من سرديات العلاقات الكوشية اليهودية زوجة النبي موسى الكوشية كتبه د. محمد عبد الله الحسين

من سرديات العلاقات الكوشية اليهودية زوجة النبي موسى الكوشية كتبه د. محمد عبد الله الحسين


07-24-2025, 04:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1753370696&rn=0


Post: #1
Title: من سرديات العلاقات الكوشية اليهودية زوجة النبي موسى الكوشية كتبه د. محمد عبد الله الحسين
Author: د.محمد عبدالله الحسين
Date: 07-24-2025, 04:24 PM

04:24 PM July, 24 2025

سودانيز اون لاين
د.محمد عبدالله الحسين-السودان
مكتبتى
رابط مختصر



‏"زوجة سيدنا موسى الكوشية "‏
من سرديات العلاقات الكوشية اليهودية


مقدمة: ‏
من المعروف أن كوش المقصودة هي المنطقة التي تقع جنوب مصر وتشمل شمال وأواسط السودان ‏الحالي تقريبا. حفظت المصادر التاريخية والدينية وجود علاقات قوية بين كوش الدولة والأرض وبين ‏اليهود. فقد ذكر اسم كوش في العهد القديم حوالي 37 مرة في أسفار حزقيا وإشعيا وإرميا والملوك ‏وغيرهم. حفظت الأسفار التوراتية سرداً لعلاقات قوية مع كوش وإشادة بأهلها وبسجاياهم (يَا أَرْضَ ‏حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ) -سفر إشعياء 18: 1‏. كما تضمنت كثير من الأسفار سرد(سردا) ‏لعلاقات تجارية وزيارات إلى أرض إسرائيل وذكر (ذكرا) لنجدة عسكرية كبرى شارك فيها جيش كوش بنبالة. ‏فقد ‏ورد ما يلي في سفر الملوك الثاني 19: :9‏(وَسَمِعَ عَنْ تُرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشٍ قَوْلاً: «قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ». ‏فَعَادَ وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى حَزَقِيَّا ...).‏
لفت نظري خلال اطلاعي على تفاصيل العلاقات اليهودية الكوشية والمعرفة الواسعة بكوش وأهلها سيرة ‏متواترة عن زواج النبي موسى عليه السلام بامرأة كوشية. فقد ورد في سِفر العدد 1:12 من العهد القديم ‏‏(َوتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ عَلَى مُوسَى بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْكُوشِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً.‏
وورد زواج موسى في سفر الخروج 2 و4 و12 و18. ‏
من البديهي أن ذكر هذه المعلومة في مرجع ديني لا بد أن يرجح صحة المعلومة. ولكن الأمر لا يقف ‏عند تصديق الخبر بل تتناسل الأسئلة حيثيات حدوث ذلك وتفاصيله، حول ظروف ومكان اللقاء بين ‏موسى والمرأة الكوشية. لا توجد في المصادر التاريخية المتعددة الكيفية التي حدث بها ذلك وأتاح غياب ‏التفاصيل الفرصة للمؤرخين اليهود وكذلك النصارى لتقديم تفسيراتهم لقصة الزواج المذكور. ولكن بدلا ‏من ان تسهم تلك المصادر في توضيح القصة والتفاصيل ذهبت في ذلك مذاهب شتى. على سبيل ‏المثال ذكر المؤرخ اليهودي يوسف/جوزيف فلافيوس الذي عاش في القرن الميلادي الأول، في مؤلفه ‏المعروف ب: (الآثار/العاديات اليهودية ‏‎(Jewish Antiquities‎‏ أن فرعون مصر أمر موسى بقيادة ‏جيش لغزو كوش بعد أن غزت كوش مصر وكادت أن تمحوها من الوجود. ووصل موسى بجيش مصر ‏إلى مروي وحاصرها وأن الأميرة الكوشية توافقت مع موسى على تسليم المدينة(خيانة) ووعدها بالزواج ‏وهو ما حدث. وذكر فلافيوس أن اسم المرأة الكوشية هو (ثاربيس). بينما ذكرت بعض المصادر أن ‏اسمها صفورا. ولغرابة الأحداث أو الصدف (أو القدر) أن اسم صفورا يقال بأنه متداول وموجود لدى كثير من ‏النساء في شمال السودان. مما يطعن في صحة اسم(ثاربيس) الذي ذكره غلافيوس. وقبل ذلك لا توجد ‏مصادر أخرى تؤكد قصة الغزو المصري لمروي بقيادة موسى، والذي عللت بعض المصادر بأن ذلك ‏تم للتخلص من موسى باعتباره أجنبيا.‏
أحدثت قصة الزواج هذه ارتباكا كبيرا وتضاربا في التفسيرات بين زواج موسى من ابنة شعيب في مدين ‏وبينالزواج الثاني من الكوشية وأيهما كان أولا. بل ذهبت بعض المصادر التوراتية السامرية القديمة ‏وهي خلاف التوراة اليهودية. بأن موسى لم يتزوج خلاف زوجة واحدة. وهكذا تفرعت التفسيرات إلى فرع ‏عديدة لإثبات الواقعة أو نفيها ولتحديد هوية الزوجة الأولى والثانية. فبعض المصادر ذكرت أن هناك ‏كوش أخرى في شمال الجزيرة العربية. وهذا يذكرنا بالتخريجات اللاحقة حول ملكة (مملكة)كوش التي أشارت ‏بعض المصادر بأنها تقع في جنوب الجزيرة العربية أو في شرق أفريقيا.‏
فيما يتعلق بالاختلافات بين المصادر التوراتية نفسها نجد أن النص السامري القديم(والذي يعتبر أن ‏التوراة اليهودية اللاحقة محرفة) فقد أشارت النسخة السامرية إلى زوجة موسى باسم كاشيت ‏kaashet‏ ‏و تُترجم إلى "المرأة الحسناء"، ( تعليق: طبعا كوش تنطق وتكتب أحيانا بعدة طرق، أي أنه ليس هناك ‏اختلافا كبيرا بين الاسمين). وفي نفس الاتجاه أشارت النسخة اليهودية بأن اسم الزوجة ‏Kushi‏ التي ‏تعني "المرأة السوداء" أو "المرأة الكوشية". لذا بالنسبة للسامريين، لم يكن لموسى طوال حياته سوى زوجة ‏واحدة، وهي صفورا، عكس المصادر اليهودية التي تقول بأن موسى كان له زوجتان، إحداهما صفورا، ‏والأخرى المرأة كوشية ولم تذكر اسمها. كما تقول بعض المصادر أن الكوشيين موجودون في مدين. كل ‏ذلك لكي تتوافق السرديات المشاعة.‏
قد يكون خبر زواج موسى من الكوشية غير مقبول لدى البعض بسبب أصلها الكوشي(الأفريقي/الأسود) ‏لذلك تم استبعاد اسم صفورا، أو القول بوجود كوش أخرى. تجدر الإشارة دائما أن الحبشة حاولت أن ‏تستفيد من هذه التضاربات لمصلحة السردية الحبشية التي جعلت من حكامها امتداد للنسل السليماني ‏والفوز ببعض المعلومات التاريخية المتضاربة بسبب ورود اسم اثيوبيا..‏
الغريبة ان القصة التي ذكرها فلافيوس حول زواج الأميرة الكوشية باتفاقها سرا مع سليمان لتسليم مروي ‏شبيهة بقصة لاحقة صارت أوبرا عالمية ولكن بصورة معكوسة..وهي قصة اوبرا عايدا، التي أحب القائد ‏المصري أسيرة كوشية في قصر الفرعون وافصح لها بالتالي عن خط سير الجيش المصري الذي سيغزو ‏كوش. وأخيرا هربا ليتزوجا.‏
هذا التضارب في موقع كوش أنتج سرديات عديدة حول وجود كوشيين في جنوب الجزيرة العربية وفي ‏بلاد من بين النهرين وفي شمال الجزيرة العربية قرب الشام. فقد جاء في سفر ‏‎"‎أخبار الأيام الثانية": ‏وأهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب "الكوشيين" هنا يأتي السؤال هل ‏العرب ‏بجانب الكوشيين؟ هل هناك كوشيون آخرين في ذلك الوقت كما تقول بعض المصادر بوجود كوشيين ‏في منطقة ‏بابل والعراق؟ ‏ ضمن سيرة التضارب في المعلومات نجد أن نهر جيحون الموجود في أواسط ‏شمال آسيا تذكره المصادر التوراتية بانه محيط بكوش كما ورد في سفر التكوين 2: 13:( ....وَاسْمُ النَّهْرِ ‏الثَّانِى جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ).‏
وهكذا تظل سردية زواج النبي موسى إحدى الموضوعات المثيرة للجدل مثلها في ذلك مثل كثير من ‏السرديات التاريخية. لا غرابة أن تكون بعض السرديات التاريخية نهبا للتفسيرات المتضاربة والتي لا ‏تخلو من الغرض، ومن الانحيازات العرقية أو الجغرافية أو ‏الدينية. وهكذا تظل كثير من المعلومات ‏التاريخية مجرد أغلوطة تاريخية تثير كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، أكثر مما تقدمه من إجابات ‏شافية.
[email protected]