أين اختفى متحرك الصياد ..أم أنه مجرد صياد التوقعات دون أي طريدة حقيقية؟ كتبه عبدالغني بريش فيوف

أين اختفى متحرك الصياد ..أم أنه مجرد صياد التوقعات دون أي طريدة حقيقية؟ كتبه عبدالغني بريش فيوف


07-24-2025, 04:40 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1753328425&rn=0


Post: #1
Title: أين اختفى متحرك الصياد ..أم أنه مجرد صياد التوقعات دون أي طريدة حقيقية؟ كتبه عبدالغني بريش فيوف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 07-24-2025, 04:40 AM

04:40 AM July, 23 2025

سودانيز اون لاين
عبدالغني بريش فيوف -USA
مكتبتى
رابط مختصر





في زمن الفصول المتغيرة، والوعود المتطايرة، وظِلال القلق التي تخيم على ربوع السودان الحبيب، عاشت الشعوب السودانية على وقع سمفونية متكررة، لحنها الوحيد هو: متحرك الصياد قادم، متحرك الصياد سيحرر، الصياد سيقتلع الجنجويد. كلماتٌ رنت في الآذان، حتى باتت وشما في الذاكرة الجمعية للشعوب السودانية، إذ انه منذ شهور، والعقارب تتحرك ببطء على ساعة الأمل، بينما تتحرك الألسن ببرود قسري لتنثر بشائر (الصياد)، الذي سيصطاد كل المخاطر، ويُبيد كل الجنجا، ويعيد البسمة إلى شفاه أنهكها الانتظار.
لكن، أين اختفى يا تُرى، أين ذهب هذا الصياد، الذي طالما صدعوا به رؤوس السودانيين ليل نهار، بقدومه الميمون والظافر؟
هل ابتلعته الأرض، أم صعد إلى السماء ذات البروج، أم أنه مجرد فزاعة، صُنعت لزرع الوهم في نفوس عطشى للخلاص؟
دعوني عزيزي القارئ، نتوقف قليلا عند أصل الموضوع، إذ انه في خضم الصراع العسكري المحتدم، والمدن المحاصرة، والشعب الذي يئن تحت وطأة الجوع والحرب، برزت أحاديث متحرك الصياد، كالنجم الساطع في سماء ملبدة بالغيوم، قيل عنه الكثير، إنه سيُحرر شمال كردفان، ثم يزحف نحو الجبال الصامدة في جنوب كردفان، ويمر بغرب كردفان في طريقه المظفر، وكأنها رحلة صيد، خرافية لن تتوقف إلا بعد تحرير دارفور بأكملها!
تخيلوا هذا المشهد: الصياد، يتقدم بخطى ثابتة، بندقيته جاهزة للصيد الكبير، والجميع يترقب بشغف وصول هذا البطل الأسطوري، الذي سيقلب الطاولة على رُؤوس الجنجويد.
لكن، وكمثل كل القصص الخرافية التي تنتهي بنهاية غير متوقعة، فإن متحرك الصياد هذا، لم ير السودانيين له أثرا في أرض المعركة منذ ما يزيد على شهرين، حيث لا غبار معارك، لا صريخ انتصارات، فقط صمت مُطبق، وغياب يدعو للتأمل، بل للسخرية والإستهزاء!
أين كل تلك العمليات العسكرية التي كان من المفترض أن يقوم بها؟
أين كل تلك الوعود التي ملأت الفضاء الافتراضي والمقاهي الشعبية؟
هل تحول الصياد نفسه إلى صيد ثمين، ابتلعته صحراء النسيان، أو ربما انتحى زاوية هادئة ليتأمل في عظمة التصريحات الجوفاء؟
الغريب والمحزن في آن واحد، أن هذه العنترات الفارغة، وهذه البطولات الوهمية، لم تكن مجرد أحاديث على مقاعد المقاهي، بل كانت لها تداعيات كارثية على أرض الواقع، فبسبب هذه التهديدات الصارخة، وهذه الشعارات الجهادية التي أُطلقت بلا أي أساس على الأرض، شددت مليشيا الدعم السريع حصارها على مدن صامدة، كالدلنج وكادقلي وبابنوسة، مدنٌ كانت تستغيث بالله والولاة، بينما الصياد، يبدو أنه كان مشغولا بصيد الذباب أو ربما الأوهام في مكان آخر!
السكان هناك، الذين كانوا يحلمون بوصول المنقذ، وجدوا أنفسهم، يواجهون قدرا أكثر قسوة. الجوع ينهش الأجساد، والعطش يحرق الحناجر، والمرض يتسلل كالوباء، بينما الصياد، لا يزال متحركا في خيالات الخطباء، وفي أحلام البسطاء الذين صدقوا أن المعجزة قادمة.
ألم تكن هذه التصريحات، مجرد رصاصة أخطأت الهدف، وارتدت لتصيب من أطلقها؟
ألم تكن هذه التهديدات، مجرد وقود أشعل نارا أحرقت الأبرياء؟
إن تلك التساؤلات، تساؤلات تفرض نفسها بقوة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام نقاش أعمق حول مسؤولية الكلمة في زمن الحرب، فبينما كان البعض يُجيد فنّ البروباجندا والتهييج، كان أهلنا في الدلنج وكادقلي وبابنوسة، يكادون يموتون من الجوع، لا بسبب الحصار فقط، بل بسبب شبح الصياد الذي لم يصل أبدا، والذي زاد من شراسة العدو بسبب التهديدات الفارغة التي أُطلقت باسمه.
أين أنت يا صياد، هل أُلغيت رحلة الصيد بسبب سوء الأحوال الجوية، هل تعثرت في الوحل فغاصت خُطاك في رمال النسيان؟
هل اكتشفت أن الصيد، ليس بهذه السهولة التي ظننتها، أم أن الكلاب التي كانت تُنبئ بقدومك قد ضلت الطريق، أو ربما تحولت إلى ذئاب تنبح في ظلمة الليل؟
إن قصة متحرك الصياد، هي قصة سودانية بامتياز، تُجسد معاناة شعب يرى وعوده تتلاشى كسراب في صحراء قاحلة. إنها قصة المتحدثين الذين يُجيدون فن صناعة الأوهام، والمستمعين الذين يتوقون إلى بصيص أمل يُنجيهم من ظلام الواقع، ولعل الدرس الأهم هنا، ليس في اختفاء الصياد نفسه، بل في الدرس الذي يجب أن يتعلمه الجميع، وهو أن الكلمات وحدها لا تُحرر الأوطان، ولا تُطعم الجائعين، ولا تُداوي الجراح. إنها مجرد أصوات تتناثر في الأجواء، ما لم تُتبع بفعل حقيقي، وجدية لا تعرف المساومة، وشجاعة لا تتغذى إلا على مرارة الواقع.
عزيزي القارئ..
المسرح السياسي السوداني المأزوم، يزخر بالأمثلة على الفشل في تحويل التصريحات إلى أفعال، إلا أن قصة الصياد تعد أيقونة هذا الفشل. إنها تجسّد الوجه الحديث للكذب الممنهج وبيع الأوهام، حيث يخسر الجميع ما عدا أولئك الذين اختلقوا هذه الأكذوبة أو راهنوا عليها.
أما السودانيون في الدلنج وكادقلي وبابنوسة، فما لهم سوى الانتظار والدعاء أن ينتهي هذا العبث السياسي، وأن يأتي صياد حقيقي، لا يكبل نفسه ولا ينسج أوهاما تزيد من ثقافة اليأس والانهيار في بلد يحتاج إلى أفعال لا أقوال.

Post: #2
Title: Re: أين اختفى متحرك الصياد ..أم أنه مجرد صياد ا
Author: Biraima M Adam
Date: 07-24-2025, 08:42 AM
Parent: #1

شكراً ول أبا بريش، مقال ثر وعميق يدعو إلي التفكير الجاد وترك الأوهام.

بريمة