فشل اجتماع الرباعية وتهافت النخب:حين يُزَوّر الصراع وتُستدر العطايا من أوهام التحوّل الديمقراطي

فشل اجتماع الرباعية وتهافت النخب:حين يُزَوّر الصراع وتُستدر العطايا من أوهام التحوّل الديمقراطي


08-01-2025, 00:11 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1754003513&rn=0


Post: #1
Title: فشل اجتماع الرباعية وتهافت النخب:حين يُزَوّر الصراع وتُستدر العطايا من أوهام التحوّل الديمقراطي
Author: خالد كودي
Date: 08-01-2025, 00:11 AM

00:11 AM July, 31 2025

سودانيز اون لاين
خالد كودي-USA
مكتبتى
رابط مختصر



فشل اجتماع الرباعية وتهافت النخب:
حين يُزَوّر الصراع وتُستدر العطايا من أوهام التحوّل الديمقراطي

31/7/2025 خالد كودي، الأراضي المحررة كاودا

في لحظة مفصلية من تاريخ السودان، وبينما كانت الأنظار تتجه إلى واشنطن حيث كان من المزمع انعقاد اجتماع الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، ومصر) بشأن الأزمة السودانية، جاء الإلغاء المفاجئ للاجتماع ليكشف أكثر مما يخفي: يكشف هشاشة الرؤية الدولية، كما يكشف خواء ما تقدمه النخب السودانية المدنية التي تتهافت على مخاطبة الخارج بتصوّرات مجتزأة ومزوّرة لطبيعة الأزمة، في محاولة بائسة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل الحرب، واستئناف "ثورة ديسمبر" كما لو أن الخراب الذي جرى لم يقع، وكأن إعلان "حكومة تأسيس" وما سبقه من ميثاق ودستور جديد ليسا واقعًا سياسيًا واجتماعيًا ينبثق من الأرض.

أولاً: الرباعية بين الأجندة الدولية وافتقار الفهم البنيوي للصراع
لقد فشل اجتماع الرباعية حتى قبل أن ينعقد، لا بفعل الخلافات التكتيكية بين مكوّناتها فحسب، بل بفعل جوهري: اختزال الأزمة السودانية إلى "نزاع مسلح بين طرفين" يجب دفعهما للحوار، مع الحفاظ على وحدة السودان، كما ورد في الأجندة الأميركية. ورغم حديث البعض عن رغبة الوزير ماركو روبيو في توسيع التمثيل الدولي بإشراك قطر والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإن غياب أي تمثيل سوداني فعلي، سواء مدني أو عسكري، فضح استعلاء الوصاية الدولية وتكريس منطق "حلول فوقية" تُدار في غرف مغلقة لصالح الأجندات الانتخابية (كما في حالة الرئيس الأميركي ترامب)، أو التوازنات الإقليمية التي تتحرك بين النفوذ الخليجي، والمصالح الأمنية المصرية، ومصادر القلق الغربي.

إن ما فشلت فيه الرباعية لم يكن فقط التقصير في التمثيل أو غياب التنسيق، بل الفشل الأعمق هو في الفهم. الأزمة السودانية ليست مجرد صراع على السلطة بين طرفين، بل هي تفجّر تأريخي لبنية دولة مركزية ظالمة، تأسست على الامتيازات الجهوية والثقافية والدينية، وهيمنة الإثنية الحاكمة، وسُعار التهميش منذ ما قبل الاستقلال. إن إغفال هذا الجذر البنيوي هو بالضبط ما يجعل أي "مبادرة" دولية بلا عمق أو أفق مالم تؤدي الجهات المعنية واجبها المدرسي.

ثانيًا: خطاب النخب وخطايا التزييف الطوعي لطبيعة الصراع
ما يكشفه هذا السياق ليس فقط فشل الرباعية، بل تعرية للمنظومة المدنية التي نصبت نفسها ناطقًا باسم الثورة السودانية، بينما هي تواصل الرهان على الخارج، وتروّج، بوهم أو بتواطؤ، لفكرة أن المشكلة السودانية هي فقط "إجهاض التحول الديمقراطي"، وكأننا ما زلنا في 2019، وكأن الخرطوم لم تسقط، ولم تندلع حرب طبقية–إثنية على امتداد البلاد
بيانات "تحالف صمود"، و"منسم"، والكيانات النسوية، وغيرها من خطابات المجتمع المدني، تشترك في هذا القاسم المشترك:
تزوير طبيعة الصراع لصالح سردية "التحول الديمقراطي المبتور" وإغفال جذور الأزمة السودانية القائمة على:
١/ مركزية الدولة الهيمنية واستبدادها الثقافي والديني،
٢/ التمييز التاريخي في توزيع السلطة والثروة،
٣/ النكوص عن العلمانية كمخرج بنيوي من صراعات الدين والدولة،
٤/ رفض حق تقرير المصير وحق الشعوب في الاعتراف بتعدديتها العميقة.
خطاب هذه الكيانات، وإن تشدّق بلغة الحقوق، يتجاهل ما أفرزته الحرب من وقائع جديدة على الأرض، وعلى رأسها إعلان حكومة تأسيس، وميثاقها الدستوري الجديد، الذي ينطلق من تصور جذري لبناء الدولة على أساس علماني ديمقراطي لا مركزي وعدالة تاريخية. وهذا ما تعجز عنه النخب المدنية التي ما زالت ترى في المجتمع الدولي متواطئا معها وناظمًا لـ"التحول الديمقراطي"، لا شريكًا في إعادة هيكلة الدولة.

ثالثًا: خفة الكيانات وكسل النخب: حين يُستعاض عن الواجب المنزلي برسائل التوسّل
إن الرد الفاتر للنخب السودانية على إلغاء اجتماع الرباعية يكشف عن وهن فكري وسياسي لا يُغتفر. بدلاً من مساءلة المجتمع الدولي عن أسباب الإقصاء، نجدهم يُناشدونه عبر الرسائل، تارة بلهجة "الترحيب بالمبادرة"، كما فعل "تحالف صمود"، وتارة بالتنديد بالتقسيم والحرب، كما في خطاب "منسم"، ومجموعة لجان مقاومة السودان والقوى الموقعة على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب، ومجموعة لا لقهر النساء، وما يسمي بالاتحادي الديمقراطي المركز العام، و الاتحاد النسائي السوداني
وغيرها من كيانات النخب دون أن يقدموا بديلًا معرفيًا أو سياسيًا جادًا يواجه سؤال: لماذا فشل السودان في بناء دولة ما بعد الاستعمار؟
إن ما يعوزه هذا الخطاب هو الاعتراف بأن السودان، منذ 1956، لم يكن دولة لكل مواطنيه، بل دولة سيطرة نخبة مركزية، عربية، مسلمة، ذكورية، على بقية الأقاليم والهوامش. هذه الحقيقة الغائبة هي جوهر ما لم "يذاكره" هؤلاء قبل مخاطبة العالم. فلا فائدة من مخاطبة الرباعية برسائل إنشائية تطلب العودة لمسار الانتقال الديمقراطي، متجاهلة أن الواقع السوداني انقلب رأسًا على عقب، وأن الحرب كشفت، بدموية هائلة، زيف المركز وخواءه، وهشاشة سردية "المدنية" كما تطرحها هذه النخب.

رابعًا: الواقع الجديد: حكومة تأسيس وميثاق دستوري يتجاوز التهافت
في مقابل هذا العجز، نشهد على الأرض واقعًا سياسيًا بديلًا، يتمثل في:
١/ إعلان حكومة تأسيس في المناطق المحررة من دارفور وكرفان والنيل الأزرق وغيرها...
٢/ صدور ميثاق تأسيس دستوري يعبر عن المبادئ الجوهرية للسودان الجديد، تشمل:
- العلمانية كضمان للمواطنة المتساوية،
- العدالة التاريخية كتقويض للإفلات من العقاب والتمييز المتراكم،
- اللامركزية السياسية والإدارية كأداة لتوزيع عادل للسلطة،
- حق تقرير المصير كمسألة وجودية بضمان انهاء الهيمنة البنيوية.
هذه المبادئ لم تُستورد من الخارج، بل ولدت من واقع المقاومة المسلحة والمدنية في الهامش، ومن قطيعة معرفية وسياسية مع دولة 1956، ومن إدراك أن إصلاح الدولة لا يكفي، بل يجب تفكيكها وإعادة تأسيسها. ومهما تجاهلها المجتمع الدولي، او احتالت النخب، فإنها تشكل اليوم الخيار الجذري الوحيد الممكن.

أخيرا:
لا عودة إلى الوراء، ولا تسوية بلا جذور
إن فشل اجتماع الرباعية ليس حدثًا عارضًا، بل لحظة كاشفة. كاشفة لخواء الدبلوماسية الدولية، ولكن الأهم، كاشفة لخفة القوى المدنية النخبوية التي اختارت الطريق الأسهل والمريح: تزوير الأزمة، وطلب العطف الدولي، بدل بناء مشروع وطني جذري يوقف كل الحروب عبر مخاطبة أسبابها.
على النخب أن تفهم أن التاريخ لا يعود إلى الوراء. لا ثورة ديسمبر يمكن "استكمالها" خارج التحولات التي أفرزتها الحرب، ولا المجتمع الدولي سيقبل أكاذيب التمثيل المدني الزائف. وحدها حكومة تأسيس، وميثاقها الثوري، يمثلان محاولة جادة لإعادة بناء الدولة السودانية من تحت، من جذورها، لا من فوق، ولا عبر المبعوثين والسفارات.
على هذا الأساس، يجب إقامة الحجة السياسية والأخلاقية على أن:
- مشروع السودان الجديد القائم على علمانية ديمقراطية لا مركزية وعدالة تاريخية هو البديل الواقعي والتاريخي،
- وأن كل ما دونه محاولة بائسة للالتفاف على الثورة الحقيقية التي لا تُصنّع في واشنطن، بل تُولد في نيالا، وكاودا، وكادوقلي وجبل مرة.
ولتكن الكلمة، أخيرًا، للسودانيين الذين يصنعون تاريخهم بدمهم، لا للنخب التي تحنّط الثورة في عبر الاستجداء

النضال مستمر والنصر اكيد.

(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)