جواز الوطن- ليس بكاءً بل صرخة حق في وجه التمييز#

جواز الوطن- ليس بكاءً بل صرخة حق في وجه التمييز#


07-24-2025, 02:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1753362851&rn=0


Post: #1
Title: جواز الوطن- ليس بكاءً بل صرخة حق في وجه التمييز#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-24-2025, 02:14 PM

02:14 PM July, 24 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





الحقوق المدنية ليست مجرد مفردات دستورية أو شعارات ترددها المناسبات، بل هي الأساس الذي تبنى عليه دولة القانون والمؤسسات.
هي الحصن الذي يحمي الإنسان من تعسف السلطة، والضمانة التي تضمن لكل مواطن وجوده الكامل في وطنه دون تمييز أو إقصاء.
في السودان، حيث التاريخ حافل بالتحديات، تصبح هذه الحقوق ضرورةً ملحة لكل عملية انتقالية تُراد لها أن تنجح، ولكل حلم بدولة ديمقراطية يحترم كرامة الإنسان ويصون حرياته.
في خضم سجالات لا تهدأ، تتلاطم فيها أمواج السياسة على شاطئ وطن مُنهك، تبرز صرخات حق قد يراها البعض "بكاءً" وتهكمًا. لكن لنعِد القول بلسان عربي مبين، إن المطالبة بحق لا تُسقطها شراسة الخصومة، ولا تعيقها أبواق السخرية.
امتلاك أوراق ثبوتية، كجواز سفر يحمل هوية المواطن، ليس منحة كريمة من حاكم، ولا امتيازًا يُمنح بمزاج ويُسحب بقرار.
إنه حق أصيل من حقوق الإنسان الأساسية، وواجب قانوني وأخلاقي على الدولة تجاه كل نفس سودانية، ما لم تُجرّدها يد القانون من مواطنتها ذاتها.
قد نختلف مع الحكومة، وقد نرفض شرعيتها السياسية والأخلاقية، وقد نقاوم انقلابًا ونقف ضد حكم عسكري أو ميليشياوي، لكن ذلك لا يُلغي حقيقة أننا مواطنون سودانيون، نحمل شهادات ميلاد وأرقامًا وطنية، وجوازات سفر لم تُمنح لنا بفضل
ولاء أو طاعة، بل بموجب استحقاق أصيل.
العار كل العار ليس في أن نحمل وثائق تثبت وجودنا، بل في أن تتحول مؤسسات الدولة، التي كان يُفترض أن تكون بيتًا للجميع، إلى أداة للتصفية السياسية.
أن يُمنح الجواز على أساس "الطاعة" ويُحرم منه من يخالف الرأي أو الموقف، هو الخطر الحقيقي الذي يهدد نسيج الوطن.
نحن لا "نبكي" كما يُتصور، بل نطالب بحقوقنا بوضوح وأدب، في وقت يلتزم فيه البعض الصمت عن مجازر وتجويع وتشريد، ويطالب الآخرون بالانضباط والصمت في مواجهة انتهاكات القانون والدستور الصريحة.
دولة واحدة لا "جوازات صمود"
السؤال الساخر- "لماذا لا تصدرون جوازًا صموديًا؟" يكشف فهمًا قاصرًا لمفهوم الدولة التي نريدها. نحن لسنا كيانًا منفصلاً، ولا نسعى لأن نكون كذلك إلا في إطار دولة واحدة عادلة تحترم كل مواطنيها بلا تمييز أو إقصاء.
أنتم من تتعاملون بمنطق "من ليس معي فهو ليس سودانيًا"، وهو منطق يفتت الوطن ويجهز على وحدته.
نعم، ننتقد الدولة القائمة، ونقاوم الانقلاب، ونرفض كل أشكال الحكم العسكري والميليشياوي، لكننا في النهاية أبناء هذا الوطن، لسنا ضيوفًا عليه أو عابرين.
ولسنا نحن من باع سيادة البلد، ولا من جعل مؤسساته رهينة لأجندات خارجية تسعى لإعادة تصميم الخرائط ورسم المدن وفق مصالح باردة.

مفترق وجودي... وصرخة شهيد
في عتمة الخراب الذي يخيّم، ينبثق سؤال حارق: من يملك الجرأة على منح السودان سلامًا لا يُلغي ذاكرته؟ من يكتب في دفتره صفحة جديدة دون أن يُمزق الصفحات السابقة؟
ومن يملك الجرأة على قول الحقيقة للجنرال: إن زمن البندقية قد انقضى، وأن الصوت الذي يُطلق من الحنجرة لا من فوهات الماسورة هو الذي يستحق أن يُكتب في دساتير الأمم؟
السودان الذي نريده ليس مسرحًا لصراعات الآخرين، ولا ملعبًا لمرتزقة الجغرافيا. نريده قصيدة تُكتب بالعدل، ودولة تُبنى بالتسامح، ومؤسسات تُصان بالقانون، وسماء لا تعبرها الطائرات المحملة بالخوف.

*هذا الوطن لا يحتاج مؤتمرات شكلية، بل لحظة صدق يدرك فيها الجميع أننا أمام مفترق وجودي: أن نكون أمة تنبثق من الألم كما ينبثق الزهر من جراح الأرض، أو نبقى رهائن في دهاليز الطمع والعسكرة.
لا يحتاج إلى إعلان مبادئ، بل إلى جيل لا يحمل سوى مبادئه المتجذرة في تراب هذا الوطن. لا يحتاج إلى وسيط يُتلاعب به، بل إلى صرخة شهيد يقوم من رماده ويقول: "كفى!"

ليكن هذا الختام دعوة مفتوحة إلى الذين ما زالوا يحملون البندقية- ضعوها جانبًا، خذوا مكانكم في صفوف الحياة، فالوطن لا يُبنى بالطلقات، بل بالعمل والتخطيط السيم وحكايات التي يرويها الناجون حين يُفسح للسلام أن يحكم
وحين يُمنح كل مواطن حقه كاملاً غير منقوص، بدءًا من أبسط وثائقه الثبوتية وحتى حقه في بناء مستقبل كريم.