Post: #1
Title: المخابرات والخيال الشعبي- المايسترو الخفي في سيمفونية الصراع #
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-19-2025, 03:42 PM
03:42 PM July, 19 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
المخابرات والخيال الشعبي: المايسترو الخفي في سيمفونية الصراع
بقلم: زهير عثمان حمد
في زوايا الذاكرة الجمعية، يتوارى رجلٌ غامض، عاري الاسم والوجه، يهمس في آذان الشعوب أكثر مما يخاطبها. هذا الرجل ليس سوى "الخيال الشعبي"، وتلك الهمسات التي يلقيها ليست إلا إشارات صامتة تصدر عن غرفٍ لا نراها، في أجهزة لا تحمل توقيعاً لكنها تترك الأثر عميقًا في كل ما نعيشه.
لقد درجت أجهزة المخابرات في الدول التي تتقن فن البقاء، على التلاعب لا بالحقائق فحسب، بل بالمخيلة ذاتها. فليست الحرب حربًا بالسلاح فقط، بل هي معركة في اللاوعي، في تلك المساحة الرمادية التي تتداخل فيها الحقيقة بالحكاية، والوقائع بالأساطير، والعقل بالعاطفة. تُدار الصراعات المعقدة أحيانًا عبر "نظرية السيطرة على الخيال الجمعي"، حيث لا يُهم أن يكون ما يُقال صحيحًا، بل المهم أن يُصدق. هنا تلعب المخابرات دور "الراوي"، لكنها لا تحكي القصص فقط، بل تزرعها في طرقات الوعي، وتترك الشعوب تبني قناعاتها من خلال مشاهد مصطنعة، تصريحات غامضة، أو تسريبات مقصودة.
في السودان، كما في دول كثيرة، لا تنتهي الحرب حين تسكت المدافع، لأن هناك حربًا تشتعل في أذهان الناس، تحركها صورٌ تنقلها شاشات، أو إشاعات تنطلق كالعطر في الأسواق، أو روايات تُهمس بها في مواكب العزاء ووسط قعدات ساتات الشاي وقهاوي الأحياء، ومنشورات وسائل التواصل. والكل، دون أن يدري، يصبح جزءًا من خريطة رسمها شخص ما، في مكان ما، لأهداف لا يُفصح عنها.
هنا تكمن النظرية- التحكم في السرديات هو تحكم في مصير الأمم. فإذا أرادت جهة ما إسقاط قائد، لا تحتاج لرصاصة؛ يكفي أن تنسج حوله حكاية خيانة، أو تُسرب عنه حبكة فساد. وإن أرادت إشعال فتنة، فلتُعيد كتابة أسطورة القبيلة في قالب استعلائي، أو تُذيع عنفًا "مختلقًا" وتترك الناس تفكر بما هو أسوأ. من هذا الباب، تُخلق عوالم افتراضية تخدم أجندات حقيقية. عدوك ليس من يحاربك فحسب، بل من يحكي عنك قصة في الظلال، فيكتب مصيرك من خلال عيون الآخرين. في زمن الحرب السودانية الحالية، تزدحم الساحة بحكايات تنمو كالفطر في تربة الخوف والجوع والانقسام. والفاعل قد لا يكون دائمًا واضحًا، لكن من يتقن الإنصات يدرك أن أصابعًا غير مرئية تعبث بخيوط اللعبة.
*فهل نملك نحن – أبناء هذا الوطن – أدوات تفكيك الأسطورة، ونزع سحر السردية الموجهة؟ أم سنظل نرقص على أنغام ما لا نراه، نردد ما لا نفهم، ونعيش في كوابيس لم نحلم بها يومًا؟
|
|