الدولة والعنصرية.. مواجهة لا هروب كتبه د. ياسر محجوب الحسين

الدولة والعنصرية.. مواجهة لا هروب كتبه د. ياسر محجوب الحسين


07-17-2025, 09:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1752782974&rn=0


Post: #1
Title: الدولة والعنصرية.. مواجهة لا هروب كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 07-17-2025, 09:09 PM

09:09 PM July, 17 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة











يُروَّج أحيانا أن الحل الأمثل لمعضلات السودان هو التقسيم إلى دول “متجانسة” ثقافيا واجتماعيا، بزعم أن التنوع عبءٌ لا ميزة. هذا الطرح ــ على ما يبدو من منطق ظاهري ــ لا يعدو كونه هروبا إلى الأمام، وعجزا صريحا عن مواجهة جذور الأزمة وإصلاح الدولة. إنه خطاب يغازل مشاعر الغضب، لكنه لا يلامس جوهر المشكلة. فالوحدة لا تقوم على الأمنيات، بل تُبنى على أسس الدولة المركزية الراسخة، بمؤسساتها الأمنية والعسكرية، وسيادة القانون على الجميع.



الحديث عن ضرورة “الدولة المتجانسة” وهمٌ لا تسنده التجربة الإنسانية. فالهند، رغم تنوعها الديني واللغوي، صمدت؛ وروسيا، بثقلها الإثني، ظلت موحدة؛ والولايات المتحدة، بقلبها المهاجر، تسوس العالم. حتى إثيوبيا، رغم صراعاتها المتكررة، بقيت متماسكة بدرجة لافتة. التنوع لا يتحوّل إلى لعنة إلا حين تغيب الدولة العادلة، التي تُمأسس التعدد وتضمن المساواة.



دعونا نسأل بصراحة: ماذا جناه السودان، شمالا وجنوبا، من انفصال دولة الجنوب؟ هل تحسّنت الأوضاع في الدولة الوليدة؟ أم ازدادت تعقيدا؟ الحقيقة أن حلم التجانس الذي رُوِّج له لم يُنتج استقرارا، بل أفضى إلى صراعات أكثر قسوة. الجنوبيون أنفسهم يدركون أن الانفصال لم يلبِّ التطلعات، بل فاقم التحديات. فهل نُكرر الخطأ ذاته في مناطق أخرى من جسد الوطن؟



صحيح أن العنصرية تمثل خطرا داهما، فهي قنبلة موقوتة تُهدد أي مشروع وطني. لكنها لن تزول بالتقسيم؛ فالعنصرية لا تعترف بالحدود، وهي قادرة على التسلل حتى إلى المجتمعات المتجانسة، بل إلى بطون القبيلة الواحدة، وربما إلى داخل الأسرة. لذا، فإن أي حديث عن “خلاص عرقي” عبر الانفصال هو محض وهم. لا حلّ سوى في مواجهة العنصرية بكل أشكالها، من خلال المؤسسات الأمنية والتعليمية والثقافية والدينية. التغاضي عنها بحجة “الاستقرار” لا يُعدّ إلا تكريسا لوضع مختل. أما الطريق الحق، فهو المواجهة الصريحة، والإصلاح الجاد، وبناء الدولة التي تساوي بين أبنائها.



يُغذّي بعض الفاعلين السياسيين خطاب التفكيك، مستندين إلى المظلومية التاريخية، وكأن بناء الدولة يمر عبر اجتزاء الماضي بالمقصّ لا بالمؤسسات. لكن الدول لا تُبنى بالمرارات، بل تُؤسس على قواعد المواطنة، وقيم العدالة، وإرادة الإصلاح. المطلوب ليس تفكيك السودان بحثًا عن طهرٍ عرقيّ متخيَّل، بل إصلاح جهاز الدولة، وصياغة عقد اجتماعي جديد يُنصف الجميع.



المؤسف أن بعض أصبحت النخب المثقفة تروّج للتقسيم وكأنه الحل الواقعي الوحيد، متناسيةً أن تبسيط المشكلات لا يحلّها، بل يضاعفها. أين مسؤولية المثقفين في صيانة وحدة البلاد؟ من واجبهم أن يتصدّروا مشروع الوحدة العادلة، لا أن يبرّروا التقسيم باسم الواقعية أو الغبن التاريخي.



نعم، العنصرية موجودة، والتهميش واقع من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. لكن الهروب من الوطن لن يصنع أوطانًا بديلة، بل جراحا جديدة. الطريق يبدأ من الاعتراف بالأزمة، لكنه لا ينتهي عند جلد الذات أو اقتراح المقصلة، بل يمر عبر بناء دولة تحترم التعدد، وتحارب العنصرية، وتعيد الثقة بين مكوناتها، دون أن تساوم على العدالة أو تُفرّط في وحدة البلاد. فلنخرج من حفلة الإنكار، ولنبدأ ورشة البناء، لا ورشة التقسيم.

للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب:

https://shorturl.at/YcqOh