Post: #1
Title: الثورة فعلٌ تراكمي: من مارس أبريل إلى ديسمبر المجيد كتبه الطيب الزين
Author: الطيب الزين
Date: 08-01-2025, 01:36 PM
01:36 PM August, 01 2025 سودانيز اون لاين الطيب الزين-السويد مكتبتى رابط مختصر
**
في تاريخ الشعوب، لا تأتي الثورات من فراغ، بل هي تراكمٌ نضالي طويل، تُبنى فيه الأحلام على أكتاف الأجيال، وتُروى الأرض بدماء الشهداء، حتى تنبت الحرية من رحم المعاناة. لقد ساهمت نضالات الأجيال التي سبقت انتفاضة مارس أبريل 1985م في تشكيل وعينا السياسي، وفتحت لنا أبواب الإدراك بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. كنا شبابا في عمر السادسة عشر، لا نملك من أدوات الفهم سوى الحلم، لكننا انخرطنا في صفوف الثائرين ضد نظام جعفر نميري، وشاركنا في كسر سور سجن كوبر، لنحمل المعتقلين السياسيين على الأكتاف وسط جموع غفيرة ملأت شوارع الخرطوم. ومنذ ذلك اليوم، بدأ يتشكل وعينا السياسي، وتفتحت أمامنا آفاق الديمقراطية التي وفرتها تلك الانتفاضة المجيدة. كانت تلك الفترة ذهبية بحق، فيها الندوات السياسية، ومعارض الكتب، والحوار المفتوح بين مختلف القوى. كنا شبابا مملوئين بالأمل، رغم عجز الحكومة الديمقراطية، لكننا آمنا أن السودان يسير في الإتجاه الصحيح، وأن الحرية قد بدأت تتنفس. أول مقال كتبته في الصحف السودانية كان بعنوان "بلاغ ضد الحكومة"، ونُشر في جريدة الهدف. لم يكن مجرد مقال، بل كان صرخة صادقة تعبّر عن معاناة الناس من نقص الخدمات، وعن محاولات الجبهة القومية الإسلامية لتشويه صورة الديمقراطية. كانوا يخططون في الظلام، مستغلين أموال البترول القادمة من بعض دول الخليج، والتبرعات التي تصب في جيوب تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، الذي نسج خيوط المؤامرة ضد إرادة الشعب. ومنذ انقلابهم المشؤوم على حكومة الراحل الصادق المهدي في 1989م، وحتى اليوم، تكشّفت لنا مشاريعهم الشريرة، التي لا علاقة لها بالدين، بل هي أدوات للهيمنة والقمع. كنا أطفالاً حينها، لكن وعينا السياسي لم يكن يقاس بالعمر، بل بتجاربنا، وبالدم الذي سال في الشوارع، وبالصرخات التي ملأت الساحات. ثم جاء جيلنا، الذي رفض الخضوع للتهديدات والإغراءات، وكان له دورٌ كبير في إشعال ثورة ديسمبر المجيدة ضد نظام الكيزان. ثورةٌ وصلت إلى تشكيل حكومة تأسيس، وأشاعت الأمل في نفوس الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني. لكن الفضل الحقيقي يعود لتضحيات الشهداء الأبرار، الذين عبدوا طريق الحرية والكرامة. هذا الطريق هو الصحيح لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في حياة حرة، خالية من الخوف والفقر والجوع، في وطنٍ فيه مقومات الحياة، وفيه كرامة الإنسان. اليوم، أدرك السودانيون والسودانيات أن تنظيم الإخوان المسلمين ليس إلا تنظيما شيطانيا يتستر بشعار الدين الإسلامي. الحمد لله على نعمة الوعي التي عمت السودان، وفتحت أعين جماهير الهامش العريض على أن مصلحتها في وحدتها، ونضالها من أجل وطن حر، ديمقراطي، علماني، يسع الجميع.
الطيب الزين
|
|