Post: #1
Title: الصمت الانتقائي: كيف يُختطف الوطن تحت راية الأخلاق المزيفة؟
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 08-01-2025, 07:42 PM
07:42 PM August, 01 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
[B قراءة أدبية في مأساة السودان واختزالها الدعائي
في زمنٍ تنطفئ فيه القلوب قبل البيوت، وتُكسر فيه النوافذ قبل الأقلام، تتسلل الأكاذيب إلى ذاكرة الناس لا في هيئة بندقية بل في هيئة شعار. وتحت وابل الصراخ المنمق، ينقلب الموت إلى بطولة، والجرائم إلى مفاخر، بينما يُختصر صراع السودان، الوطن المجروح، في عبارة جوفاء: "اغتصاب الحرائر". شعار، مهما بلغت فظاعته، ليس سوى مطرقة تُستخدم لا للعدالة، بل لتحطيم معنى الوطن نفسه. إنهم "البلابسة" ــ كناية عن نخب ملوثة، تلف جسدها برداء الوطنية لكنها تبيع القلب في سوق الولاء. هم الكناسر الجدد، الذين يتخذون من الكراهية أخلاقًا، ومن الانتقائية شرفًا، ويُمارسون اغتيال الوعي الجمعي برضا جمهور نصفه مذعور ونصفه مأجور. لقد كنت من أولئك الذين ظنوا أن التعامل الراقي مع هؤلاء، بالحجة والمنطق، يمكن أن يُنقذ ما تبقى من شرف الفكرة. لكن سرعان ما اتضح لي أن الحريق لا يُطفأ بالطبول. هؤلاء لا يريدون الحق، بل يريدون احتكاره، ولا يسعون إلى الإنصاف، بل إلى صناعة جُرحٍ يُناسب معركتهم وحدهم.
شعار بلا وطن إنهم يرفعون شعار "الشرف" فوق دماء النساء، لا ليكرّموهن، بل ليحولوا أجسادهن إلى ساحات تصفية حسابات سياسية. أي كرامة هذه التي تنتقي ضحاياها؟ أي شرف يُدافع عن المغتصبات في العاصمة، بينما يصمت أمام عشرات النساء المغتصبات في مخيمات الجنينة؟ هل يُختصر وطن في جريمة، مهما كانت بشاعتها؟ هل تُدفن القرى المحروقة في الجزيرة تحت ركام الصمت لأن من هدمها "ابن المؤسسة"؟ هل تُمحى منازل السودانيين من دارفور في عد حسين وأبو آدم وسوق ستة لأن الجاني يرتدي بزّة نظامية؟ آليات الكذب الممنهج خطاب الكراهية اليوم لا يُطلق من فوهات البنادق، بل من مقاطع الفيديو المنتقاة بعناية، من منشورات مزيفة على وسائل التواصل، من منصات إعلامية تعمل كأذرع ناعمة لتبرير الدم. تُقتطع المقاطع، وتُشحذ الكلمات ثم يُصنع منها "منتج عاطفي" يخدم سردية واحدة: "نحن على حق، وغيرنا خونة أو غرباء." لكن الحقيقة أن الحرب لا تحمل هوية واحدة، ولا الجريمة تملك انتماءً سياسياً. تقارير موثقة تحدثت عن إحراق 340 مزرعة في الجزيرة، عن تهجير أكثر من 12 ألف شخص من غرب السودان تحت تهديد السلاح، عن اجتياح ممنهج لمنازل "الوجوه الغريبة". هل هذا لا يستحق أن يكون جزءًا من خطاب "الكرامة"؟ أم أن الكرامة تُقاس بلون الجلاد؟ معايير مزدوجة... وعدالة عوراء هل تعرفون ماذا يعني أن تُدان جريمة اغتصاب في الخرطوم على نطاق واسع، بينما تُمرر العشرات من مثيلاتها في مخيمات النزوح وكأنها حوادث ثانوية؟ يعني ذلك أن الشرف هنا لم يعد قيمة، بل أداة انتقائية، تُستخدم لإعادة تشكيل سردية بطولية للإسلاميين الجدد، ممن احترفوا مسح جرائمهم بالبلاغة، وتسويق مشاريعهم بالخطب المنبرية. هذا ما نسميه تسييس الألم. وهو أخطر من الجريمة نفسها، لأنه يُفرّغ الحزن من صدقه، والدموع من عدالتها. البلابسة- هندسة الكراهية باسم الوطن مصطلح "البلابسة" ليس شتيمة، بل توصيف دقيق لفئة تحوّلت من مشروع سياسي إلى طبقة طفيلية، تسيطر على اقتصاد الحرب، وتُنتج خطابًا إعلاميًا مسممًا، وتختبئ خلف الجيش حينًا، وتلبس عباءة الدين حينًا آخر. هؤلاء لا يدافعون عن المرأة، بل يستخدمون جسدها كسلاح أخلاقي. لا يحمون الدولة، بل يفرغونها من معناها. لا يكتبون للوطن، بل يُدوّنون شعارات التخدير الجمعي حتى لا ينتبه الناس أن الوطن يُسرق من أقدامهم. الصمت جريمة… حين يُصبح انتقائيًا صمتهم على ذبح أهل دارفور، وحرق القرى في الجزيرة، وتهجير الناس من الخرطوم، ليس حيادًا، بل اشتراك مباشر في الجريمة.
لأن من يصمت عن ظلم حليفه، لا يحق له أن يتحدث عن العدالة. ومن يبكي ضحية وينكر الأخرى، إنما يبكي مصالحه لا إنسانيته.
من أجل وطن لا يُبنى على الكذب الوطن لا يُبنى بالكراهية. ولا بالذاكرة المُصمّمة على مقاس خطاب واحد. ولا بالدموع التي تُستخدم كغطاءٍ لصفقات السلاح، ولا بالألم الذي يُوظف كإعلان انتخابي.
الوطن يُبنى حين نملك الشجاعة لنقول -كل القتلة مجرمون، مهما كانت رايتهم. وكل الضحايا أبرياء، مهما كانت قبيلتهم. والصمت، حين ينتقي، يتحوّل إلى مشاركة.
* التوقيع الأخير- "لا نخوض معركة الأخلاق بسكينٍ ذي حدّين - دماء الغرب السوداني ليست أرخص، ودموع النساء في دارفور ليست أقل قداسة، ووطن يُدفع ثمن وحدته بالجماجم، لن يُبنى على أكاذيب البلابسة."
|
|