Post: #1
Title: الجوع والقمع وانهيار المساعدات في جنوب كردفان كتبه مها طبيق
Author: مها الهادي طبيق
Date: 07-25-2025, 04:25 PM
04:25 PM July, 25 2025 سودانيز اون لاين مها الهادي طبيق-Sudan مكتبتى رابط مختصر
تقرير خاص من الميدان
كادوقلي والدلنج تحت الحصار : في كادوقلي والدلنج المدينتين الرئيسيتين بولاية جنوب كردفان ، تتصاعد ملامح كارثة إنسانية خانقة ، تتفاقم بعيدًا عن الأضواء وتحت غطاء من الصمت . الوضع الذي يُنقل بصعوبة بالغة من الميدان ، يشي باستخدام الجوع كأداة قمع سياسي، وسط انهيار كامل لمنظومة المساعدات ، وتضييق متزايد على كل أشكال النشاط المدني والإنساني . ليست هذه مجرد أزمة غذائية إنها سياسة ممنهجة من الحصار والتجويع والترويع ، يدفع ثمنها المدنيون وحدهم، بينما يصمت العالم .
1. الجوع سلاحًا :
اختفت الذرة – الغذاء الأساسي لسكان جنوب كردفان – من الأسواق بشكل كامل منذ أسابيع. من تبقى من الأسر في كادوقلي والدلنج باتوا يعيشون على وجبة يتيمة من المانجو ، أو أحيانًا على أوراق الأشجار . في ظل هذا الانهيار ، ارتفعت أسعار الغذاء بنسبة تتجاوز 500%، بينما لا توجد أي مؤشرات على تحسن قريب . يقول أحد السكان ، وهو أب لأربعة أطفال : "نقسم المانجو على الأسرة ، ونشرب الماء فقط… لا نعلم كيف سنكمل هذا الأسبوع" .
بحسب شهادات محلية حصلت عليها Darfur24 ، تم تسجيل أولى حالات الوفاة بسبب الجوع ، خاصة بين الأطفال والمسنين . غير أن ما يثير القلق أكثر هو أن هذا الوضع لا يبدو ناتجًا عن أزمة اقتصادية طبيعية ، بل نتيجة تحكم ممنهج من قبل القوات النظامية بالأسواق والمعابر ، حيث تُخزن كميات من الذرة داخل الثكنات ، وتُمنع أي إمدادات غذائية من دخول المدينة ، ما يؤشر إلى استخدام الجوع كسلاح خفي في حرب مفتوحة ضد السكان .
2. غياب المساعدات الإنسانية :
منذ مارس 2025 ، لم تنجح أي قافلة طوارئ تابعة لبرنامج الغذاء العالمي في الوصول إلى داخل كادوقلي أو الدلنج. عشرات المنظمات الإغاثية المحلية والدولية ، التي كانت تعمل بشكل نشط في السنوات السابقة، تم تجميد نشاطها أو إغلاق مكاتبها . تقارير شبكة Ayin الإعلامية تؤكد أن القوات النظامية اقتحمت مراكز توزيع إغاثة واعتقلت متطوعين ، ما أثار موجة من الذعر والخوف في أوساط المتبقيين من العاملين في الشأن الإنساني .
غياب المساعدات لا يرتبط فقط بالعجز اللوجستي ، بل بالتضييق المتعمد على حركة المنظمات ، ومنعها من الوصول إلى المجتمعات المتضررة . هذا الواقع ترك الآلاف يواجهون المجاعة بأنفسهم، بلا دعم أو حماية ، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات الانهيار الكامل للقطاع الإنساني بالولاية .
3. احتجاجات الخبز :
قبل أيام ، خرجت مظاهرة سلمية نادرة في مدينة كادوقلي. العشرات، غالبيتهم من النساء ، تجمعوا في السوق الكبير يهتفون من أجل الحصول على الخبز والذرة . الهتاف لم يدم طويلًا ، فقد واجهته القوات النظامية بإطلاق نار مباشر وتفريق بالقوة ، أسفر عن إصابات مؤكدة، واعتقال عدد من النساء المشاركات .
إحدى النساء المعتقلات ، حسب رواية قريبتها، كانت قد صرخت وسط السوق: "أولادنا جاعوا!" ، فتم سحبها على الفور إلى عربة عسكرية . السكان يقولون إن مجرد الحديث عن الجوع بات يُعدّ جريمة ، وأن من يجرؤ على الشكوى يُعامل كمحرض .
4. اعتقالات تستهدف الناشطات والمتطوعين :
في ظل هذا المشهد القاتم ، تتصاعد الاعتقالات السياسية والأمنية ، وتستهدف بشكل خاص الناشطات في المجتمع المدني والعاملين في المجال الإنساني . تم تسجيل اختفاء عدد من المتطوعين دون أوامر قضائية، وسط أنباء عن احتجازهم في ظروف سيئة ، وتعرضهم لتعذيب نفسي وجسدي. كما تم إغلاق عدد من غرف الطوارئ الشعبية التي كان يديرها شباب من المنطقة، وتوجيه اتهامات غامضة لهم تتعلق بـ"التحريض"، أو "التعاون مع الحركات المسلحة" .
شهادة سربها أحد المواطنين من كادوقلي تكشف جوهر الأزمة : "كل من يتكلم عن الجوع يُعتقل… لا أحد يملك الحق في أن يقول إنه جائع!" ، في اختزال مرير لواقع القمع داخل المدينة المحاصرة .
5. المجاعة تطرق الأبواب والصحة تتهاوى :
الوضع الغذائي الكارثي ترافقه مخاطر متزايدة على صحة السكان . تشير تقديرات ميدانية إلى دخول آلاف الأسر في المرحلة الرابعة من انعدام الأمن الغذائي حسب التصنيف العالمي IPC ، وهي مرحلة تُصنّف على أنها "الطوارئ ما قبل المجاعة". وفي ظل انعدام المياه النظيفة ، وتعطل خدمات الصرف الصحي ، تتزايد مخاوف انتشار أمراض قاتلة مثل الكوليرا .
كذلك رُصدت موجات نزوح داخلي صامت نحو الجبال والمناطق النائية ، بحثًا عن الغذاء أو النجاة من الاعتقال. غير أن هذه الهجرة العشوائية تزيد من تعقيد الأزمة ، وتُعمّق هشاشة المجتمعات المستقبلة التي تعاني بدورها .
6. توصيات من الميدان :
بوصفي صحفية مستقلة أعمل على تغطية هذا الواقع الميداني أضع بين أيدي المعنيين بالشأن السوداني والإنساني، المحلي والدولي، هذه التوصيات الملحة التي قد تساعد في وقف الانهيار القادم :
أولًا/ ضرورة فتح ممرات إنسانية عاجلة وآمنة تحت إشراف محايد ، لإيصال الغذاء والدواء للمحاصرين .
ثانيًا/ أطالب بإرسال بعثة رقابية مستقلة من الصحفيين والحقوقيين والمراقبين الدوليين لتوثيق الانتهاكات على الأرض .
ثالثًا/ ينبغي على الجهات المؤثرة ممارسة ضغط مباشر على السلطات السودانية لوقف الحصار الغذائي ورفع القيود على حرية الحركة والعمل الإنساني .
رابعًا/ إطلاق سراح جميع النساء والمتطوعين المعتقلين فورًا ، دون قيد أو شرط ، ووقف استخدام القضاء كأداة سياسية .
وأخيرًا ، فإن الاعتراف بكادوقلي والدلنج كمناطق كوارث إنسانية هو خطوة رمزية وميدانية مطلوبة الآن قبل فوات الأوان .
ما يجري في جنوب كردفان لا يمكن وصفه بأقل من كارثة من صنع البشر . الجوع هنا ليس عرضًا جانبيًا للصراع ، بل أداة مدروسة لإخضاع السكان ، وإسكات أصواتهم . وفي حين تُكمم أفواه الجياع ، تُمنع الكاميرات، ويُغلق الطريق أمام المساعدات ، فإن الوقت ينفد، والثمن يُدفع كل يوم بأجساد الضعفاء والصامتين .
> الجوع ليس قدرًا... بل أداة قمع. ومن يتجاهل صرخات كادوقلي والدلنج اليوم ، يساهم في جريمة الصمت .
مها الهادي طبيق صحفية مستقلة
[email protected]
25/يوليو/2025
|
|