Post: #1
Title: العلمين بوصلة المصالح المصرية السعودية في أزمة السودان كتبه محمد هاشم محمد الحسن
Author: محمد هاشم محمد الحسن
Date: 07-20-2025, 04:04 PM
04:04 PM July, 20 2025 سودانيز اون لاين محمد هاشم محمد الحسن-Sudan مكتبتى رابط مختصر
في ظل اضطراب المشهد السوداني المتفاقم، والذي يهدد بتمزيق نسيج الدولة، لم يكن اجتماع وزيري خارجية مصر والسعودية الأخير في العلمين مجرد لقاء دبلوماسي شكلي. إنه يمثل خطوة استراتيجية مدروسة، تهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي والدولي في التعامل مع الأزمة، وتقديم مقاربة إقليمية تخدم المصالح الحيوية للقاهرة والرياض في قلب القرن الأفريقي المضطرب.
هذا اللقاء يكشف أنه لم يكن مجرد تنسيق دبلوماسي روتيني، بل كان بمثابة رسالة استباقية متعددة الأوجه موجهة إلى العواصم الغربية، وفي القلب منها واشنطن، وكذلك إلى الفاعلين الإقليميين الآخرين. فبينما توالت جهود دولية عديدة لحل النزاع السوداني، مثل منبر جدة، ومبادرات الإيغاد، ومؤتمرات القوى المدنية، وقد تزامن هذا التنسيق الإقليمي مع تأجيل اجتماع (الرباعية الدولية) إلى يوم 29 يوليو. تدرك القاهرة والرياض الحاجة الملحة لتوحيد الرؤى الإقليمية قبل أن تتشكل أجندة دولية قد لا تتماشى بالكامل مع مصالحهما. هذا التنسيق المسبق يمنحهما ثقلًا تفاوضيًا أكبر، ويقلل من فرص فرض حلول لا تأخذ بعين الاعتبار عمق العلاقات التاريخية والمصالح الاستراتيجية لهاتين الدولتين مع السودان. في إطار التصور الذي تتبناه القاهرة والرياض، يُنظر إلى السودان كملف لا ينبغي أن يُحل بمعزل عن محيطه العربي، ما يعكس سعيًا لترسيخ دور إقليمي في ظل غياب توافق دولي واضح.
يُظهر الاجتماع أيضًا محاولة ذكية لإدارة (الخطوط الحمراء) الإقليمية المتضاربة. فبينما تميل كل من مصر والسعودية إلى دعم الجيش السوداني (القوات المسلحة السودانية) كركيزة أساسية للدولة الوطنية ووحدتها، معتبرين إياه الطرف الأكثر قدرة على حفظ الأمن والسيطرة على الحدود، فإن العلاقات المعقدة لدول إقليمية أخرى، كالإمارات، مع قوات الدعم السريع، تفرض تحديًا على التنسيق. لقاء العلمين يمكن أن يكون قد شهد محاولات لترسيم هذه الخطوط، والتوصل إلى تفاهمات حول كيفية احتواء أو توجيه الأدوار المتباينة لضمان عدم تناقضها بشكل يضر بالموقف العام.
إنها محاولة لإرسال إشارة للداخل السوداني، وتحديدًا للجيش، بأن هناك دعمًا مصريًا سعوديًا موحدًا يعزز موقفه في أي مفاوضات قادمة، وقد يدفعه لتبني مقاربة معينة تتماشى مع رؤية القاهرة والرياض قبل التعرض لضغوط أكبر في المحافل الدولية. ومع ذلك، يثير هذا التوجه تساؤلات لدى قطاعات واسعة من القوى المدنية السودانية حول احتمالية إعاقة المسار نحو حكم مدني ديمقراطي كامل، وتكريس نفوذ المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي المستقبلي، وهو ما يتضارب مع تطلعات الثورة السودانية.
تستغل الدولتان ما يمكن وصفه بفترة من التشتت أو عدم الحسم في المقاربات الإقليمية والدولية تجاه الأزمة، في ظل تعثر المبادرات الدبلوماسية السابقة وتأجيل الاجتماعات رفيعة المستوى. هذا الوضع يتيح للقوى الإقليمية ملء جزء من هذا الفراغ، وتقديم نفسها كبديل أو مكمل فعال للجهود الدولية، مُظهرة بذلك التزامها وجديتها في معالجة الأزمة. إن التركيز العلني على وقف القتال وحماية المدنيين في بيانات الاجتماع لا يخدم فقط الهدف الإنساني النبيل، بل هو أيضًا قناع دبلوماسي يسمح بتقديم الدولتين في صورة إيجابية أمام المجتمع الدولي، لتقليل احتمالية اتهامهما بالتحيز أو التدخل في الشؤون الداخلية.
هذا الاجتماع يكشف أن التوقيت الدقيق له ليس مجرد صدفة، بل هو استغلال محسوب لفترة من عدم اليقين في مسار الأزمة. فمع استمرار النزاع، تزداد الضغوط الإنسانية والاقتصادية، وتتغير مواقف الأطراف المتحاربة، مما قد يخلق فرصًا أو تهديدات جديدة. تدرك مصر والسعودية أن هذا التوقيت هو الأمثل لفرض رؤيتهما قبل أن تترسخ حقائق على الأرض يصبح من الصعب تغييرها. كما أن هناك إدراك بأن الوقت ليس في صالح أي من الأطراف على المدى الطويل، مما يستدعي تحركًا سريعًا لتجميد الوضع أو توجيهه نحو مسار محدد.
كما أن دعم الجيش لا يُعد مجرد دعم عسكري، بل هو دعم لنموذج حكم معين. يتجلى في رؤيتهما تفضيل لحكومة يسيطر عليها الجيش مع واجهة مدنية محدودة، أو لعملية سياسية تشمل طيفًا أوسع من القوى المدنية ولكن تحت (وصاية) عسكرية أو بتأثير قوي منها. هذا يختلف غالبًا عن رؤى بعض القوى الغربية التي قد تضغط باتجاه تحول مدني كامل وفوري، مما يُبرز التناقض المحتمل بين الأهداف الأمنية الإقليمية والتطلعات الديمقراطية المحلية.
علاوة على ذلك، السودان ليس ساحة معزولة عن المنافسة الجيوسياسية الأوسع، خصوصًا في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. هذا الاجتماع قد يمثل محاولة لتعزيز النفوذ السعودي المصري في مواجهة تزايد الاهتمام من قِبل قوى دولية وإقليمية مثل روسيا، تركيا، إيران، والإمارات. تسعى كل من مصر والسعودية، بدعمهما لطرف معين، إلى ضمان عدم انزلاق السودان نحو محاور إقليمية أو دولية لا تخدم مصالحهما الأمنية طويلة الأمد. هذا البعد يُظهر أن الأزمة السودانية هي جزء من لعبة الشطرنج الكبرى في المنطقة.
من منظور أوسع، لا تقتصر دوافع هذا الاجتماع على الأبعاد الأمنية والسياسية فقط، بل تتجلى أيضًا في التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والمستمرة للنزاع على دول الجوار. فالنزوح الجماعي الذي بدأ منذ فترة ويستمر في التصاعد من السودان إلى مصر، على سبيل المثال، يفرض ضغوطًا هائلة ومتزايدة على الموارد والخدمات والبنية التحتية، في حين تستضيف السعودية بدورها أعدادًا كبيرة من السودانيين. يعكس الاجتماع قلقًا متصاعدًا من أن تتحول الأزمة الإنسانية إلى عبء اقتصادي واجتماعي لا يُحتمل على دول الجوار، مما يستدعي تحركًا عاجلًا لوقف النزيف وفتح مسارات للمساعدات والعودة الطوعية. ويُستشهد بهذا البُعد لتبرير التحرك الإقليمي، وإن كانت بعض القوى المدنية تعتبر أن ذلك قد يُوظّف أحيانًا لتمرير أجندات سياسية وأمنية موازية.
الأهم من ذلك، يبرز اجتماع العلمين التباين وتقاطع المصالح بين الدول الأربع التي ستجتمع في واشنطن (مصر، السعودية، الإمارات، والولايات المتحدة)، مما يوحي بتعقيد مسار التوصل إلى حل شامل. فالرؤى المتباينة حول طبيعة الأطراف الفاعلة في السودان ودورها المستقبلي، وكذا أولويات كل دولة، قد تعيق التوافق الحقيقي، وتجعل أي حلول مقترحة عرضة للتحديات في ظل هذه الاختلافات الجوهرية.
في المحصلة، يكشف اجتماع العلمين أن القاهرة والرياض تتحركان وفق رؤية استراتيجية تسعى لتقديم مقاربة ثنائية للأزمة، تنطلق من مصالحهما الوطنية وأمنهما القومي، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتعدد الأطراف وتضارب الرؤى الإقليمية والدولية. وبينما يحمل هذا الدور طموحًا في إعادة هندسة المسار السياسي في السودان، يظل نجاحه مرهونًا بمدى قدرته على موازنة المتطلبات الأمنية مع تطلعات الشعب السوداني نحو حكم مدني ديمقراطي، واحترام خصوصية التجربة الوطنية بعيدًا عن وصاية أي طرف.
|
|