Post: #1
Title: الفور: أمةٌ من السلاطين، وذاكرة تاريخ عتيق، وصراعٌ لهوية مهمشة. كتبه أدم أبكر عيسى
Author: ادم ابكر عيسي
Date: 07-23-2025, 02:15 PM
02:15 PM July, 23 2025 سودانيز اون لاين ادم ابكر عيسي-السودان مكتبتى رابط مختصر
صدى الوطن.. .
في قلب السودان، حيث تتقاطع الأزمنة، ينبض تاريخ "أمة الفور" بقوة وجمال، وهذه الذاكرة ليست مجرد أحرف تُكتب، بل هي جزء لا يتجزأ من الروح الوطنية. الفور ليسوا مجرد مجموعة اجتماعية، بل هم شعبٌ يحمل إرثاً تاريخياً عظيماً يمتدّ لآلاف السنين، يشهد لهم دورهم في كسوة الكعبة المشرفة، ومسالك "درب الأربعين" التجارية الشهيرة، وتراثهم القانوني المتجسد في "قانون الدالي" الذي أصبح منهجاً يُدرس في الجامعات الغربية. مجتمعهم يتسم بالتسامح، وقد نشروا السلم الاجتماعي من خلال تقاليد راسخة في النظام الإداري والسياسي، إلى حد أنهم يُعتبرون قدوة في بناء الدول.
لكن لا يمكن أن نغفل أن هذا التاريخ المجيد لم يحل دون مرارة الظلم. في الفترات التاريخية المتعاقبة، وخصوصاً مع دخول الاستعمار البريطاني، بدأت فصول جديدة من المعاناة. فقد تآمرت عليهم قوى خارجية، ليس فقط بسبب تحالفهم مع الدولة العثمانية، بل أيضاً لرفضهم القاطع للولاء للمستعمر أو التظاهر بالولاء له. هذه العزة الأصيلة، وكبرياؤهم العميق جعلهم يفضلون الابتعاد عن موائد المسؤولين، مهما كانت سلطتهم، وبدلاً من أن تُعزز مكانتهم، أصبحت سبباً إضافياً للتهميش.
عندما انضمت دارفور رسمياً عام 1916 بعد مقاومة شجاعة، بدأ فصل آخر من الظلم. للأسف، كانت هناك "تآمرات داخلية" تسببت في تضعيف النسيج الاجتماعي، نتيجة لسياسات قصيرة النظر في النظام السياسي، التي قربت بعض المكونات الاجتماعية على حساب الآخرين، وفي ظنٍّ خاطئ بأن التعدد والتنوع وحدهما يكفيان لضمان التماسك الاجتماعي. هذا التهميش التاريخي أدى إلى "سيكولوجية الإنسان المقهور"، التي تحملها الأجيال المتعاقبة على أكتافها.
واليوم، وعلى الرغم من أن الفور يمثلون أحد المكونات الاجتماعية الأصيلة في السودان دون أي امتداد خارجي، وهو ما يدل على عمق جذورهم في تراب الوطن، إلا أن غيابهم عن السلطة المركزية يُعدّ تناقضاً مؤلماً. إن الفلسفة الحقيقية لبناء أمة قوية تكمن في تقدير قيمة جميع مكوناتها، والاعتراف بتاريخها، ودمجها الكامل في نسيج السلطة والمجتمع. فتاريخ السودان لن يشهد انتعاشاً حقيقياً إلا حين يُعاد اعتبار كل من تم تهميشهم، وتُستعاد الكرامة التي سُلبت، وتُبنى الدولة على أسس من العدل والشمول، تؤكد أن الجميع أبناء هذا الوطن، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، وأن تنوعهم هو مصدر قوة، لا سبباً للانقسام أو التهميش.
|
|