبه لأن قوة خرجت منه وأبرأتها حالاً . وفي تلك اللحظة ذاتها احست المرأة بتوقف النزيف عن السيلان كما أحست بقوة الشفاء والصحة والعافية يسري في سائر جسدها وبدنها . تعم كما أحست بذات القوة ذات الشفاء يجري ويسري في شرايين قلبها وأحسته في نفسها وفي أعماق قلبها و روحها . ليس هذا فقط لكنها تأكدت يقيناً انها الان قد صارت أمرأة جديدة في الجسد والروح لأن أمراضها القديمة كلها قد زالت . فهي الان ليست بتلك المرأة النازفة الدم بل المرأة النابضة بألق الحياة الجديد بقوة الايمان وصمود المحبة وعنفوان الرجاء . فقد غفر الرب لها كل خطاياها ومنحها السلام والطمئنينة الروحية الكاملة لباقي عمرها حياتها .
بعدها انسحبت المرأة النازفة التي شفيت محاولة الابتعاد عن موكب الرب يسوع والجمع حتي لا ينكشف أمرها وتدان من جمهور الرجال وليس من الرب يسوع . لكنها لم تكن تخشي ان يقول لها هؤلاء الناس ما الذي جاء بك الي هنا ومن أدخلك وفي وسط الرجال ؟ . لأنها كانت تعلم من هو الانسان الذي سيتكلم عنها هذه المرة ، انه هو هذا الانسان النبي والكاهن الذي سيحرر لها الشهادة التي تأكد لهم بأنها الان قد صارت ليس بأمرأة طاهرة فقط بل أمرأة جديدة . وانها لم تعد بعد أمرأة نجسة وغير طاهرة كما سيؤكد لها ولهم بأن كل خطاياها قد غفرت لها . وبينما هي كذلك سمعت يسوع يتكلم الي الجمهور قائلاً : من لمسني ؟ تعجب الجميع من سؤال الرب يسوع واندهشوا وكانوا كل واحد منهم يحاول أن ينكر بانه لمس يسوع . فبادره بطرس ومن معه مستغربين قائلين : ( يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك ، وتقول من لمسني ؟
فقال يسوع ( قد لمسني واحدُ لأني علمت أن قوة قد خرجت مني ) . وكان ويسوع يعلم مسبقاً من هو الانسان الذي لمسه ولماذا لمسه وما الذي حدث له الان بعد ان لمسه . فقط كان يسوع يريد ان يعلن للجمع الذي كان يزحمه بإيمان هذه المرأة . نعم اراد الرب يسوع ان يعلن لهم شفائها وطاهرتها وغفران خطايها . واراد يسوع بكلامه هذا ان يرد للمرأة كرامتها وأعتبارها وأن يعيدها الي حياتها الطبيعية في أسرتها و مجتمعها العام . وكان المكان والزمان مناسبين لأنه تم قدام الكهنة والكتبة والفريسيين وجمهور الشعب . يقول لوقا : فلما رأت المرأة انها لم تختف ، جاءت وهي مرتعدة وخرت له ، واخبرته قدام الشعب لأي سبب لمسته ، وكيف برئت في الحال .
فقال لها يسوع ( ثقي يا أبنة ، إيمانك قد شفك ، أذهبي بسلام ، ولا تخطيئ ايضاً ) .
لم يمنحها يسوع الصحة والعافية الجسدية فقط لكنه أعطاها ووهبها ما هو أكثر كثيراً جداً من الذي طلبت . قدم يسوع لهذه المرأة العطية المجانية بجانب ما كانت تطلب في حدود مرضها بوقف دمها النازف لنحو اثنتي سنة . أعطاها الحياة بطولها وعرضها و استعاد لها ثقتها بنفسها . وهذا ما فقدته وكانت تفتقده كل حياتها . كما منحها الرب السلام مع الله و السلام مع المجتمع ورد لها الاعتبار المفقود والشرف المهدر الضايع . استرجع لها مكانتها الاولي وهو الامر المهم جداً بالنسبة لها بعد نيل الشفاء . وبهذا ستتمكن من ان تزاول حياتها الطبيعية في كل عمرها الباقي بثقة في النفس وكرامة بين الناس وسلام مع الله . أعطاها الرب هذا السلام الذي قال عنه : ( ( سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم . ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب . يوحنا 14 : 27
هذا لأن الوعد لكم هو الاتي : وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع . فيلبي 4 : 7
اقامة ابنة يايرس

واذا واحد من رؤساء المجمع اسمه يايرس جاء . ولما رأه خر عند قدميه.
وطلب اليه كثيراً قائلاً : ( ابنتي الصغيرة علي آخر نسمة ،
ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتشفي وتحيا ! ) مرقس 5 :22 – 23

بالرغم من ان يايرس هذا كان معلم ومسئول ديني كبير وهو من القادة الذين ينتمون الي طائفة الفريسيين . والفريسيين هم الطائفة الدينية الكبيرة في اسرائيل ومنها يتم اختيار رؤساء الكهنة والكتبة وغيرهم من المعلمين ورؤساء المجامع ايضاً . ويايرس لا يقل مكانة او رتبة وسمعة في الرتبة والمكانة الدينية القيادية المتقدمة التي كان يشغلها المعلم والفريسي الكبير نيقوديموس . ونيقوديموس هذا هو المعلم الذي زار يسوع ليلاً ، وأجري معه حوار دينياً عقائدياً روحياً تعليمياً مطولاً وعميقاً حول شتي المسائل اللاهوتية . زار نيقوديموس يسوع ليلاً ليس خشيةً وخوفاً من اليهود فقط . بل ايضاً لأنه كان يريد ان تتاح له الوقت الكافي والجو المناسب والمهيأ بعيداً عن الاعين وزحمة الجموع . اما عن اللقاء الذي تم بين يايرس والسيد المسيح يسوع . فقد كان هذا اللقاء هو اللقاء الاكثر جرأة أظهر فيه يايرس انه كان اكثر ايماناً وأكثر قوة في الارادة لأنه كان انساناً متحرر دينياً . وكان يايرس يتفوق علي جمع المعلمين بدرجات كبيرة في الثقة بالنفس بل كان أكثر انفتاحاً من زميله المعلم نيقوديموس المقيد بقيود التقاليد الدينية اليهودية المعقدة .
وربما كان ظروف يايرس الانية وحاجته الملحة لشفاء ابنته الصغيرة الوحيدة هو السبب الظاهر والرئيسي القوي الذي جعله يظهر ويبدئ ايمانه جهراً بيسوع . كان يمكن لهذا الايمان الذي اظهره يايرس بشخصية يسوع ان يقوده ويعرضه للمسائلة بل ويعرض حياته وسلامته للخطر والقتل رجماً بالحجارة حتي الموت . هذا بأعتبار انه خرج من خط السير الديني المعلن و اتبع شخص مجهول يعتبره اللاهوت اليهودي بمثابة الخروج علي الناموس والشريعة . فكيف لشخص يهودي بل ورجل دين ورئيسٌ لمجمع ان يفعل ما فعله يايرس في وضح النهار جهراً . كان في اثناء ذهاب يايرس الي يسوع بهذه الصورة نوع من المذلة والاهانة التي لا تليق بالقادة الديينين والمعلمين اليهود ورؤساء الشعب والكهنة . اذ كيف يعقل لأنسان في قامة يايرس الدينية ان يخر ويركع بل ويسجد عند قدمي يسوع . فهذا يعد عند اليهود بمثابة كفر صريح كما يعد فعل شنيع وتدني مهين للقادة والمكانة االوظيفة الرفيعة التي كان يشغلها . فالفريسيين وهم من صفوة اليهود الدينيين يليهم الصديقين وكل الاخرين من الطوائف الذين كانوا ينظرون الي يسوع بعين الشك والريب ولهم فيه ملاحظات عديدة وشتي . فما قام به يايرس بالفعل كانت عملية من العمليات التي تعد خرقاً للناموس، بل كانت فيه نقاط كافية لأدانة يايرس بالتجديف والكفر والخروج من الايمان الالهي والشريعة وناموس موسي . لكن يبدو ان الفريسيين كانوا متعاطفين كثيراً مع يايرس لا سيما ان حالة ابنته المتأخرة كانت تذداد سوءاً يوماً بعد يوم وربما طلب يايرس منهم السماح له بالذهاب الي يسوع طلباً لشفاء ابنته . هذا هي الفرضية المنطقية والاقرب الي الصحيح عندما نتحدث عن رئيس مجمع في قامة يايرس محاولين ايجاد التبريرات والمبررات له . ونقول بأن هذا هو الامر الذي جعلهم يغضون الطرف عن الامر كله . لآن الضرورات أحياناً تبيح المحظورات ! هذا ان جاز لنا التعبير والتبرير ليايرس هنا .
قلنا أن يايرس كان رئيس لمجمع يهودي محترم ومقدر عند شعبه . وكانت له مكانة الخاصة عند سائر القادة من الفريسيين الصديقيون وغيرهم . و ما لا شك فيه هو ان بعض هؤلاء القادة كالعادة كانوا متواجديين في وسط الجمع عندما جاء يايرس ليتحدث مع يسوع طالباً منه التكرم بالذهاب معه الي بيته ووضع يده علي أبنته الصغيرة المريضة جداً .
وهذه هي الحالة التي ذكرها يايرس وهو يصف حالتها ليسوع ، أنه تركها علي آخر نسمة . لكن حدث أمر طارئ وغريب أثناء حوار يايرس مع يسوع ووهذا الامر الطارئ أدي الي توقف سير الموكب الذي كان يسير بخطوات متسارعة الي حد ما في اتجاه منزل يايرس وشفاء أبنته قبل فوات الاوان . كانت تلك الحادثة الطارئة هي حادثة المرأة النازفة التي مدت يدها و لمست بأصبعها هدب ثوب يسوع . وقد تابعنا معاً كيف غيرت تلك اللمسة مجري الحدث والحديث الذي كان يجري ويدور بين يسوع ويايرس . فقد توقف الموكب فجأة وسط ذهول الجمهور الذي كان يزحم يسوع وهم مستعجلين ربما أكثر من يابرس . فاضطر يايرس الذي كان يبدو علي وجهه علامات الاضطراب والقلق والشفقة اضطر غصباً عنه ان يحترم الموقف . وتنازل رئيس المجمع الذي يعرف أداب الحديث وأعطي الفرصة الكاملة ليسوع الذي كان مهتماً جداً بأمر المرأة التي لمست ثوبه ! .
وما ان انهي يسوع حديثه مع تلك المرأة وابتدأ في التحرك والسير مع يايرس الي داره . حتي جاءهم قوم من دار رئيس المجمع يايرس قائلين : ( ابنتك ماتت ! . لماذا تتعب المعلم بعد ) . فكان لهذا الخبر الصادم وقع مؤلم جداً للجميع وبالاخص يايرس والد البنت المريضة ,فقد كانوا كلهم يؤمنون بأن يسوع يستطيع ان يشفي المرضي . وكان هذا هو أقصي حد ودرجة لإيمانهم بيسوع ولم يخطر ببالهم أن يسوع يمكن ايضاً ان يقيم الموتي . جزع يايرس و ارتجفت أوصاله وجحظت عيونه بل خارت قواه وكاد ان يسقط علي الارض مخشياً عليه . فقد ماتت ابنته الصغيرة الحبيبة فلذة كبده الوحيدة فيا للخسارة الفادحة ان تموت البنت قبل ان يصلها الرب يسوع الذي كان حتماً سيشفيها يا للخسارة الكبري فقد ضاع الامل . لا فائدة يمكن ان يرجي من يسوع بعد الان . فما الذي سيفعله يسوع بعد الان والبنت قد ماتت ؟ وكان يايرس يحدث نفسه في صمت قائلاً : ( ما الذي سيتغير حتي ان ذهب يسوع معي الي البيت فقد ماتت البنت وانتهي كل شيئ وذهب الرجاء والامل أدراج الرياح فهذه الحقيقة الاكيدة : تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ! ). وكان يايرس الحيران المحبط جداً يتفرس في وجه يسوع متمنياً ان يري خلاله بارقة أمل ما تغير الحسابات وتعيد البنت الي الحياة . فهل أنتهي كل شيئ فعلاً ؟ أم أن يسوع يستطيع ان يفعل له معجزة ما تعيد ابنته الي الحياة ؟ هكذا تواترت الاسئلة الكثيرة في عقل وفكر يايرس . بل بدت أن حالة يايرس المعلق لأقصي الدرجات بين الأمل وفقدان الأمل يتأرجح بين الايمان والقلق . وكان يردد في نفسه ليت يسوع يفعل شيئاً يستطيع به ان تعود بنتي الوحيدة التي أحبها وتحبني و الان ماتت . ليت ان الرب يسوع يستطيع ان يعيدها بقدرته الفائقة الي الحياة مجدداً .
نعم كان يايرس الوالد المحب الحنون الذي يحب ابنته الوحيدة، وكانت البنت ايضاً تحب والدها حباً كثيراً . وهذا أمر طبيعي في كل الناس فالاباء يحبون الابناء من الاولاد والبنات . كما أن البنات والاود يحبون الاباء والامهات فهذا ليس بالامر الجديد . لكن عند يايرس كان الامر مختلفاً جداً حسب ظنه وفكره لأن حبه لبنته الوحيدة كان تعلقاً وعشقاً وهوي . وهنا ان يايرس استسلم للأمر الواقع وظل يسير خلف الرب يسوع الي منزله كالفطل الصغير الذي يجري وراء أبيه الذاهب الي الدكان ليشتري له الحلوي ! وكان يايرس اليأس يردد في قلبه أعظم وأطول ما ردده طوال عمره من الصلاةً والدعاء . أرجوك .. وهو يتولو في نفسه أرجوك يا يسوع ان تفعل معجزة تعيد لبنتي وان تعيد لها نسمة الحياة . فأنا أحبها ولا أعرف كيف ستكون شكل حياتي بدونها ؟ وما جدوي الحب مهما كان كثيراً او قليلاً ان يفعل بعد الان وقد فات الاوان . انتابت يايرس نوع وحالة من الارتباك و القلق الشديد والخوف الظاهر. فأحس يسوع طبيب النفوس وفاحص القلوب والكلي ، أحس وشعر بالحالة الصعبة التي ألمت بالرجل فجأة بعد ان سمع بنباء وفاة ابنته .
فقال يسوع مطمئناً يايرس رئيس المجمع الذي بدأ كالقشة في مهب الريح ، : ( لاتخف ! أمن فقط . فهي تشفي ! ) .
كاد يايرس ان يقول ليسوع ألم تسمع جيداً ما قالوه يا معلم ! فما قاله هؤلاء هو أن بنتي قد ماتت يا يسوع خلاص الأمر انتهي . مافي تاني أمل اترجاه الا أملي الباقي فيك أنت . فأنت يا يسوع وكل أملي الباقي وكل حياتي الباقية سيبقي أضحت بموت بنتي الوحيدة وهم وسراب فليتك ترد لحياتي الامل والرجاء .
بدأ أن الجمع كله كانوا ومعهما التلاميذ يتعاطفون ويبدون الشفقة علي يايرس وهم يعزونه بكلمات ما . بينما كان يسوع مصراً علي أكمال الرحلة الي بيت يايرس . أستسلم يايرس استسلاما كاملاً وظل محتاراً في نفسه وهو يفكر في يسوع . ما الذي يمكن ان يفعله يسوع بعد ان ماتت البنت ؟ . فالبرغم من ان يايرس جاء وخر وسجد ليسوع كرب واله الأ أن ايمانه الشخصي بيسوع لم يكن كافياً لدرجة تجعله يؤمن بأن يسوع هذا يمكن ان يقيم الموتي ايضاً . و لم يكن في حاله أفضل من حال الذين أخبروه بأن البنت ماتت ولا داعي لأتعاب المعلم ايضاً . فقد بانت حالة اليأس الكامل مسيطراً علي الجميع بلا استثناء الا يسوع . كان ايمان يايرس مثل ايمان سائر الشعب ان هذا المعلم والنبي الجديد يمكن ان يشفي المرضي وكفي . لم يراودهم أدني فكرة بأن يسوع هو رب الحياة والقيامة ايضاً
وصل يايرس ومن معه وبصحبتهم يسوع الي البيت . كان كل الحاضرين من أسرة البنت أمها أخوانها أخواتها والجيران وألاهل والأقارب علي يقين تام بأن البنت قد ماتت . وكانت الاستعدادات تجري علي قدم وساق تحضيراً لأقامة مراسم الجنازة والدفن . فقط كانوا ينتظرون وصول يايرس والد البنت ومن معه . فلما دخل يايرس برفقة من معه الي البيت وجدوا الجميع يبكون عليها ويلطمون الخدود ويزرون التراب علي ؤوسهم في الهواء . فقال لهم يسوع : ( لاتبكوا . لم تمت لكنها نائمة ) . فضحكوا عليه ، لأنهم كانوا عارفين متيقنين ومتأكدين انها ماتت . دخل يسوع الي حيث كانت البنت ترقد . لم يدع احداً يدخل معه الأ بطرس ويعقوب ويوحنا وأبا الصبية وأمها .
فعلت الاصوات بالعويل والبكاء والنواح والمزمرين كانوا يزمرون بالحان الموسيقي الجنائزية الشجية الحزينة . بينما ذهب الشباب الي المقابر لتجهيز وأعداد مكان الدفن في المقبرة الخاصة بأسرة يايرس . هذا مع العلم بأن المقبرة كانت جاهزة لكن جرت العادة بأن يقوم الناس بقتح المقبرة وأزحة الجثث القديمة الي ناحية وترتيب وأعداد المكان الخاصة بالزائر او الزائرة الضيفة الجديدة في القبر .
يقول مرقس ايضاً بهذا الخصوص . فجاء الي بيت رئيس المجمع . ورأي ضجيجاً . يبكون ويولولون كثيراً . فدخل وقال لهم : ( لماذا تضجون وتبكون ؟ لم تمت الصبية لكنها نائمة ) . . أما هو فأخرج الجميع. وأخذ أبا الصبية وأمها والذين معه ودخل حيث كانت الصبية مضجعةً ، وأمسك بيد الصبية وقال لها : ( طليثا قومي ! ) الذي تفسيره يا صبية لك أقول : قومي . وللوقت قامت الصبية ومشت ، لأنها أبنة أثنتي عشرة سنة . فبهتوا بهتاً عظيماً . فأوصاهم كثيراً أن لا يعلم أحد بذلك . وقال ان تعطي لتأكل . مرقس 5 : 38 – 43
الي فقد هنا تأكد ليايرس وهو يمسك بأيدي ابنته الحية بكلتا يديه ويحتضنها في عناق حار والدموع تغرق عينيه ووجهه وهو يجهش بالبكاء والنحيب . تأكد ليايرس بأن ايمانه كان صادقاً وصحيحاً في الرب يسوع المسيح الطبيب الخاص عندها خر وركع وسجد مجدداً ليسوع . بل تأكد رئيس المجمع اليهودي بأن إيمانه لم يكن بدافع الرياء والنفاق بل كان إيمانناً صحيحاً برب الحياة الذي جاء ليرد الأمل الي القلوب المنكسرة ويعيد الحياة الي كل الذين فقدوه .
في تلك اللحظة هب يايرس واقفاً وترجل في أنشاد المزمور 51 لداود وهو يترنم قائلا : ( قلباً نقياً أخلق فيُ يا الله ، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي . لا تطرحني من قدام وجهك ، وروحك القدوس لا تنزعه مني . رد لي بهجة خلاصك ، وبروحٍ منتدبة أعضدني . فأعلم الإثمة طرقك ، والخطاة إليك يرجعون . مزمور 51 : 10 – 13
جاء يسوع من عند الله الاب وهو الرب جاء وهو الكلمة التي كانت عند الاب منذ الازل . جاء ليعطي الحياة بعداً جديداً ومعني أوسع وطعم ومذاق أشهي وأحلي . جاء ليشفي المنكسري القلوب جاء ليعيد الامل للذين فقدوه والفرح للذين لم يروا الفرح ولم يفرحوا ابداً . كما جاء لعتق أسري القلوب الذين قيدهم أبليس بسلاسل وقيو من حديد جاء ليكسر النير ويطلق اسري الخطايا والذنبوب احراراً .
وكان يسوع يعمل عمل ابيه ليل نهار بالقوة والسلطان مادام الوقت هو الان .
ولم يكتف بهذا بل أعطي هذه القوة والسلطان لكل الذين قبلوه وأمنوا به رباً ومسيحاً فادياً ومخلصاً .
في سفر الملوك الثاني في العهد القديم وردت قصة نبي الله اليشع وحادثة أقامة ابن المرأة الشمونية من الاموات . وهذه القصة تشبه الي حد كبير أقامة الرب يسوع المسيح لأبنة يايرس . فدعونا سرعياً نمر مرور الكرام علي تلك القصة التي تأكد لنا بأن الله كان يعمل العجائب والمعجزات في الازمنة القديمة ايضاً . والله هو الله منذ الازل والي الابد سيظل هو الله القادر علي كل شيئ ولا يعسر عليه أمرُ . فبالايمان يستطيع المؤمنين حتي في زمننا الحاضر ان يعملوا عجائب وعظائم وأن يجروا القوات و المعجزات بقدرة الله . هذا حسب قول الرب يسوع المسيح لتلاميذه ولنا أيضاً . وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً . الحق الحق أقول لم : إن كل ما طلبتم بأسمي يعطيكم . الي الان لم تطلبوا شيئاً بأسمي . أطلبوا تأخذوا ، ليكون فرحكم كاملاً . يوحنا 16 : 24 – 24
اما قصة أقامة أبن المرأة الشمونية في العهد القديم والتي تشابه اقامة الرب يسوع لأبنة يايرس . فهذه كلها تحكي عن الايمان وفعالية الصلاة في كل زمان ومكان . كان اليشع في تجواله يتردد كثيراً في ناحية قرية شونم وكان في هذه المنطقة أمرأة شمونمية قيل أنها غينة وثرية . ومع غناها وثراها كانت تمتاز بالسخاء والكرم في العطاء . والملاحظ ان الغني والثراء قل أن يتقترنان ويجتمعان في آن واحد بالكرم والسخاء في العطاء . لأنه حيث دخل الكرم بالباب خرج الغني بالشباك ! لكن هذه الصفات في بعض حالات تجتمع وتتوفر وتوجد عند البعض والمرأة الشمونية كانت واحدة من هؤلاء البعض القليلين النادرين . علي كل حال كانت هذه المرأة الفارسة الجوادة تستضيف رجل الله وخادمه اليشع و كل الخدام او الانبياء الذين معه في بيتها كلما زاروا شونم وأحبوا الاقامة فيها . ولفت سخاء المرأة قلب رجل الله اليشع بل انه أحب أن يرد لها جميل طيبة قلبها وكرمها الجزيل . فأستشار اليشع خادمه جحيزي بماذا نكرم هذه المرأة الطيبة القلب والخصال ؟ فأجابه جحيزي ياسيدي لا أظن بأنها تحتاج منا لشيئ لأنها مؤسرة وتنعم بالكثير وأنت براك شايف يا سيدي نبي الله كيف تكرمنا وتغدق علينا كل ما لذ وطاب مما لا نحلم به من الخيرات . فطلب اليشع من جحيزي ان يستدعي المرأة . وعندما مثلت أمامه . فقال له : ( قل لها : هوذا قد أنزعجت بسببنا كل هذا الازعاج ، فماذا يصنع لكِ ما يتكلم به إلي الملك او الي رئيس الجيش ؟ ) . فقالت : ( أنما أنا ساكنة في وسط شعبي ) ثم قال : ( فماذا يصنع لها ؟ ) . فقال جحيزي : ( أنه ليس لها آبنٌ ، ورجلها قد شاخ ) . فقال أدعها فدعاها ، فوقفت في الباب . فقال : ( في هذا الميعاد نحو زمان الحياة تحتضنين أبناً ) . فقالت : ( لا يا سيدي رجل الله . لا تكذب علي جاريتك ) . فحبلت المرأة وولدت آبناً في ذلك الميعاد ، نحو زمان الحياة ، كما قال لها اليشع . ملوك الثاني 4 : 13 – 17
كبر الغلام تحت رعاية ابيه وأمه ٌ وصار فتاً يافعاً حسناً جميلاً وكان خير عون وسبب فرح لهما في شيخوختهما . لكن فيما بعد الوقت وهو يساعد والده في الحقل وقت الحصاد ألم بالشاب مرضاً سريعاً ولم يمهله المنية فمات بين أحضان أمه . وبالتالي لم تحتمل الشمونية صدمة موت أبنها الوحيد ، فأخذت أبنها الميت الذي اعتبرته هدية من النبي اليشع وعطية مجانية من الله . أخذته الي حجرة اليشع وأرقدته علي سريره وثم خرجت سريعاً الي رجلها في الحقل وأخبرته بضرورة ذهابها العاجل الي اليشع ! ومن ثم أنصرفت بصحبة أحد الغلمان .
وكان رجل الله وقتها يقيم في جبل الكرمل الغير بعيد من شونم . وصلت المرأة الملكومة الي حيث كان رجل الله الذي ما أن رأها من بعيد وهي تركض مهرولة من التعب والأعياء تلهث بانفاس متقطعةً نحوه حتي علم في نفسه أن مكروهاً ما قد أصاب المرأة .
وأنطلقت حتي جاءت إلي رجل الله إلي جبل الكرمل . فلما رأها رجل الله من بعيد قال لجحيزي غلامه : ( هوذا تلك المرأة الشمونية . أركض الان للقائها وقل لها : ( أسلام لك ؟ أسلام لزوجك أسلام للولد ؟ فقالت ( سلامٌ ) وفلما جاءت إلي رجل الله إلي جبل الكرمل أمسكت رجليه . فتقدم جحيزي ليدفعها ، فقال رجل الله : ( دعها لأن نفسها مرةٌ فيها والرب كتم عني ولم يخبرني ) . فقالت : ( هل طلبت أبناً من سيدي ؟ ألم أقل لك لا تخدعني ؟ ) . ملوك ثاني 4 : 25 28
فقام رجل الله اليشع وجاء مع المرأة الشمونية الي بيتها ودخل الي حجرتة حيث كان جثمان الولد الميت مسجي علي السرير .
ودخل اليشيع البيت وإذا بالصبي ميتٌ ومضجعُ علي سريره . فدخل وأغلق الباب علي نفسيهما كليهما وصلي الي الرب . ثم صعد وآضطجع فوق الصبي ووضع فمهٌ علي فمه . وعينيه علي عينيه ويديه علي يديه ، وتمدد عليه فعطس الصبي سبع مرات ، ثم فتح الصبي عينيه . فدعا جحيزي وقال : ( أدع الشمونية ) . فدعاها . ولما دخلت إليه قال : ( أحملي أبنك ) . فأتت وسقطت علي رجليه وسجدت علي الارض . ثم حملت أبنها وخرجت .
هكذا كان الله يعمل العجائب ويصنع المعجزات في كل العصور وما زال الرب بطرق مختلف يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل يصنع العجائب والمعجزات لليحدث كل جيل الجيل الذ سيأتي بعد بكم أحب الرب وصنع معه وفي وسطه العجائب .
الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه .
الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا . يوحنا 4 : 24
بهذه المحبة الازلية الابدية تكاملت وأكتملت خطط الله لخلاص البشر بالايمان . فبالأيمان وحده يمكن أرضاء الله . ليس لشيئ صالح فينا عملناه ولا لبر ذاتي موجود فينا لكن بدم ابنه الزاكي الثمن . دم الرب يسوع المسيح الذي أريق وسفك علي الصليب بهذا الدم نستطيع ان نتبرر أمام الله .
وهذه هي مشيئة الله القاصدة وأرادة الله العاملة الفاعلة فينا .
فكيف ننجو نن أن أهملنا خلاصاً بهذا المقدار قد سبق الله وأعده لنا لنخلص ؟



















بارتيماوس الاعمي

فأجاب يسوع وقال له : ( ماذا تريد ان افعل بك ؟ )
فقال له الاعمي يا سيدي أريد ان ابصر ! )
فقال له يسوع : ( أذهب ايمانك قد شفاك ) . مرقس 10 : 51 - 52

أحسب ان نعمة حاسة البصبر والعيون واحدة من أعظم نعم الله علي البشر . وهي واحدة من الحواس الخمسة التي خص بها الله الأنسان علي وجه الخصوص ليمكنه من الرؤية وأستشعار الاشياء من القرب والبعد ومن ثم التعامل معها ايجاباً وسلباً لصالحه او تفادياً ودرءاً للمخاطر والأخطار الممكنة . نعم فكل المخلوقات لها أعين وتري الاشياء من حولها الا أن عيون الانسان فهي لست للرؤية والبصر فقط لأن لغة العيون أحياناً تكون ابلغ من لغة الكلام بالفم واللسان . وبالطبع فنعمة البصر او العيون هذه مهمة جداً لأنها تقلل من المخاطر التي تحدق بالانسان وتكسبه التمتع بالاشياء التي يراها . وفي كل الاحوال فأهمية العيون لا تقل بحال من الاحول او تقلل من أهمية الحواس الاخري بأي درجة من الدرجات . كما ان الاذنين يمنحانا خاصية سمع الكلام ومعرفة كل ما يدور من حولنا والتجاوب معه بالحديث وتبادل الكلام بالسان ايضاً. فمهمة حاسة السمع وهي التي تمكننا من سماع الاصوات والكلام وتبادل الحديث والتواصل بالاخر. الفم واللسان هما حاسة الذوق التي تهبنا لذة التمتع بحلاوة وطعم الاشياء عند الاكل والشراب . كما أن حاسة الشم أي الانف هو عضو ضروري فبالشم نتنسم الروائح الطيبة من الكريهة وغيرها والانف هو الجهاز الخارجي لعملية التنفس والاستنشاق . ويشكل الاطراف الخارجية من الانسان كالايادي والارجل والجلد حاسة اللمس . فكل هذه الاعضاء تتكامل وتتضامن مع بعضها البعض لتمنح الانسان وتهبه تلك المشاعر والاحاسيس . و الحواس الخمسة في جسم الانسان تنسجم فيه لتعطيه الصورة المثالية التي أراد الله ان يتميز بها هذا الانسان . وهكذا يعكس الانسان صورة الله المثالية الفائقة الجمال والدقة في أختصاص الاعضاء في الجسم السليم المعافي . اذاً فكل الحواس تتضافر مع بعضها وتتكامل لتؤدي واجباتها العضوية وتعمل معاً في اتساق وانسجام وتكامل لخدمة هذا الأنسان ، الذي خلقه الله علي صورته كشبهه .
أما عن الحاسة السادسة والسابعة فدعوني هنا أسميها علي طريقتي الخاصة جداً بحاسة الحواس الموجودة في العقل والفكر وجهازه الدماخ او الجهازي المركزي الرئيسي . أنني اسمهيا مجازاً بمركز الحواس كلها في عقل الانسان ووجدانه وخاطره . ومن هنا أي من العقل المركز الرئيسي تنطلق كل الاشارات وتدار كل المهام الوظيفية لسائر اجسد واعضاء الجسم . كما أن هذه الحاسة تعتبر حاسة غير عضوية كسائر الحواس العامة سالفة الذكر . لأن الحاسة السادسة هي الحاسة التي تمنح التميز بين الافراد في التفوق والابدع والتألق والتفرد . وهذه العينة النوعية من البشر التي خصها الله بهذه الخواص هم النخبة والصفوة الملهمين بالتفوق النوعي والتقدم الفعلي في سرعة البديهة والذكاء . وهذه الحاسة هي الحاسة الاكثر ايجابية من ناحية رفد البشر بالابداع العلمي التقني بمجمله والتكنولوجي . كما في الابداع الادبي بكل تشعباته من الفنون والاداب الجميلة الكثيرة المتنوعة المتفرعة . استدرك الان بأن المجال هنا ليس للخوض في هكذا أمور قد تبدو صحيحة او خاطئة لعدم الاختصاص وهي ايضاً معقدة . لكنها شترةٌ مني علي سبيل الخروج من النص الذي يمكنكم السماح به شاكرين . وأضيف في الختام بأن الحاسة السادسة والسابعة هي التي تفرز النجباء من العلماء والحكماء في الفكر والمعرفة والفهم والذكاء الاصطناعي والمنطق وهي امتيازات لا تتوفر لدي الجميع او عند عامة الناس . فالله في حكمته الالهية أختص البعض من البشر بهذ الخواص والميزات الاضافية الجوهرية لمنفعة الجميع في التقدم والنمو والازدهار والرفاه الانساني الكلي . وكل هذه تنداح علي باقي المواهب في الفنون والموسيقي كما في شتي المواهب الاكاديمية والعلمية الاخري .
والان دعونا نعود الي موضوعنا الرئيسي الا وهو قيمة العيون والبصر ونحن نتناول موضوع الرجل الاعمي . فقد اردت هنا أن أقول بأن حاسة البصر هي حقيقة نعمة قد لا يحس بها الا من فقدها او يفتقدها . كما أقول اكثر من ذلك بان كل عضو في جسم الانسان هو عضو مفيد ومهم جداً وله دوره الذي قد لا نعيره أهتماماً الا عندما نفقد هذا العضو . اذاً لا يمكننا الاستغناء بسهولة عن أي عضو من اعضائنا مهما كان صغير او تافهاً مقارنة بالاعضاء الاخري التي ننظر اليها بأنها مهمةٌ جداً . فحتي الاصابع الصغيرة في أطراف أرجلنا تأثر فينا أن فقدت و بدونها ربما نفقد الاتزان والاستقامة في السير والمشي . فكل الاعضاء الداخلية والخارجية لها وظائفها الخاصة وادوارها العامة المهمة ومتي اشتكي اياً منها تداعي لها سائر الجسم بالمرض والحمي والشكوي . وبتكاملها الاعضاء وتضافرها وانسجامها مع بعضها البعض تبرز الصورة الخارجية لهيكل جسم الانسان الذي يعكس تلك الصورة الجميلة للأنسان تاج الخليقة وموضع محبة الله . وهذا الانسان الجميل الصورة هو الصورة التي تعكس جمال ومحبة الله للأنسان . بالتالي خلقه وعمله علي ان يكون متميزاً عن سائر المخلوقات الاخري في الكون وهذا أمتياز وفضل كبير من الله للأنسان ينبغي ان نشكره عليها ونحمده دائماً .
وجدت العيون او حاسة البصر في أجسادنا لنري بها كل الكون وكل ما فيه من آيات الابداع والابتكار وألألق والروعة والجمال . وهذه تعكس لنا مدي قدرة الله وعظمته كما تعكس لنا الجمال اللا نهائي لمجد الله رب هذا الكون العجيب المدهش في السمو والرفعة . الله الذي خلق هذا الكون بكلمة قدرته هو الممسك بزمامه والأمر له بالسير بهذه الدقة و الاتزان والضبط والتحكم . وقوة الله الخارقة هي التي تقف وراء هذا الكون بأحكام فائق وضبطٌ محكم . عليه فالانسان مديون لله وعليه أن يسبح الله صباح مساء كما عليه ان يدور في فلك قدسه دائماً وفي كل الاوقات كما تعمل الملائكة في السموات وهي تردد : قدوس قدوس قدوس رب السماوات والارض ما أعظم وما أمجدك أسمك في الافلاك ، فلك وحدك يليق التسيبح والتمجيد والتعظيم والدوران في فلك قدسك ليل نهار.
أما عن العمي اوالعميان فأقول عنهم : أنهم يعدون ويشكلون طائفة كبيرة من الناس والعميان هم الفئة الاكبر من المرضي الذين نالوا الرعاية والاهتمام والعناية الفائقة بل الشفاء من طبيبهم الخاص الرب يسوع المسيح الرب الشافي . ذلك لأن الاصابات بالعمي تختلف من انسان لأخر فيوجد من يولدون وهم عميانين وأخرين يصابون بالعمي وهم صغار السن وكثيرين يتعرضون للأصابات بطرق مختلفة تسبب لهم الاهات البصرية الدائمة المختلفة . وبعض الامراض البصرية يمكن علاجها وأمراض كثيرة أخري لا يمكن علاجها وتظل عاهات مستديمة في شكل وصورة الانسان . أما الرب يسوع فقد كان هو الطبيب الوحيد الذي استطاع التعامل مع كل الاهات البصرية بصورة جذرية وعالجها علاجاً كاملاً ناجعاً لأنه هو أبن الله .
ولا يزال العميانين يتواجدون في كل مكان في الطرقات والشوارع والازقة في كل مكان في العالم . وقد تواجدوا في الازقة والشوارع التي سار فيها الرب يسوع المسيح وعبر خلالهم . فقد كانوا يتواجدوا في المدن والقري والمجامع والاسواق وابواب ومداخل الهيكل الرئيسية . والعمي مرض عضال يفقد صاحبه نعمة النظر والبصر كما قلنا وبالتالي يجعله كالمشلول والمقعد الاصم . الانسان العميان يحتاج الي من يلازمه ويمسك بيده ويقوده الي حيث شاء او لم يشاء فهو يقاد وينقاد الي المكان الذي يريده وأحياناً الي الاماكن التي لا ينوي او يريد الذهاب اليها !.
ولا غرابة ان ارتبطت عاهة العمي في كل الازمنة والامكنة في التاريخ والجغرفيا بحرفة الشحدة والتسول ، ذلك لأن العميان لا حول له ولا قدرة اوقول . فالانسان العميان حقاً لا حول ولا قوة له في الخروج والدخول ولا حيلة له لطرق ابواب العمل والرزق . ذلك لأن داء العمي الذي يسد العيون يسد ايضاً ابواب العمل والرزق أمام صاحبه . بهذا تغلق كل سبل الكرامة والحياة الكريمة تماماً في وجوه العميانين . وأيضاً بهذا تضيق فرص العمل والانتاج لديهم فيلجئون الي خيار وأختيار سبل الرزق كأضعف الايمان اللجوء لاتخاذ التوسل عملاً ومصدراً للرزق .
كان بارتيماوس وهو رجل أعمي شهير يعيش في نواحي وتخوم أريحا . وقد عرف بارتيماوس بأسلوبه الخاص في جذب انتياه الناس وشدهم ولفت أنظارهم الي التعاطف معه في العطاء بجود وكرم فياض . ذلك لأنه كان ماهر يجيد الكلمات الرنانة واطلاق العبارات اللفظية العاطفية المصحوبة بالالحان شجية المموسق التي تلفت الانتباه وتهز القلوب وتلينها وهنا لا يقدر المارة العابرين الا ان يلتفتوا اليه ويكرموه . وبهذه الطريقة البارعة تمكن بارتيماس من كسب ود الناس اليه وجعلهم يجزلون له العطاء برضي ودون من . سمع بارتيماوس الاعمي كثيراً عن يسوع وسمع عن المعجزات وايات الشفاء التي كانت تجري علي يديه . فقد سمع بشفاء الرجل الابرص والمرأة نازفة الدم وسمع عن احياء واقامة ابنة رئيس المجمع يايرس بعد موتها . لكن يبدو ان بارتيماوس كان مشغولاً بعمله المربح الذي يدر عليه يومياً مبالغ ودخل مقدرة يحسده عليه حتي الاصحاء من الناس. فما يحصل عليه بارتيماوس من الشحدة والتسول لا يكسبه الذين يكدون ويعملون ويبذلون الجهد بالعرق لكسب قوت يومهم بالكاد . وهذا ما جعل بارتيماوس غير مكترث بأمر الشفاء من العمي الذي يمكن ان يناله من الرب يسوع طبيبه الخاص متي اراد ذلك وذهب اليه او طلبه . كما كان أهله وهم المستفيدين الاول من هذا العمل وما يكسبه يومياً ويأتي به اليهم من أموال كانوا يفضلون استمراره في حرفة ومهنة الشحدة وجني الاموال الكثيرة لفائدتهم . وبالتالي ايضاً غض أهل برتيماوس النظر عن اخذه والذهاب الي يسوع حتي لايفقدوا مصدر رزقهم المضمون !
لكن في ذات صباح خرج بارتيماوس مبكراً كعادته الي مكان عمله في الطريق الرئيسي العام الذي يربط بين أريحا وأورشليم . كان شمس ذاك اليوم شمساً مشرقاً والجو معتدلاً ، وحركة الناس دؤوباً ذهاباً واياباً باتجاه أريحا ومن والي أورشليم .
فقد كان يسوع مقيماً في اريحا منذ بداية ذاك الاسبوع وهو يعلم ويشفي كثيرين من المرضي و يعين ضعفات الضعفاء بل ويخرج الشياطين ويسدد كل الأحتياجات . وهذا ما جعل اسبوع مدينة أريحا اسبوعاً نشطاً جداً بكثرة الجمهور الوافدين اليها علي غير العادة . في تلك الايام نشطت السياحة والتجارة ودب الروح في اقتصاد اريحا بعد فترة طويلة من الكساد الذي سادها . فبوجود يسوع المسيح هنا زاد الحرك التجار والسياح وقلل من نسبة الجمود والكساد وهذا جعل سكان وأهل أريحا في وضع معيشي مريح وتحرك في نفسهم روح السخاء في العطاء . وبالتالي تعاطف الناس جميعاً من الاغنياء الاثرياء وميسوري الحال مع الفقراء من المساكين والايتام والارامل والمتسولين بكرم وجود جزيل . كسب الشحادين الكثير من الصدقات وجنوا مبالغ مقدرة من الاموال وكان بارتيماوس واحد منهم وقد رفع هذا من روحه المعنوية كثيراً وارتاح نفسياً وشكر الرب وتمني ان يدوم أقامة يسوع المسيح طويلاً في أريحا وهذا كان كل الهم الذي يطمه ويطمح ويصلي لأجله .
لكن في تلك الاثناء وفيما كان يسوع خارجاً من أريحا مع تلاميذه والجمع الغفير الذي كان معه هنا في أريحا . وكانت تلك الايام هي الأيام التي صادفت أقامة الرب يسوع في بيت زكا العشار تقريباً . فبعد أن نزل زكا من الجميزة التي صعد اليها ليتمكن من رؤية الرب يسوع قال له الرب: ( يا زكا أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك ) . وقد رأينا كيف تصالح زكا مع نفسه ومع الله ومع كل الناس حوله . ليس هذا فحسب بل أقدم زكا علي عمل بطولي خيري كبير جداً بل ومدهش ومذهل معاً . فقد قام زكا بالأدلاء بتصريح العلني الشهير بأرجاع أمول كثيرة جداً لكل من وشي بهم ووصلت الارقام الي اربعة أضعاف المبالغ التي أخذها منهم . ومن جانب اخر تنازل زكا عن نصف أمواله لأجل المساكين والفقراء من الأيتام والارامل . وهذا هو الامر الذي أنعش الاسهم المالية في بورصة أريحا وأنعش أقتصادها بالدرجة الاولي والكبري .
وقد حظي بارتيماوس الاعمي مثله مثل انداده الاخرين بقدر لا بأس به من الاموال التي تصدق به زكا للمساكين . وكان بأمكان بارتيماوس في تلك الايام أن يأخذ قسط ويرتاح العمل او حتي أن يأخذ الاجازة والراحة ان لا يخرج من بيته الي سوق العمل او الشحدة . لكنه كان لا يحب العطالة والرمتلة والقعاد في البيت ابداً لهذا السبب خرج بارتيماوس الي السوق الكبير في اريحا في ذلك اليوم ايضاً . وبينما كان بارتيماوس جالساً علي الطريق يستعطي ومشغولاً بما كان يتلقاهو من الناس وهو قابع في ركن الزاوية في الاستراتيجية حيث يتزاحم المارة ذهاباً واياباً . هنا كان في هذا المكان كان بارتيماوس يتواجد بأستمرار وهو يمارس عمله وحرفته وكان يستعطي ويجمع الاموال من الناس بأسلوبه الخاص . وتلك كانت كل حلمه وأمنيته في الحياة . نعم كان هذا أكثر ما كان يرجوه هذا الرجل وينتظره من الله نعمة جمع المال بهذه الطريقة المذلة المهينة . ولكنه وفي لحظة ما في تلك الاثناء سمع بارتيماوس صراخاً وضجيجاً مرتفعاً عالياً فهب واقفاً واستفسر سائلاً : ما الذي يحدث هنا الان ؟ فسمع من بعضهم يقول له اليوم هو يومك يا بارتيماوس فأسرع ولا تأجل أنه يسوع الناصري الذي سيغبر من هنا . وللحظة تغير فكر بارتيماوس تماماً كما لو ان روحاً ما لمسته للحظة فهب من مكانه كالمذعور وابتدأ يصرخ وهو يقول صوته : ( يا يسوع أبن داؤد ، أرحمني ! يا يسوع أبن داود أرحمني!) . فأنتهره كثيرون ليسكت ، فصرخ أكثر كثيراً :( يا ا أبن داؤد، أرحمني !)
وكان بارتيماوس يصرخ بأعلي صوته وينادي بكل قوته كمن مسه جان ، يا يسوع يا أبن داؤد أرحمني !
اخترق صوت بارتيماوس جدار الصد والصوت واخترق صياح ضجيج الجمهور الغفير الذي كان يحاول اسكاته ووصل صوت بارتيماوس المدوي بالاستنجاد والاستغاثة الي أذان طبيبه الخاص الرب يسوع المسيح .
فوقف يسوع وأمر ان ينادي .
وهنا تغيرت لغة الجمور الذي كان يزجره ويطلب منه ان يسكت ، وفي لحظة تحول لغة الأنتهار والزجر والمنع الي لغة اللطف والتعاطف والمساندة . اذ وجدت صرخات بارتيماوس التجاوب السريع والاستحسان من اؤلئك الجمهور وسرعان ما أنعكست الاية وفي لحظة تقلبت الاهواء وتغيرت المواقف عند البشر .
فنادوه بحماسة قائلين له ( ثق ! هوذا يناديك . فطرح ردائه وقام وجاء الي يسوع .
فأجاب يسوع وقال له ماذ تريد ان أفعل بك ؟
فقال الاعمي : ( يا سيد أريد ان ابصر ) .
فقال له يسوع : أذهب . إيمانك قد شفاك ) . فللوقت ابصر ، وتبع يسوع في الطريق . مرقس10 : 46 52
قال الجمهور الغفير لبرتيماوس ، ثق هوذا يناديك . هذا هو طلب الجمهور الذي وجهه الي بارتيماوس ليس فقط ان يثق في الرب يسوع المسيح مجرد الثقة الغبية البليدة العمياء . لكنه طلب منه ان يؤمن بيسوع المسيح حتي ينال منه ما يريد . فقد تعلم هذا الجمهور الذي تفرغ عن اشغاله وترك كل أعماله الاخري وظل يتبع يسوع . تعلم الجمهور بأن الشرط الوحيد الأوحد لكل من يأتي ويطلب حاجة من يسوع هو ان يثق ويؤمن الانسان بالرب يسوع المسيح لينال كل ما يريد . وبالايمان بالايمان وحده ينال كل انسان كل ما يريد و يبغي ويشتهي . لذلك قال الجمهور للأعمي بصوت واثق ومؤمن . ثق ! أي أؤمن . ويقولون اليتيم ما بوصوه علي البكا . انتفض الأعمي من جلسته تلك وهب ثأثراً كالثور الهائج في نوبته . ركض الاعمي جاريا في اتجا صوت الرب يسوع المنادي والجموع كانت تفسح له المجال وتفتح له الطريق حتي وصل عند يسوع ووقف امامه أمامه مباشرة فقد تعاملت كل حواسه الستة معاً فكان كمن يسمع ويبصر ويشم ويلمس !
فسأله يسوع سؤاله التقليدي الذي كان يسأله لكل من يأتي اليه .
ماذا تريد ان افعل بك ؟
فقال له أريد أن أبصر !
سؤال مؤجز وقصير محدد من يسوع وجهه الي بارتيماوس . وأجابة بارتيماوس هو ألأخر بجاوب قصير مختصر . قائلاً له : ( أريد ان ابصر ! ) .
وتلك كانت كل الامنية والطلب والمراد والعشم الذي طلبه بارتيماوس من يسوع . ونذكر هنا اان يسوع كان محاطاً بعلم سابق عن هذا الاعمي . وكان مجيئه الي أريحا وخروجه عبر هذا الطريق والباب الرئيسي ليست صدفة وضربة حظ صادف بارتيماوس . بل لقاءاً ودياً مخطط له مسبقاً . فقد هيئا الرب يسوع المسيح الظرف الزماني والمكاني لهذا اللقاء الذي جمعه مع بارتيماوس الذي لم يكن من قبل يفكر بأهمية هذا اللقاء . جاء يسوع ليطلب ويخلص ويشفي المرضي ويكفر عن الخطايا وهذا ما تم في وقته ومكانه المحددين للأعمي بارتيماوس.
فقال له يسوع : ( أذهب ايمانك قد شفاك ) . وللوقت أبصر بارتيماوس !
فما الذهب فعله بارتيماوس بعد ان نال الشفاء ورأت عيناه المغمضتين لزمن طويل النور وابصر الناس والحياة من جديد .
لم يذهب بارتيماوس في حال سبيله الي بيته وأهله واسرته ليخبرهم بالبشارة السارة انه قد شفي وهو الان الان أمامهم بصيراً . نعم فها هو الان يبصرهم ويراهم بأم عينيه وهو سوف لن يحتاج من بعد الان الي معرفتهم من سماع أصواتهم كما انه لن يكلف أحداً منهم ليقوده في الطريق .فهو الان لم يجد فقط الطريق ، بل وجد الحق والحياة . لم يذهب بارتيماوس الي بيته والي أهله ليخبرهم بآية الشفاء الذي ناله من يسوع .
لكنه بالاحري أي بارتيماوس قام وتبع يسوع طبيبه الخاص في الطريق الي الحياة الافضل .
واتخيل بارتيماوس وهو يتبع يسوع في كل الطريق في كل يوم . اكاد اسمعه وهو يردد ويسبح مع الجمهور الغفير هذه الترنيمة العذبة الحلوة المعزية لكل من يحب ان يتبع الرب يسوع في الطريق .
صممت أني اتبع يسوع . 3
اتبع يسوع بلا رجوع
العالم خلفي يسوع أمامي 3
اتبع يسوع بلا رجوع
وهوذا اسمعه منه وهو ينادي بتسايبح النشيد . أسمعوا يا أصدقائي رحمة الفادي المجيد . ليتما كل ضرير يعرف الشافي الوحيد لينال منه ما يري
قام بارتيماوس وتبع الرب يسوع المسيح في الطريق . بل سار معه كل باقي الطريق . حتي في الطريق الي الجلجثة كان بارتيماوس بين الحضور وهو يتبع يسوع ويتقدم الجمهور بخطي حثيثة وبثقة وايمان لم يتزحزح ولم يتراجع . لم يتبع بارتيماوس الرب يسوع مختفياً ومندساً بين الناس لكنه تبعه جهراً وهو يشهد كم صنع به الرب يسوع و أحبه وصنع معه الكثير من الرحمة والعظائم والعجائب والانتصارت .
وفي جبل الزيتون وقف بارتيماوس مع اكثر من خمسمئة أخ . وقف بارتيماوس معهم وهم يودعون يسوع وهو يراه ويشاهده معهم بأم عينيه والمسيح يصعد ويرتفع الي السماء شيئاً فشيئا . كان المنظر مبهر للعيون ، والمشهد اكثر من سحر رائع يدهش القلوب ويأسر الالباب . فقد اسر يسوع قلب بارتيماوس حتي النهاية والي الابد !
































أبنة الكنعانية

واذا أمرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت
اليه قائلة : ( أرحمني يا سيد يا أبن داؤد ! ابنتي مجنونة جداً ) . متي 15 : 22

المرأة الكنعانية في الأصل وهي أمرأة أممية فينيقة من سوريا . وكانت تقيم في المنطقة الشمالية الغربية للبحر الابيض المتوسط حيث تقع مدينتي صور وصيدا . وقصة هذه المرأة ولقائها مع الرب يسوع تعكس لنا بجلاء ووضوح مدي تجذرة الازمة الحقيقة بين اليهود ونظرتهم العنصرية لسائر الامم والشعوب الاخري. وهذه القصة تبين عمق تلك المعاناة التي يعيشها الامم المقييمن بين اليهود اوالعائشين معهم وفي وسطهم . فقد كان اليهود يتميزون بالكبرياء والاستعلاء وارتقي هذا الاستعلاء العنصري الي نوع من العداء البين الواضح والتعالي المفرط ضد كل انسان أممي او غير يهودي . استغل اليهود كونهم شعب الله المختار استغلالاً خاطئأ وسيئاً جدا ولا يزال هذا الاستعلاء الغير مبرر مستمر الي يومنا هذا ! .
فكون أن الله قد اصطفاهم من بين كل الشعوب وألامم وأكرمهم بتمييز خاص كشعب الله المختار بهذا التمييز الايجابي لا يعطيهم ولا يمنحهم حق الاستكبار علي الاخرين . ولم يكن الشعب اليهودي عنده او يملك ويختص ويتميز بأي نوع من الاستحقاق او الامتياز المستحق عند الله الذي أفرزهم عن سائر البشر. فقط اختار الله الشعب الأسرائيلي ليكونوا شعبه الخاص الذي سيأتي ويجيئ من خلاله كل الانبياء والرب يسوع المسيح. نعم فقط اختارهم ليكونوا هم الشعب الذي سيأتي به الخلاص بيسوع المسيح وكان بمقدر الله ان يختار أي شعب او جنس أخر . كما لم يكن اختيار الله لهذا الشعب نوع من التميز العنصري لله تجاه سائر الشعوب الاخرين . وهذا الاختيار لم يكرم هذا الشعب الله الذي خصه بهذا الامتياز الفريد ، بل كانوا ولا يزال شعباً عنيداً قاسياً ما جعل الله ان يقول عنهم أنهم شعب صلب الرقبة . فقد خلق الله الانسان علي صورته وكل البشر ينحدرون من أصل واحد ومن طينة واحدة .
يقول الكتاب المقدس عن خلق الله للأنسان في سفر التكوين الاصحاح الثاني : ( وجبل الرب الاله أدم تراباً من ألأرض ، ونفخ في أنفه نسمة حياة وصار أدم نفساً حيةُ ) . اذاً فأدم وهو اب وأصل لكل الجنس البشري هو مصنوع من التراب او من تلك الطينة التي جبلها الله وصنع منها هذ الانسان او المخلوق . ولم يكن لأي أنسان فضل علي الله يميزه به عن سائر اخوته من بني البشر . لكن يبقي ابليس أي الشيطان عدو الله وهو الخصم العنيد والعدو اللدود لله و لكل البشر . الشيطان او الابليس هو السبب الاساسي الرئيسي لخطيئة الانسان وسقوطه المزري . والخطئية منشأها كبرياء الشيطان الذي كان ملاكاً او رئيس الملائكة فتكبر وأستعلي علي الله وبالتالي ابعده الله بعيداً عن مجده وملكوته . ونحن نعلم ونعرف كيف استغل الشيطان دهائه ومكره ونفوذه لأغواء الانسان . فمن ذات الباب الذي خرج منه الشيطان من وجه الله أي الكبرياء دخل الشيطان ليخرج الانسان ويبعده من السماء و مجد الله . وقد نجح الشيطان بالمكر والخداع في تنفيذ خططه أي نجاح . أذ سقط الانسان في بركة الكبرياء وغرق في مائه ألأثن وتمرخ في وحله ولم يستطع الخروج من هذا المأزق الي اليوم .
وخطط الله لطريق أخر جديد ينقذ ويخلص به الانسان من الخطيئة من خلال الانسان نفسه . ولأن المرأة أمنا حواء هي التي أغوتها الحية لتأكل من الشجرة ومن ثم تعطي زوجها أدم ليأكل . أختار الله المرأة لتكون الطريق والسبيل الوحيد الأمن لعودة تلك العلاقة الازلية بين الله والانسان . ومن المرأة جاء الرب يسوع مولوداً من القديسة مريم العذراء بقوة الروح القدس . هذا كما جاء في انجيل البشير لوقا وبشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء بميلاد الرب يسوع المسيح . اذ يقول الوحي المقدس : ( وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله الي مدينة من الجليل أسمها ناصرة . الي عذراءً مخطوبة لرجل من بيت داؤد أسمه يوسف وأسم العذراء مريم فدخل اليها الملاك وقال: ( سلام لك ايتها المنعم عليها مباركة انت في النساء ). لوقا 1 : 26 - 28
اذا فمن المرأة حواء التي هي أمنا جميعاً جاءت اللعنة علي كل الجنس البشري بالخطيئة التي أخطأت بها حواء ضد الله . ومن المرأة المباركة المنعم عليها مريم العذراء كما وصفها الملاك جبرائيل رجعت العلاقة الاولي . تلك العلاقة والشراكة الودية الازلية الابدية بين الله والانسان التي خربها ودمرها الشيطان في جنة عدن .
لم تنتهي رسالة بشارة الملاك بميلاد المخلص يسوع المسيح من مريم العذراء . لكنها أي البشارة أمتدت لتشمل كثيرين أخرين كان أولهم النبي الكاهن زكريا وهو في الهيكل مبشراً بميلاد يوحنا المعمدان الذي سيعد الطريق المستقيم للرب يسوع المسيح . وايضاً في زيارة مريم وسلامها المملؤ بقوة الروح القدس علي أليصابات في مدينة يهوذا في الجبال .
أرتكض الجنين في بطن أمه أليصابات بفرح . كانت اليصابات في شهرها السادس وهي حبلي بيوحنا . اذ يقول البيشير لوقا في هذا الصدد : ( فلما سمعت أليصابات سلام مريم أرتكض الجنين في بطنها ، وأمتلأت أليصابات من الروح القدس ، وصرخت وقالت : مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك ! فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي ؟ فهوذا حين صار صوت سلامك في أذنيَ أرتكض الجنين بأبتهاجٍ في بطني . فطوبي للتي أمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب ) . لوقا 1 : 39 – 45
فها هي المرأة العجوز المتقدمة في السن التي كانت عاقرة ، وهي زوجة النبي الشيخ الكاهن العجوز زكريا ها هي الان حبلي بطفل . وقد طوبت أليصابات زيارة وسلام مريم العذراء وتمنت أن يتم لها بحسب إيمانها وأن يصدق قول الرب الذي أمنت به . نعم أمتلئت اليصابات بالروح القدوس وتتنبأ وتكلمت الي مريم وأخبرتها بيسوع المسيح المخلص الذي سبق الملاك جبرائيل وبشرها به . .قائلاً : ( وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع . لوقا 1 : 31
وفي ليلة الميلاد زار جمهور من ملائكة السماء القوم الرعاة المهمشين في باديتهم . ( وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل علي رعيتهم ، واذا ملاك الرب وقف بهم ، ومجد الرب أضاء حولهم ، فخافوا خوفاً عظيماً . فقال لهم الملاك : ( ( لاتخافوا ! فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب : انه ولد لكم اليوم في مدينة داؤد مخلص هو المسيح الرب ) . لوقا 2 : 8 - 12
ولد المخلص يسوع المسيح الرب لأجل جميع الشعب . وجميع الشعب هنا لا يقتصر ابداً ابداً علي شعب بني اسرائيل كما يدعون بل يمتدد ليشمل كل شعوب العالم بما فيهم اؤلئك الرعاة الفقراء المضطهدين. كما من أجل أهل الشرق او المشرق البعيد ممثلين في شخص علماء الفلك من المجوس . نعم ولد المسيح المخلص لجمهور وشعوب كل الأمم ولاعجب ان تنتشر البشارات السارة لتعم كا ارجاء العالم القديم بأجمعه . جاء الطفل يسوع الوضيع المتواضع لأجل الناس الجهلاء الفقراء مثل الرعاة ولأجل الاغنياء من العلماء كالمجوس. ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية ، في ايام هيرودس الملك ، اذا مجوس من المشرق قد جاءُوا الي أروشليم قائلين : ( أين هو المولود ملك اليهود ؟ فأننا قد رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له ). متي 2 : 1 – 3
ومن هذا نتأكد ان المسيح جاء لكل الناس ولكل جنس البشر . ولم يجيئ حصرياً لليهود والاسرائلين وحدهم . بل جاء يسوع لأهل المشرق كالمجوس و لأهل المغرب ولأهل الشمال والجنوب . نعم جاء المسيح لأهل الغرب ولشعب الشرق الاوسط وللناس جميعاً في كل أركان وزوايا الكرة الارضية الاربعة . جاء من أجلك اينما كنت في قارة اسياء و اوروبا اواسترليا والامريكيتين . جاء لأجل السود والبيض والحمر والصفر والملونين . ولأجلك انت شخصياً و من أجلي انا هذا الانسان الضعيف المجهول في المغمور في أدغال افريقيا . جاء المسيح لأجل البدو العرب في السعودية وأهل الخليج والاسكيمو ولكل الناس في كل زمان ومكان في هذا الكون الواسع الفسيح جاء لأجلهم جميعاً دون أدني استثناء اوتمييز وتميز لجنس علي حساب الاخر .
فلا غرابة ان تأتي هذه المرأة الفينيفية الي يسوع وهي تصرخ بصوتها القوي الداوي الذ عبر عن صرخة المتألمة صاحبة الايمان القوي الواثق . وكانت المرأة تعلم وتدري جيداً الي من كانت تصرخ وتطلب بالحاح وايمان ورجاء . قائلة : ( أرحمني ، يا سيد ، يا أبن داؤد ! ابنتي مجنونة جداً ) .فقد ألقت المرأة الكنعانية بثقل رجائها وايمانها في الرب يسوع المسيح لأنها كانت تعرف وتؤمن ايماناً قاطعاً لا ريب فيه بأنه سيشفي أبنتها . وقد علمت يقيناً أنها الان تقف أمام المسيا ابن داؤد الموعود به لخلاص كل الامم وليس فقط لشعب وأمة أسرائيل واليهود وحدهم . ومع أن الرب يسوع المسيح ظل يطنشها ويتجاهلها لفترة من الزمن كما لو أنه لم يسمع صرخاتها المجلجة أطلاقاً . فقد تعامل الرب يسوع ببرودة وجفاء و لم يلتفت اليها كأنه لم يسمعها تناديه ، لكنها استمرت تصيح كالمعتوهة المجنونة وهي تصير تجري خلفه ولمدة طويلة . وظلت المرأة تسير وتركض وراء يسوع وكلها عزم وأصرار وهي تردد الصرخات الموجعة المتألمة بأعلي صوتها حتي تلفت نظر يسوع . هذا استمر لفترة وان بدأ يسوع غير مكترث ولا مبالياً بها . وهنا ايضاً نجد ان يسوع كان علي علم مسبق بهذه المرأة عارفاً بحالة أبنتها المجنونة جداً علي حسب حد وصف أمها لحالتها . وعندما استمر السيد يسوع في اللأمبالاة انزعج تلاميذه منه ومنها علي غير العادة . فقد أزعجتهم اولاً صرخات المرأة المرة النفس وآنات انياط قلبها التي تتقطع وهي تتألم . لاشك أنها كانت تفكر وتنظر الي ابنتها الوحيدة والشيطان والارواح الشريرة تتلاعب بجسدها الهزيل الضعيف الواهن بطعناتها القاسية المؤلمة جداً . وربما فكرت الان بأن ابنتها ربما تكون الان ساقطة صريعة في النار او الماء أو أي خطر ما . وعندما لم يجبها الرب يسوع المسيح ، ترجل تلاميذه وطلبوا اليه قائلين : أصرفها لأنها تصيح وراءنا ! ) فأجاب يسوع فقال لهم : ( لم أرسل الاُ الي خراف بيت اسرائيل الضالة ) .
لم تصدم المرأة ابداً بكلمات الرب يسوع المسيح القاسية الصادمة والمؤلمة جداً المستفزة للمشاعر والاحاسيس . بل أن ايمانها القوي الصلد بيسوع زاد أكثر لأنه إيمان لا يمكن أن يستفز ويهزم بمجرد كلمات. لأن ايمانها هو ذاك الايمان المبني علي صخر الدهور . انه الايمان الذي لا يتراجع ولا يمكن ان يتززح ولا يلين او يتقهقرعن مكانه قيد أنملة . كانت المرأة تعلم وتؤمن يقيناً بأن السيد الرب يسوع المسيح هو طبيب أبنتها الخاص . وهذا ما جعل هذا الايمان يقوي بل ويزداد ايماناً فوق ايمان وثقة فوق ثقةُ بل ويفيض علي الجميع من التلاميذ و الجمهور .
لكن المع هذا التمادي في التجاهل من يسوع بقصد لاستفزاز وتجربة قوة ايمان هذه المرأة الفينيقية بل ان يسوع أقدم علي السخرية منها ليأكيد لتلاميذه وللجميع رسوخ قوة وعظمة هذا الايمان الصلب الوطيد . واراد ان يكشف لهم بأن للأمم نصيب كبير في مشروعه الخلاصي ليس بالانتماء الي شعب اسرائيل واليهودية. كما اراد الرب يسوع المسيح ان يريهم بان تعاليمه واياته مفتوحة للجميع ولكل من اراد ان يقبل اليه والايمان به . ومن جهة اخري اراد الرب يسوع ان يعلن لتلاميذه قوة وشدة وصلابته هذه ألمراة ألأممية ليدحض الافكار التي كاانت تنتابهم بأن المسيا خاص باليهود حصرياً دون سائر الامم الاخرين .
سمعت المرأة يسوع وهو يكاد يزجرها ويطردها من أمامه بكلامه وقوله لها : ( لم أرسل إلأ الي خراف بيت اسرائيل الضالة ) . وبسماعها لكلمات يسوع التي تفصح عن العنصريه الوقحة في شكلها ومضمونها الخارجي ومع هذا لم تتراجع عن الايمان ولم تتخلي عن الطلب المهم الملح . فماذا فعلت ايضاً هذه المرأة المدهشه في ايمانها الجبار ؟ هذا هو الامر الذي اراد الرب يسوع المسيح ان يريه ويكشفه للتلاميذ اولاً بان الايمان لا يمكن ان يستسلم ابداً ابداً لأن هذا الأيمان هو الايمان الذي يعني الثقة بما يرجي والايقان بأمور لا تري . وايمان هذه المرأة الكنعانية هو ايمان من هذا المعدن الفولاذي المعجزي العجيب الذي لا يصدأ . هو الايمان الذي لايمكن سبر أغواره العميقة المتأصلة المتجذور في الرب يسوع المسيح . فهو يبزغ في الشموخ ويسمو في العلو ويرتفع الي عنان السموات ايمانا يكتمل في الله الاب والروح القدوس كما في الابن الماثل امامها الان .
فأتت وسجدت له قائلة : ( يا سيد ، أعني ! ) وبسجودها أرادت ان تقول ليسوع كما قال توما لاحقاً ربي والهي .
نعم اعلنت المرأة الكنعانية امام الملأ من اليهود والكتبة وقادة الشعب ان يسوع هذا هو المسيح المخلص والرب أبن الله الحي .
لم يقل يسوع للمرأة اذهبي بسلام ، لان ابنتك قد شفيت من جنونها بأيمانك .
لكنه قال لها برعونة وعنف وقسودة اشد . وجه يسوع المزيد من كلماته النارية للمرأة بلغة تكاد تكون كالأسهم المسمومة او الرصاصات القاتلة التي تخترق جدار القلوب وتصيب المرء في مقتل .
فأجاب وقال لها : ( ليس حسناً ان يؤخذ خبز البنين يطرح أمام الكلاب )
وهنا بدا للعامة من الناس أن الرب يسوع تفوه وتكلم بعنصرية وقحة كأنسان اسرائيلي و يهودي متعصب لجنسه . وأفتكروا ان يسوع يظهر علي حقيقته ويكشف عن هويته اليهودية وانتمائة لشعب اسرائيل الذي يتبجح أمام الامم انهم شعب الله المختار . بينما كان الرب يسوع المسيح يريد ان يكشف للجميع ما هو ابعد كثيراً من العنصرية و التمييز العنصري الذي هو سمة من سمات الاسرائيلين .اراد الرب يسوع المسيح ان يقول لتلاميذه والاسرائيلين الملتفين حوله السائرين معه من مكان الي أخر . تعالوا وانظروا هذا الايمان العجيب الفريد المدهش . بل اراد ان يقول لهم مسبقاً ان الامم بأيمانهم سيسبقونكم الي ملكوت الله . هذا لآن الاخرين سيكونوا أولين والاولين أخرين . وما هذه المرأة الكنعانية الا واحدة من هؤلاء الامم والخطاة من والزواني والعشارين الذين قبلوا الرب يسوع المسيح وأمنوا به واستحقوا ان يدعوا ابناء الملكوت . فأنظروا الان الي هذه المرأة الكنعانية انتم بأنفسكم لكي تختبروا وتعرفوا وتقدروا عن قرب مدي العمق والارتفاع في الطول و العرض الذي اظهرتها إيمانها وتؤمنوا به كما أمنت هي ولا تخزوا . وهذا ما كتبه الرسول مرقس
فأجابت وقالت له : ( نعم يا سيد ! والكلاب ايضاً تحت المائدة تأكل من فتات البنين ! ) . فقال لها : ( لأجل هذه الكلمة ، أذهبي ، قد خرج الشيطان من أبنتكِ ) . فذهبت الي بيتها ووجدت الشيطان قد خرج ، والابنة ومطروحة علي الفراش . مرقس 7 : 28 - 30
أما متي فقد قال عنها : فقالت : ( نعم يا سيد ! والكلاب ايضاً تأكل من الفتات الساقط من مائدة أربابها ) . حينئذٍ أجاب يسوع قال لها : ( يا أمرأة عظيم إيمانك ! ليكن لكِ كما تريدين ) فشفيت ابنتها من تلك الساعة متي 15 : 27 -28
لك التحية ولكِ التجلة والانحناة ايتها ألأمرأة البارة التقية المؤمنة فأنتِ حقاً رمز للأيمان الذي هو الثقة بما يرجي والايقان بأمور لا تري . فقد كان إيمانك بالرب يسوع المسيح إيمان عظيم كبير لايتزعزع ولا يهتز . فقد صارعتي و جاهدتي مع بل وجاهرت بهذا الايمان وانتصرتي ونلت ما تريدين من شفاء لأبنتك . فطوباكي بهذا الأيمان السرمدي الذي سيخبر عنه بين اليهود والامم علي السواء والكثيرين سيشهدون عن ايمانكِ في كل العالم جيلاً بعد جيل الي ان يأتي المسيح ويرث الارض ومن عليها .
أن مصارعة المرأة الكنعانية وجهادها الكبير وإيمانها العظيم كما وصفه يسوع . أعطاها هذا الامتياز العظيم والاستحاق الكامل لأن يكتب اسمها بمداد من النور والنار في صفحات ابطال الايمان الذي جاء في سفر العبرانيين في الاصحاح الحادي عشر والعدد 2 كما يلي :
هذا ان سمح لي البعض ان اتجرأ و اكتب وأقول ثم ماذا أقول ايضاً : ( لأنه يعوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون ، وبارق ، وشمسون ، ويفتاح ، وداؤد ، وصموئيل والانبياء ) ماذا استطيع ان أقول : ( عن ايمان المرأة الكنعانية ! ) هذه المرأة التي ابهرت الرب يسوع ولا تزال تبهرنا وتدهشنا بأيمانها القوي ورجائها الكامل .




















الرجل الأصم الأعقد

ورفع بصره الي السماء ، وان قال له : ( أقثا ) أي أنفتح .
للوقت انفتحت أذناه وأنحل رباط لسانه ، وتكلم مستقيماً . 7 : 34 - 35

لست أدري ما الذي ستختار ان خيرت بين ان تكون أخرساً ، لا تتكلم ! أم ان تكون أصماً لا تسمع ! . أظنك ستقف محتار بين الخيارين لأن كلاهما صعبين ، وستردد في نفسك كليهما حلو وأحلاهما أحلي وفقد أحداهما مر . ولاشك انك ستترجاهم ان يتركوا لك الحاستين او النعمتين معاً . نعمة الكلام ونعمة السمع لأن بدونهما يصعب علي الانسان التواصل الطبيعي مع الاخرين . والمصاب بأهة في واحد من هذين الحاستين يسمي او يطلق عليه كلمة ( أطرش ) . وهذا يعني انك لا تسمع او لاتتكلم او الاثنين معاً . وايضاً يلفظ به كأساءة وشتيمة والتي تعني عدم القدرة علي الفهم والكلام معاً ، مما يعني البلاهة ، لأن عدم القدرة علي السمع والكلام يعني الغباوة وعدم الفهم او صعوبة أمكانية التفاهم معك .
ونسبة لأهمية هذين الحاستين الحساستين المهمتين جداً أجتهد العلماء وبذلوا جهداً مقدراً لعلاج او ايجاد طرق بديلة تساعد او تقلل من أثر الفقدان او الحرمان منهما . فأوجدوا لغة الاشارات التي تقدمت كثيراً وسهلت علي الخرس والصم لغة خاصة للتواصل مع بعضهم البعض وربما مع الاخرين ايضاً .
ولغة الكلام بالاشارات هي اليوم لغة عالمية رائجة فتحت لها مدارس وجامعات ومراكز بحوث وتعاليم تقوم بالتعليم وتخريج ألأجيال . وهذا ما سهل عملية التواصل للمحرومين من هذين الحاستين فيما بينهم والاخرين .
لغة الاشارات تقدمت جداً وساهمت في ردم الهوي العميقة في التواصل الأتصال والكلام او الحديث وهو بالطبع ليس بديلاً مثالياً للكلام او السمع . لكنه شيئ أفضل من العدم وهذا ما مكن هؤلاء المصابين من التواصل والفهم والقدرة علي التعبير عن انفسهم وما يجيش بخواطرهم . فالعلم تمكن من استحداث الطب الحديث والتقدم التقني أمكن من علاج الكثير من مشاكل الاذن والسمع و النطق والكلام. وقد ساعدات السمعات من يعانون ضعفاً في وظائف وأعضاء ألأذن وكل ما يتصل بها من أمراض . هذا بفضل الأهتمام العالمي الدولي وأجتهاد المنظمات الصحية في الدول المتقدمة والجهود التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية ايضاً . هذا الاهتمام الكبير بهذه الفئة والقطاع الكبير من البشر المصابين بالخرس والصمم أعطاهم بعض ألأمل . كما ساعد ما تم من انشائه من مدارس وهيئات واندية خاصة بهم حتي تمكنهم تجاوز هذه المعضلة ومن ثم تحقيق بعض أمالهم في العيش مع بعضهم البعض علي الأقل كما مع سائر البشر .
والناس طبعاً ما بتريح فبعضهم يتندرون علي بعضهم واصفين من لا يتجاوب مع الاحداث ولا يتواصل معها يطلقون عليه بالاطرش في الزفة .
أما يسوع فهو الطبيب الكلي الجامع الخاص والعام لكل مرض وأعاقة في البدن والروح . فقد جاء الرب يسوع المسيح ليكون للناس جميعاً حياة ، بل جاء لأجل الحياة الافضل . والحياة الافضل الذي جاء يسوع لتحقيقه تبدأ أصلاً بتواصل البشر مع بعضهم في اجواء طبيعة خالية من الانفصامات والاذدواجيا في الأمزجه او العصبيات والاعاقات والتشوهات . ولأن الأنسان المصاب بالصم والخرس انسان عادي يعيش بين الناس حياة شبه طبيعية . فهو قادر علي التحرك لوحده والعمل والانتاج ومساعدة نفسه و الاخرين . فالأخرس والأصم ليس كألأعمي او المشلول المقعد الذي يعتمد اعتماد كلياً علي الاخرين . فهو قادر ومستطيع في ادارة شئونه الخاصة والعامة بنفسه . ومع هذا فقد أهتم يسوع ايضاً بهذه الفئة أهتماماً لا يقل عن أهتمامه بالمصابين بالامراض الاخري كالبرص والصرع والمجانين والعمايا والمسكونين بالارواح النجسة .
كان يوحنا المعمدان الذي زج به في السجن بسبب توبيخه لهيرودس الذي اتخذ من زوجة أخيه فليبس المسماة هيروديا صاحبة وخليلة . وظل يوحنا المعمدان الملقي في السجن ظلماً وجوراً لزمن طويل دون اجراءات التحري والتحقيق او التقديم الي المحاكمة . كان يوحنا في انتظار الرب يسوع الناصري ان يقوم بعمل ما او بأي معجزة تفك قيوده وتحل الجنازير التي كانت تكبله وتقيد يديه ورجليه ، كان المعمدان يأمل أملاً كبيراً ان يخرجه يسوع من السجن . الا ان انتظار يوحنا في السجن طال أكثر مما كان يتوقع وهذا جعل الشكوك والظنون تنتابه وتراوده في ساعات الليل كما في اليقظة و اناء النهار . اذ دب اليأس في قلب يوحنا و أحس وشعر بالكأبة وال################ واليأس وأحس بجحود يسوع ولا مبالاته به . كما وشوش الشيطان في فكره قائلاً له : ( ها هو يسوع الذي قلت لتلاميذك عنه عندما رأيته مقبلاً اليك ، هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ) . كما قلت عنه ايضاً يا يوحنا اكثر من ذلك بكثير ، وأظنك كنت متسرعاً ومستعجلاً وأنت النبي أبن النبي والكاهن زكريا . وكل نسل اجدادك انبياء الي جدك الكبير الكاهن الشهير هارون الاخ الشقيق لكل من النبي موسي وهارون والنبية مريم أختهما . أنت يا يوحنا سليل الانبياء من القديم فكيف يتركك يسوع ويغض الطرف عنك كأنك لا تهمه ابداً من بعيد وقريب . فما الذي حدث لك وما الذي حدث ليسوع حتي يهملك ويتجاهلك كل هذا الاهمال والتجاهل والنسيان . ومع ان يوحنا كان يسمع كل يوم تلك الاخبار التي تتكلم وتتحدث عن المعجزات والايات العظيمة التي كان يسوع يجريها و يقوم ويعملها ويصنعها . الاُ ان قيود السجن والاسر بين الجدران وتوقه وشوقه الشديد الي الحرية والانعتاق والرجوع الي الكرازة والتبشير ضاعفت في نفسه الشكوك والظنون وتحولت الاكتأب . احتدم الصراع الجسدي الروحي بين قوي الخير والشر في ساحة قلب يوحنا واتسعت رقعتها . وتذكر يوحنا ايضاً كلامه عن الرب يسوع المسيح عندما أجابهم قائلاً : ( انا اعمد بماء ، لكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه . هو الذي يأتي بعدي ، وقد صار قدامي ، الذي لست بمستحق ان أحل سيور حذائه ) .
السجن والشيطان جعلا يوحنا يشك في حقيقة يسوع . ووصلت الوساويس بيوحنا الي ان يصرح قائلا لتلاميذه : ( هل هذا هو المسيح الأتي ام يجب علينا ان نتظر مسيحاً اخراً ؟ ) هل يجب عليَ ان انتظر مسيحاً قوي وقادر علي فك قيودي وأطلاقي من سجن هيرودس وهيرويا ؟ . وفي لحظة ما وصل الحال بيوحنا المعمدان من ال حالة من الانهيار التام في الايمان وفقدان الثقة بالرب يسوع المسيح ، هذا المسيح الذي حمل الله الذي يرفع خطية العالم .
فقد تدهورت حالة يوحنا المعمدان وهو في السجن الي حالة من الكأبة والنفسية السيئة التي يدخل فيها ويعيشها أغلب السجناء الذين تطول أمد أقامتهم في السجون. فنسي يوحنا المعمدان كلامه الذي قاله لتلاميذه والجموع عن الرب يسوع المسيح : ( هو الذي يأتي بعدي قد صار قدامي ) .
وفي غمرة الشكوك والظنون نسي وتناسي يوحنا ايضاً نبوئته بأن المسيح ينبغي ان يزيد وهو ينقص . ولم يتذكر ولم يعر أدني أهتمام للعمل العظيم الذي يقوم به الرب يسوع المسيح ، هذا العمل الذي كان يزداد عظمة يوماً بعد يوم هو تأكيد وبرهان ودليل لصدق وصحة نبوئته عن الرب يسوع المسيح . كما لم يفهم يوحنا بأن وجوده في السجن هو النقصان الذي تكلم به قائلاً : ( أن المسيح سيزيد وانا سأنقص ) .
علي كل حال أرسل يوحنا الذي أصيب في السجن بمرض الكأبة النفسية الحادة ، أرسل أثنين من تلاميذه الي يسوع بسؤال مفاده : ( انت هو ألأتي ان ننتظر أخر ) ؟
فأجاب الرب يسوع وقال لهما : ( أذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وتسمعان وتنظران : العمي يبصرون ، العرج يمشون ، البرص يطهرون ، والصم يسمعون ، والموتي يقومون ، والمساكين يبشرون . طوبي لمن لا يعثر فيَ ) .
وهذه هي شهادة يوحنا ، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه ( من أنت )
فأعترف ولم ينكر وأقر ( أني لست انا المسيح ) .
فقالوا له : من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟
قال : ( انا صوت صارخ في البرية : قوموا طريق الرب ، كما قال اشعياء النبي ) . يوحنا 1 : 21 - 23
ولم يكن زج يوحنا في السجن محض صدفة ولا أهمال من الله او لا مبالاة من الرب يسوع . بل كان وجود يوحنا في السجن يقع ضمن خطة الله الازلية لبداية ونهاية خدمته ، وأعلاناً لبداية عمل المسيح وأرساليته الخلاصية لكل ألأمم .
وكان عمل الرب يسوع يتسع لحظة بلحظة واليوم بعد الاخر وكانت البشارات السارة تنتشر وألأخبار عن العجائب والمعجزات التي كان يجريها كانت تذاع بين الناس وتنتشر كأنتشار النار في الهشيم .
وكان جواب الرب يسوع المسيح جواباً فاصلاً ونهائي تأكيداً لتلميذي يوحنا انه المسيح المنتظر وان ألأعمال التي يقوم بها هي خير شهادة ودليل وبرهان علي ذلك : ( العمي يبصرون ، العرج يمشون ، البرص يطهرون ، والصم يسمعون ، والموتي يقومون ، والمساكين يبشرون ).
جاء يسوع الطبيب الخاص لشفاء جميع أمرض الجنس البشري . وهو طبيب خاص لكل فرد وكل انسان في كل الكون وهذا العالم . جاء يسوع يجول و يعمل ليل نهار وعلي مدار الساعة باللحظة والثانية و الدقيقة ملبياً كل أحتياجات البشر المادية والروحية مهما كانت صغيرةٌ او كبيرةُ .
وقد وجد العمي والبرص الغير طاهرين والعرج والصم البكم علاجهم عند الطبيب الاعظم الرب يسوع المسيح . كما نال منه المجانين والمرضي النفسيين والمرضي المسكونيين بالارواح الشريرة العلاج النفسي والروحي وتم تحريرهم وفكهم من قيود إبليس الشيطان الرجيم الذي كان يكبلهم يربطهم ويقيدهم بسلاسل من الالام والعذاب .
وكان الصم والخرس من بين هؤلاء الكثيرين الذين جاءوا الي يسوع . دعونا نقرأ ما جاء في انجيل متي . اذ يقول الوحي : وفيما هما خارجان ، اذا أخرس مجنون قدموه اليه . فلما أخرج الشيطان تكلم الاخرس ، فتعجب الجموع قائلين ( لم يظهر قط مثل هذا في اسرائيل) اما الفريسيين فقالوا : ( برئيس الشياطين يخرج الشياطين ! ). 9 : 32 – 34
أما عن شفاء ألأصم ألأعقد يقول مرقس في انجيله
وجاءوا اليه بأصم أعقد ، وطلبوا اليه أن يضع يده عليه . فأخذه من بين الجمع علي ناحية ووضع أصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه . ورفع نظره الي السماء . وان قال له ( أفثا) أي أنفتح . للوقت أنفتحت أذناه وأنحل رباط لسانه وتكلم مستقيماً ... وبهتوا الي الغاية قائلين ( انه عمل كل شيئ حسناً ! جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون ) . مرقس 7 : 32 - 35 .
وهنا نتوقف قليلاً عند قولهم : ( أنه عمل كل شيئ حسناً ! جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون ) مرقس 7 : 32 – 37
ولعلكم تتذكرون عمل الله عند بدء الخليقة كما جاء في سفر التكوين الاصحاح الاول . في البدء خلق الله السماوات والارض . وكانت الارض خربة وخالية ، وعلي وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف علي وجه المياه ، . وقال: ( الله ليكن نور ) فكان نور . ورأي الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة تكوين 1 : 3 - 5
هكذا بدأ عمل الله الخالق المبدع الرائع المدهش المبهر القدوس البار . بدأ الله عمله بالنور لأن الارض كانت خربة و خالية وعلي وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف علي وجه المياه . والخلق والخليقة قائمة بعمل الله خالق هذا الكون بكلمة قدرته السرمدية . كان الرب يسوع الابن الذي كان عند ألأب منذ البدء هو الكلمة . كانت الكلمة هو الله . حين عمل الله هذا الكون . كان الله هو الثالوث الاقدس المتمثل في الأقانيم الثلاث ألأب وألأبن والروح القدس .
وقال الله الاب والابن والروح القدس : ( ليكون نور ) فكان النور . ورأي الله النور أنه حسنُ .
هذا بالضط ما عمله الرب يسوع مع الاصم ألأعقد . فعميله الشفاء المعقدة المركبة المزدوجة التي أجريت لهذا الرجل تمت بكلمة قدرة الرب يسوع المسيح السرمدية . كانت هذه العملية التي أجراها يسوع بمثابة خلق وصنع جديد تمت بأزالة الاعضاء المريضة المعطوبة التالفة . وبالتالي عمل يسوع علي صنع وخلق أعضاء جديدة صالحة للعمل . تعويضاً لتلك الاعضاء المريضة . وترون معي تلك الخطوات الجبارة التي قام بها الرب يسوع كيف فعلها وعملها في هذه العملية الصعبة المعقدة . اخذ يسوع الأصم الأعقد بعيداً عن الجمع وأدخله في غرفة عمليته الخاصة . ومن ثم وضع أصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه . ثم رفع الرب يسوع المسيح نظره الي السماء طلباً من الله ألأب والروح القدس ان يشاركاه في عميلة خلق هذا الانسان من جديد . وكانت الاستجابة سريعة وفورية ! .
وان قال له يسوع : ( افثا ) . للوقت أنفتحت أذناه ، وأنحل رباط لسانه ، وتكلم مستقيماً .
هائل وعظيم جداً بل أنت رائع وما أروعك يا يسوع فأنت الرب والاله المستحق منا جميعاً ان نركع أمامك خاشعين ساجدين عابدين .
أنت عظيم جداً في محبتك وعمل فداك .
عظيم في تواضعك وموتك علي الصليب
عظيم في تحريرك لنا من عبودية الابليس
عظيم في وعودك وعهودك الصادقة الامينة
ليس لنا يارب ليس لنا ألأ ان ندور في فلكك
ان نسبح بمجد أسمك القدوس ان نشهد ونخبر
كم صنعت بنا وغفرت كل ذنبوبنا ومحوت بدمك شرورنا
لك كل المجد والاكرم ولك ينبغي التسبيح و الترنيم والتمجيد
يسوعنا أنت طبيبنا الخاص يا شافي كا أمراضنا والخطايا.. أمين








مجنون كورة الجدريين

( فلما رأي يسوع صرخ وخر له وقال بصوت عظيم
( ما لي ولك يا يسوع أبن الله العلي ؟
اطلب منك أن لا تعذبني ! ) لوقا 8 – 28

يقول القديس يعقوب في رسالته أي رسالة يعقوب 2 : 19 ( أنت تؤمن أن الله واحد ، حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ) .
ويقول بعضهم المجانين في نعيم . وأخرين يرددون مقولة الجنون فنون . وهم بذلك يحسدون المجانين في مرضهم كما لو أنهم يرون المجانين في حالهم وما يتمتعون به من الصحة والعافية أفضل منهم بكثير ، فعلي الاقل ليس للمجنون هموم وشجون !
الجنون مرض قديم بقدم الانسان نفسه . ويمكن بعبارات بسيطة وصفه بانه مرض عقلي نفسي يصيب الانسان في عقله ونفسه وروحه .هذا مما يسبب له الكثير من الأضطرابات النفسية والعقلية والروحية ايضاً . والجنون أنواع شتي منه الجن المسالم الهادئ الذي يتعايش فيه المريضه مع نفسه وأهله في سلام وأطمئنان وأمان . ومنه أيضاً الجن ما هو معروف بالجن الموسمي الذي ينتاب المصابين به في فصل الشتاء ولبرودة الطقس يحدث قلق وتوتر خاصة للمرضي النفسيين . حيث يكون المريض النفسي في عدم الاستقرار فهو يضطرب و يثور كالبركين الثائرة من وقت الي أوقات في فصل الشتاء . ومن الجنون ما يمكن ان تسميه بالجن الكلكي اللابس ملكي ، كما يسميه جل السودانيين . وهذا النوع الاخير من الجن هو الجن الاخطر او الخطيرعلي صاحبه وأهله وكل المحيطين به من قريب او بعيد .
ومن أشهرالمجانين في تاريخ الكتاب المقدس الملك نبوخذنصر . والملك شاول ابن قيس وجنون شاول من النوع النفساني الروحي الذي ينتاب الانسان من حين لأخر . فتجد المصاب بهذا النوع من الجنون يشبه مياه البحر في الهدوء والسكون وقتاً ومن ثم فجأةً ينقلب أمواج البحر بالطلاطم والهيجان والاضطراب أوقاتاً أخري !
الملك شاول بن قيس
وذهب روح الرب من عند شاول وبغتهٌ روح ردي من قبل الرب . فقال عبيد شاول له هوذا روحٌ رديُ من قبل الله يبغتك . فليأمر سيدنا عبيده قدامه أن يفتشوا علي رجل يحسن الضرب بالعود ويكون اذا كان عليك الروحٌ الردي من قبل الله انهٌ يضرب بيده فتطيبٌ . صموئيل الاول 16 : 14 – 16
لم يطع الملك شاول كلام الله بالتمام والكمال بل صار يرفض كلام ومشورة الله له من خلال النبي صموئيل ويعمل وفق أهوائه . فرفضه الله وبالاحري فارقه روح الله القدوس . ودخلت فيه الروح الشريرة وأصيب بنوع من الاضطراب النفسي . وصار الملك شاول في حالته النفسية أقرب الي الرجل المجنون . وكان عندما تنتابة هذه الحالة النفسية يأتون اليه بمن يزمر له بالألات الموسيقية فتهدأ ثائرته ويعود الي حالته الطبيعية . وقد حاول شاول مراراً وهو في هذه الحالة حاول ان يقتل الفتي داود بن يسي البيت لحمي الذي كان يضرب له العود لتهدأ ثائرته . وفي النهاية تركت روح الله شاول وحلت في داود الذي صار فيما بعد ملكاً بديلاً لشاول .



نبوخذنصر الملك
وقصة نبوخذنصر الملك تتحدث عن الغلو والخيلاء والتطرف في الكبرياء . عندما يتكبر الانسان ويعتز بنفسه درجة الجنون ناسياً انه تراب وطين فيضطر الله الي تذكيره بأصله . كل هذا جاء علي نبوخذنصر الملك .عند نهاية أثني عشر شهراً كان يتمشي علي قصر مملكة بابل . وأجاب الملك وقال : ( اليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة أقتداري ، ولجلال مجدي ؟ ) . والكلمة بعد بفم الملك وقع صوت من السماء قائلاً : ( لك يقولون يا نبوخذنصر الملك : إن الملك قد زال عنك . ويطردونك من بين الناس ، وتكون سكناك مع حيوان البر ، ويطعمونك العشب كالثيران ، فتمضي عليك سبعة أزمنة حتي تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس وأنه يعطيها من يشاء ) سفر دانيال 4 : 28 – 32.
حكم الله علي الملك نبوخذنصر بالجنون بسبب كبريائه وغيلائه و اعتزازه بنفسه وفخره بمجده وما بناه بيديه من عظائم في بابل. . ناسياً او متناسياً ان الله في الاعالي عالياً فوق جميع الامم والملوك والسلاطين والرؤوساء فوق كل الممالك والسيادات الارضة الوقتية . نعم نسي الملك نبوخذنصر ان الله هو من يعطي الملك لمن يشاء وهو الذي ينزعها متي شاء . وانتم تعرفون بأن الملك نبخذنصر هو من بني حدائق بابل الشهيرة بالحدائق المعلقة . وهي تعد من أحدي عجائب الدنيا السبعة . وقد عاش الملك نبوخذ نصر انساناً مجنوناً فاقداً لعقله لمده سبعة سنين . ولسبعة سنين عجاف عاش هذا الملك في الغابات والاحراش بين الحيوانات المفترسة من الاسود والنمور ، وعاش بين العقارب والثعابيين . وكان يقيم بين الثيران والخيول والغزلان يقتات العشب كالأنعام من البقر والاغنام . وظل سبع سنين علي تلك الحالة الحيوانية ، وقضي كل الفترة بعيداً عن الناس وما اعتاد عليه من نعم وامجاد . عاش بعيداً عن القصر وعن الملكة وابهة الملوك والامراء والاميرات وحياة الرغد والرفاه . وأكثر من ذلك عاش كالحيوان بين الحيوانات . ذاق طعم البرود في الشتاء القارص والحر والسخانة والتعب والعرق في الصيف وتعلم معاني الشوق والحاجة و الحرمان . كان يشتاق الي أكل العشب وشرب الماء من الجداول والنوم في الحظائر في الزبالة ومخلفات الحيوانات العفنة . وظل هكذا غريباً تائهاً ضالاً شارداً متشرداً ومعزولاً . وكان ذلك كله عقاباً ربانياً جراء وجزاء ما أقترفه بقلبه سراً وجهر ونطقته لسانه جهراً .
ولأننا نتحدث عن الرب يسوع المسيح الطبيب الخاص او الرب الشافي ، فيسوع هذا هو الطبيب الذي جاء وولد في صلب وقلب التاريخ البشري . وبميلاد يسوع المسيح العذراوي يأرخ كل التاريخ القديم والحديث ويسجل بأسمه حصرياً لأنه هو صانع التاريخ وكاتبه بحبره دمه الذي أريق علي الصليب لفداء وخلاص كل العالم من خطاياهم .
ويجدر بنا هنا أيضاً ونحن نتكلم عن يسوع طبيبك الخاص او الرب الشافي . و علي وجه الخصوص ونحن في هذا المقال نتكلم عن المجانيين ، وبخصوصية خاصة جداً نتكلم عن مجنون كورة الجدريين . فدعونا نشير قبل الحديث عن هذا المجنون ، دعونا نشير الي مجنون اخر عاش تقريباً في زمن يسوع . هذا وان عاش في مكان اخر لكن في نفس الامبروطورية الرومانية . بل وحكم هذه الامبروطورية الا وهو الامبراطور المجنون حقاً نيرون
أقتبس هنا هذه النبذة التاريخية المهمة عن نيرون الامبراطور المجنون . هذا الامبراطور الذي أحرق روما ليتهم المسيحيين بأنهم الذين أحرقوها ومن ثم يقوم بتعذيبهم وحرقهم في تلك المحارق التي أنشأها لهم خصيصاً ! .



نيرون يحرق روما يتهم المسيحيين بحرقها
أما أشهر الجرائم التي أرتكبت بسبب الجنون على الإطلاق فقد كانت جريمة حريق روما الشهيرة في سنة 64 م حيث راود خيال نيرون أن يعيد بناء روما. فأشعل كبريت النيران في عاصمة الامبرطورية الكبري .وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر.
وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وسط صراخات الضحايا واستنجادهم واستغاثاتهم . كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى ويشدو بأشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
هلك في هذا الحريق آلاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن تشير إليه بأنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد . وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه . حينها أصبح نيرون يبحث عن ويحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب. وكان أمامه اختيار إما اليهود أو أتباع الديانة الحديثة أي المسيحين الموجودين في روما . ولكن كان اليهود تحت حماية بوبياسبينا إحدى زوجات نيرون. فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهى الشعب في الطرد والقبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم أحياء بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفي جميع أنحاء مدن الإمبراطورية الكبري . حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين وألحاق أكبر بقدر من الضرر بهم . وسيق أفواج كبيرة جداً من المسيحيين الي المحارق والذبح لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء. وعاش المسيحيون في الخنادق والانفاق والسراديب تحت الأرض وفي الكهوف، وما زالت كنائسهم وأمواتهم إلى الآن يزورها السياح. من شتي بقاع العالم .
استمر الاضطهاد الدموى لأربعة سنوات ذاق فيها المسيحيون كل ما يتبادر ولا يتبادر إلى الذهن البشري من أصناف القساوة والوحشية في التعذيب الوحشى الهمجي البربري الذ ي مارسه وسامه نيرون وأهل روما للمسيحيين . وكان من ضحايا هذا الموجة العاتية في تعذيب وقتل المسيحيين القديسان بولس وبطرس اللذان قتلا عام 68 م. ولما سادت الإمبراطورية الرومانية الفوضى والجريمة . أعلنه مجلس الشيوخ أنه أصبح «عدو الشعب» فمات منتحراً في عام 68 م . وبموته أنتهت أسطورة المجنون الي الابد . لكن بعد فترة وجيزة أنتعشت المسيحية مجدداً في روما وأزدهرت لتصير روما بعد ان نهضت المسيحية من رماد المحارق الرومانية الخاشمة الظالمة . لتصير وتصبح روما هذه المدينة الكبري عاصمة الامبروطورية هي القلعة الكبري التي أنطلقت منها نور المسيح ليغزو كل العالم بالمحبة والرحمة والسلام .
مجنون كورة الجدريين
اما عن مجنون كورة الجدريين فقد كان جنون هذا الرجل من النوع الثالث الخطر وهو صاحب الحزام الأسود في الجن العصبي العصي . كان هذا المجنون مهدداً أمنياً كبيراً لنفسه ولأهله في البيت وللناس جميعاً . فقد تسبب في حدوث انواع شتئ من احدث الرعب والارهاب في تلك الكورة وما حولها . هذا كما جاء في وصف البشير مرقس . وأن حاول أهله ربطه وترويضه وأخضاعه لكنه كان شرساً عصياً عليهم . كان يقطع القيود والسلاسل ويهرب وفي أخر الامر ترك البيت وهجر الناس وسكن في المقابر التي تقع عند سفح الجبال المجاورة للمدينة . ومع ذلك لم يأمن الناس شره فقد كان يخرج من المقابر الي الطرقات المجاورة ويسبب الاذي الجسيم للعابرين والمارة في تلك الضياع والبقاع ويرهبهم .
يمضي مرقس البشير في سرده الطويل عن هذا المجنون قائلاً : (.وجاءوا الي عبر البحر الي كورة الجدريين . ولماء خرج من السفينة استقبله من القبور انسان به روح نجس . كان مسكنه المقابر ولم يقدر أحد أن يربطه بسلاسل . لأنه قد ربط كثيرأ وقطع السلاسل وكسر القيود ، فلم يقدر أحد ان يذله . كان دائماً في الجبال وفي القبور ، يصيح ويجرح نفسه بالحجارة . فلما رأي يسوع من بعيد ركض وسجد له . وصرخ بصوت عظيم وقال : ( ما لي ولك يا يسوع أبن الله العلي ؟ ) . استحلفك بالله أن لاتعذبني )
لأنه قال له : ( أخرج من الانسان يأيها الروح النجس ) . وسأله ( ما أسمك ) فأجاب قائلاً ( أسمي لجئون لأننا كثيرون ) لوقا 8 : 26 - 30
من الحوار الطويل السابق ليسوع مع الارواح النجسة التي كانت تسكن هذا الانسان ندرك ونعرف قدر الأذي الذي سببه الشيطان لهذ الانسان . كما ندرك حجم الاذي والضرر الكبير الذي لحق بأهله والمنطقة وبكل كورة الجدريين والضياع التي حولها. فالشيطان يثبت دائماً هنا بما لا يدع مجالاً للشك بأنه هو العدو اللدود والخصم العنيد لله والانسان معاً . فقد تعذب هذا الانسان كثيراً من الارواح الساكنة فيه وبالتالي تسبب بقوة هذا الارواح النجسة ان يلحق أضراراً كثيرة وجسيمة بالمنطقة كلها .
لكن ما ان رأت تلك الارواح النجسة الرب يسوع المسيح قادماً الي الرجل حتي علمت يقيناً بأن يسوع مقدم علي عمل وأعلان صريح لنهاية أحتلالها لهذا الرجل . وهذ ما جعل تلك الاروح تبادر بالركض الي يسوع وتسجد له ، تقول له : ( ما لي ولك يا يسوع أبن الله العلي ؟ )
وهذا ما جاء في سفر يعقوب القائل : ( أنت تؤمن ان الله واحدٌ . حسناً تفعل . والشياطين يؤمنون ويقشعرون ) . يعقوب 2 : 19
والشياطين لا تتوقف عند هذا الحد بل بل لديها الكثير من الجاسرة والقدرة والجرأة فتقدمت مستحلفة الرب يسوع بأسم الله ان لا يعذبها .
نعم فقد اشرنا سابقاً هنا ان الشياطين يؤمنون بالله ويقشعرون !
لا هذا فقط بل أن الشياطين تخاف الله ، لذلك فهي تخاف من الرب يسوع وتخشاه وتقر وتؤمن وتعلن بأن الرب يسوع المسيح هو أبن الله العلي الحي .
فما بالك بالناس من البشر الذين لا يعترفون بأن يسوع هو رب ومسيح ومخلص لكل العالم .
هذا بينما الشياطين والاباليس يقرون ويؤمنون ويسجدون ليسوع معترفين به انه رب واله ومخلص وليس بأحد غيره الخلاص والنجاة .
أمر يسوع تلك الاروح النجسة الشريرة بأن تخرج من هذا الانسان المسكين الذي تعذب كثيراً منهم لأن تسبب كثيراً الاضرار بالمنطقة كلها وبالتالي تسبب في تعذيت الكثيرين من الناس .
أما عن الحوارات والكلام الكثير الطويل الذي يقوله الرب يسوع المسيح في مثل هذه الاحوال والاحداث فه لتذكيرنا بأنه هو وحده الطريق والحق والحياة . وما اعمال الرب ومعجزاته التي لا تنتهي هنا بخروج الشياطين من الرجل . لكنه يمتدد الي سؤال الشياطين .وهو يسألهم بسلطانه عن الأسم الذي يعرفه جيداً . فيجيب الشيطان المهزوم المقهور المدحورقائلاً : ( أسمي لجئون لأننا كثيرين ) ومن ثم طلب تجرأ هذا المذلول الشيطان المغلوب وطلب بوقاحة من الرب يسوع بأن لا يرسله الي بحيرة العذاب الابدي لأن وقت عذابه ألأبدي لم يحن بعد ! . وكان هناك قطيع من الخنازير الكثيرة ترعي في الجبل. فطلبوا اليه أن يأذن لهم بالدخول فيها ، فأذن لهم وخرجت الشياطين من الانسان ودخلت في الخنازير ، فأندفع القطيع من علي الجرف الي البحيرة وأختنق . لوقا 8 : 30 - 35
يجدر الاشارة هنا الي أن كورة الجدريين تقع في الجنوب الشرقي من بحيرة الجليل وهي ايضاَ تسمي بكورة الجراسيين . وهي تقع بالقرب من مدينة جدرة عاصمة تلك المنطقة وهي واحدة من المدن العشرة او ديكابوليس ) . وكانت هذه العشر مدن لها سلطات مستقلة أشبه بالحكم الذاتي . كما كانت الغالبية او السواد الاعظم من سكانها من الامم . لهذا السبب سمح لهم هنا بتربية الخنازير وسعايتها فاليهود يحرمون ولا يربون الخنازير لأنها بالنسبة لهم نجسة وغير طاهرة ومكروهة ولا يؤكل لحومها . والمعروف في تفسير الكتاب المقدس هو أن الشياطين هم بالاساس ملائكة ساقطون تعدوا وصايا الله وتمردوا عليه فطردهم الله من الجنة فحسبهم الله أرواح شريرة خارجة علي سلطانه . وكانت تلك الارواح الشريرة تدخل في بعض الناس الضعفاء في الايمان وتسكن داخلهم وتسبب لهم الكثير من المشاكل والمصائب والمتاعب التي تظهر في حياة الانسان في أشكال الامراض العصبية النفسية والروحية كالجنون . هذا كما في حالة مجنون كورة الجدريين !
فتلك الارواح تعرف الله لآنها في الاساس كما أشرنا كانت ملائكة فهي بالتالي تعرف الرب يسوع أنه هو أبن الله الحي . لهذا السبب كانت الاروح الشريرة تهاب وتخاف الرب يسوع وتخشاه جداً فهي تعمل جاهدة الي الابتعاد عن الاماكن التي كان يجتازها الرب او المؤمنين بالرب يسوع حتي لا تصطدم بهم . لأن الشياطين والارواح الشريرة يعرفون قوة الرب يسوع المسيح تلك القوة والقدرة الفعالة القادرة علي زجرهم وطردهم وهذه القوة تحسب وتنسحب علي الذين يؤمنون بالرب يسوع المسيح . فالمؤمن المسيحي يستطيع بقوة الصلاة والايمان أن يأمر الأرواح الشريرة فتخرج من الانسان المصابه به . وهذا ما فعلاه بولس وسيلا في فيلبي كما جاء في سفر أعما الرسل
وحدث بينما كنا ذاهبين إلي الصلاة ، أن جارية بها روح عرافة أستقبلتنا . وكانت تكسب مواليها مكسباً كبيراً بعرافتها . هذه أتبعت بولس وإيانا وصرخت قائلة : ( هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي ، الذي ينادون لكم بطريق الخلاص ) . وكانت تفعل هذا اياماً كثيرةً . فضجر بولس والتفت إلي الروح وقال : ( أنا أمرك بأسم يسوع المسيح أن تخرج منها ! ) فخرج في تلك الساعة . أعمال الرسل 16 : 16 - 18
وأرواح العرافة والسحر لا تزال موجودة حتي زماننا الحاضر كما يوجد الكثيرين من ضعفاء النفوس الذين لا يزالون يؤمنون بهذه الخرافات . ويوجد من يلجأون اليها ويطلبون استشاراتها مع أنها لا تنفعهم ولا تضرهم بشيئ . فعلي المؤمن المسيحي الذي قبل وأمن بالرب يسوع أن لا يمارس او يلجأ الي تلك الخزعبلات ، لأن في المسيح كل الكفاية ، ولأن نعمته في الضعف تكمل .










شفاء المولود أعمي

وفيما هو مجتاز رأي أنساناً أعمي منذ ولادته . فسأله تلاميذه .
قائلين: ( يا معلم من أخطأ : هذا أم أبواه حتي ولد أعمي ؟ يوحنا 9 : 1 – 2

أجاب يسوع : لا هذا أخطأ ولا ابواه . لكن لتظهر أعمال الله فيه ) في الطب يوجد الكثير من الامراض والكثير ايضاً من المسببات لهذه الامراض العصبية والنفسية علي سبيل المثال لا الحصر ألأتي : -
1 / الامراض المورثة 2 / الامراض المعدية
3 / الامراض المنقولة جنسياً
4 / الاورام السليمة والخبيثة
5 / أمراض اخري كثيرة جداً
6 / مرض الخطيئة وهو المرض الاخطر الذي يصيب كل البشر .
في معجزة شفا الرب يسوع المسيح للمولود أعمي نقاط شتي وزوايا مختلفة ، ونجد فيها ايضاً جدال وسجال محتدم كما يأتي :-
1 – سؤال التلاميذ الرب يسوع عن من الذي أخطأ
2 - الطريقة التي استخدمها يسوع للشفاء
3 – طاعة المولود ألأعمي
4- انتشار اخبار الشفاء
5 – استجواب الفريسيين للأعمي وأبويه
6 – لقاء الاعمي بيسوع وايمانه به
7 – الاعمي البصير المتجدد
1 – من الذي أخطأ فولد الابن أعمي ؟ !
تقدم التلاميذ الي الرب يسوع المسيح بهذا السؤال الذي لا يزال يتبادر الي أذهان وأفكار الكثيرين منا . هذا عندما يكون في الوسط أنسان مصاب بمرض وراثي وأي مرض أخر . فيفسر الناس بأن سبب المرض يرجع الي خطية أحد الوالدين او كلاهما وأن المرض هو عقاب من الله للأبوين في مولودهما ,
دعونا نقرأ هذه الايات في مستهل الاصحاح التاسع من أنجيل يوحنا . وقد وجه البشير يوحنا كل هذا الاصحاح لمناقشة موضوع شفاء المولود أعمي . نسبة لأهمية الحدث وتشعب ما جاء فيه ، وما صاحبه من تداعيات شتي . يقول يوحنا البشير ( وفيما هو مجتاز رأي انسان أعمي منذ ولادته . فسأله تلاميذه قائلين يا معلم ، من أخطأ : هذا أم أبواه حتي ولد أعمي ؟
يحمل هذا السؤال بين طيأته سؤال أخر . اذ كيف يخطيئ انسان قبل ولادته ليعاقب بسبب جرم او جرئم لم يقم بها ولا هو قام بأرتكابها ؟ ولا أدري ما هو قصد التلاميذ بهذا السؤال . الا ان يسوع علي كل حال أجاب علي سؤالهم وقطع الشك الذي ساروهم . اذ قال لهم بايجاز شديد : ( لا هذا أخطأ ولا ابواه كانوا خطاةٌ فولد ابنهم أعمي جزاء لخطيئتهم . أكد لهم يسوع بأن ولادة هذا الرجل أعمي هو لقصد الهي مسبق لأظهار مجده وقوة أعمال الله فيه .
هنا انتهز يسوع هذه الفرصة الغالية و الثمينة جداً ليتحدث عن أعماله وتعاليمه وأرساليته العظمي للعالم . كما أفصح يسوع عن نفسه وكشف الغطاء ورفعه وبجلاء ووضوح فتكلم قائلاً : ( ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار . يأتي ليل ولا يستطيع أحد ان يعمل . ما دمت في العالم فأنا نور العالم ) يوحنا 9 : 4 5
قال يسوع لتلاميذه انا هنا في العالم بينكم ومعكم لأعمال كبري قد سبق الله الاب وأعدها لي لأعملها . أتيت الي العالم وانا نور العالم جئت لأهب النور والضياء لهذا العالم المظلم . انا هنا لأمنح عمي العيون البصر و لأمنح لعمي القلوب البصيرة . جئت لأشبع الجياع خبز الحياة ولأسقي العطاش الماء العذب من الينبوع الحي . فأنا الذي أعضد وأشفي المنكسري القلوب وعندي الدواء لكل داء . انا من املك القوة والقدرة والسلطة العليا حتي أطلق المأسورين بالذنوب والخطايا وأفك والمكبلين بالقيود والسلال وأمر بحل قيودهم وأرسلهم الي العتق والحرية . وتجلي يسوع أمام تلاميذه بقوة وسلطان ومجد عظيم مهيب مظهراً جلاله الالهي . ثم قال لهم : ( انا هو نور العالم )
2 –شفاء المولود أعمي .
قال يسوع هذا وتفل علي الارض وصنع من التفل طيناً وطلي بالطين عيني ألأعمي . وقال له : ( أذهب أغتسل في بركة سلوام ) الذي تفسيره مرسل ، فمضي وأغتسل وأتي بصيراً . يوحنا 9 : 6 - 7
لم تكن تلك العملية التي أجراها الرب لهذا الرجل تحتاج أن تستغرق ولو بعضٌ الوقت . كما لم يحتاج هذا العمل ولو قدر قليل من الوقت والزمن ، أبداً لم يكن الامر يكلف الرب يسوع المسيح كثير من التعب و العناء . ولكن لأنها كانت عملية كبري ومعقدة تستحق ألأدوات اللازمة التي استخدمت في خلق الانسان . فضل الرب يسوع المسيح أراد ان يبرهن لهم مبادئ خلق الانسان وأنه كان منذ البدء موجوداً ومشاركاً لله في عمل الخليقة . ولأن هذا الانسان مخلوق في الاساس من الطين . تفل يسوع في الارض وأخذ مادة الطين هذه وطلي بها عيني هذا الاعمي . عمل يسوع كل هذا العمل الكبير لأنه طبيب عيون خبير وماهر متخصص . و بهذا تمكن من أعاد الحياة الي الخلايا و الشعيرات والاعصاب الدقيقة كما للشرايين والاوردة المعطوبة الميتة . وبالطب الالهي المتقدم ازاح الرب القشور من القرنية والقزحية وركب سائر جزيئيات العين الصغيرة بدقة واتقان . لم تنته العملية المعقدة بعد ، فقد كانت تحتاج الي دور مهم جداً لنجاحها . وكان هذا الدور المتبقي هو الدور المتوقف علي المريض نفسه لأنجاح عمليته . وهو ان يقوم هذا المريض بطاعة أوامر الطبيب المختص . قال له يسوع : ( أذهب أغتسل في بركة سلوام ). 9 : 7
3 – طاعة الأعمي لأوامر يسوع
بعد ان أكمل يسوع طبيب العيون العملية المعقدة لعيني المولود أعمي علي أكمل وجه . لم تنفتح عيناه علي الفور ليري كيف يبدو العالم والناس والطبيعة . فقد كان المولود أعمي في شوق ومتلهف جداً لرؤية زرقة السماء وخضرة الاشجار وفحص أشكال البشر ووجوههم . كان هذا المولود ألأعمي في شوق عارم للحظة الرؤية الاولي . تلك الرؤية التي ظل يحلم بها كثيراً وتمناه لأمد طويلة باتت الان قريبة جداً . فمنذ ميلاده وفي الايام والاسابيع الاولي لأحظ ابواه شيئ غير طبيعي في عيون مولودهما . فقد كان الطفل علي غير عادة الاطفال حديثي الولادة لا يتجاوب مع الحركات التي تجري أمامه . كان يحدق بنظرات ثابتة وهو لا ينتبه او يلتفت الي محاولات أمه في مداعبته ومحاولاتها الكثرة اللعب معه . وبعد شهر ذهب به ابواه الي الطبيب ليكتشفوا بأن مولودهما أعمي بنوع من العمي الذي لا علاج له . .هذا ما جعل أبوي الطفل يستسلمان للأمر الواقع ويتعملان بأرداة الله لهم ولأبنهم الصغير . . وهكذا تربي الصبي وكبر وهو أعمي مستسلماً لواقعه راضياً بنصيبه وقسمته في الحياة .
في لقاء المولود أعمي مع طبيبه الخاص الرب يسوع الطريق علي الطريق العام دب أمل جديد لم يكن يترتجي في حياة هذا الرجل . فقد تعايش مع حالتة وأعتبرها حالة طبيعية فهو ليس بالانسان الوحيد الذي ولد اعمي . وهو يعرف الكثيرين من العميان . كما ان لديه أصدقاء وأصحاب عميان كثيرين يلتقي بعضهم في السوق كل يوم ويقابل أخرين أمام الهيكل كل سبت . لكن لقائه الاخير مع الرب يسوع غلط أرواقه وأعاد ترتيبها من جديد بل غير مجري كل شيئ في حياته . فقد استمع جيداً الي حديث التلاميذ مع المعلم . لم يهتم كثيراً بسؤال التلاميذ عن من الذي أخطأ حتي ولد أعمي . لكن كل تركيزه كان منصباً علي الكلمات التي نطق بها الرب يسوع المسيح قائلا : ( ما دمت في العالم فأنا نور العالم ) . فهذه الكلمات اشعلت في عينيه المولود أعمي بريق من الشعاع ووميض من النور انقشع في عينيه للحظة . فجعلته في لحظة من الزمان كما لو كان بصيرا ولم يكن أعمي من قبل . هذا ما جعله مؤمناً بكل ما عمله الرب يسوع المسيح معه مطيعاً لكلامه مستعداً لتنفيذ أوامره حرفاً حرفاً . وعندما قال له يسوع : (أذهب أغتسل في بركة سلوام ) الذي تفسيره : مرسل ، لم يتردد الرجل ابداً بل قام علي عجل من أمره ومضي علي الفور وأتي بصيراً .
4- انتشار اخبار الشفاء
ذهب المولود أعمي فوراً الي بركة سلوام كما طلب منه طبيبه الخاص يسوع الرب الشافي منفذاً تعليمات بدقة . وصل الاعمي الي البركة وأغتسل كما يغتسل اليهود حسب شريعة موسي وما أن أكمل أغتساله حتي انفتحت عيناه . وللحظه بدأت له كل الدنيا وبهجتها كما لو انه ولد في اللحظة والتو . أنفتحت عينيه وتمكن أخيراً من رؤية الحياة الدنيا وبانت في وجهه اشراقة الامل الجديد المرتجي وبهجتها . رأي الناس وأشكالهم علي حقيقتهم بعد ان ظل يتصور اشكالهم في مخيلته وشكر الله شكراً جزيلاً ومجده في شخص الرب يسوع المسيح . مجد الرب من كل قلبه علي نعمة البصر . كما تمني ان يري يسوع مجدداً ليعلن له ايمانه به رباً ومسيحاً فادياً له ومخلصاً شخصياً . لم يطلق العنان لخياله الواسع وهو يعيد النظر في الاشياء التي تبدو جديدة من حولة . ولم يبذل جهداً مقارناً اياها بما كان يتخيلها وهو عميان من خلال الوصف . لكنه شمر سواعد الجد متغبطاً فرحاً وهو يجري راكضاً صوب منزلهم ليخبر اباه و أمه والجيران كم أحبه الله وكم صنع الرب به ومعه من الرحمة . وفي اثناء وركضه الي البيت كان يصيح صارخ وهو في الطريق قائلاً : ( انا هو الانسان المولود أعمي لكنني ألأن أبصر ) . ( انا هو الرجل الذي كان أعمي وها انا اليوم ابصر ) . وصل ألأعمي البصير الي بيتهم وكلم ابواه قائلاً : انا ابنكم المولود أعمي وها انا الان ابصركم كما ترونني ) سمع الجيران والاصدقاء والأهل وتوافدوا تزاحموا في البيت وهم يتجادلون بين مصدق ومكذب . فبعضهم كان يقول ( أنه هو هو هذا هو الاعمي نفسه الذي نعرفه جيداً ولد بيننا وتربي ونشأ أعمي في وسطنا ) . وكان أخرين منهم يستنكرون الكلام غير مصدقين لا .. لا ليس هذا هو المولود أعمي الذي نعرفه لكنه يشبهه جداً . كما يقولون : ( يخلق من الشبه أربعين ) .واشتد الجدال البيزنطي بين الجيران حتي الاخبار وو وصلت الاخبار والانباء الي الفريسيين في عقر دارهم !



5 – استجواب الفريسيين
في ظل احتدام الجدل بين الجيران في هوية الرجل . أثير الكثير من الحوار والنقاش والجدال الساخن والمحتدم بين الجميع . كان البعض يأكد شخصية الرجل الذي كان أعمي والبعض الاخر لا يصدق بل ينفي الفكرة تماماً . بينما كان الرجل البصير الواقف أمامهم الان وهو ويصبرهم ويراهم بعينين طبيعين بقدارات بصر ونظر سته في سته . كان الرجل يقول لهم : ( انا هو المولود أعمي وهذا هو أبي وهذه هي أمي ! ) . وأكد ابواه للجيران المتغالطين قائلين : ( هذا هو ابننا بدم وشحمه ولحمه وعظامه نحن نعرفه جيداً ) . ولأن الكلام السجال والنقاش المحتدم المستمر طال ، تطوع بعضهم وقام بأخذ الرجل الي الفريسيين واخبروهم بمعجزة شفائه وهو مولود أعمي . وبالتالي تولي الفريسيين زمام الامر . اذ قام الفريسيين أنفسهم باستجواب الرجل وسؤاله والتباحث معه بالاسلوب الاستخباراتي الطويل الممل . فسأله الفريسيين كيف أبصر ، فقال لهم : ( وضع طيناً في عيني وأغتسلت في بركة سلوام ، فأنا ابصر ) . فقال قوم من الفريسيين هذا الانسان ليس من الله لأنه لا يحفظ وصية السبت . فقال الاعمي في نفسه : ( الناس في شنو والحسانية في شنو ! ) وكان يقصد بالحسانية الفريسيين الذين قالوا : ( بأن من شفاه هو انسان خاطيئ لأنه لم يحفظ وصية السبت ) . وأخرون قالوا كيف يقدر انسان خاطي ان يعمل مثل هذه ألأيات ؟ . وكان بينهم جدال وانشقاقُ كاد ان يتحول الي عراك بالايدي والعصي . . وظل الفريسيين يجادلون الرجل جدلاً بيزنطينياً . وظلوا يعيدون ألأسئلة ويكررونها بعبط وغباء وهم يدورن في الحلقة المفرغة الي ان زهج الرجل وقرف منهم .
فاستدعوا ابويه فسألوهما قائلين أهذ ابنكم الذي تقولان ولد أعمي ؟ فكيف ابصر الان ؟
أجاب ابواه بأختصار شديد وكلام مفيد وقالا : ( نعلم ان هذا ابننا ، وأنه ولد أعمي . وأما كيف يبصر الان فلا نعلم . هو كامل السن أسلوه فو يتكلم عن نفسه ) .
لم يشاء ابوي المولود أعمي الدخول مع الفريسيين في الجدال والاستجوابات والسين والجيم وهلمجرا الطويلة المملة . ولا كانوا مستعدين للحرج الذي سيدخلهم الفريسيين فيها . فقد كانوا علي دراية تامة بالعواقب والنتائج النهائية في الدخول في هكذا مهاترات مع الفريسيين والكهنة وقادة رؤساء الشعب . وهذا ما جعلهم يلقون بالكرة في مرمي الفريسيين وأبنهم . أي انهم تركوا ابنهم وحيداً في ملعب الفريسيين يواجه مصيره . قائلين. ( هو كامل السن أسلوه فهو يتكلم عن نفسه ) . فنحن لم نكن حاضرين وقت العملية ولا علم لنا بكيف جرت او من هو الانسان الذي أجراها ولا نعرف لماذا قام باجرائها في يوم السبت !.
وبالتالي رجع الفريسيين القهقري الي الرجل الذي كان أعمي يستجوبونه مجدداً بنفس الأسئلة السابقة الممجوجة الطويلة المملة . وفي النهاية عندما احتاروا في ألأمر ارادوا ان يبرروا موقفهم وان يبيضوا وجوههم امام الجمع . فقد احتشد جمهور غفير لرؤية ألأعمي الذي ابصر . بعضهم كانوا يشهدون بالمعجزة الكبري التي تمت علي يدي الرب يسوع المسيح الذي جعل المولود الاعمي يبصر .فقال الفريسيين للرجل : ( أعطي مجداً لله نحن نعلم ان هذا الانسان خاطيئ ! )
الا ان الاعمي باغتهم بما لم يكن يخطر ببالهم او يدور مطلقاً في أذهانهم ويفتكروه في خيالهم ابداً . رد الذي كان أعمي بنوع من الاستنكار قائلاً : ( أخاطيئ هو ؟ لست أعلم . انما أعلم شيئاً واحدأ : ( أني كنت أعمي والان ابصر ! ) .
وعندما اراد الفريسيين ان يخوضوا معه مجددا في المزيد من الجدل البيزنطي . زهج الأعمي وابدأ مضجراً منهم بل قرف من اسئلتهم الاستخباراية المباحثاتية الخبيثة . اذ ضاقت نفسه وقرفت روحه الرحبه وهو لم يهنئ بعد بالرؤية . وهو الذي ولم يستمتع بعد بحلاوة النظر والبصر . فجاوبهم الذي كان أعمي وابصر من الاخر قائلاً : ( قد قلت لكم ولم تسمعوا . لماذ تريدون ان تسمعوا ايضاً ؟
ألعلكم أنتم تريدون ان تصيروا له تلاميذ ؟ ) . وهنا شهد هذا الرجل وأعلن للفريسيين بأنه قد صار تلميذا ليسوع طبيبة الخاص الذي شفاه . فيسوع هو الذي أعطاه ووهبه مجاناً نعمة وعطية النظر والبصر والحياة الجديد المجانية بالنعمة فوق النعمة .
وهنا فقد الفريسيين المفلسين أصلاً حيلتهم ومنطقهم وجن جنونهم . وهذا ما جعلهم يثورون في ثورة غضب وغيظ غير مبررن اطلاقاً هاجوا وشنوا هجمة شرسة علي الرجل وعلي يسوع الذي نصبوه عدوا لهم !
فشتموه وقالوا له : ( أنت تلميذ ذاك ، أما نحن فأننا تلاميذ موسي . نحن نعلم أن موسي كلمة الله أما هذا فما نعلم من أين هو) .
الجمت شهادة المولود الذي ولد أعمي والذي صار الان بصيراً وهو يشهد ويتكلم بمراحم الرب للفريسيين . الجمت كلماته بل كادت ان تخرس السنة الفريسيين ان لم تقطعها فعلاً . وبتلك الشهادة الحية القوية التي كان يتحدث بها بثقة الايمان و بطلاقة وأريحية وصدق ويقين . كان المولد أعمي يتحدث معهم عن كم صنع به الرب يسوع وكم أبه . وتكلم عنه بأسهاب مشدداً عن كم أحبه تلك المحبة الابدية التي أدامت له الرحمة وفتحت أعينه . وتلك الشهاة كانت كافية وافية لأن تلجم وتخرس وتبكم اللسنة الفريسيين . بل وتفقدهم نصحهم وتخبط رشدهم وتشل قدراتهم وتسقطهم في بركة الغضب ألأثن .
أجابوهو و قالوا له : ( في الخطايا ولدت أنت بجملتك ، وأنت تعلمنا )
فأخرجوه خارجاً .
6 – لقائه والرب يسوع
فسمع يسوع انهم أخرجوه خارجاً ، فوجده وقال له : ( أتومن بأبن الله )
أجاب ذاك وقال : ( من هو ياسيد لأمن به ) . فقال له يسوع : ( قد رأيته ، والذي يتكلم معك هو هو ! ) فقال : ( أومن يا سيد ! ) فسجد له .
أي ان الاعمي البصير خر وركع وسجد للرب يسوع المسيح معلنا ايمانه قائلاً : ( انت الرب يسوع المسيح أبن الله الحي ).
أخيراً وليس أخراً . تقابل الرجل الذي كان أعمي في عينيه تقابل مع الرب يسوع المسيح وجهاً لوجه . ورأي الاعمي البصير الان في هذا اللقاء رأي وجه الرب يسوع المسيح وتفرس فيه ملياً . ورأي فيه الروعة والحب والرحمة والسلام . رأي الذي كان أعمي في عيني الرب يسوع كيف ستبدو الحياة جميلة رائعة بصحبته ورفقته . وشهد له بكم هو عظيم وقدوس وبار. كما شهد له بكم هو جميل رائع بل أروع جمالاً من كل بني البشر . ذلك لأن خصائل الروعة والعظمة كانت تتجلي في عيني الرب يسوع بقوة . وهنا استطاع الاعمي ان يعبر عن آيات الامتنان بالحمد والشكر الجزيل والعرفان الجميل . بدأ فرحاً منتشياً وهو يتكلم بروح الفرح الذي لا ينطق به ومجيد . ففي اللحظة الاولي عندما تقابل مع يسوع لم يتمكن من رؤيته وجهاً لوجه والعيون لم تكن تقدر ان تبصره وتراه او تشوفه لأنه كان أعمي . فأرسله يسوع الي بركة سلوام حيث ذهب وأتي بصيراً . فأمن الرجل بيسوع ليس فقط كطبيبه الخاص والرب الشافي بل أمن به رب وفادي مخلص واله محب . وفي اللقاء الثاني عندما رأه والعين تشوف العين . عندما عرفه والقلوب المؤمنة تعرف بعضها ، سجد له كرب واله حي قادر علي كل شيئ ولا يعسر عليه أمر .

7 - الأعمي البصير المتجدد
فقال الرب يسوع المسيح للرجل الذي ولد أعمي : ( لدينونة أتيت أنا الي هذا العالم ، حتي يبصر الذين لا يبصرون ) . فسمع الفريسيين ، وقالوا له : ( ألعلنا نحن ايضاً عميانٌ ؟ ) . قال لهم يسوع : ( لو كنتم عمياناً لما كانت لكم خطيةٌ . ولكن الان تقولون إننا نبصر . فخطيتكم باقيةٌ ) . يوحنا 9 : 39 - 41
يعكس إيمان الرجل الذي كان أعمي وأبصر مدي قوة هذه النعمة الايمانية التي تغير الانسان والناس تماماً من أناس بائسين يائيسن الي اناسٌ أمناء جدد متفائلين بالحياة محبين لها . والانسان الجديد في الرب المسيح أنسان متغير في الجوهر تماماً من الانسان القديم الذي كان يعيش في المظهر . لأن الطبيعة الجديدة التي يكسبها ويعطيها الرب لهذا الانسان الجديد المتغير كماً ونوعاً تجعله أنساناً من نوع أخر في الفهم والفكر والادراك والاستيعاب . ليثبت هذا بأن طبيعة الاشياء العتقية التي كانت فيه بالوراثة من الابوين تبدلت فيه لتكون فيه طبيعة الانسان الجديد المتجدد في الرب المسيح . وهذا ما رأينا في هذا الرجل الاعمي الذي أبصر وصار انساناً جديداً ليس فقط بأنفتاح عينيه الماديتين ولكن بأنفتاح بصره وبصيرته الروحية ايضاً . فنلاحظ أن اشياء كثيرة حدثت لهذا الرجل فور لقائه الاول بالرب يسوع المسيح قبل أن يرسله الرب الي بركة سلوام ليغتسل. ومن تلك الاشياء الظاهرة فيه روح الطاعة والخضوع والاستعداد .
عندما نال الرجل الشفاء لم يكتف بما ناله من أمنية كان يتمني ويحلم بها كل عمره كما لم يتوقع يوماً أن يجدها وينالها . لكنه كان ايضاً أميناً وفياً شاكراً قادرعلي الشهادة لمن أحبه ورحمه . هذا ما ظهرفيه جلياً وهو يحاور الفريسيين الذين كانوا يريدون بخث أن يبطلوا قوة المعجزة وأن يطفئوا نارها المتأجج ونورها المضيئِ . فعطية أعادة النظر لأنسان مولود أعمي ليس بحادث عابر يحدث وينتهي الامر , لكن هذه العطية كانت بالنسبة لهذا الرجل عمل ألهي عظيم لا يستهان به ابداً . وكان قوة منطق وإيمان هذا الرجل شهادة كبري للرب يسوع المسيح من هذا الرجل المؤمن الشجاع . هذا بخلاف الموقف الخائف المتوجس والمتردد بل الموقف الجبان الذي أظهره أبويه خوفاً من الفريسيين . كان لأبوي المولود أعمي موقف سلبي جداً اذ كانوا يخافون من الطرد من المجمع او الفرز من المجتمع . وسيظل يذكر دائماً للرجل الذي كان أعمي قوة ايمانه بالرب يسوع المسيح بقوله للفريسيين . أجاب الرجل وقال لهم : ( عجباً ! إنكم لستم تعلمون من أين هو ، وقد فتح عينيَ . ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة . ولكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئه ، فلهذا يسمع . منذ الدهر لم يسمع أن أحدٌ فتح عيني مولود أعمي . لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئاً ) . يوحنا 9 : 30 – 33











المرأة المنحية

( واذا أمرأة بها روح وضعف ثمانية عشرة سنة ، وكانت منحنية .
ولم تقدر أن تنتصب البتة . ولما رأها يسوع دعاها .
وقال لها : ( يا أمرأة أنت محلولة من ضعفك ! ) .
ووضع عليها يديه ، ففي الحال استقامت ومجدت الله ) لوقا 13 : 11 – 13
كان من عادة المعلم العظيم يسوع المسيح ان يكون حاضراً في كل سبت في الهيكل او في أحد المجامع اليهودية . وكان ينتهز فرصة وجوده الثمين بين المعلمين ليعلم محاضراً او ليناقش المعلمين من الفريسيين والصدوقيين في المسائل الدينية المتعلقة بالناموس وشريعة موسي . وايضاً كان ايضاً ينتهز ذات الفرص المتاحة لتسديد حاجات الشعب النفسية والروحية والمادية الجسدية . وكان كل يوم سبت وهو يوم الراحة والعبادة عند اليهود كان يحرص علي أن يكون متواجداً في الهيكل او أحدي المجامع . وهنا نري ونلاحظ كيف صار يوم السبت حاجزاً كبيراً لدي اليهود ؟ ولاسيما رؤساء الكهنة من الكتبة و الفريسيين . فقد جعلوا من هذا اليوم المقدس مصيدة ومعثرة لكثيرين بل جعلوا السبت بحد ذاته صمناً يعبد بجانب الله . أما يسوع فبجانب تعاليمه في السبوت فقد كان يعمل أعمال ابيه ما دام نهاراً كما قال لهم . فقد قام يسوع بمعجزات كثيرة وكان يجريها في ايام الاسبوع وكذلك في ايام السبت في الهيكل والمجامع . واشهر المعجزات التي تمت في يوم السبت كانت سبع معجزة وهي كما يلي : -
ا – معجزة طرد روح نجس من رجل . مرقس 1: 21 – 28
2 – معجزة شفاء حماة بطرس مرقس 1 : 29 - 31
3 – معجزة الرجل المقعد عند بركة بيت حسدا يوحنا 5 : 1 - 18
4 - معجزة شفاء رجل ذو اليد اليابسة مرقس 3 : 1 – 6
5 – معجزة شفاء المرأة المنحنية لوقا 13 : 1 – 17
6 – معجزة شفاء انسان مصاب بألأستسقاء لوقاء 14: 1 – 6
7 – معجزة الرجل المولود أعمي يوحنا 9 : 1 – 16
جاء ذكر يوم السبت في الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسي في جبل سيناء ووصية يوم السبت هي الوصية الثانية في ترتيب الوصايا العشرة . وهذه الوصية الواضحة البينة تقول : ( ستة ايام تعمل وتصنع جميع عملك . أما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك . لا تصنع فيه عملاً ما أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك . لأن في ستة ايام صنع الرب السماء وألأرض والبحر وكل ما فيها ، واستراح في اليوم السابع . لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه ) . خروج 20 : 8 - 11
أما رؤساء اليهود والقادة الدينيون ، فقد أضافوا اليها عبر القرون ، قرن بعد قرن . أضافوا الي هذه الوصية قاعدة تلو القاعدة وهذا ما شوه شريعة الله ووصيته . فعلي سبيل المثال تقول الوصية ان يوم السبت يوم راحة كما جاء في الايات السالفة الذكر . إلا ان رؤساء اليهود أضافوا الي ذلك قائلين : ( لا يجب ان يشفي أي انسان مريض في يوم السبت لأن هذا يعد عملاً ) . وكانت هذه واحدة من مشاكل اليهود الرئيسية مع الرب يسوع المسيح . فهو يقوم بمساعدة الناس ، اذاً فهو عندما يقوم بأعمال الرحمة للمحتاجين الي الرحمة لا يعمل عملاً مادياً بل يقوم بعمل روحي من وهي أعمال الله ابيه . فعلي سبيل المثال لا يحرم الوصية عمل الخير كمساعدة المساكين والفقراء والايتام والارامل في يوم السبت فالصدقة غير محرمة القيام بها في يوم السبت . لأنها عمل من أعمال الرحمة ليس هذا فحسب بل هوعمل وواجب ديني مقدس يدعو له الناموس وشريعة موسي . وهذا يعد من العبادات والطقوس والشعائر كالذبائح التي يقوم بها الكهنة خدمة للانسان المؤمن اليهودي في كل يوم سبت لأرضاء الله . فالأعمال التي يمنعها الناموس والشريعة هي الاعمال البدنية التي تأخذ وقتاً وجهداً تمنع الانسان من الذهاب الي الهيكل او المجمع والعبادة في يوم السبت . وهذا ما لم يكن يفعله الرب يسوع المسيح في السبوت . لكنه كان يقوم بما يشبه بتقديم الصدقات للمساكين والفقراء المحتاجين او تقديم الذبائح لله في أيام السبت . فكل الذي كان يفعله هو كلمة تخرج من فمه او لمسة من يده او أصعبه فيشفي المريض يقوم المشلول منتصباً وكذا يتكلم الابكم ويبصر الاعمي . وتلك هي الاعمال التي شرعها الناموس واتاحها لفائدة الشعب اليهودي . فالقيام بآيات شفاء الناس في أيام السبت لست بالخارجة عن هذا السياق . فهذه لا يمكن ان تعد خرقاً للناموس اوكسراً للوصية وعصيانا وتمرداً ضد لله او خروجاً وعدم الطاعة لشرائعه ونوامسيه المقدسة .
ونجد كسر وصية السبت وخرقه في العمل السافر الذي قام به أحد الرجال في يوم السبت في زمن موسي كليم الله الذي جاء في سفر العدد كما يلي :
ولما كان بنوا اسرائيل في البرية وجدوا رجلاً يحتطب في يوم السبت . فقدمه الذين وجدوه يحتطب حطباً الي موسي وهارون وكل الجماعة . فوضعوه في المحرس لأنه لم يعلن ماذا يفعل به . فقال الرب لموسي : ( قتلاً يقتل الرجل . يرجمه كل الجماعة خارج المحلة ) . فأخرجه كل الجماعة الي خارج المحلة ورجموه بحجارة ، فمات كما أمر الرب موسي .
وكسر وصية السبت من أهم الاسباب التي جعلت رؤساء الكهنة وقادة الشعب والفريسيين الرب يتابعون يسوع المسيح في حله وترحاله . كانوا يتجسسون علي الرب يسوع المسيح ليجدوا فيه فعلاً او عملاً مشيناً وجريمة نكراء يرتكبه ضد الناموس و الشريعة . وكانوا يفعلون ذلك ليجدوا فيه زريعة تمكنهم من تجريمه وتقديمة للمحاكمة والقصاص منه اوالانقضاض عليه . وكان اعمال الخير التي يقوم بها الرب يسوع المسيح في أيام السبت هي الخرق الوحيد الذي وجدوه في يسوع حسب زعمهم مع أنهم فشلوا مراراً وتكراراً في اثبات ان الرب يخرق وصية السبت .
وقد دحض يسوع هذا الزعم والافتراء قأئلاً لهم : ( هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر ؟ تخليص نفس أو قتل نفس ؟ فسكتوا . مرقس 3 : 4
ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: « السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ." (مر 2: 27).
"وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا»." (لو 6: 5).
شفاء المرأة المنحنية
واذا أمرأة بها روح ضعف ثماني عشرة سنة ، وكانت منحنية ولم تقدر ان تنتصب البتة ) . هذه المرأة المسكينة التي رطبها الشيطان وقيدها بسلاسل ، ظلت مربوطة و منحنية الظهر لأكثر من ثمانية عشر سنة . كانت بحاجة ماسة لمن يفك قيودها ويحررها من اسر وسجن ابليس الذي اتعبها وشل قدراتها وحركاتها . فقد كانت تعاني كثيراً في التحرك والمشي . وكانت تسقط أرضاً مخشياً عليها ان تعثرت بأي عثرة في الطريق . وقد طال مدة معاناتها وبطول الزمن يئست وفقدت ألامل في استعادة حياتها الطبيعية وحيويتها في السير بين الناس والقيام بأعمالها وواجباتها العادية في المنزل وخارجه .
كم مرة من المرات يقيدنا الشرير ويشل قدراتنا وأمكانياتنا في العيش في سلام وهناءة وسرور . أن هذا البغيض المدعو ابليس لا تهدأ له بال الا بعد ان يري الواحد منا مرمياً يخوض في وحل طينه . هذا الشرير له قدرات عجيبة في فعل الافاعيل التي تبقي البشر مرميين في براثته . وبعد بذلك يرتاح وتقر عيناه وتهدأ ثورته وتستكين هيجانه المجنون .
ثمانية عشرة عام او سنة وروح الضعف وعدم القدرة تسيطر علي هذا الانسانة المأسورة . فلما رأها الرب يسوع المسيح رثي لحالها المتردي جداً . فدعاها وقال لها : ( يا أمرأة انك محلولة من ضعفك ! ) . ووضع عليها يديه ، ففي الحال أستقامت ومجدت الله . نعم حلت المرأة بعد ثمانية عشر أعوام من الربط الشيطاني المحكم وقد تسبب هذا في تقوس ظهرها أحدودابه وعدم استقامته . ثمانين عشرة سنة من ألألأم والاوجاع المبرحة جداً كما من الأنين الشديد والبكاء والنواح . وهذا المرض المزمن الذي يهاجم الجسد بالليل واناء النهار فيجأر الانسان بالشكوي والبكاء وصرير الاسنان . الا ان يسوع طبيبها الخاص وفي الموعد المحدد لها وفي المكان المناسب اللتقي بها . وكان هذا المكان أحدي مجامع اليهود والزمان كله كان كذب رياء ونفاق ، هو ذاك الزمان الملء بجور وظلم الانسان لأخية الانسان . فقسوة القلوب الغير رحيمة وهي تتسربل بثياب الدين والشريعة والناموس . والشريعة والناموس معاً منها براء .
أنحلت قيود المرأة واستقامت وانفكت اربطة ظهرها وسرت الدماء في تلك الشرايين الميتة التي تجددت وتجددت معها حياة هذه المرأة . ففي ساعة ولحظة الفرح العظيمة جداً قامت ومجدت الله في شخص طبيبها الخاص الرب يسوع المسيح . بل خرت سجدت له وأعطته الحمد والشكر والكرامة والاجلال . وهذا الفعل الذي أتته كان فعلاً كافياً لأغاظة هؤلاء الفريسيين ! . فهؤلاء المتربصين بيسوع ليس فقط لانه يشفي في السبت . لكن لأنه كان يظهر نفسه كرب وأله يستحق الركوع والسجود والعبادة .
بينما تفرح السموات والملائكة وتبتهج وتمجد الله بخلاص انسان واحد . وفي الجانب الاخر يحزن الشيطان الرجيم ويغضب جنوده اللابسين مسوح الدين المزيفة يثورون يهيجون يلعنون مغتاظين .
فأجاب رئيس المجمع ، وهو مغتاظ لأن الرب يسوع المسيح ابرأ أمرأة في يوم السبت ، وقال : ( هي ستة ايام ينبغي فيها العمل ، ففي هذه أئتوا واستشفوا ، وليس في السبت ! )
فأجابه الرب قائلاً : ( يا مرائي ! . ألأ يحل كل واحد منكم في السبت ثوره وحماره من المذود ويمضي ويسقيه ؟ . وهذه هي ابنة ابراهيم ، قد ربطها الشيطان ثمانية عشرة سنة ، أما كان ينبغي ان تحل من هذا الرباط يوم السبت ؟ ) . واذ قال هذا أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه ، وفرح كل الجمع بجميع الاعمال المجيدة الكائنة منه . لوقا 13 : 14 – 17
ثمانية عشرة سنة من النير القاسي الصعب والحمل الثقيل . كانت تثقل كاحل هذه المرأة التي سماها يسوع بأبنة ابراهيم . واليهود يتبجحون ويتكبرون علي الأمم انهم ابناء ابراهيم . ويزايدون في أنفة وتشامخ بان ابراهيم هو ابيهم وحدهم . كما انهم في كبر يرفضون بأن ليس للأخرين في ابراهيم نصيب .
لكن بكلمة واحدة نطقها الرب يسوع فتم حل قيود الضعف والوهن وقطعت خيوط الربط المحكمة في ظهر المرأة فأستقامت . وبلمسة شافية برئت ليس من دائها العضال ومرضها الخطر المزمن فقط . بل كفر عنها ومحا كل أثامها وشرورها وغفرت كل خطاياها وذنوبها . رجعت المرأة الي حيويتها وحياتها الطبيعية التي اعتادتها قبل مرضها . وهذا ما كان يجب ان يفرح له رئيس المجمع وكل الحاضرين في ذاك السبت . لكن بالعكس حزنوا وحاول رئيس المجمع ان يوبخ يسوع بنبرة فيه شيئ من التعالي والتشامخ ونوع من السخرية والاذدراء . وهذا ما جعل الرب يسوع ينبري ويبادر ويستعيد زمام الامر ليعطيه درساً كبيراً ومهماً في الدين والشريعة والناموس . وتكلم يسوع في هذا المجمع كلاماً شاملاً ووعظ وعظاً كافياً شافياً . تكلم الرب موجهاً كلامه بصورة مباشرة الي رئيس المجمع ومن معه من الحضور من الكهنة والفريسيين وقادة الشعب. وتناول في حديثه موضوع السبت والدين والاخلاق والرحمة . لافتاً النظر الي أهمية السبت وقدسيته ، مشيراً الي ان السبت جعل لأجل الانسان في راحته الروحية والجسدية وليس العكس . كما افصح عن ما يعمله الناس في السبت من أعمال وواجبات يقوم بها الناس تجاه الحيوانات والانعام في أيام السبت . فما قام به الرب يشبة فك الحمار والثور والخيل وسقيها في يوم السبت فأن كانت مثل هذه الاعمال جائزة ومباح القيام بها في يوم السبت تجاه الحيوانات فكم بالاحري الانسان . وبذلك الحديث المستفيض أخجل يسوع رئيس المجمع الذي أحمر وجهه من الحياء والخجل . و هذا جعل الجميع يفرحون بشفاء المرأة مدركين بأن قيمة الانسان وحياته وصحته وحالته العامة في الروح والجسد أهم كثيراً عند الرب يسوع المسيح من التقاليد والطقوس وكل الممارسات الدينية الاخري . وبالتالي كشف الرب زيف الكهنة المرأئيين في الظاهر بالدين وقشوره دون الاهتمام والمبالاة المستحقة تجاه حياة الناس الجوهرية في الجسد والروح .
أما عن حالة شفاء المرأة المنحية بواسطة الرب يسوع فهي تشبه الي حد كبير ما قام به بطرس ويوحنا للرجل الاعرج ذلك الرجل الذي كان يجلس أمام الهيكل ليستعطي . فقد درجت أسرة هذا الرجل الأعرج علي أحضاره من البيت في أيام السبت وفي بعض أوقات الصلاة المختلفة ليستعطي القادمين للصلاة في الهيكل . وكان الرجل يجلس أمام باب الهيكل وهو يتفرس في أوجه الداخلين حسب مظاهرهم الخارجية في لباسبهم الذي يمكن ان يدل علي الغني والثراء . الا أن المظاهر في بعض الاحيان تكون خداعة وهي ليست الظهر الجميل الانيق بلآنسان بالطبع المقياس او المعيار علي الغني واليسر . وحتي أن دلت علي ذلك فهذا لا يعني من جهة أخري بأن الاغنياء دائما كرماء وقادرين علي الكرم والعطاء . ففي كثير من الاحيان يكون الفقراء أكثر استعداداً للكرم والتعاطي مع المساكين والفقراء أكثر من الاغنياء . وهذا ما حدث للرجل الاعرج مع بطرس ويوحنا فلم يكن في مظهرهما علامات تدل علي غناهم لكن الرجل حرص علي أن يتوسل اليهما أملاً ان ينال شيئاً من رحمتهما . وكان بطرس الرسول ويوحنا المملوئين والموأيدين بقوة الروح القدس الذي نزل عليهم في يوم الخمسين . كانوا ليسوا بقادرين علي منح وأعطاء الفضة والذهب لهذا الرجل المعاق بل كانوا في قوة تمكنهما علي منح وأعطاء الصحة والعافية والقوة والقدرة لهذا الرجل الاعرج ومنحة الحياة الجديدة .
وكان رجل أعرج من بطن أمه يحمل ، كانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكل الذي يقال له ( الجميل ) ليسأل صدقةً . من الذين يدخلون الهيكل . فهذا لما رأي بطرس ويوحنا مزمعين أن يدخلا الهيكل ، سأل لياخذ صدقةً . فتفرس فيه بطرس مع يوحنا ، وقال ( أنظر الينا ! ) . فلاحظهما منتظراً أن يأخذ منهما شيئاً . فقال بطرس : ( ليس لي فضةٌ ولا ذهب ، لكن الذي لي فإياه أعطيك : بأسم يسوع الناصري قم وأمشي . وأمسكه بيده اليمني وأقامه ، ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه ، فوثب ووقف وصار يمشي ويطفر ويسبح الله . أعمال الرسل 3 : 2 - 8
هذه هي أعمال النعمة التي كان الرب يسوع المسيح يقوم بها كل يوم وهو يجول ويصنع الخير العظيم وينادي بالحياة . وهذه الاعمال تتبع المؤمنين بالرب يسوع لا بل تمكنهم ، من يعملوا ما هو أعظم منها ، حسب قول الرب يسوع نفسه .
المعلم نيقوديموس

قال له نيقوديموس : ( كيف يمكن الانسان ان يولد وهو شيخ ؟
ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد ) يوحنا 3 : 4
أجاب يسوع : ( الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد
من الماء والروح لا يقدر ان يدخل دخل ملكوت الله ) يوحنا 3 : 45

هارون رئيس الكهنة واللاويين
في البدء أختار الله هارون كاهناً له ليقوم بوظيفة الكهانة في الهيكل الخاصة بتقديم الذبائح بمساعد ابنائه الكهنة وهم ناداب وأبيهو ’ العازر وإثيمار . وايضاً بمساعدة أخوتهم اللاويين والذين يقومون بواجبات العمل في الهيكل وتنظيم وأعداد الشعب وتجهيزهم للعبادة والصلاة التي يتقدمهم فيها الكاهن الكبير هارون وبنيه . وكانت خدمة العبادة في الهيكل تقوم وتقام بنظام ودقة وانضباط بقيادة رئيس الكهنة هارون او من ينوب عنه من الكهنة . ومن أهم شروط أختيار الكاهن او اللاوي هو ان يكون من نسل هارون . هذا وقد ميز الله الكهنة بأمنيازات خاصة في مظهر لبسهم الكهنوتي حتي يكونوا مميزين بالمظهر الجميل والجيد المقدس أمام الله والشعب . أنهم يقومون بهذه الطقوس وهم يعبدون ويصلون بتواضع وخشوع ورهبة وخوف لأن الله حاضر في وسطهم بقوة الروح القدوس . هذا هو الكلام الذي تكلم به الله الي نبيه هرون وموسي بخصوص أختيار رئيس الكهنة والكهنة واللاويين وما يلزمهم من الثياب الكهنوتية المقدسة المطلوبة للكهانة في الهيكل.
قرب لي هارون أخاك وبنيه معه من بني إسرائيل ليكهن لي . هارون ناداب وأبيهو ألعازر وإيثمار من بني هارون . أصنع ثياباً مقدسة لهارون أخيك للمجد والبهاء . وتكلم جميع حكماء القلوب الذين ملأتهم روح حكمةٍ ، أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه ليكهن لي . خروج 28 : 1 - 3
رجال الديين الفريسيين
لكن فيما بعد وبمرور الزمن وتقدم التاريخ ابتعد رجال الدين كثيراً عن محور ومركز النظام والنهج الذي خطه الله لموسي بخصوص رئيس الكهنة وسائر الكهنة وعملهم الرئيسي في الهيكل . فقد ترك هؤلاء الكهنة الخدمة الرئيسية التي أختيروا لأجله وقاموا بأستحداث وأدخال أشياء جديدة تتمشي مع أهوائهم وترضي غرورهم في الكبرياء والغلو في الاستعلاء والغطرسة الفارغة .
فقد تميز عهد القادة الدينيين اليهود من الفريسيين والصدوقين بالغطرسة والكبرياء والاستعلاء علي الاخرين من البشر . فقد كانوا يرون في انفسهم انهم صفوة البشر الذين انتقاهم الله ليكونوا وكلاء رسميين لله ومتحدثيين بأسمه . وحتي أن أفترضنا ذلك وسلمنا جدلاً بأن الله أختارهم ليكونوا في مقدمة الشعب وتعليمه وقيادته القيادة الرشيدة بالموعظة الحسنة والسلوك القيادي الجيد . الا أنهم أخطأوا الطريق وخرجوا عن المسار والدرب او السراط المستقيم الذي رسمه وخطة الله لهم لأتباعه السير فيه بالحكمة والرشد . هذا ما دفع الرب يسوع الي مواجهتهم بقوة شديد وتعنيفهم بأعنف الكلام وهذا واحد من الامور التي أججت روح الكراهية والبغضاء ضد الرب يسوع المسيح لدي الفريسيين والصدفيين .
حينئذٍ خاطب الرب يسوع المسيح الجموع وتلاميذهٌ قائلاً : ( علي كرسي موسي جلس الكتبة والفريسيين ، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فأحفظوهٌ وأعملوهٌ ، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا ، لأنهم يقولون ولا يفعلون . فأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها علي أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم . وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس : فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم ، ويحبون المتكأ الاول في الولائم ، والمجالس الاولي في المجامع ، والتحيات في الاسواق ، وأن يدعوهم الناس : سيدي سيدي ! متي 23 : 1 – 7
هذا هو الحال والنهاية الدينية المأساوية التي أنتهي اليه الفريسيين بالكهنوت الالهي المقدس فقاسوا كل الامور الدينية علي مقاساتهم . عكف الفريسين ودأبوا علي تكريس كل الامور الديينة وتوجيهها في اتجاه الواجهات الخاطئة التي تخدم وتحقق مصالحهم الانانية الضيقة علي حساب كلمة الله . وعلي هذا الاساس قام الرب يسوع بتوبيخهم طالباً من الجميع بأن لا يسلكوا سلوكهم هذا علي الاطلاق .
المعلم الفريسي نيقوديموس
يعد نيقوديموس واحد من ابرز القادة الدينيين عند اليهود وهو واحد من اشهر المعلمين الفريسييين المدققين في الشريعة والناموس . كما كان رئيساً وعضواً متقدماً فاعلاً في المجلس الاعلي لليهود السنهدريم . و بجانب تفوقه وبروزه في تعاليم الناموس وشريعة موسي كعالم من العلماء المتفقهين وأحد المراجع المهمة في الفتاوي الدينية . كان نيقوديموس يؤمن كسائر اليهود بمجيئ المسيا الموعود به في التوراة وكان من المنتظرين لهذا الرجاء .
سمع نيقوديموس كسائر رفقائه من القادة الفريسيين عن تعاليم الرب يسوع المسيح ، كما سمع كغيره عن المعجزاته والمنجزات الروحية العظيمة التي كان يجريها . فذيوع صيت الرب يسوع المسيح كان ينتشر بين الجميع وكانت والعجائب والايات تتسابق في الانتشار بين الناس في كل مكان. لهذا كان نيقوديموس الحريص يتابع الاعمال التي يجريها يسوع المسيح عن كثب وبشعف وحب استطلاع عن قرب وربما رأه في الهيكل او أي مكان اخر . كما كانت اشواقه تدفعة دفعاً الي المقابلة مع يسوع المسيح شخصياً . اذ كانت تراوده بعض الاسئلة الصعبة المهمة التي تحتاج الي لقاء خاص مع هذا المعلم الجديد الذي أسمه الرب يسوع المسيح . ولأن نيقوديموس كان قد وصل الي درجة متقدمة من الايمان بيسوع أنه المسيا . لكنه كان يخشي ويتردد في نفسه كثيراً من الاقدام بهكذا خطوة قد تكون غير محسوبة العواقب . وهذا ما جعله يرجيئ ويأخر الاعلان والمجاهرة بهذا الايمان أمام الجمهور . وكان يخاف ان ينكشف هذا الايمان لدي رئيس الكهنة وقادة الشعب . فظل نيقوديموس لفترة من الزمن في حيرة من أمره يتنازعه صراع نفسي وروحي داخلي ساخن حمي الوطيس . كما كان يفكر بجدية ويدبر ويتدبر في الطريقة المثلي الأمنة التي تمكنه من اللقاء بيسوع دون حودث او احداث بلبلة او أي نوع من الأثارة . وفي النهاية قرر ان يكون هذا اللقاء سراً وبعيداً عن أعين أخوته القادة الفريسيين . أحب نيقوديموس ان تكون تلك اللقاء بعيداً عن الاعين المتلصصة المراقبة المتجسسة لكل شارد وواردة عن يسوع وعن من يقابله من القادة وما يقولونه عنه . كانوا يخشون بل يخافون خوفاً عظيماً جداً ان يؤمن أحد قادتهم بهذا المعلم . فهذا المعلم هو الذي سرق منهم الاضواء وخطف منهم الجمهور وصار الكل يتبعه ويسيرون خلفه من مكان الي اخر . في اجمتاعات القادة ورئيس الكهنة السرية تمت نقاشات ساخنة ومحتدمة عن يسوع وتعاليمه ومعجزاته ومحبة الكل له . وبالطبع لم تصل تلك المداولات الي نتائج وقرارات حاسمة بشأن الطريقة المثلي التي يمكن استخدامه ضد الرب يسوع المسيح وكيفية التعامل معه . كانوا يبحثون عن السبل والطرق المثلي والحجج التي تمكنهم من أخماد ثورة التعاليم الجديدة التي قلبت أمورهم الدينية رأساً علي عقب .
حسم نيقوديموس أمره في وقت من الاوقات وبت في شأن لقاء يسوع خفية من الناس وفضل ان يكون اللقاء في ليلة من الليالي وفي مكان وزمان حدده بطريقة سرية جداً. في تلك الليلة لملم نيقوديموس أطرافه وفي جعبته تلك الاسئلة الحائرة التي ظلت تدور في خلده عن يسوع . كان ذهنه منشغلاً في الايات التي كان يجريها ويصنعها يسوع . وكلما فكر نيقوديموس في الله كانت صورة يسوع تتجسم أمامه واضحة جلية فيضطرب قلبه ويهتز كل كيانه . حدث له هذا الامر او الرؤية غير مرة كما لو كانت تلك الصورة تقول له : ( انظر وتفرس جيداً يا نيفوديموس في صورة الرب يسوع المسيح فستجد فيها صورة الله المعلنة للجمبع ! ) .
لقاء يسوع نيقوديموس
وهنا يحدثنا يوحنا البشير قائلاً : كان انسان أسمه نيقوديمس رئيس لليهود . هذا جاء الي يسوع ليلاً وقال له : ( يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً ، لأن ليس أحد يقدر ان يعمل هذه الايات التي انت تعمل إن لم يكن الله معه ) .يوحنا 3 : 1 – 2
وبهذا الايمان الاعلان الذي أظهره نيقوديموس بيسوع المسيح معلماً مرسل من الله . انفتحت الابواب المغلقة وقد بدأت كلمات نيقوديموس جريئة جداً . هذه الكلمات التي لايمكن ان يتفوه بها ابداً اياً من الفريسيين . لأنها كانت تعلن عن ايمان وتصرح باعتراف قوي بل تتكلم عن شهادة بالغة الاهمية والمعني . وتدلعلي إيمان نيقوديموس بالرب يسوع المسيح . نعم لم يستطع نيقوديموس وهو يقف وجهاً لوجه أمام السيد الرب يسوع الا أن يخر ويسجد له بقلبه وأن لم يفعل هذا الامر شكلياً وظاهرياً . المهم أمن نيقوديموس نعم أمن نيقوديموس بالرب بيسوع رب ومسيح وملخص وان لم يركع ويسجد له كما فعل الكثيرين قبله . وبكلام نيقوديموس انفتحت الابواب واسعة مشرعة أمام الرب يسوع المسيح لأول مرة ليتحدث لقائد من قادة اليهود الكبار بصراحة وجهاراً عن أهمية الولادة الجديدة بالماء والروح .
الولادة الثانية
الولادة الثانية لنيقوديكوس هذا ما تم في مستهل أجاباته النورانية العميقة . فأجاب يسوع وقال : الحق الحق لأقول لك : ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يري ملكوت الله ) .
وبدات كلمات الرب يسوع المسيح وأجاباته بهذه الكلمات الكبيرة غير مفهومة لنيقوديموس بل صدمت أذان وقلب المعلم الفريسي المدقق وألجمت لسانه . صار هذا المعلم الناموسي المخضرم الكبير في دهشة مبهوراً متعلثم اللسان وعاجز مرتبكاً خجلاً وفي حياء . وترأي نيقوديموس أمام عينيه وتصور فكره انه معلم يقف أمام معلم كبير ورأي نفسه أقل مقام وانه لا يزال معلم صغير في بدايات مراحله الاولية في التعليم . بدأ كما لو انه كان تليمذا صغيراً في الصف الاول والحصة الاولي في حياته التعليمية .
فرد نيقوديموس الخجل المرتبك المحتار . رد بتردد وارتباك . قال له نيقوديموس : ( كيف يمكن لأنسان ان يولد وهو شيخ ؟ ألعله يقدر ان يدخل بطن أمه ثاية ويولد ؟ ) يوحنا 3 : 4
وهنا أتت أجابة يسوع الشافية الكافية النهائية تصك أذان المعلم الفريسي الكبير ورئيس السنهدريم وتخرس لسانه .
أجاب يسوع : ( الحق الحق أقول لك : ( ان كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله . المولود من الجسد جسد هو ، والمولود من الروح هو روح ). يوحنا 3 : 5
ذهل نيقوديموس واستغرب جداً وبدأ يفكر في نفسه قائلاً لها : ( يا للخسارة الكبري التي عشتها ويا لخسارة العمر الطويل التي أمضيتها في تعليم اليهود . ويا للوهم الذي كنت فيه يا نيقوديموس ! فقد كنت متوهماً جداً في نفسك وتفتكر أنك ليس معلم فقط بل عالم كبير في مجلس السنهدريم . وها انت اليوم تبدو أمام معلم المعلمين صغيراً جداً لا تساوي ولا تسوي شيئاً أمام هذا المعلم السماوي الكبير العظيم الرب القدير . هنا في حضرة يسوع المعلم الحقيقي أنت يا نيقوديموس تدخل لأول مرة في قاعة المدرسة العليا . هنا الان أنت تبدو حقيقة كما لو أنك لم تدخل أية مدرسة من قبل ابداً ابداً . كيف يكون هذا وانت معلماً فريسياً كبيراً مخضرماً يشار اليك بالبنان في الدين والفقه اليهودي ؟ كيف يكون هذا ويفهم وأنت أحد مفتيي الديار اليهودية ومرجع مهم في قضايا الناموس والتلمود ؟ دخل نيقوديموس في حوار وجدال حار مع نفسه وهو لا يزال بين قدمي يسوع يتفرس فيه ويتأمل بل ويتعبد له في خشوع المتضعين . وقال في نفسه هل حقاً يمكن ان تكون يوماً معلم كهذ ا المعلم الذي أنت الان ماثل أمام حضرته ؟ وأجاب نيقوديموس نفسه قائلاً : ( لا لا ابداً أن هذا المعلم الذي أسمه الرب يسوع المسيح هو معلم لا يمكن ان يشق له غبار ولا يمكنك سبر أغواره ابداً ! ) . ما الذي يحدث لك الان وأنت واقف قدام يسوع كأنك طفل صغير أمام ابيه الملك العظيم ؟
ويمضي المعلم الكبير يسوع وهو يدهش نيقوديموس بتعاليمه الالهية القوية متكلماً بقوة وقدرة وسلطان . كما لو لم يتكلم أحد قبله حتي النبي موسي لم يكن ليتحدث و يتفوه بهذا السلطان المطلق والتعاليم الألهية الباهرة جداً .
فيقول يسوع لنيقوديموس : ( لا تتعجب أني قلت لك ينبغي ان تولدوا من فوق . الريح تهب حيث تشاء ، وتسمع صوتها ، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا الي أين تذهب ، هكذا كل من ولد من الروح ) . يوحنا 3 : 7 - 8
ويظل نيقوديموس مشوشاً الذهن والفكر كلياً وهو يتخبط في تييه ولا يلوي علي شيئ . متسائلاً في نفسه بأستفهامات تتوارد في ذهنه الواحدة تلو الاخري .ليشعر بأحساس يتملكه كأنه الان انسان ورجل غريب في مكان ما من العالم . افتكر في بأنه كان ضالاً والان ها هو في طريق جديد يقوده ويهديه الي الطريق الصحيح والي السبيل والسراط المستقيم !
أجاب نيقوديموس وقال : ( كيف يمكن ان يكون هذا ؟
أجابه يسوع ممتاز جداً يا نيقوديموس ! أنت بحق رجل ممتاز في تواضعك وحبك للمعرفة فطوبي لك . لكن دعني اشرح لك المعني والمضمون كله بل المخزي وراء القصد الكبير . وهذا ما انت تجهله تماماً .
أجاب يسوع وقال : ( أنت معلم أسرائيل وتجهل هذا ! )
الحق الحق أقول لك : ( أننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ، ولستم تقبلون شهادتنا . ان قلت لكم الارضيات ولستم تؤمنون ، فكيف تؤمنون أن قلت لكم السماويات ؟
وليس أحد صعد الي السماء الا الذي نزل من السماء ، أبن الانسان الذي هو في السماء . يوحنا 3 : 9 – 13
ولك عزيزي وعزيزتي ان تتخيل معي جلياً نيقوديموس وهو واقفاً كالرجل الابله . وانا هنا كأنني واقفاً بجانبه فأراه شاخصاً متفرساً في يسوع والحيرة والارتباك والاندهاش تلجمه وتلف لفاً وتطويه فيبدو صغيراً غاية الصغر. أليس هذا هو المعلم الفريسي الكبير نيقوديموس الذي هو يساوي في القامة معلم الرسول بولس غملائيل ، الذي شهد عنه بأنه معلم للناموس وهو رجل كريم ومكرم عند جميع الشعب . فنقوديموس الان وهو بين يدي الرب يسوع المسيح لا يقف كمعلم وفريسي ورئيس مجمع ما من مجامع اليهودية اطلاقاً . لكنه وهو الان يقف أمام الرب يسوع فهو يقف حقيقة أمام مجد الله الذي بات يتجلي له في شخص يسوع هذا ! . ها هو نيقوديموس الان يجد نفسه في المكان الصحيح و المقام اللائق به في تلك الضفة العظمي من نهر الحياة الجديدة . فقد عبر بإيمانه الي الشاطيئ الاخر ليكون قلباً وقالباً بالايمان والولادة الجديدة في مجد الله الاب السماوي . عبر بروح الايمان يالرب يسوع المسيح ، عبر نيقوديموس حقيقة الي بر الامان والسلامة الروحية .
ولم يعد نيقوديموس بعد نهاية هذه الزيارة الليلة التي قام بها سراً لرؤية يسوع . لم يعد هو ذاك الرجل او الانسان والمعلم الذي كان يخشي قول الحق في المجمع اليهودي لاسيما عندما يتعلق الامر بيسوع . فقد كانت تدار في هذا المجمع من وقت لاخر حوارات ونقاشات ويحتدم الجدال حول شخصية الرب يسوع المسيح وما يتوجب من الاجراءات الصارمة ضده . وكان نيقوديموس يتصدي ويواجه ما يقال باطلاً عن الرب يسوع المسيح بالحجة والمنطق . وفيما بعد صار نيقوديموس أكثر من مجرد تليمذاً ليسوع وان فضل ان يظل تلميذاً في الخفاء . لكنه صار يشهد للحق ويتصدي للباطل بشدة وقوة وايمان لا يخشي او يهاب .
وهذا ما نراه فيما بعد . فقال قوم من أهل أروشليم ( أليس هذا هو الذي يطلبون ان يقتلوه ) . وها هو يتكلم جهراً ولا يقولون له شيئاً !
ألعل الرؤساء عرفوا يقيناً أن هذا هو المسيح حقاً ؟ يوحنا 7: 25 – 26
فنادي يسوع وهو يعلم في الهيكل قائلاً : ( تعرفونني وتعرفون من أين انا ، ومن نفسي لم أت ، بل الذي أرسلني هو حق ، الذي أنتم لستم تعرفونه . انا أعرفه لأني منه ، وهو أرسلني ) .
فطلبوا ان يمسكوه ، ولم يلق عليه أحد يداً عليه ، لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد . يوحنا 7 : 28 – 30
وكان نيقوديموس الذي صار تلميذا خفياً ليسوع يسمع يسوع ويراقب الموقف من قريب ومن بعيد عن كثب . و ظل نيقوديموس يدافع ليس عن الرب يسوع المسيح فقط بل كان أحياناً يجاهر بتعاليمه في المجامع اليهودية بشجاعة واستبسال مبدياً تأييداً له . بينما كان الرؤساء يزدادون غيظاً من تعاليم يسوع وهم يكادوا ان يموتوا بالحنق والغيرة والحسد . كانوا يراقبون وهم يرون الجمهور العريض من الشعب اليهودي يسيرون واراء يسوع واعدادهم تزداد يوماً اثر يوم .
فأرسل الفريسيين ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه . فقال لهم يسوع ( انا معكم زماناً يسيراً بعد ، ثم أمضي الي الذي أرسلي وستطلبونني ولا تجدونني ، وحيث أكون انا لا تقدرون ان تأتوا ) يوحنا 7 : 32 - 35
لم يستطع الخدام ولا القادة اليهود من الامساك بيسوع لكنهم كانوا بالاحري معجبين مذهولين من تعاليمه منجذبيين اليها . كان اؤلئك القادة والخدام حقيقة يكادوا ان ينخرطوا مع الجمهور ويؤمنوا بيسوع لولا المخاوف التي كانت تراودهم وتنتابهم الحين والاخري . لكنهم ظلوا يتابعون يسوع كل يوم وهو يعلم الشعب بشغف والشعب مندمج في التعاايم . حتي هم أنفسهم هؤلاء الكتبة والفريسيين والصديقين من المرسلين ليتجسسوا عليه كانوا غارقين في التعاليم وسماع يسوع . لدرحة انهم نسوا مأموريتهم ومهامهم الخاص بالقبض علي الرب يسوع المسيح .
وهذا ما يقوله يوحنا عنهم : فحدث انشقاق في الجمع لسببه . وكان قوم منهم يريدون ان يمسكوه ، ولكن لم يلق أحد عليه الايادي . يوحنا 7 : 43 - 44
وجاء الخدام الي رؤساء الكهنة والفريسيين وفقال هؤلاء لهم : لماذا لم تأتوا به ؟ )
أجاب الخدام : ( لم يتكلم قط انسان مثل هذا الانسان ) .
هنا أعلن الخدام المرسلين للقبض علي يسوع ايمانهم الصريح بل المطلق بيسوع !
و لو لا خوفهم لقالوا لهم نحن ريناه وسمعناه وشهدنا تعاليمه الربانية . كما شاهدنا بأعيننا المعجزات والعجائب وكل الايات التي كان يصنعها بأم أعيينا . وهذا ما لم يمنحنا مجالاً لأمساكه لأننا أمنا به سراً في قلوبنا خشية منكم .
فأجابهم الفريسيين المتوجسين خوفاً وهلعا ورعباً من يسوع .
فأجابهم الفريسيين : ( ألعلكم أنتم ايضاً ضللتم ؟ . ألعل أحد من الرؤساء او من الفريسيين أمن به )
كاد الخدام المرسلين من قبلهم ان يقولوا لهم : ( نعم ضللنا في مراعيه وخمائله الخضر وتهنا في وديانه وينابيع خمر مياهٌ العذبة وسكرنا )
ولو لا قليل لقال الخدام للفريسيين ورؤساء الكهنة : ( ان ضلال يسوع خير الف مليون مرة من زيفكم وخداعكم وريائكم . فأنتم الضلال الذي يمشي بين الناس علي رجلين . أنتم أيها طاوويس تجسمون الغطرسة والكبرياء ستمضون في طريقكم الي الهلاك . أما يسوع هذا الذي تريدون ان تقتلوه ، فهو الطريق والحق والحياة ) .
كان للكلمة التي قالها الفريسيين للخدام : ( ألعل أحد من الرؤساء او من الفريسيين أمن به ) .
هذه الاية او الكلمة هي التي مست نيقوديموس في الصميم وجعلته يتصدي للموقف بقوة واقتدار وايمان غير مبطن بيسوع .
قال لهم نيقوديموس الذي جاء اليه ليلاً وهو واحد منهم : ( ألعل ناموسنا يدين انساناً لم يسمع منه اولاً ويعرف ماذا فعل ؟ ) يوحنا 7 : 48
وكانت كلمة نيقوديموس تلك هي المرافعة التاريخية الاولي والقوية التي أهاجت الفريسيين وأطارت الصواب من عقولهم المغيبة . وهذه هي المرافعة التي جعلت الفريسيين يتهمون زميلهم بالايمان بيسوع صراحة . فأجابوا وقالوا له : ألعلك أنت ايضاً من الجليل ؟ فتش وانظر ! انه لم يقم نبي من الجليل ) .يوحنا 7 : 52
هنا شهد شاهد من أهله . نعم فقد شهد نيقوديموس عن الرب يسوع المسيح أمام مجلس اليهود الاعلي . ان هذا الذي تريدون القبض عليه والحكم عليه بالموت . انه هو هو الرب المسيا .
لم تنتهي مرافعة نيقوديموس الكبري أمام مجلس اليهود الاعلي . لكنها أمتدت و تواصل زخمها . وكان نيقوديموس الذي نال الشفاء الكامل من مرض الخوف القاتل وتحرر من داء الجبن والخسة بواسطة طبيبه الخاص يسوع الرب الشافي الذي أبرأه من الجبن والخوف . وبالتالي صار تلميذاً وانساناً جديداً متجدداً بروح النصرة في يسوع فغلب الانهزام والشك والريبة والوجل والخوف والتوجس من قلبه الي الابد.
وعندما صلب الرب يسوع المسيح في الجلجثة كان نيقوديموس وغيره كثيرين من الذين أمنوا سراً بيسوع المسيح من الحاضرين الشاهدين لصلب معلمهم ومخلصهم ألأمين .
وهذا ما جاء في يوحنا 19 : 38 – 40 ثم ان يوسف الرامي وهو تلميذ يسوع ، لكن خفية لسبب الخوف من اليهود ، سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع ، فأذن بيلاطس . فجاء واخذ جسد يسوع . وجاء ايضاً نيقوديموس ، الذي أتي اولاً الي يسوع ليلاً ، وهو حامل مزيج من مر وعود ومئة مناً . فأخذا جسد يسوع ، ولفاه بأكفان مع الاطياب ، كما لليهود عادة ان يكفنوا ). أمين .
هكذا منذ نحو أكثر من الفي سنة وعام لا زال المعلم يسوع يعمل ليل نهار . فالمسيح لا يزال يجول يصنع الخير الكثير وينادي بالخلاص يشفي جروح المتعبين ويختار الذين قبلوا وأمنوا به رباً ومسيحاً فادياً ومخلصاً . وهؤلاء المختاريين هم الذين يخرجون بأدورهم ليشهدهم لرب المجد رب الحياة الابدية جيلاً بعد جيل .
واليوم وبعد مضي أكثر من الفي عام لا تزال كلمة الرب يسوع المسيح ينادي بها في أرجاء المسكونة وبين كل الشعوب واللغات والالسن . والايمان المسيحي يمتد ويتمدد ويعم الكون وفي صباح كل يوم جديد ينضم الي هذا الايمان الجديد المتجدد ينضم اليه الذين قبلوا كلمة الله الحية . وكثيرين منهم ينضمون جهراً او علانية وأخرين يؤمنون ولكنهم لأسباب تخصهم وتخص مجتمعاتهم فهم يفضلون أن يكون أيمانهم في السر . هؤلاء هم أخوة نيقوديموس في بلدان الجزيرة العربية والبلدان الاسلامية في ايران وافغانستان باكستان ونركيا وغيرها من البلاد التي لا تزال غائبة ومغيبة من النور الرباني الالهي الذي ينير كل دياجير كل العالم . وهذا النور هو شخص وشخصية الرب يسوع المسيح الذي قال عن نفسة بأنه هو ملح الارض ، والطريق والحق والحياة لأنه هو ذاته نور هذا العالم المظلم بالجهل والتخلف والامراض الدينية العصبية التي تولد وتفرز الارهارب في كل العالم . هي تلك البلاد لا تزال تجاهر بمعادة المسيح جهراً وتستعديه وتحاربه لأنهم لا يعرفون ما يفعلون . لكن رسالة الله الانجيل البشارة السارة لا تعرف العداوة لأنها محبة جداً ومسالمة جداً ايضاً لذلك فهي لا تقاوم المستكبرين لكن في سيرها تواصل مدها وأمتدادها . انها تتبع نهج وأسلوب معلمها في الصبر والمثابر والسكون الهادي البطيئ المستمر . وحتماً ستصل الرسالة الالهية يوماً الي بغيتها وتحقيق هذفها السامي . انها تعمل بسحر قوة الرب يسوع كما يلي : فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً : ( دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الارض ، فأذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم بأسم الاب والابن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الايام الي أنقضاء الدهر . أمين
المرأة السامرية

( ولكن تأتي ساعةً وهي الان ، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون
للأب بالروح والحق ، لأن ألأب طالب مثل هؤلاء الساجدين له
الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا ) . يوحنا 4 : 23 – 24

عاش اليهود والسامريين في خصومة وعداء مستمرين منذ قرون وعقود وعهود قديمة جداً . وسبب هذا العداء بين اليهود والسامريين هو أن السامريين كانوا خليطا من اليهود والوثنيين وحتى عبادتهم كانت مختلطة بالوثنية، فإحتقر اليهود السامريين. وتبلور العداء وصار الإنفصال نهائيا حين بنى السامريين لأنفسهم هيكلا منافسا في جرزيم وإعتبروه هيكل الله الرسمى بدلًا من هيكل الله الذي بناه الملك سليمان أورشليم، وكان ذلك بتزوير في أسفار موسى الخمسة .
عندما ضيق الفريسيين الخناق علي يسوع في أورشليم . خرج المعلم يسوع المسيح مع تلاميذه . خرجوا وتركوا أورشليم لبعض الوقت حتي تهدأ الامور قليلاً وتمر عاصفة القادة ورؤساء الكهنة بسلام . لذلك فكر يسوع وتلاميذه في القيام برحلة تبشيرية الي الجليل في الشمال . وكان حتماً عليهم هذه المرة أن يمروا بالسامرة مع ان اليهود كانوا دائماً يتحاشون المرور بالسامرة تفادياً من لقاء السامريين او الاختلاط بهم . ولم يكن الرب يسوع المسيح يوافق مبدأ الخصام والعداء بين اليهود والسامريين ابداً .
في رحلة يسوع مع تلاميذه الي الجليل اختار يسوع الطريق القصير الذي يربط أورشليم بالسامرة الي الجليل . وكان في نية الرب يسوع المسيح يكون ويتم في هذه المرة لقائه بالمرأة السامرية عند بئر يعقوب .
وصل موكب الرب يسوع مع تلاميذه الي البئر ففضل يسوع ان يتركه تلاميذه لوحده برحةٌ من الوقت . كما انتهز التلاميذ الفرصة فدخلوا السامرة للتبضع وشراء بعض الطعام واشيائهم الفردية الخاصة .
كان الوقت يميل الي منتصف النهار والجو ساخن . في ذاك اليوم كان يسوع علي موعد خاص ابرمه للقاء المرأة السامرية . اختار الرب يسوع الزمن والوقت و بالدقة حدد المكان والزمان والانسان . وفي الموعد المحدد جاء يسوع وجلس بالقرب من البئر الذي كان في اثناء وقت الظهيرة خالياً من الناس ولا سيما من النساء المستقيات . وكان الوقت يميل الي نحو الساعة السادسة . في تلك الاثناء وصلت المرأة السامرية الي البئر حيث كان يسوع جالساً . . التفتت المرأة اليه ورمقته بنظرات شزرة ، وعندما تأكددت من هوية شخصيته اليهودية لم تحييه ولم تسلم عليه . لكن أنطبع في ذهنها طريقة التعامل المعهودة بين اليهود و بين بني جنسها السامريين . بينما كان يسوع يفكر ً كطبيب خاص لهذه المرأة السامرية بالذات . كانت المرأة تفكر فيه بالنظرة العنصرية البحتة . فقد جاء الرب يسوع المسيح الي السامرة خصيصاً للقائها و من أجلها تمت هذه الزيارة الخاصة وعلي وجه الخصوص .
وبينما بدأت المرأة في انتشال الماء من البئر ، كان يسوع يختلس النظرات تجاهها وهي لا تبالي ولا تعيره ادني أهتمام لأنه أنسان غريب وهو رجل يهودي ، بالتالي كان عليها ان تتجاهله وان لا تعطيه أدني أهتمام ! . بالاحري كانت تخض النظر عنه وتتجاهل وجوده بالمرة كأنه ليس بأنسان وانه غير موجود خالص . كانت المرأة السامرية تعاني من مشاكل اجتماعية أدخلها في نوع من الأدواء او الامراض النفسية . لا بل كانت حقاً مريضة نفسية وفي نفسها مصابة بالعقدة النفسية المزمنة الحادة جداً .
تعريف العقدة النفسية
العقدة النفسية هي أنماط حسية وفكرية " محرفة " غير سوية تؤدي إلى سلوك غير طبيعي وتكون عادة عميقة الجذور في نفس الشخص المصاب بها. تؤثر العقدة النفسية على كيفية رؤية الشخص لنفسه ، وكيف يتصرف تجاه الآخرين ، ويمكن أن تكون لها تأثير كبير على حياة ذلك الشخص.
حوار ونقاش الرب والمرأة
عندما بدأت المرأة السامرية في انتشال الماء من البئر دنا الرب يسوع المسيح بخطات من البئر ومن ثم المرأة السامرية . وفاجأها علي غير ما كانت تتوقع او تنتظر منه . ودار بين المرأة والرب يسوع المسيح هذا الحوار التاريخي الشيق الساخن الممتع . وهو حوار بين طبيب خاص ومختص ومريض بمرض نفسي روحي مزمن وخطير جداً .
واليكم الحوار الذي دار بين يسوع والمرأة السامرية .
فقال لها يسوع : ( أعطيني ماءاً لأشرب )
فقالت له : ( كيف تطلب مني لتشرب ، وأنت يهودي وانا أمرأة سامريةُ ؟ ) لأن اليهود لا يعاملون السامريين .
أجاب يسوع وقال لها : ( لو كنت تعلمين عطية الله ، من هو الذي يقول لكي أعطيني لأشرب ، لطلبت منه فأعطاك ماءً حياً )
قالت له : ( يا سيد ، لا دلو لك والبئر عميقة ، فمن أين لك الماء الحي ؟
أجاب يسوع وقال لها : ( كل من يشرب من هذا الماء يعطش ايضاً . لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه انا فلن يعطش الي الابد ، بل الماء الذي أعطيه يصيرفيه ينبوع ماء ينبع الي حياة ابدية ) .
قالت له المرأة ( يا سيد أعطني هذا الماء ، لكي لا أعطش وآتي الي هنا لأستقي ) . . يوحنا 4 : 7 – 15.
يسوع نبع الماء الحي
وقد دار هذا الجزء الاول من الحوار والنقاش الساخن بين يسوع والمرأة أمام البئر الماء . هذا الماء الذي كان يسوع يحتاجه لري ظمه الوقتي ونبعه بئر يعقوب . وقفز الحوار الي الماء الحي الذي كانت تحتاجه هذه المرأة لتطفيئ عطشها الروحي الدائم . وكان مصدر هذا الماء الحي ، هو الرب يسوع المسيح نفسه .نعم يسوع هو ينبوع الماء الحي الذي تحتاجه الان هذه المرأة السامرية ويحتاجه كل أنسان في كل زمان ومكان . وخلال الحوار اقترب كل من المرأة ويسوع خطوات مقدرة نحو الاخر . ورأينا كيف تبدلت لهجة ولغة كلام المرأة مع يسوع من اللغة السوقية الساخرة الجافة والعدائية . تغير اسلوبها رويداً رويداً الي كلمات حميمية لينة وخطاب ودي مرن ردمت تلك الهوة الكبيرة الفاصلة بينها كأمرأة سامرية ، ويسوع المسيح كرجل يهودي حسب ظنها . وبهذا الحوار تمكن يسوع من هدم جدار الفصل العنصري والتمييز بين اليهود والسامريين في شخصية المرأة السامرية . و انداحت الحواجزبينهما أي بين يسوع الذي كانت تنظر اليه كرجل يهودي ينبغي ان لا تتكلم بل ان لا تتعامل معه مطلقاً . واستطاع الطرفين في فترة قصيرة وجيزة من الزمن تمكنوا من التعارف و سبر أغوار الاخر بلطف فيه بعض من الالفة والمحبة والتحانن .
الرب في قلب السامرية
في هذا الجزء الثاني من الحوار فوجئت المرأة السامرية بيسوع وهو يباغتها بسؤال وطلب . لم تكن المرأة تتوقعه ولا تنتظر منه مثل هذا السؤال لا خطر ببالها دخوله في أمورها الشخصية الخاصة بهذه الطريقة الذي يمكن ان يسميها البعض بالوقاحة . فهذه المرأة التي كانت تعاني من الانعزال بسبب العزلة الاجتماعية القاسية عليها مفروضة مجتمعها هنا في السامرة . وهذا ما جعلها تتحاشي وتتفادي لقاء الناس والاختلاط بهم . بل كانت وتتهرب من مجرد نظراتهم الساخرة التي كانت تحمل في طيأتها كل انواع النبذ والاذداراء المبطن التي لا تخفيها عيونهم . لذلك كانت تفضل الذهاب والمجيئ الي البئر للأستسقاء في الاوقات التي لا يأتي فيه الناس الي البئر وكانت تحبذ ان لاتختلط بأياً كان . لذلك لم تكن في يوم من الايام مستعدة للحديث مع أياً كان في أمورها وشئونها الشخصية البحتة الخاصة . الا ان يسوع وهو العارف والعالم بخفايا القلوب والكلي وفاحصها . كان يسوع هو الشخص الوحيد الذي استطاع ان يخرجها من صمتها ويفك ويفتح ابواب خزائن اسرارها والغازها المستترة المغلقة علي مصراعيها . وبالتالي كان يسوع بمثابة الطبيب الخاص الذي فتح بنك بنودها الخاصة جداً . وبالتالي فتحت المرأة صدرها وقلبها وتكلمت معه كلام المريض المتألم مع الطبيب المداوي حيث لا حواجز ولا اسرار البتة.
الجزء الثالث من الحوار
قال لها يسوع : ( أذهبي وأدعي زوجك وتعالي الي هنا ).
أجابت المرأة وقالت : ( ليس لي زوج ! ) .
قال لها يسوع : ( حسناً قلت ليس لي زوج ، لأنه كان لك خمسة أزواج ، والذي لك الان ليس هو زوجك . هذا قلتي بالصدق )
قالت له المرأة : ( يا سيد أري أنك نبي ! . أبائنا سجدوا في هذ الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ) . يوحنا 4 : 16 – 20
من هنا ومن كلام المرأة السامرية ابتدأ يسوع يحدثها عن الله الاب والابن والروح القدس . ومن ثم حدثها عن الملكوت والخلاص والفداء بالايمان به رباً ومسيحاً ومخلصاً . وكلمها الرب يسوع المسيح عن العبادة الحقيقة الغير مرتبطة بالمكان والزمان ولا بأورشليم او الهيكل .
قائلا: ( ولكن تأتي ساعة ، وهي الان ، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للأب بالروح والحق ، لأن الاب طالب مثل هؤلاء الساجدين له . الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا )
قالت له المرأة : ( انا أعلم أن مسيا ، الذي يقال له المسيح ، يأتي . فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شيئ ) .
قال لها يسوع : ( انا الذي أكلمك هو ) . يوحنا 4 : 23 – 26 .
الي هنا قطع يسوع وليست جهيزة قول كل خطيب !
سوف لن يراودكم الشك البتة أن المرأة السامرية أمنت بالرب يسوع ، رباً ومسيح ومخلص ومن ثم خرت وسجدت عند قدميه .
شيئ عجيب ومدهش جداً . لكنه ليس بالمستغرب ان يحدث من الرب والمخلص يسوع الذي كشف كل اسرارها وفتح قلبها . فقد تمكن هذا الطبيب العظيم من كشف كل الامراض الجسدية والنفسية التي كانت هذه المرأة تعاني منها وتعيش فيها . وبمشرط الطبيب المتخصص الخبير العالم الماهر الرائع يسوع تم استئصال كل الاورام الخبيثة في جسدها ومن نفسها وروحها . شفيت المرأة تماماً ، تداوت وتعالجت وتعافت من كل داء ومرض خبيث كانت مصابة به . وشعرت في قرارة كل قلبها وعقلها وقدرتها انها الان قد صارت انسانة جديدة . وهذا ما جعلها تترك جرة مائها مع يسوع والتلاميذ الذين جاءواً وتنطلق الي مدينتها . ذهبت المرأة السامرية الي أهل بيتها وهي انسانة متحررة من كل العقد النفسية و الاجتماعية . فقد تكسرت قيود العزلة وانفكت أربطة وسلاسل الحواجز التي كانت تمنعها من مخالطة الناس بل وتحاول قدر الامكان الابتعاد منهم . لكن بعد لقائها و بعد ان غفر لها الرب يسوع كل خطاياها وكفر عنها جميع الذنوب وألأثام التي أقترفتها في ماضي كل مشوار حياتها المشين . صارت المرأة السامرية انسانة جديدة . وذهبت الي مدينتها السامرة لتبشرهم بالاخبار السارة التي هبطت من السماء لكل أهل السامرة .
التلاميذ يدعون الرب للأكل .
في تلك الاثناء حضر التلاميذ من السامرة واحضروا معهم بعض من الطعام من المدينة خبز وسمك .
وفي نفس الاثناء كانت المرأة قد أدبرت مهرولة صوب السامرة . لذلك سأله تلاميذه قائلين : ( يا معلم كل ) . فقال لهم : ( انا لي طعام لأكل لستم تعرفونه أنتم . فقال التلاميذ بعضهم لبعض : ( ألعل أحد أتاه بشيئ ليأكل ) . قال لهم يسوع : ( طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ) . أما تقولون : انه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد ؟ ها انا أقول لكم أرفعوا أعينكم وأنظروا الحقول أنها قد أبيضت للحصاد . والحاصد يأخذ أجرته ويجمع ثمراً للحياة الابدية ، لكي يفرح الزارع والحاصد معاً . لأنه في هذا يصدق القول : ( إن واحد يزرع وآخر يحصد . انا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه . آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم علي تعبهم ) . يوحنا 4 : 3 - 38
المرأة السامرية تبشر بيسوع
فاسرعت المرأة السامرية ووصلت الي المدينة وفي المدينة . وهنا السامرة سترون كيف كانت تركض من زقاق الي زقاق من شارع الي شارع ، ومن بيت الي بيت كما في الاسواق . كانت تتحرك وتجري وتركض بخفة ورشاقة من مكان لأخر وهي تصيح وتنادي جميع الناس والشعب من أهلها و قومها وكل المدينة تبشرهم وتدعوهم الي يسوع .
السامرة تستضيف الرب
يقول البشير يوحنا بهذا الصدد . ( فتركت المرأة جرتها ومضت الي المدينة وقالت للناس : ( هلموا أنظروا أنساناً قال لي كل ما فعلت . ألعل هو المسيح ) . فخرجوا من المدينة وأتوا اليه .
وبهذا تمكن يسوع فعلاً وعملاً من خرق وكسر جدار الفصل العنصري الذي كان قائماً بين اليهود والسامريين لقرون من السنين . فهرع أهل وسكان السامرة وخفوا في سرعتهم الي بئر يعقوب ليروا الرجل الذي تكلمت عنه المرأة السامرية ائلة لهم : ( هلموا أنظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت . ألعل هذا هو المسيح ؟ ) . فخرجوا من المدينة وأتوا اليه . يوحنا 4 : 29 – 30
خرج أهل مدينة السامرة عن بكر أبيهم وجاءوا للقاء ومقابلة الرب يسوع المسيح عند بئر يعقوب . فأبتدأ يسوع يكلمهم عن الله و الحياة ة الابدية مبتداءاً من بدء الخليقة مروراً بكل الانبياء الكبار والصغار . اخذاً العلاقات عبر العصور بين كل البشر أنتهاءاً بالعلاقات السيئة الان بين اليهود والسامريين كيف كانت والي أين أنتهت . مذكراً اياهم بحقيقتهم كسامريين من أين جاءوا ولماذا ساءات العلاقات الاخوية القوية التي كانت تربطهم وانداحت الوشائج التي القوية التي تقطعت بينهم كيهود وسامريين . وتكلم يسوع كثيراً عن التاريخ وعن ابراهيم ويعقوب أبيهم والاسباط الاثني عشرة . كما تكلم عن المسيا وعند هذه النقطة ابتدأ يسوع يكلمهم بالقوة والسلطان ويحدثهم عن الله الاب والابن والروح القدس . وهذا ما جعل أهل السامرة يطلبون بالحاح من الرب يسوع والتلاميذ بان يذهبوا معهم الي مدينتهم لأنهم حقيقة بحاجة ماسة الي سماع الكثير ايضاً من تعاليمه الجديدة .
الرب يستضيف السامرة
أمن أهل السامرة برب المجد يسوع المسيح أبن الله الحي الذي جاء ليس فقط لليهود بل جاء مخلصاً لليهود والسامريين وكل الامم ولشعوب العالم أجمع . ذهب يسوع وتلاميذه الي مدينة السامرة ومثكوا بها ليس لساعات قلائل بل ليومين كاملين . وكانت هذين اليومين من أعظم أيام التاريخ التي شهدتها ليس مدينة السامرة وكل أهلها فقط بل كل منطقة الجليل وما حولها أيضاً . وفي هذين اليومين العظيمين تمكن الرب يسوع من أزالة وكسر كل الحواجز والفصول ورفع الستائر وكشف الستار . نعم استطاع الرب من بناء الجسور وأعادة ترميم وتشييد كل ما كان منهدماً وصنع بتعاليمه روابط وعلاقات جديدة ليس فقط بين السامريين واليهود بل بين كل بني البشر . وهذا هو الامر الهام والمهم جداً الذي جاء من أجله الرب يسوع المسيح الذي ترك السماء ليعيد العلاقة القديم بين الانسان والله . كما ليصالح الانسان مع أخيه الانسان في كل مكان وزمان .
فلما جاء اليه السامريون وسألوه ان يمكث عندهم ، فمكث هناك يومين . فأمن به أكثر جداً بسبب كلامه وقالوا للمرأة : ( اننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن ، لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم ) يوحنا 4 : 40 – 42
هذا هو الايمان الذي قيل عنه الايمان بالخبر . لأن كل ما فعلته هذه المرأة السامرية انها أخبرت أهلها عن انسان قال لها كل ما صنعت . أمنت المرأة لأن الرب يسوع أخبرها بكل ما كانت لا تعلمه عن حقيقة نفسها والمشكلات التي كانت تعاني منها وهي تصارع وتنازع نفسها وروحها بداخلها . فقد كانت المرأة تعيش في عزلة من كل ناحية في حياتها من أهل بيتها الذين خاصموها وقاطعوها لسلوكها السيئ . فحاولت ان تجد نفسها وحياتها في رجل يستطيع ان يحبها لنفسها ويأمن لها الحياة الاسرية التي كانت تفتقدها . لكنها كانت تفشل في كل مرة وهذا ما جعلها تكثر من حالات الزواج والطلاق . فكلما تزوجت رجلاً فشلت هي في حبه وأرضائه او فشل الرجل في الاخلاص لها وتعويض ما ينقصها من الحب والاخلاص والوفاء . وباتت في النهاية العوبة رخصية يتداولها الرجال فيما بينهم فهي من وقت لأخر تترك رجلاً لتنتقل الي رجل أخر . وعندما تنصرف من حضن رجل لم يحترمها او يبادلها الحب المفترض منه تتركه لتذهب وترتمي علي حضن رجل أخر . ولا شك ان لقائها بالرب يسوع المسيح قد غير حياتها واخرجها ليس من حياة العزلة اجتماعية فقط بل نقلها كلياً من حياة الشر والفسق والرذيلة . وأتي بها الرب يسوع المسيح الي حياة الجديدة ستحياها في كنف ورعاية الرب يسوع المسيح الذي سيوفر لها حياة الفاضلة الذي ستعيشها بالكرامة والبر والطهر والعفاف والرجاء الكامل في الرب يسوع المسيح لأن فيه وحده الكفاية من كل شيئ ، لأن نعمته في الضعف تكمل .
أما أهل السامرة فقد أنتقلوا الي مرحلة جديدة من حياتهم مع الرب يسوع الذي علمهم بأنه هو الطريق والحق والحياة وأن ليس بأحد غيره الخلاص والنجاة . وكان في اليومين الللتين قضاهما الرب وتلاميذه الاثر الكبير جداً في كسر جدار العزلة والتمييز العنصري بين اليهود والسامريين . فقد تصالح السامريين مع اليهود في شخص الرب يسوع المسيح وتلاميذه كما تصالحوا مع الله بالرجاء المعطي لهم في المسيح رئيس السلام .
وبهذا استطاعت هذه المرأة التي كانوا يحسبونها أمرأة شريرة ، كما كانت هي ايضاً تحسب نفسها غير مستحقة للحياة مع الناس او معاشرتهم . ومن ذلك الوقت لم تعد تعيش في ذات الماضي الاثم بعد لقائها مع الرب يسوع بل استطاعت بالايمان ان تفك عزلتها وتتحرر جسدها و نفسها وروحها من أسر قيود ماضيها الخاطيئ . فما بال الكثيرين الذين لا يزالون يركنون أنفسهم في الماضي ظانيين ان المسيح لا يمكن ان يغفر لهم خطاياهم او معتقدين بأنها كثيرة ومستحيلة علي غفران الرب يسوع . هذه هو الحجة التي يحاجج بها الشيطان الكثيرين بغرض ابقائهم في دائرة الشر والخطية مدعياً للناس بأن المسيح سوف لن يقبلهم في مجده الاتي . وتلك هي بضاعة الابليس القديمة والفاسدة او المنتهية الصلاحية . فالرب يسوع المسيح يريد أن الجميع يأتون اليه والي معرفة وعمل الخير يقبلون . فهو الواقف علي الباب دائماً ويطرق منادياً بالقول : ( تعالوا إليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا أريحكم . إحملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ، فتجدوا راحة لنفوسكم . لأن نيري هينٌ وحملي خفيفٌ ) متي 11 : 28 – 30





















المرأة الزانية

قال لها يسوع : ( أين هم أولئك المشتكون عليك ؟ أما دانك أحد ؟ .
فقالت : ( ولا واحد يا سيد ! )
فقال لها ، ( ولا انا أديتك . أذهبي بسلام ولا تخطيئ أيضاً ) يوحنا 8 : 10 – 11

حكم الزاني والزانية هو الرجم بالحجارة حتي الموت هذا بحسب شريعة موسي . كما جاء في سفر التثنية . ( اذا وجد رجل مع أمرأة زوجة بعل ، يقتل الاثنان : الرجل المضجع مع المرأة ، والمرأة . فتنزع الشر من اسرائيل ) . تثنيه 22 : 22 . في العهد الجديد جرم يسوع المسيح خطية الزني مشدداً في الموعظة علي الجبل . بان الزني لا تتوقف عند الفعل والممارسة فقط لكن حتي النظرة والاشتهاء تعتبر خطية وزني . قال يسوع : ( سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن . أما انا فأول لكم : إن كل من ينظر الي أمرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه . متي 5 : 27 – 28
أما ما قام به الفريسيين في الهيكل فقد كان بمثابة الحق الذي أريد به الباطل كما يقولون . وقدم اليه الكتبة والفريسيين أمرأة أمسكت في زنا . ولما أقاموها في الوسط قالوا له : ( يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات فعل ، وموسي في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم . فماذا تقول أنت ؟ ) قالوا هذا ليجربوه ، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه . وأما يسوع فأنحني ألي أسفل وكان يكتب علي الارض . 8 : 3 – 6
لم يكن حجة وغرض الكتبة والفريسيين هو تجريم الخطية وتنفيذ حكم القانون وتطبيق الشريعة دحضاً لجريمة الزني بذاتها . ولم يكن يسوع هو الجهة المختصة او القاضي الشرعي المعين للنظر في مثل هذه الاحوال والجرائم واصدار الاحكام فيها . كما لم يكن لقادة اليهود من الرؤساء والكهنة والكتبة والفريسيين هذا الحق . ولكن كان لأولئك ألأشرار اغراض ومأرب أخري ضد الرب يسوع المسيح يريدون تحقيقها . وكان شكل اسلوبهم وتعاملهم وتقديمهم للمرأة الي يسوع يفضح نيتهم الخبيثة ويكشف عن افكارهم الشريرة . قدمت المرأة التي ضبطت تزني في ذات الفعل بحد زعمهم الي يسوع دون تقديم الرجل الذي زني بها في ذات الفعل . لم يسألهم يسوع عن أين الرجل الزاني ولماذا لم تحضروا مع هذه المرأة الزانية حتي أفتي لكم في شأنهما . لعلمه بالخبث والمكر الشيطاني الذي كان يكتنفهم ويدفعهم الي المحاولات الكثيرة الواحد تلو الاخري لأصطياده . كانوا يبحثون دائماً ويعملون بدأب لأيجاد ثغرة قانونية ما يمكنهم بها اتهام وتجريم الرب يسوع المسيح بخرق القانون والعمل ضد شريعة موسي . كما كانوا يريدون شيئ ما يثبت لهم ان يسوع لا يعترف ولا يحترم المستعمر الروماني الحاكم . وبذلك يشوا به الي الحاكم الروماني انه يثير الشغب والفوضي في وسط الشعب ويعمل ضدهم بدعوة الشعب الي عدم الاذعان والخضوع للوالي او الحاكم الروماني . وتلك كلها كانت أشواقهم الدفينة وهي الافعال والممارسات الحقيقية التي كانوا يقومون بها خفية وجهراً ضد السلطات الرومانية . لكن لخوفهم وخشيتهم فأنهم كانوا يسعون ويبحثون عن كبش فداء يعلقون عليه خبثهم وجرائمهم الظاهرة والمستترة . ولما وجدوا في الرب يسوع شخصاً منافساً لهم عملوا جاهدين لتصويره انسان غير مرغوب فيه لأنه يقوم بتحريض الشعب ضد السلطات . فاليهود عامة كانوا يكرهون هذا الاستعمار في السر والعلن وكانوا ينتهزون كل فرصة للجهر بمواقفهم المعادية لهذا المستعمر الروماني البغيض . فهذا المستعمرالذي جثم علي صدورهم وكتم انفاسهم وأذاقهم الويل والثبور لزمن طويل .
لكن كره القادة اليهود من الكهنة ورجال الدين والرؤساء تحول تكتيكياً استراتيجياً من المستعمر الروماني الي كره أشد ضد الرب يسوع المسيح وربما ظنوه الحائط القصير الذي يمكنهم أن يفشوا فيه غبينتهم وضغينتهم . حدث هذا بعد ان رأوا حب جمهور الشعب العظيم المتزايد كل يوم وساعة لحب عارم لشخص الرب يسوع المسيح . فقد لاحظوا ترك الكثيرين من بني اسرائيل واليهود من عامة الشعب التردد الي الهيكل كل يوم كدأبهم وعادتهم وتقليدهم المعهود . كان عامة الشعب يحرصون حرصاً منقطع النظير علي العبادات في الهيكل في أوقاتها كل يوم وبلا انقطاع . لكنهم في الفترات الاخيرة التي ظهر فيها هذا المعلم الجديد البغيض حسب فكرهم الذي اسمه يسوع . لآحظوا ان ولاء هذا الشعب لهم ، وشغفهم وميولهم وحبهم للفريسيين والقادة والكهنة قد أبتدأت تتناقص تدريجياً يوماً بعد يوم . وبمروا الزمن صار كل جمهور الشعب اليهودي يركض ويجري بلهفة وعشق وراء الرب يسوع المسيح حيثما ذهب أو حل ورحل . وهذا ما جعل الفريسيين والكهنة والقادة يغيرون ويتحسسون كراسي نفوذهم وسلطاتهم الدينية التي صار بالفعل تهتز بل تتزلزل تحتهم . فعملوا أولئك الفريسيين جاهدين لأقتناص الفرص كلها لأصطياد الرب يسوع المسيح بهذه الطريقة اوبتلك من الطرق والوسائل الشرعية او غير الشرعية .
وما تقديمهم لهذه المرأة الزانية الا أحد الحبائل ألأبليسة التي كانوا يجربونها ويستخدمونها لتجريم الرب يسوع المسيح . وهي احدي المكائد والمؤامرات او المحاولات لتصويره كرجل ثائر يحرض الشعب ويجره ليتمرد ضد الحكم الروماني المستعمر . و لخبثهم قدموا المرأة دون ان يقدموا الرجل معها . هذا مع العلم أن الرجال هم الذين يقدمون اولاً الي المحاكم في مثل هذه الجرائم . ذلك لأنهم هم الذين في أغلب الاحايين من يتحرشون بالنساء ومن ثم يوقعهن في حبائلهم لأرتكاب الفواحش الموبقات والسقوط في براثن الزني معهم .
وكان يسوع مدركاً جيداً بكل تفاصيل أفكارهم الخبيثة تجاهه عالماً بخفايا من يدبرون له من خطط الابليس الشيطانية الجهنمية . لم ينجر يسوع العالم العارف بالغيب وراء خبثهم . كما لم ينخدع لهم ليعطيهم ما كان يطمحون ويرغبون من الذرائع التي كانوا يحيكونها في دياجير الظلام ضده وضد تعاليمه .
يقول السول يوحنا أنهم قالوا هذا ليجربوه ، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه . أما يسوع فأنحني الي أسفل وكان يكتب بأصبعه علي الارض . ولما أستمروا يسألونه ، أنتصب وقال لهم : ( من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر ! ) . ثم انحني ايضاً الي اسفل وكان يكتب علي الارض . أما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم ، خرجوا واحداً فواحداً ، مبتدئين من الشيوخ الي الاخرين وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط . يوحنا : يوحنا 8 : 6 - 9
فما الذي كان يفعله الرب يسوع المسيح وهو منحني ومنكب علي الارض يكتب بأصبعه ؟
يقول التقليد المسيحي ، ان يسوع كان يكتب أسم كل واحد من هؤلاء الرجال الكتبة والفريسيين . وكان يكتب امام كل اسم الشخص ما أرتكبه صاحب الاسم من الذنوب والشرور والاثام والمعاصي والخطايا بتاريج ارتكاب الاثم ، زمانه ومكان ارتكابه . وهذا ما جعل كل الحاضرين الذين كانوا يتفرسون فيه ويقرأون ما يكتبه علي الارض ينسحبون الواحد تلو الاخر . فكل من رأي اسمه مكتوباً وامامه الخطيئة والفاحشة او الموبقة التي فعلها بالتاريخ والمكان المحددين كان يجرجر اذياله منسحباً من المنكان. فقد كانت ضمائرهم تبكتهم علي سوي أفعالهم وتجرمهم وتفضح كل ممارساتهم الشنيعة أمام أخوتهم الواقفين معهم أمام الرب يسوع المسيح وهم يقرأون كل ما كتب . وفي نهاية المطاف لم يتبق لهم خيار واحد او شخص واحد قادر علي أدانة المرأة دعك من ان يرميها أحدهم بحجر . فقد صاوا في موقف حرج يحسدون عليه فأرتجفت أوصالهم وزادت نبضات قلوبهم وصاروا يتصببون عرقاً ساخناً أحرق حلوقهم وغياشيمهم وأخرست حناجرهم . وقطع الرب يسوع السنتهم الطويلة فأنهزموا أمام خطاياهم المكشوفة عند الرب يسوع المسيح .
فلما أنتصب الرب يسوع المسيح واتعدل في جلسته لم يجد ولم ينظر أحداً منهم سوي المرأة ، قال لها : ( أين أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد ؟ فقالت ( لا أحد يا سيد ! ) . فقال لها يسوع ( ولا انا أدينك . أذهبي ولا تخطئي ايضاً ) .
مهماً جداً ان يعرف وان يعي كل الذين يصطادون خطايا الاخرين جهراً وسراً ناسين أنفسهم انهم ايضاً يفعلون تلك الشرور ويمارسون تلك الخطايا نفسها بل ربما ما هوأقبح و أفضح وأبشع منها بكثر . كما اراد الرب ان يذكر الفريسيين بأنه الرب الذي جاء من عند الاب ليس لنقض الناموس بل ليكمله . حسب قوله : ( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس او الانبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . فاني الحق أقول لكم : الي ان تزول السماء والارض لا يزول نقطة واحدة من الناموس حتي يكون الكل . فمن نقض أحدي هذه الوصايا الصغري وعلم الناس هكذا يدعي أصغر في ملكوت السماوات . وأما من عمل وعلم ، فهذا يدعي عظيماً في ملكوت السماوات . فأني أقول لكم : ( أنكم إن لم يزد بركم علي الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات ) . متي 5 : 17 – 20
فما الذي يساورك أنت كأنسان عندما تجلس الي ذاتك وحيداً ، وتفكر في نفسك بأمانة وصدق وتجرد ذاتك من أوراق التي تغطي بها عري خطايا وأثامك . فهل أقدمت علي فعل ذلك يوماً من الايام ؟ بكل التأكيد أقول أنك فعلت ذلك في وقت من الاوقات . والا فأن لم تفعل فأرجوك ان تفعل ذلك . وأن كنت قد فعلت ذلك فما النتيجة التي خرجت بها وما تقييمك لنفسك بعد التفكير العميق والتأمل المتأني لذاتك كأنسان ؟ لا اريد منك جواباً فالاجابة أتركها لك لأنها تعنييك أنت شخصياً ولا سواك . لكن بصور عامة دعوني أقول صراحة بأن الانسان في كثيرة من الاحيان يحبط وينزل بنفسه الي الدرك الاسفل . فضعفات الانسان تحبطه وتوقعه في الحضيض . فهذا الانسان أحانا كثيرةً يشبه في تفكيره وأفعاله وأعماله القذرة وربما في ممارساته يشبه الي حد كبير الحيوان هذا ان لم نقل أنه يشبه الشيطان عندما يسقط عميقاً في مرغاة الحماة ! ومرغاة الحماة هنا يشبه في الكتاب المقدس بالوحل الأثن او العفن المتعفن . فهذا الانسان الذي اسمه أبن أدم هو كائن عجيب غريب ومدهش مذهل وقد يكون احيان صادم محير ومتحير في آن . لذلك لا غرابة عندما يقول البعض من الناس أن الشيطان في مرات كثيرة يتبرأ وينأي بنفسه بعيداً بعض أفعال الانسان الشيطانية بحق. هذا عندما تنسب وتسمي بعض الافعال والممارسات التي يأتيها البشر بأنفسهم لكنهم بدون أدني خجل وحياء ينسبونها الي الشيطان او الابليس . والأبليس والشيطان برئيين برأة الذئب من دم يوسف بن يقعوب كما يضرب في الامثال . فأبناء يعقوب أقدموا علي قتل أخوهم يوسف فعلاً عندما رموه في جب البئر لأن فعلهم هذا ليس بأقل درجة من الاقدام علي القتل فعلاً . لكنهم فيما بعد اخرجوه من البئر وباعوهو للمصريين ومن ثم ذبحوا حملاً ورشوا ثياب أخوهم بد الحمل ليقولوا لأبيهم العجوز : ( فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيساًمن المعزي وغمسوا القميص في الدم . وأرسلوا القميصالملون الي أبيهم وقالوا: ( وجدنا هذا . حقق أقميص ابنك هو أم لا ؟ ) .فتحققه وقال : ( قميص أبني ! وحش ردي أكله ، أفترس يوسف أفتراساً ) .
الزني واحدة من تلك الافعال والممارسات التي يأتيها الانسان وهي تشبه الي حد قريب أحدي الأفعال الشيطانية السيئة أن جاز التعبير . فالانسان وهو يقبل علي الفعل الفاحش يشبه الحيوان لأنه يكون مغيب العقل والضمير الانساني . فهو في هذا الفعل او العمل يشبه الحيوان لأن الحيونات ليست لها عقول وضمائر تفكر بها وتحاسب نفسها لآنها مجبلوة علي فطرتها الحيوانية . لذلك تسمي هذه الشهوات الغرائز الانسانية الجامحة التي تدفع الانسان لفعل او ممارسة هذه الغرئزفي غير مكانها وزمانها وأطارها الانساني تسمي بالممارسات والغرائز اوالشهوات الحيوانية او البهيمية. ذلك لأن الانسان في تلك اللحظة التي يقدم فيها أرتكاب هذا الجرم او الخطيئة هي اللحظة التي تغييب فيه الوعي والفكر والعقل الضميرالأنساني . انها اللحظة التي ويموت فيها ضميره الانساني فيتحول يصير حيواناً او تتقمصه تحل فيه الروح الشيطانية .
يمكنك هنا أن تطلق وتسمي هذا الحالة الانسانية الطائشة تلك التي يقدم فيها الكثيرين علي الافعال البشعة من الاغتصابات الفردية والجماعية في مناطق الحروب في السودان هي حالة من حالات الجنون الجماعي البشري . وهذه هي الحالة الوحشية الحيوانية الذي نزل علي السودانيين الذي يقبلون علي اغتصاب الفتيات والنساء في وطنهم بهذه الصور المقززة جداً . فلا يمكن ان تسمي هذه الممارسات بالحيوانية . لأن حتي بعض الحيوانات تتعفف وتستحي وتداري نفسها عند الاقبال علي ممارسة حياتها الطبيعة . فمال بال بهذا الانسان الذي يقبل علي هكذا أفعال هي أدني كثيراً من افعال الحيوان او الشيطان . سلاح الاغتصاب الذي مورس ويمارس في الحرب السودانية هي ظاهرة غريبة شيطانية ينبغي التوقف عندها . فهذه هي الافعال البربرية الهمجية التي لا يليق بكرامة وشرف ألأنسان السوداني السوي أبداً وعلي الاطلاق .


















العشرة برص

وفيما هم منطلقون طهروا . فواحد منهم لما رأي انه شفي ، رجع يمجد الله
بصوت عظيم ، وخر علي وجهه عند رجليه شاكراً له وكان سامرياً . لوقا 17 : 15 – 16

لسنا هنا يحاجة للحديث عن مرض البرص الذي اسلفنا الحديث والكلام عنه بأستفاضة في مقال شفاء الابرص . لكننا هنا للكلام عن عشرة مرضي بالبرص تقابلوا مع يسوع في قرية من القري السامرية في الجليل . وبسب العزلة التي تفرض علي المصابين بالبرص كان هؤلاء البرص العشرة متواجدين في مكان ما خارج منطقتي السامرة والجليل او بالقرب من قرية من القري . وربما سمع أولئك المرضي البرص بشفاء الرب يسوع المسيح لزميلهم الابرص . لذلك كانوا حريصين علي اللقاء بالرب يسوع المسيح عندما سمعوا بمجيئه ومرور موكبه في تلك النواحي . وهذا ما جعلهم يجتمعون في مكان واحد بهدف لقاء يسوع والطلب منه ان يشفيهم . فقد كانوا علي دراية وعلم كافي بأن يسوع الذي ظهر في اسرائيل كان يشفي جميع الامراض . وبالتأكيد سمعموا بالحادثة الشهيرة التي شفي فيها الرب يسوع زميلهم الابرص . ذلك حين مد يسوع يده الي الابرص وشفاه بلمسة . حيث قال له الابرص : ( ان أردت تقدر ان تطهرني ). فتحنن يسوع عليه ومد يده ولمسه وقال له : ( أريد فأطهر ! ) . وقد كانت لوقوع هذه الاخبار في مسامع جميع البرص في كل اسرائيل موقع وصدي كبير جداً في أورشليم واليهودية والسامرة. وكانت الاخبار الخاصة بالمعجزات والعجائب التي يقوم بها ويعملها الرب يسوع تنتشر بين الناس بسرعة فائقة وتعم كل الديار اليهودية حتي أقاصي السامرة في الشمال . بل كانت تلك الاخبار تجدد وتحيي في النفوس ألأمال وتنعش الارواح تجددها في حياة الناس بالرجاء المنتظر وتطمئن قلوبهم وهذا ما يجعلهم دائماً مشتاقين له وتواقين الي اللقاء به .
شفاء نعماني السرياني
الي للقائه كان البرص العشرة يترقبون مجيئ يسوع وكانوا مهيئين ومستعدين وجاهزين نفسياً لهذا اللقاء المهم الذي يعني الكثير في تغيير كل مجري حياتهم . فألقوا بثقل ايمانهم الموطد بأن هذا اللقاء سيغير كل مستقبلهم الاتي في الحياة الي الافضل اذ ستفتح كل الابواب المغلقة امامهم . لآنهم بنيلهم الشفاء من الرب يسوع سيستردون طهارتهم الداخلية بعد نيل الشفاء من النجاسة واسترداد الطهارة المفقودة بسسب هذا البرص الذي أصابهم . كما انهم سيتعافون في بدنهم وأشكالهم الخارجية المشوهة القبيحة المشمئزة المنفرة للناس الاصحاء منهم . وستعود لبشرتهم المليئة بالقشور والبثور والبقعات السوداء والبنية و الحمراء المقرفة وستعود لهم ألوان بشرتهم الطبيعية ببريقها ونضارتها الصحية الجميلة . وهنا تذكروا قصة القائد السوري نعمان السرياني عندما أطاع أوامر اليشع النبي وذهب وغطس سبع مرات في نهر الاردن وأغتسل . يقول الكتاب المقدس عن النعمان السرياني في الملوك الثاني : ( فنزل وغطس في الاردن سبع مرات ، حسب قول رجل الله اليشع ، فرجع لحمه كلحم صبي صغير وطهر) . ملوك الثاني 5 : 14 .
هذ ما يفعله الله لكل من يسمعون ويطيعون كلامه وينفذون أوامره بطاعة ورضي . هؤلاء هم منتظرو الرب الذين قال عنهم النبي اشعياء : ( يعطي المعيي قدرةً ، ولعديم القوة يكثر شدةً . الغلمان يعيون ويتعبون ، والفتيان يتعثرون تعثراً . وأما منتظرو الرب فيجددون قوة . يرفعون أجنحة كالنسور . يركضون ولا يتعبون . يمشون ولا يعيون ) اشعياء 40 : 29 - 31
وعلي أجنحة النسور كان البرص العشرة محمولين وألأمال الكبار العراض تنتعش وتتجدد في دواخلهم يوماً بعد يوم وهم يترقبون وينتظرون مجيئ موكب الرب يسوع الي السامرة علي أحر من الجمر . كانت تلك اللحظات تعد بالنسبة لهم من أصعب الاوقات التي مرت في حياتهم ، عندما كانوا في انتظار قدوم الرب يسوع . لكن الانتظار طال وتأخر يسوع عن المجيئ الي تلك النواحي لفترة طويلة والايام تمر وتعبر ببطء شديد أحس فيها البرص بحرارة وسخونة نار الانتظار التي تحرق وتكوي أحشاء المنتظرين . لكن مهما طال انتظارك لمجيئ الرب يسوع المسيح في أمر من أمورك وحاجة من حاجاتك المهمة والضرورية التي تريده ان يستجيبها ويسددها لك فلا تيأس ولا تمل . نعم فمهما طال الانتظار فلابد يوما ان يفي السيد الوفي بوعده فهو أمين وصادق في وعوده وعهوده وكل الذين انتظروه وجدوه ولم تخزي او تخيب أنتظارهم قط .
وفي ذات نهار مشرق وعلي نيران الاشواق الحارة الحارقة جلس العشرة البرص علي قارعة الطريق في قرية من القري المجهولة ما بين الجليل والسامرة . جلسوا القرفصاء علي الامل وعلي الرجاء في انتظار مجيئ موكب السيد الملك الرب يسوع وكانواعلي أهبة الاستعداد لاستقباله . وكان الطريق الذي سيمر يسوع ويعبر خلاله ليس طريقاً مفروشاً بالبساط المخملي الاحمر الوردي الجميل المطرز الحواشي المرشوش بعطر الناردين الغالي الثمن . لكن طريق يسوع كان طريقاً أخر تتقاطع فيه الامنيات العراض الطوال والاماني السندسية العميقة جداً ، بل تلك الامال التي تترأي لهم بعيدة كالثريات المرتفعة الي عنان السماء . وتلك كلها كانت أمال وأماني وتمنيات البرص العشرة المرضي النجسين المضطهدين المطرودين المزدري بهم من قومهم وأهلهم حتي من أفراد اسرهم وأهل بيوتهم القرييبين .
لقاء العشر برص مع يسوع
وفي ذهابه الي أورشليم اجتاز في وسط السامرة والجليل . وفيما هو داخل الي قرية أستقبله عشرة رجال برص ، فوقفوا من بعيد ، ورفعوا صوتاً قائلين : ( يا يسوع ، يا معلم . أرحمنا ) فنظر وقال لهم ( أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة . فيما هم منطلقون طهروا . فواحد منهم لما رأي أنه شفي ، رجع يمجد الله بصوت عظيم . وخر علي وجهه عند رجليه شاكراً له ، وكان سامرياً . فأجاب يسوع وقال : ( أليس العشرة قد طهروا ؟ فأين التسعة ؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي المجد لله غير هذا الغريب الجنس ؟ ثم قال له : ( قم وأمضي ، ايمانك قد خلصك ) . لوقا 17: 11 – 19
لم يشاء العشرة البرص الاقتراب من موكب الرب يسوع المسيح لأنهم كانوا يعلمون بأنهم غير طاهرين . بل وقفوا من بعيد مقرين بأنهم مرضي بمرض معدي وخطير. وهم بالتالي نجسين لايجوز لهم الاقتراب والاختلاط بالاصحاء من البشر . لكنهم كانو يؤمنون بأن يسوع هو طبيبهم الخاص جداً وانه هو ربهم الشافي . وهو الذي جاء اليوم الي هنا لزيارتهم ، وهذه الزيارة لست بالصدفة . لكنها زيارة معدة لأجلهم حسب قول يسوع : « لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى." (مت 9: 12). وكانت هذه الفرصة هي فرصتهم والموعد موعدهم والسيد الرب يسوع المسيح هو سيدهم وربهم ومخلصهم . فها هو الطبيب الخاص الشافي طبيبهم المعني بهم والمداوي لمرضهم المغسل المطهر لنجاستهم انه الان يترأي أمامهم وان علي بعد خطوات منهم . وكانت المسافة بين البرص ويسوع هو المسافة والبعد المسموح لهم ان يقفوه عندما يقابلون الاصحاء من الناس . فمن هذه المسافة الان يمكنهم ان يقدموا طلبهم بصوت مسموع الي يسوع فيسمع . لكنهم فضلوا ان يرفعوا أصواتهم بصوت واحد عالي مدوزن بلحن عذب شجي معبر عن الحاجة الملحة والطلب المهم جداً . وكان طلبهم الواحد موجز ومختصر جداً . فقد أوجزوه واختصروه في ثلاث كلمات كافية وافية اتفقوا علي قولها سوياً ومعاً قالوا : ( يا يسوع ، يا معلم . أرحمنا ) .
في تلك العهود كان الكهنة يقومون مقام الاطباء لاسيماء في مثل هذا الأمراض التي كانت لها علاقة بالنجاسة والطهارة . وكان علي كل مريض بمرض له علاقة بالنجاسة والطاهرة عند الشفاء من المرض كان يتوجب عليه الذهاب الي الكاهن للكشف والفحص والتأكد منه وتحديد ان كان قد طهر أم لا يزال نجساً اوغير طاهراً . والكاهن هو ايضاً الجهة المختصة التي تقوم بأمر مراجعة الفحوص الخاصة بالشفاء والسلامة الجسدية للمريض . لم يقم يسوع بمعاينة العشرة البرص . ولم يقترب منهم ليمسهم بيديه ولا نطق او قال كلمة تقدر ان تدخل الطمئنينة والامان الي قلوبهم . لكنه أمرهم بايجاز قائلاً : ( أذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة ) وكانت هذه الكلمات الموجزة المختصرة هي كل اللمسة والوصفة والعملية الجراحية العلاجية التي أجراها الرب يسوع المسيح لمرضي البرص العشرة . وكان هذا هو الاخبتار والامتحان الكبير لأيمان البرص بيسوع وثقتهم فيه وطاعتهم لكلامه وأوامره . واظهر البرص روح الولاء و الطاعة والخضوع الكامل واستسلموا لكلمات المعلم الرحيم المحب الذي هو الطبيب العظيم والرب الشافي .
ودع العشرة البرص يسوع وموكبه وعلامات السعادة والبهجة والفرح والسرور تغمرهم وتكاد لا تسعهم . وكانت وجوههم تضيئ بالابتسامات المشرقة المليئة بألامل المرتجي وشارات الأمن والامان وبشارات الاطمئنان تلوح وتفوح منهم . فلم ينتظروا كثيراً لكنهم والشوق للشفاء العاجل يسبقهم أسرعوا خاطفين أرجلهم راكضين باتجاه أورشليم . كانوا يجرون ويركضون كأنهم في سباق مع الزمن . او كما لو كانوا فريق من العدائيين الرياضين في سباق مارثوني فيه جائزة كبري تنتظر من يصل أولاً ! . لكنهم بعد ان جروا لمسافة لم تتعدي بعضاً من الكيلومترات القليلة . أحس كل واحد منهم في نفسه بتغييرات تحدث في جسمه . لكنهم ظلوا يجرون ويركضون وفجأة شعروا شعوراً غريباً كما لو ان يسوع يمد يديه ويلمس كل واحد منهم ً فرداً فرداً قائلاً : ( أنا أردت فأشفي ) . هنا شفي العشرة البرص كلهم من برصهم وعلموا متيقنين أنهم تطهروا من نجاستهم .وكانوا يتفرسون كل واحد الي نفسه ومن ثم ينظر الي أصدقائة وأصحابه الاخرين وهم غير مصدقين عيونهم . لكنهم تأكدوا اخيراً انهم قد نالوا الشفاء والطهارة التي كانوا يرجونها ويأملونها من الرب يسوع المسيح . فقد شفاهم جميعاً من مرض البرص وغسل اجسادهم وابدانهم من كل ألأدران والاوساخ والقذورات والنجاسات التي كانت تسيطر عليهم وتذلهم وتقهرهم وتستعبدهم . اخيراً ها هم الان قد تحرروا من كل داء كان يحرمهم ويمنعهم ويبعدهم عن علاقاتهم الطبيعية في بيوتهم وبين افراد أسرهم . كما كانت النجاسة وعدم الطهارة لا تتيح لهم فرصة الذهاب الي الهيكل كل يوم سبت في ساعات العبادة والتمتع بالشركة الروحية السليمة الصحيحة مع الله وأخوتهم المؤمنين .
وبكل تأكيد تأكد البرص العشرة أنهم شفوا وطهروا وحتم عليهم بعد ان نالوا الشفاء أهمية وضرورة الذهاب الي الكهنة . كان لابد لهم أن يكملوا مشوارهم في طريقهم الي أورشليم لمقابلة الكهنة . وقد قام الكهنة بأجراء كل الكشوفات والفحوصات الروتينية لمثل هذه الحالات من الامراض كعادتهم . وبعد ان تأكد الكهنة جيداً بالفحص الدقيق المتقن جيداً تم اصدار الشهادات الخاص بالشفاء والطهارة . وقد منح الكهنة شهادة لكل واحدة منهم تؤكد انه الان قد شفي من البرص وطهر من كل نجاسة وانهم الان طاهرين. والان يمكنهم الرجوع الي بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية في مجتمعاتهم ووسط الناس وأهلهم كما كان العهد بهم قبلاً . فقط عليهم الان الاسراع الي المجتمع والمشاركة في دفع عجلة النمو والتقدم الي الامام .
الأبرص السامري يشكر الله
وما يجدر الاشارة اليه هنا هو أن تسعة من اولئك الرجال الذين شفوا ذهبوا كل واحد في حال سبيله الي قريته ومدينته وغاصوا في غمارة الحياة ونسوا الرب يسوع المسيح الذي فعل معهم الرحمة و الخير الكثير . نسي الرجال التسعة الذين كانوا برصاً وشفوا ، نسوا كل شيئ تماماً ولم يتذكروا المعلم الذ صنع معهم الرحمة ابداً . لم يأت ذكر يسوع في أذهانهم و لا في أفكارهم وعقولهم وقلوبهم ابدأ او حتي في خواطرهم . بل نسوا يسوع بكل أسف شديد . وذهبوا كلهم في طريق الحياة ومشغولياته مضوا وانغمصوا وانصهروا وذبوا كما لو لم يحدث أي شيئ جديد في حياتهم ابداً ولا كانوا مستعدين ان يخبروا الاخرين بكم أحبهم يسوع وصنع بهم من الرحمة والعجائب . وكان التسعة هؤلاء الناكرين للجميل الجاحدين للنعمة المجانية التي أعطاهم لها الرب يسوع المسيح هم من اليهود بكل أسف !
الا ان الرجل العاشر وكان سامري الجنس من الذين يعتبرهم اليهود أنهم ليسوا باليهود الاقحاح الاصليين . لأنهم من اليهود الذين اختلطت دمائهم بدماء الأمم وتشوهت عقائدهم الدينية بعقائد ا النجسين . وبالتالي فالسامريين يعتبرون غير نقيين في أصولهم البته بالنسبة لليهود فهم نجسين وغير طاهرين شأنهم كشأن سائر الامم الاخرين الذين لا رجاء لهم ولا نصيب لهم في اله اسرائيل اله ابيهم ابراهيم علي حد زعمهم . هذه هي النظرة السلبية العنصرية السائدة الذي كان ينظر بها الانسان اليهودي الي السامريين . ولهذه الاسباب كانوا يخشونهم ويتحاشونهم ويبتعدون منهم قدرالامكان ما استطاعوا الي ذلك سبيلاً . كان اليهود يتجنبون في سفرهم من أورشليم الي الجليل في الشمال العبور والمرور بالسامرة . هذا مع العلم بأن المسافة بين أروشليم و الجليل في الشمال كانت هي المسافة الاقرب والطريق القصير الممهدة والاسهل للوصول من والي هناك وبالعكس بسهولة ويسر وقصر الوقت وكسبه .
ذهب التسعة ونسوا أمر الرب يسوع المسيح تماماً حتي من كلمة الشكر والتقدير والعرفان الجميل . ولكن هذا السامري الغريب الجنس هو الوحيد الذي رجع الي يسوع . يقول لنا الطبيب لوقا : ( فواحد منهم لما رأي أنه شفي ، رجع يمجد الله بصوت عظيم ، وخر عند رجليه شاكراً له وكان سامرياً . فأجاب يسوع وقال : أليس العشرة قد طهروا ؟ فأين التسعة ؟ ألم يوجد من يرجع ويعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس ) . ثم قال له : ( قم وأمض إيمانك قد خلصك ) . لوقا 17 : 15 – 19
نعم فقد تم تحرير البرص العشرة من أمراضهم الجسدية وشفوا وطهروا من البرص الظاهر في أجسادهم واشكالهم الخارجية فقط . لكن تبقي لهم الجانب الاهم من الجسد وهو خلاص الروح من الخطيئة والوعد بالحياة الابدية . فهذا هو الامر المهم جداً لكل انسان في حياته . كان الاجدر بالبرص التسعة أن يعودوا الي الرب يسوع المسيح ليشكروه وهذا هو أقل وأضعف الواجب والايمان لكنهم بكل أسف ذهب كل واحد منهم لحال سبيله كما لو لم يحدث له شيئ في سيغير كل مجري حياتة المستقبلية . وهذا هو الجحود والنكران وال################ وعدم الشكر والحمد لله بذاته . هذا هو الامر الذي أفقدمهم الخلاص المجاني الذي كان مفترضاً عليهم ان لا يهملوه ابداً . فالخلاص لا يتم الأ بالاعلان والايمان الكامل بييسوع المسيح رب واله ومخلص . وهذا الخلاص هو ما ناله الابرص الاخير ، وهو الابرص رقم عشرة في ترتيبهم وتقيمهم لأنفسهم . هذا يأتي أثباتاً تأكيداً ومصدقاً لكلام الرب يسوع المسيح الذي قاله وهو يشيد بإيمان قائد المئة حيث قال انه لم يجد في اسرائيل ايماناً بمقدار ايمان قائد المئة مشيداً به ومطوباً له . وأقول لكم : ( ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات . وأما بنوا الملكوت فيطرحون الي الظلمة الخارجية . هناك يكون البكاء وصرير الاسنان ) متي 8 : 11 - 12




























مريم المجدلية

وبعض النساء اللواتي كن قد شفين من ارواح شريرة وأمراض ،
وهن مريم المجدلية التي طرد منها سبعة شياطين . لوقا 8 : 2

كانت نظرة الرب يسوع المسيح ومعاملته للمرأة عكسية ومختلفة . فقد كانت للمرأة عند الرب يسوع المسيح المقام الاول والمكانة السامية العظيمة جداً . بل كانت المرأة مميزةُ جداً وتمتاز بحضور قوي وتأثير شامل وفريد في الدين والمجتمع . وهذه المكانة المميزة أعطي المرأة القيمة الانسانية الحقيقة بعكس النظرة التي كان اليهود يروا بها المرأة من خلال انها عورة ونجسة او غيرة طاهر وبعضهم يصفها بالشيطان . أحب الرب يسوع المسيح المرأة كثيراً ورفع من مكانتها كأنسان لايقل مقاماً ومكاناً عن الرجل بدرجة واحدة . وفي زمن الرب يسوع المسيح وجدت المرأة مكانها الطبيعي الذي تستحقه في مجتمعها حتي تتمكن من لقيام بدورها الطليعي الرائد المناط بها دون حجر او انتقاص جنسي جندري ونوعي . هذا ما شجع النساء كثيراً علي الخروج من البيوت والمنازل والسير وراء الرب يسوع المسيح . بل كانت النسوة يقمن بأدوار طليعية ورائدة ويعملن اعمالاً عظيمة جداً لا تقل شأناً عن الادوار التي كان التلاميذ وغيرهم من الرجال يقومون بها .
و كانت أمه مريم العذراء أي أم الرب يسوع المسيح ، ومريم زوجة كلوبا من القريبات جداً ليسوع . وايضاً من اشهر النساء اللائي كنا يتبعن يسوع يونا ، وسوسنة وسالوما وأخريات كثيرات . كانت النساء رائدات طليعات في خدمة الرب المسيح . وقد لعبن أدواراً متقدمة جداً . اذ لم تقتصر تلك الادوار في السير وراء الرب يسوع المسيح فقط بل تجاوزت هذا الحد كثيراً اذ كن يساعدنه والتلاميذ بأموالهن وتقديم الخدمات الاخري . كما كانت النساء تقوم بأستضافة يسوع في البيوت والقيام بواجبات الضيافة بكرم وجود واريحية فائفة ومنقطعة النظير . هذا ما كانت تفعله وتقوم به الكثيرات من النساء مثل الاختين مريم ومرثا وأخوهم العازر . ودائماً ما كان يسوع وبصحبة تلاميذه يتكئون ويمكثون كثيراً عند مريم ومرثا وفي هذا البيت كانوا يجدون الراحة وكرم الضيافة ويقومون ولأيام في العمل والخدمة والتعاليم .
اما مريم المجدلية وهي التي شفيت من مرضها بعد ان أخرج منها الرب يسوع المسيح وأخرج وطرد منها سبعة شياطين . فقد لعبت المجدلية فيما بعد وقامت بادواراً كبيرة ومهمةً جداً في المسيرة التعليمة الكبري والعمل الكرازي العظيم . ولانها كانت أمرأة نشطة او ناشطة اجتماعية تميزت بالروح المدفوع بالحماسة والغيرة الشديدة للتعليم الجديد . ولأن المجدلية كانت صاحبة مال وأعمال فقد كرست الكثير من مالها ولم تبخل به في خدمة الرب يسوع المسيح . بل كانت تدفع بكرم وسخاء ولا تعير. فهي التي نالت الحرية الجسدية و الروحية من الرب يسوع المسيح بعد ان طرد منها سبعة من الارواح الشريرة . لذلك عكفت علي العمل بكل ما لديها من جهد وقدرة ومال فظلت تدفع بسخاء وتقدم في صمت دون من او أذي . كانت تفعل كل ذلك بروح المحبة وبدافع العرفان الجميل لما قام به الرب يسوع المسيح وتحريرها من قبضة الشياطين السبعة . وهكذا كانت تعمل كل هذا حقيقة بدافع الحب والشكر وهي تمجد وتسبح الله في شخص الرب يسوع المسيح .
لم تتوقف مريم المجدلية يوماً واحد عن اتباع الرب يسوع المسيح والسير معه في الطريق الي الحياة. وهي التي كانت تترنم وتدندن في أعماقها وتنشد مسبحة قائلة : صممت أني اتبع يسوع ..
اتبع يسوع بلا رجوع .
العالم خلفي يسوع ..يسوع أمامي أتبع يسوع بلا رجوع .
وهكذا سارت المجدلية وراء الركب كل الطريق في مسيرة حياتها الباقية تتبع طبيبها الخاص الرب يسوع المسيح لآنه ربها الشافي . وفي النهاية شكلت المجدلية مع بنات أورشليم تلك رابطة القوية التي لا تزال تعد من أقوي الروابط في المسيرات التاريخية المشهودة للمرأة علي الاطلاق . اذ ظللنا يتبعن يسوع وهو يشق ببطء طريقه الاخير تحت نير الصليب الثقيل الي الجلجثة . وحين ترك جميع التلاميذ معلمهم الرب يسوع المسيح لوحده حاملاً صليبه منفردا ، ذلك بعد ان تركه كل الرجال حتي الرسل منهم . ظلت المريمات أمينات وفيات مخلصات للرب المعلم وسرنا معه كل الطريق الي الجلجثة . وكنا يسرنا ورائه وهن مولولات بالنحيب والبكاء والصرخات العالية الداوية وبصورة هستيرية . وهذا لفت نظر يسوع . نعم هذا ما جعل الرب يسوع يلتفت اليهن عطفاً وشفقةً وحنان وحباً وهذا ما داعاه ان يقول لهن تلك الكلمات القوية التي عبر فيها السيد الرب عن المحبه والتقديره الكبير لدور المرأة وهو في الرحلة الاخيرة . فالتفت يسوع اليهن وقال : ( يابنات أورشليم ، لا تبكين علي بل أبكين علي أنفسكن وعلي أولادكن ، لأنه هوذا تأتي أيام يقولون فيها : طوبي للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع ! لوقا 23 : 28 – 29
وصل موكب يسوع الاخير هذه المرة الي تل الجلجثة بعد مشوار طويل ومضني من ثقل حمل الصليب الذي ساعده في حملها سمعان القيرواني . وكان هذا الموكب مختلفاً عن سائر المواكب التي كان الرب يسوع المسيح يخرج فيها والجماهير المحتشدة تلتف حوله لتسمع منه وتتعلم . تلك الحشود والجماهير التي ظلت تسير خلفه في حله وترحاله من مكان الي مكان وتتعلم منه الكثير من الدروس والمواعظ والعبر . وكان السيد الرب يسوع المسيح يقوم بعمل العجائب والمعجزات بسلطانه المطلق كرب واله وليس كالكتبة والفريسيين . وهذا ما جعل قادة اليهود ورؤساء الكهنة والفريسيين يهيجون الشعب والجماهير ضده بتهم شتي . وكانت كل تلك التهم الملفقة تضج بالافتراءات والاكاذيب والاضاليل التي تفضح نفسها وتفضح افتراءاتهم في وضح النهار . وأبتداوا يشتكون عليه قائلين : ( اننا وجدنا هذا يفسد الامة ، ويمنع ان تعطي الجزية لقيصر ، قائلاً انه هو مسيح ملك ) . فسأله بيلاطس قائلاً : ( أنت ملك اليهود ) فأجابه وقال أنت تقول ) . لوقا 23: 2 - 3
فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع : : ( أني لا أجد علة في هذا الانسان ) فكانوا يشددون قائلين : ( انه يهيج الشعب وهو يعلم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل الي هنا ) لوقا 23 : 3 – 5
هذا ما جعل الوالي والحاكم الروماني ينتقدهم جهاراً وهم يشتكون عليه وفي تحدي صارخ قال لهم : ( قد قدمتم اليَ هذا الانسان كمن يفسد الشعب ، وها انا قد فحصت قدامكم ولم اجد في هذا الانسان علة مما تشتكون به عليه . ولا هيرودس ايضاً ، لأني أرسلتكم اليه . وها لاشيئ يستحق الموت صنع منه . فأنا أطلقه ) . لوقا 23 : 14 - 16
لكن ويا للأسف الشديد تحولت الجماهير الغفيرة من الشعب ، نعم فجأة تحول تلك الجموع التي كانت تتبع يسوع في موكب دخوله الانتصاري الي الهيكل. في اللحظة الحاسمة تحولت تلك الاصوات التي كانت تصيح وتهتف بأعلي الاصوت الفرحة المحبة للرب يسوع المسيح تحولت في لحظة فارقة ضده . وهنا يصف يوحنا الرسول الموكب الانتصاري . قائلاً : ( فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه، وكانوا يصرخون : ( أوصنا مبارك الاتي بأسم الرب ! ملك اسرائيل ! ) .
نعم نعم ، لكن ويا للأسف الشديد تحولت تلك الهتافات السلمية الي حناجر عدائية خشنة بين ليلة وضحاها . تحولت الي صيحات عنف ورعب وأرهاب وهي تطالب بصلب يسوع قائلة : ( اصلبه أصلبه دمه علينا وعلي أولادنا ).
وعند الجلجثة حيث توقف الموكب ابتدأ العسكر الرومان بمعاونة الجنود اليهود في تنفيذ الحكم الظالم الجائر ضد يسوع . هذا هو الرب يسوع المسيح الذي قال عنه بيلاطس : ( وها لا شيئ يستحق الموت صنع منه فأنا أطلقه ) . لكنه وتحت الضغط الجماهيري العارم الغاضب الثائرة الهائجة أضطر بيلاطس ان يغسل يديه بالماء مبررأً نفسه من قتل يسوع مع انه قال بأطلاقه !
وفي مشهد من الجميع . ويا له من مشهد قأسي مجرم قاتل سمرت رجلا يسوع ويداه . ومن ثم رفع فوق تلك التلة او الرابية ليطل علي كل العالم بعينيه وقلبه وليحتويه بمنكبيه بعفوه وغفرانه مبدياً لهم عطفه وحنانه !
وكانت النسوة الوفيات الأمينات المؤمنات الواثقات واقفات عند وتحت صليب يسوع ، أمه ، وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ، ومريم المجدلية .
وهكذا اظهرت النساء وأبدين الولاء الكامل والخضوع والطاعة والمحبة الكاملة للرب يسوع المسيح . كما شكلن تلك الرابطة النسوية القوية من الولاء الذي لا يتزعزع عن مكانه قيد أنملة . وكانت المجدلية بجانب مريم العذراء أم الرب يسوع المسيح كانوا قرييبين وظلوا دائما حضوراً واستعداداً لتقديم كل ما بوسعهن من الخدمات الضرورية له وللجماعة . وقد تجلت تضحيات النساء في الكنيسة عبر الحقب والتاريخ جيلاً عبر جيل وهن يظهرن ايماناً قوياً لايقل عن ايمان الرجال الامناء الاوفياء عبر التاريخ الممتد جيلاً أثر جيل . وما هذا الا دليل قوي علي ان المرأة ليست بأقل درجة من الرجل ابداً في البذل والعطاء ونكران الذات ان لم تكن أحياناً أكثر حباً وولاءاً ووفاء وغيرةً .
كما ان المسيح دحض الممارسات والتقاليد اليهودية التي تضطهد المرأة وتقلل من مكانتها ودورها في المجتمع . فلا مكان عند المسيح للوصف الذي يقول ويعتبر ويجاهر بأن المرأة ناقصة عقل ودين . تلك الافتراءات التي يتبجح الرجال اليهود قائلين : ( نشكر الله اننا لم يجعلنا من الأمما ولا خلقنا نساءاً ! ) . لكن الرب يسوع المسيح أحب النساء كما أحب الرجال ايضاً أعطي الجنسين قدراً عادلاً ومتساوياً في الحقوق والواجبات با يقتضيه خصوصية هذا الجنس من ذاك دون أفضلية جنس علي الاخر . وهذا هو التمييز الرباني الالهي الايجابي الحسن . وبهذا أعطي الرب يسوع المسيح طبيب الجسد والنفس والروح الحق الكامل في كل الأشياء والامور الحياتية الانسانية للمرأة دون فرز . ومنحها الحرية التي أعطت للرجل كالند المساوي في كل الحقوق الشرعية التي يتمتع بها هذا الرجل . ففي الميراث يتساوي الرجل مع المرأة في تقسيم الانصبة بالتساوي . وهنا لا مكان او مجال او أفضليات وأمتيازات جندرية او تفوق ما يستحقه الفرد م هذا النوع من الجنس البشري علي الاخر ذكراً كان أم أثني فالحقوق تعطي وتقسم بالتساوي .
وظلت المجدلية وأخواتها المريمات بالقرب من الصليب يراقبن الموقف عن كثب . وبإيمان مفعم بالرجاء الذي لايسبر غوره كن يتابعن كلمات يسوع الوداعية الاخيرة . يسوع وهو المعلق بين السماء الارض كان ينطق بكلمات فيها العزاء . فسمعنه يناجي ابيه السماوي قائلاً له : ( يا ابتاه أغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون ) . كما سمعن حواره مع المجريمن المصلوبين معه عن يمينه وعن يساره . وقد لفت انظارهن بشدة طلب اللص الذي كان عن يمين الرب يسوع المسيح وهو يدعوه طلباً منه قائلاً له : ( يارب أذكرني متي جئت في ملكوتك ) . ليجيئ رد الرب يسوع المسيح الفوري السريع المباشر مخاطبا اللص في لحظاته الاخيرة وهو يفارق الحياة . وكان هذا هو اللص المجرم السارق والقاتل وهو صاحب السجل الاسود في اقتراف اشنع أنواع الجرائم وممارسات الارهاب ضد السلطات.وكل تلك الفظايع الشنيعة التي كان يوقعوها بالناس وكل صور العنف الجرائم التي تعد من ابشع انواع ألأذي الجسيم بالضحايا . فجاءت كلمات الرب يسوع المسيح للص بمثابة الترياق والدواء المنقذ للحياة تقول للص : ( اليوم ستكون معي في لفردوس ) . وهنا تذكرت المجدلية اليوم الذي طرد فيها الرب يسوع المسيح الشياطن السبعة التي كانت تسكن فيها فأحبت الرب يسوع أكثر .
نعم لقد أحبت المجدلية يسوع كثيراً وتعلقت به دائماً . وظلت الكلمات التي نطق بها الرب يسوع المسيح وهو يطرد منها الشياطين السبعة عالقة في خاطرها . تلك الكلمات التي قالها المعلم معبراً عن محبته لها : (من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة ، لأنها أحبت كثيراً . والذي يغفر له قليلاً يحب قليلاً . ثم قال لها : ( مغفور لك لك خطاياك ) .
وهذا ما جعل المجدلية دائماً وثابة وفي يقظة وعلي هبة الاستعداد وهي تتوقع كل الاحتمالات المتوقعة وايضاً المفاجئات الغير متوقعة . كان معها الحنوط والاطياب والبخور وعطر الناردين لتحنط به جسد الرب يسوع المسيح الذي صلب ومات من أجلها . ولم تكن المجدلية وكل رفيقاتها من النساء حتي العذراء مريم البتول لم يكن يتوقعن قيامة الرب يسوع المسيح من الاموات . هذا مع العلم أن الرب كان قد حدثهم غير مرة عن صلبه وموته كما عن قيامته في اليوم الثالث . وفي أول فجر يوم الأحد باكراً عند الصبح كانت المجدلية تسابق الشعاع واشراقات شمس ذاك اليوم الي القبر حيث وضع يسوع . وكانت هي ورفيقاتها تهمسن في نفوسهن قائلات : من سيدحرج لنا الحجر الكبير المضوع علي باب القبر .
يقول يوحنا الحبيب في انجيله وهو هنا يحكي عن المجدلية . أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي . فقيما هي تبكي أنحنت الي القبر ، فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والاخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً . فقالا لها : ( يا أمرأة لماذا تبكين ؟ ) فقالت لهما أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه ) . ولما قالت هذا التفتت الي الوراء ، فنظرت يسوع واقفاً ، ولم تعلم انه يسوع . فقال لها يسوع : ( يا أمرأة لماذا تبكين ؟ ومن تطلبين ؟ ) . فظنت تلك انه البستاني ، فقالت له : ( يا سيد ن ان كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وانا أخذه ،
قال لها يسوع : ( يا مريم ) . فالتفتت تلك وقالت له : ( ربوني ) الذي تفسيره يا معلم . يوحنا 20 : 11 – 16
هكذا كانت المجدلية وظلت تلميذة وفية مخلصة كجندية صالحة شجاعة باسلة مقدامة تأكد وتجدد ولائها المطلق ليسوع المسيح الرب والمخلص والطبيب الخاص والرب الشافي . وهكذا ظلت مريم المجدلية أمينة بارة لسيدها وربها ومعلمها . حتي في أصعب اللحظات التي ترك فيها الجميع هذا المعلم وفروا وهربوا كانت المجدلية وأخواتها قريبات . وحين أختفي الرجال وانفض سامرمهم من الرب يسوع المسيح بعد أحداث الجمعة العظيمة ظلت النساء ومن هن المجدلية أوفي الاصدقاء للرب يسوع المسيح في أصعب المواقف وأحرج الايام . هنا نري كيف صارت هذه المدعوة بالمجدلية او مريم الاخري تبرز علي سطح تلك الاحداث الساخنة الحامية الوطيس . برزت المجدلية لتظهر كأول رسولة ومبشرة بقيامة الرب يسوع المسيح من الاموات . هذا تم لتأكد لنا فيما قائلة ان كنا غافلين او غير مصدقين فهي تأكد للجميع مع الملاك وتقول : ( لماذا تبحثون عن الرب يسوع المسيح بين الاموات ليس هو ههنا لآنه قد قام ! ) .
قال لها يسوع ( لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الي أبي . ولكن أذهبي الي أخوتي وقولي لهم : أني أصعد الي أبي وأبيكم وألهي وألهكم ) .
فجاءت وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب , وأنه قال لها هذا . يوحنا 20 : 17 – 18







أنتهي
الجزء الاول




https://www.ahewar.org/https://www.ahewar.org/