بين البيان والفعل- الحزب الشيوعي السوداني ومأزق الخطاب الثوري المتكرر

بين البيان والفعل- الحزب الشيوعي السوداني ومأزق الخطاب الثوري المتكرر


07-30-2025, 01:37 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1753879044&rn=0


Post: #1
Title: بين البيان والفعل- الحزب الشيوعي السوداني ومأزق الخطاب الثوري المتكرر
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-30-2025, 01:37 PM

01:37 PM July, 30 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






في بيان جديد، خرج الحزب الشيوعي السوداني ليجدد موقفه الرافض لإعلان الحكومة الموازية التي أعلنها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع
مؤكدًا رفضه لكلا الحكومتين—حكومة بورتسودان والحكومة الموازية—بوصفهما امتدادين للانقلاب العسكري الذي جرى في 25 أكتوبر 2021.
البيان بدا واضحًا من حيث اللغة والتحليل السياسي، لكنه في الوقت ذاته أثار شعورًا متصاعدًا وسط قواعد الحزب وأنصاره، وحتى المتعاطفين معه، بشأن استمرار الخطاب التحليلي في غياب الفعل السياسي الفعّال.
هذا المقال يحاول قراءة ما بين سطور البيان، وما يرافقه من ضجر شعبي مشروع.

ما يقوله البيان... وما لا يفعله الحزب
الحزب الشيوعي، في خطه العام، يحتفظ بمكانة رمزية كضمير ثوري، وحامل لمطالب انتفاضة ديسمبر المجيدة. ويكاد لا يمر حدث سياسي جوهري دون أن يُصدر الحزب بيانًا صارمًا، واضح اللغة
جذريًّا في الموقف، رافضًا لأنصاف الحلول ومستنكرًا لأي تسوية لا تضمن تغييرًا جذريًا.
في هذا البيان، عبّر الحزب عن-رفضه للحكومتين واعتبارهما غير شرعيتين.
تحميل الانقلاب العسكري مسؤولية الحرب والانهيار.
التحذير من التقسيم وإعادة إنتاج سيناريو نيفاشا.
التشكيك في نوايا الصراع الإقليمي والدولي حول السودان.
التمسك بمؤتمر دستوري شامل، لا تسويات منقوصة.
الدعوة إلى مقاومة جماهيرية مدنية لإنهاء الحرب وبناء الدولة الديمقراطية.

لكن، بينما يظل البيان متماسكًا من حيث الخط السياسي، تزداد التساؤلات حول جدوى الاكتفاء بالبيانات وحدها في ظل واقع سوداني بالغ الانهيار.

ضجر في القواعد... أين الأفعال؟
في الأحياء والأسواق والمنفى والوسائط، يُعبّر كثير من مؤيدي الحزب ومناصريه عن شعور متنامٍ بـ"الإرهاق البياني"؛ فالحزب، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 وحتى اليوم، يطلق سلسلة لا نهائية من المواقف الرافضة
دون أن يُرافقها تحرك تنظيمي نوعي أو مقترحات عملية تعبّئ الجماهير.
بعض المنتقدين من داخل القواعد الشيوعية لا يخفون خيبة أملهم من انكفاء الحزب على دوره الخطابي، في حين أنه يحمل إرثًا نضاليًا يجعل منه قادرًا، نظريًا، على إعادة تنظيم صفوف الشارع، تجديد أدوات الفعل المدني
وربما صياغة بدائل جماهيرية ملموسة.

من البيان إلى الميدان- ماذا ينقص؟
أكثر ما يفتقده المراقب هو ترجمة الخط السياسي الجذري إلى برنامج تحرك واقعي، يمكنه أن يلامس حياة الناس المطحونين داخل البلاد وخارجها.
في ظل الانقسامات الواسعة داخل القوى المدنية، وتراجع النقابات واللجان المقاومة، فإنّ الحاجة إلى مشروع تعبئة جديدة تتجاوز الشعارات أصبح ضرورة، لا ترفًا.
لا يُطلب من الحزب أن يحمل البندقية أو يشكل حكومة موازية، بل أن يطرح مشروعًا عمليًا للسلام الشعبي، والتعبئة الجماهيرية، والتحالف الواسع، وقيادة نقاشات وطنية صريحة، بعيدًا عن دوائر الشكوى الدائمة من المحاور الدولية وحدها.

الوعي السياسي دون تنظيم جماهيري: الحلقة المفقودة
يرى البيان بوضوح أن أزمة السودان لا تُفهم إلا في إطار الصراع بين قوى رأسمالية عالمية تسعى لتفتيت البلاد ونهب مواردها.
لكن تبني هذا التحليل العميق دون عمل شعبي منظم يُنتجه كأداة فعل، يجعل الخطاب نخبويًا، تحليليًا، أكثر من كونه قوة دافعة للتغيير.

هل يمكن للحزب، بعد هذه الحرب، أن يُعيد النظر في أدواته التنظيمية؟ هل يمكن أن يتجه لتأسيس تيار جماهيري عريض جديد، يعيد تعبئة الشارع السوداني بوسائل غير تقليدية؟
وهل يمكنه فتح قنوات جديدة مع لجان المقاومة المنهكة وقوى الشتات؟

البيان وحده لا يكفي
بيان الحزب الشيوعي السوداني يُجدد التزامه التاريخي بالتحليل الطبقي والرؤية الثورية، لكنه في النهاية يبقى معلّقًا في فراغ سياسي إذا لم يُرافق بخطة واضحة للمقاومة والتنظيم.
في لحظة تفتك فيها الحرب بوحدة البلاد وبقوت يوم مواطنيه، لم تعد البيانات وحدها مجدية، بل الأفعال، حتى ولو كانت صغيرة، هي وحدها القادرة على بث الحياة في الذاكرة الثورية السودانية.

وإلا... سيتحوّل الحزب من حامل للثورة إلى راوٍ حزين لسيرتها التي لم تكتمل.