حين يُحكم على البراءة بالإعدام وتُرفع رايات الحرب على الهوية كتبه عبدالرحمن محمـــد فضــل

حين يُحكم على البراءة بالإعدام وتُرفع رايات الحرب على الهوية كتبه عبدالرحمن محمـــد فضــل


08-03-2025, 06:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1754243664&rn=0


Post: #1
Title: حين يُحكم على البراءة بالإعدام وتُرفع رايات الحرب على الهوية كتبه عبدالرحمن محمـــد فضــل
Author: عبدالرحمن محمد فضل
Date: 08-03-2025, 06:54 PM

06:54 PM August, 03 2025

سودانيز اون لاين
عبدالرحمن محمد فضل-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر



عمود ظِلَال القمــــــر

[email protected]



في وطن تمزقه الحروب، وتتناهشه النزاعات، وتتساقط فيه القيم كما تتساقط البيوت تحت وابل القذائف، تترنّح العدالة في السودان، حتى بات المظلوم متهمًا، والمضطر خائنًا، والمجني عليه مدانًا بين ثنايا هذا المشهد السوداني المأزوم، تطفو على السطح قصص موجعة، ليست من نسيج الخيال بل من واقع دموي مؤلم، مثل قصة الشاب أحمد بخيت، ابن منطقة شمبات شمالي الخرطوم، الذي وجد نفسه يواجه حكمًا بالإعدام لا لذنب اقترفه، بل لأنه مارس مهنته مجبرًا تحت تهديد السلاح حيث بدأت مأساة أحمد في بداية العام 2023، عندما قررت أسرته البقاء في منزل جده بمنطقة شمبات، رغم اشتداد الحرب إلا أن الشاب المتخصص في ميكانيكا السيارات، لم يكن له أي انتماء سياسي أو صلة بأي طرف مسلح ولكن عندما سيطرت مليشيا "الدعم السريع" على المنطقة، بات أمام خيارين كلاهما قاتل إما تنفيذ أوامرهم أو مواجهة التصفية وبحكم معرفته ومهارته، أجبرته المليشيا على صيانة مركباتهم تحت التهديد بالقتل لقد كان معروفا لسكان الحي وهو ما جعل بعضهم يشي به الي المليشيا دون إدراك لما يلحقه ذلك من اذي وبعد أن استعاد الجيش السيطرة على المنطقة وأُجليت الأسر عاد أحمد بخيت إلى منزله لكنه سرعان ما اعتقل واتُهم بـ"التعاون مع العدو" كما أن أقرباء الشاب، الذين قصدوا المحكمة كشهود دفاع بغرض الشهادة لصالحه، تورطوا دون قصد في التسبب في إصدار حكم قاسي جدا ضده بسبب جهلهم بابسط ابجديات القانون وعدم قدرتهم على التعبير عن حقيقة ما جرى كانوا شهودًا ولكن شهاداتهم خذلتهم حين أغفلوا عن ذكر الاكراه وأنه كان يؤدي عمله تحت التهديد رغم معرفتهم بذلك ومعايشتهم للقمع والارهاب والتهديد الذي مورث معه واسرته وحتي مع الجيران من حولهم
القاضي الذي كان على وشك إطلاق سراحه اصبح ليس امامه سوي اصدار حكم الإعدام بسبب شهادة اعمامه الذين ارادوا ان يخرجوه من السجن ولكن "القوه في غياهب الجب" حيث تسببوا في لف حبل المشنقة حول عنقه نتيجة للجهل والخوف والارتباك والشعور بالرهبة امام المحكمه، دون شك ان الوقوف امام القاضي تجربة صعبة ومخيفة لدي كثير من الناس خاصة الذين يقفون لاول مرة امام القضاء داخل المحكمة وهنا يحضرني قول النبي "إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد"
في لحظةٍ تختزل المهابة والرحمة وقف رجلٌ بين يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذ الخوف منه كل مأخذ وارتعدت فرائصه رهبةً من جلال النبوة وهيبة الوقوف أمام من يحمل رسالة السماء كانت مهابة النبي تفيض دون تكلف فهو خير خلق الله، ومع ذلك لم يدع الهيبة تُثقل قلب الرجل أو تكسر نفسه فما كان من نبي الرحمة إلا أن التفت إليه بلطفٍ أبويّ وقال كلماته الخالدة:"هوِّن عليك، إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد."
بهذه الكلمات البسيطة، نزَل النبي صلى الله عليه وسلم من مقام النبوة إلى مقام البشرية، ليواسي قلبًا خائفًا، ويعلّم أمةً معنى التواضع لقد أراد أن يقول: "أنا مثلكم، لست ملكًا ولا متجبرًا، بل إنما أنا عبدٌ أرسلني الله إليكم."تأكل القديد — وهو اللحم المجفف — إشارة لحياة البسطاء، حياة لا ترف فيها ولا تكلّف أراد النبي أن يُعلِّمنا أن العظمة الحقيقية لا تكون في الألقاب ولا في المظاهر بل في التواضع والرحمة يجب علي اهل القضاء والمسؤلين بشكل عام استحضار هذا الموقف عندما يقف امامهم شخص في حالة خوف وضعف إن مافعله النبي لحظة تُدرِّس العالم كله كيف تكون العظمة متوشحة بالرحمة وكيف أن أكرم الخلق كان أكثرهم تواضعًا فنتجة للرهبة والخوف واداء القسم امام القاضي جعلت اعمام احمد في حالة من الخوف والضعف وبكل تاكد مثل هذه الظروف وهذه الاجواء اضافة الي معاناة الحرب واثارها النفسية والحسية الماثلة امامنا تجعل من قصة أحمد وامثاله من الضعفاء والمساكين الذين عاشوا ويلات الحرب ومورس ضدهم التهديد والتنكيل فإن هؤلاء بحاجة ماسة لتهدئة روعهم وبحاجة للمساعدة القانونية والنفسية ويجب توعيتهم بحقوقهم والتخفيف من روعهم واحيانا الانظمة تستخدم القانون والمحاكم كوسيلة من وسائل البطش والظلم والارهاب ومثل هذه القصص ربما تعيد إلى الأذهان بعض من المآسي القضائية في تاريخ السودان، كقضية المواطن السوداني مجدي الذي حكم عليه بالاعدام خلال عهد حكومة الإنقاذ، لمجرد حيازته حفنة من الدولارات، فإن حكاية أحمد بخيت ليست مجرد قضية فردية، بل ربما يتخذها البعض كمؤشر خطير على انزلاق القضاء السوداني نحو محاكمات مبنية على الشبهة والانتماء الجغرافي أوالعرقي لا على الوقائع والأدلة وربما تكون بداية لما يخشاه الجميع بما يسمي حرب الهوية ونتيجة لظروف هذه الحرب القاسية وافرازاتها السيئة ربما يحدث في السودان اليوم ان يُدان الإنسان فقط لأنه بقي في منطقة خاضعة لسيطرة فصيل مسلح أو لأنه تحدث بلهجة معينة، أو وُلد في مكان ما حيث أصبح البقاء على قيد الحياة في مناطق النزاع تهمة بحد ذاتها تُختزل الوطنية في الولاء وتُستبدل العدالة بالانتقام، وتُعلّق المشانق بناءً على الاشتباه لا الجُرم إن استمرار مثل هذه المحاكمات يُنذر بفتح أبواب الفتنة على مصراعيها ويكرّس لثقافة الثأر والفوضى ويدمّر ما تبقى من الثقة في المنظومة العدلية يجب على السلطة القضائية ومعها المؤسسات الحقوقية، محليًا ودوليًا، أن تقف وقفة جادة، لإعادة النظر في مثل هذه القضايا، ووقف إصدار أحكام الإعدام بحق مدنيين أجبروا على أفعال تحت تهديد السلاح كما يجب التحقيق في دور بعض الشهادات المشبوهة، التي قد تُبنى على أحقاد شخصية أو جهوية أو مصالح حزبية فالجهل بالقانون لا يُبرر الظلم ولا يعفي العدالة من مسؤوليتها في البحث عن الحقيقة وليس بالضرورة البحث عن كبش فداء يقدم قربانا لارضاء جهة ما لكن رغم السواد الحالك هناك من داخل المنظومة القضائية رجال شرفاء (قضاء ومحامين ووكلاء نيابة وضباط شرطة شجعان، يقاتلون من أجل صمود العدالة وانصاف المظلومين ومن أجل ألا يتحوّل السودان إلى سجن كبير أو مقبرة جماعية خاصة في خضم هذا الانهيار الذي سببته هذه الحرب المدمرة، كما تذكّرنا السنن الربانية التي لا تحابي أحدًا "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة" ليس الشعار الإسلامي، ولا الخطاب الديني، هو ما يُبقي الدول بل العدل وحده هو ما يُقيم الملك ويصون المجتمعات فالعدل ليس ترفًا بل ضرورة وجودية وسلاح الأمم للبقاء يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، فكيف نرجو الاستقرار في بلاد يُقتل فيها المصلح، ويُسجن فيها المظلوم، وتُقام فيها المحاكم على أنقاض القانون والمنطق؟! والضعفاء والمظلمومين والمضدهدين
ختامًا
صرخة أحمد بخيت، ودموع أسرته ومآسي آلاف غيره، لا يجب أن تُطوى في صمت بل ينبغي أن تكون ناقوس خطر يدق في آذان الجميع أنقذوا السودان من نفسه، قبل أن تُغرقه فتنة الظلم والطغيان، ويصبح القانون فيه خادمًا للبطش، لا حاميًا للعدالة.