انقلاب 19 يوليو 1971: من يومية التحري إلى رحاب التاريخ كتبه عبد الله علي إبراهيم

انقلاب 19 يوليو 1971: من يومية التحري إلى رحاب التاريخ كتبه عبد الله علي إبراهيم


08-02-2025, 02:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1754141072&rn=0


Post: #1
Title: انقلاب 19 يوليو 1971: من يومية التحري إلى رحاب التاريخ كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 08-02-2025, 02:24 PM

02:24 PM August, 02 2025

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر









يوليو 2010



سألني أصدقاء خلال وقفتنا عند انقلاب يوليو 1971، الذي أخذت مذبحة بيت الضيافة صفوه، إن كان من كتاب عن الانقلاب نفسه. فقلت لهم بلحيل. فصدر لي عن دار عزة "انقلاب 19 يوليو 1971: من يومية التحري إلى رحاب التاريخ" في معنى ما أرادوا. ويسعدني أن أنقل إليهم أن دار عزة تعد في يومنا لطبعة ثانية منه.

وكانت هذه مقدمته:



يريد هذا الكتاب أن يجدد النظر في انقلاب 19 يوليو1971 على نظام البكباشي جعفر نميري. لم يدم الانقلاب في الحكم سوى ثلاثة أيام عاصفة وأودى بزهرة قادة الحزب الشيوعي السوداني الذين أٌتهموا بتدبيره. ولقصر عمر الانقلاب المتناهي والأحلام التقدمية التي أذاعها على الملأ جعلنا لفصله الأول عنواناً هو "علم اجتماع الضل (الظل) الوقف ما زاد" بالنظر لمقطع لواحد من حداة التقدم، المرحوم الشاعر عمر الطيب الدوش. وهو وإن لم يقله في مصير 19 يوليو تحديداً إلا أنه مما ناسبه. فظل 19 يوليو انحسر وطوى بين دفتيه حركة اجتماعية غراء للكادحين مثيلها قليل.

يريد الكتاب في تجديده النظر للانقلاب أن يخرج به من "الصندقة"، في العبارة الإنجليزية، التي حاكمته كنبأ وكوزر ثقيل. فالنبأ، في وصف الصحافي الأمريكي جيمس روستون، ما يتسامعه الناس عن الواقعة في الأطراف. ولكن كل واقعة في الحقيقة هي بنت مجتمع وتستحق الدراسة في تدافع أهله. وقد ذهب الناس في تأويل النبأ مذاهب وضعه أكثرها في "سياسات" الحرب الباردة". أما محاكمته كوزر فلها ظرف سياسي سوداني مخصوص. فقد كان الحزب الشيوعي شديد النقد للتكتيك الانقلابي في العمل السياسي ملتزماً بما أصبح اكلشيهاً: "العمل الجماهيري الدؤوب" لبلوغ الغاية. وروج على نطاق واسع لفكرة أن الانقلاب هو خطة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة للتغيير السياسي والاجتماعي. ثم رآه الناس ضالعاً في انقلابين: 25 مايو 1969 و19 يوليو 1971 فأتهموه بالنفاق واللامبدئية. ومتى رددنا الانقلاب إلى علم اجتماعه فهمنا لماذا نهى الحزب عن شيء وفعل مثله. وليس مطلبنا هنا تبرئة الشيوعيين، بل تحسين الطريقة التي نقرأ بها النص كما يتنزل في مجتمع لا يملك منشئ النص لجوائحه دفعاً.

يتكون الكتاب من 3 مباحث كٌتبت في فترات متباعدة: 1994، 2005، 2007. وهي إن لم أقصد عند إنشائها جمعها في كتاب إلا أن ما دعاني إلى ذلك هو أن ناظمها هو النظر النقدي للانقلاب والخطاب الذي اكتنفه. وسترى أن المباحث راوحت بين المقال الأكاديمي القسيم (1994)، إلى الكتابة القسيمة غير الأكاديمية (2005)، إلى أبواب بالصحف السيّارة (2007). ولربما ترتب عن ذلك لت وعجن من تكرار نأمل ألا يشقى به القارئ.

جئت في المبحث الأول بفكرتين. أولهما وجوب أن ننظر إلى علم اجتماع الانقلاب في تحليل الشيوعيين لأوضاع بلدهم الاجتماعية وحيل طبقاتها وقواها على المسرح السياسي. وبدأنا في المبحث تحليلنا للفحولة السياسية للبرجوازية الصغيرة التي قال الشيوعيون إن الانقلاب هو ديدنها. وجئت في الفصل بنظرية "الوجه والقناع" لتفسير اضطراب الشيوعيين بين النهي عن الانقلاب وارتكابه في وقت معاً. فقلت إن نهيهم عنه هو وجههم الذي يريدون لحزب عمالي مثابر لا يختلس السلطة بليل. أم القناع فهو تورطهم مرة بعد مرة في ارتكاب الانقلاب. ورددت ذلك إلى غلبة البرجوازية الصغيرة في الحزب التي ظلت تخفي خطها الانقلابي تتمضمض خط الحزب "البروليتاري" مضمضة حتى تحين "ساعة الصفر" فتتلمظ السلطان مسارعة إليه.

وعالج المبحث الثاني فحولة البرجوازية الصغيرة في عرينها الانقلابي: ضباط القوات المسلحة. فتعرضنا للعلاقة بين الضباط الشيوعيين والحزب بعد قيام انقلاب 25 مايو الذي كان بعضهم طرفاً مؤثراً فيه. فقد أدى انتقال مسرح السياسة وحيلها إلى القوات المسلحة بسبب انقلاب 25 مايو إلى ازدياد نفوذ أولئك الضباط حتى أنهم جنحوا إلى خط الانقلاب والحزب راغم. وأردنا أن يلقي نظرنا المحدد لهذا المكمن البرجوازي الصغير بعض الضوء على مسألتنا عن ازدواجية الوجه والقناع في الحزب.

أما المبحث الثالث فهو محاولة منا للوقوف على الفحولة الثقافية للبرجوازية الصغيرة المتعلمة. فقد نظرنا إلى عزلتها عن الشعب عزلة اضطرتها لحيلة الانقلاب مجدداً. فقد لقنتها تلك الحداثة أن إرثها الثقافي لغو وباطل حنبريت. وعقد لها سدنة الحداثة لواء "تمدين" الأهالي-أهلهم- ليلحقوا بركب الغرب ب"القطار المار". وقلَّبنا منشأ عزلة هذه الجماعة ووحشتها اللتين حالا دونها واستنفار شعبها بدأب ليطلب النهضة بالديمقراطية لا "زفاُ" بالانقلاب، بالتشريع لا الترويع.

ويريد الكتاب بصورة أخص مواصلة التقليد النقدي الجذري للبرجوازية الصغيرة الذي كان سمة فكر أستاذنا عبد الخالق محجوب (1927-1971) ولب ممارسته. فهي فئة مضللة. تحتكر الفكر باسم "الصفوة" ولا تمانع في أن تٌلعَن نهاراً جهاراً لخيباتها "وإدمان الفشل" طالما بقيت هي الخصم والحكم. وهي في نظرها كل منسجم متناسخ الأفراد يقع ويقوم سوياً. وليس مثل عبد الخالق من "نقى شعيرها" واقتحم عليها تواطؤها ونازعها حق النقد. فنقدها حيث ظنت ألا ناقد إلا إياها ونازلها في الساحة السياسية كما سيرى قارئ هذا الكتاب. فلاحق تغبيشها لوعي الكادحين بالوعي المضاد الذي قليله بركة أيضاً.