في ذكراه الـ ١٤ كيف كان انفصال جنوب السودان كارثيا؟ كتبه تاج السر عثمان

في ذكراه الـ ١٤ كيف كان انفصال جنوب السودان كارثيا؟ كتبه تاج السر عثمان


07-11-2025, 07:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1752260043&rn=0


Post: #1
Title: في ذكراه الـ ١٤ كيف كان انفصال جنوب السودان كارثيا؟ كتبه تاج السر عثمان
Author: تاج السر عثمان بابو
Date: 07-11-2025, 07:54 PM

07:54 PM July, 11 2025

سودانيز اون لاين
تاج السر عثمان بابو-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





١
تمر الذكرى ال ١٤ لانفصال جنوب السودان الذي جرى رسميا في التاسع من يوليو 2011 لتصبح الدولة رقم 193 في قائمة الدول المستقلة العضوية في الأمم المتحدة.
كان الانفصال أكبر نكسة تمر بها الحركة الوطنية السودانية التي صارعت من أجل وحدة السودان من خلال تنوعه، منذ مؤتمر جوبا ١٩٤٧ الذي أكد على وحدة السودان، رغم الدفع من المستعمر البريطاني للانفصال الذي خلق القنبلة الموقوتة.
ساعد في التعجيل بالانفصال انقلاب الإسلامويين في ٣٠ يونيو ١٩٨٩، بعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية بعد حوار طويل وشاق مع الحركة الشعبية إلى اتفاق لحل مشكلة الجنوب في اتفاق (الميرغني - قرنق)، لكن الانقلاب حول الحرب الي دينية جهادية أدت لمقتل أكثر من مليون ونزوح ٤ مليون مواطن، وجاء الانفصال بعد الفشل في تنفيذ اتفاقية نيفاشا لجعل الوحدة جاذبة، وعدم تحقيق التنمية المتوازنة وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، إضافة لتاجيج النزعة الانفصالية من الإسلامويين، وتحويل الحرب الي دينية. إضافة للاستمرار في نقض العهود والمواثيق بعد الاستقلال كما في :عدم الالتزام بتحقيق الفيدرالية بعد الاستقلال، مما أدي إلي تمرد عام ١٩٥٥،ونقض اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢ من نظام مايو ،مما أدى لانفجار الحرب في العام ١٩٨٣، وعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا التي منحت الجنوب حق تقرير المصير خلال ست سنوات والعمل على تحقيق خيار الوحدة الجاذبة، لكن ذلك لم يتم من الإسلامويين، بهدف تحقيق الحكم الإسلامي في البلاد مما قاد لخيار الانفصال،فضلا عن تدخل العامل الخارجي كما في الضغط الأمريكي على الرئيس البشير للانفصال مقابل الإعفاء من المحكمة الجنائية الدولية، وتم الانفصال ولم يتم إعفاء البشير، ولم يتم تحقيق الحكم الإسلاموي، واستمرت الحرب في الشمال والجنوب، كما هو جارى الان. و كان الانفصال كارثيا لكلا الدولتين.وفقد للسودان جزءا عزيزا من الوطن، وأن الانفصال كان ضار بالدولتين، وفقد الشمال نحو 75 بالمئة من إيرادات الموازنة العامة بعد تقاسم موارد البترول الذي يوجد 75 بالمئة منه في دولة جنوب السودان بعد الانفصال مما أدى للتدهور الاقتصادي الذي أسهم مع قمع الحريات وعوامل أخرى في الإطاحة بالبشير في ثورة ديسمبر 2018. إضافة لخطر امتداد دعوى الانفصال لمناطق أخرى في السودان، مع تأجيج نيران الحرب، وخطر تكوين الحكومة الموازية التي تهدد بتقسيم البلاد.
كما كان أثر الانفصال ضارا بدولة جنوب السودان التي مزقتها الحرب الأهلية، والصراعات العرقية والعنصرية والفساد، وانعدام الأمن، واشتداد حدة الفوارق الطبقية، طبقات تعيش في فقر مدقع مع طبقات تعيش في ثراء فاحش، اضافة لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية، واعتماد البلاد على صادر النفط التي أثرت الحرب في الشمال على تصديره، وغير ذلك من المشاكل التي تعاني منها دولة جنوب السودان. أدي الانفصال لقيام دولتين فاشلتين في الشمال والجنوب.
إضافة لضغط الإسلامويين للانفصال حدثت متغيرات بدفع خارجي في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان للانفصال.
بهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال بعنوان "المتغيرات في مواقف الحركة الشعبية: كيف ولماذا؟"، الذي نشر في سودانيل يوم 03 - 11 - 2010.
٢
اصبح خطاب الانفصال عاليا وسط القيادات النافذة في الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولاسيما بعد رحيل د. جون قرنق، فنسمع نداء سلفاكير للجنوبيين بالتصويت للانفصال، وتصريح بعض قادة الحركة الشعبية أنهم في حالة الانفصال لامانع لجوبا أن تقيم علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل، ، كما نسمع عن نشيد جديد لدولة كوش القادمة في الجنوب، علما بأن ممالك كوش القديمة في السودان( كرمة ونبته ومروي) لم تكن منكفئة على نفسها ولكنها كانت في حالة انفتاح وتمدد من الجنوب إلى الشمال!!!، هذا اضافة لتخلي الحركة الشعبية عن حلفائها في جبال النوبا والنيل الأزرق والشرق وقطاع الشمال من الذين قاتلوا معها دفاعا عن وحدة السودان ، وقيام سودان جديد يؤسس على العدالة والمساواة بغض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة. او العرق. وتخليها أيضا عن حلفائها في الشمال من الذين وقعت معهم ميثاق اسمرا 1995م الذي ركز علي وحدة السودان على أسس جديدة وقيام دولة المواطنة التي تقوم علي الديمقراطية التعددية وفصل الدين عن السياسة، والحكم اللامركزي والتنمية المتوازنة، بحيث تأتي ممارسة تقرير المصير مبنية على حرية الإرادة وتغلب خيار الوحدة الطوعية.
كل ذلك ارتبط بمواقف عملية سالبة مارستها الحركة الشعبية بعد توقيعها علي اتفاقية نيفاشا وقيام شراكتها مع المؤتمر الوطني، والتي لم تركز علي تنفيذ جوهر الاتفاقية التي تتلخص في: التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريقة للممارسة السليمة لتقرير المصير بحيث تكون كفة الوحدة هي الراجحة كما يتص الدستور والاتفاقية.
هذه المتغيرات في مواقف الحركة الشعبية امتداد لتحولات بدأت تطرأ علي التركيب الطبقي والقيادي للحركة الشعبية ومواقفها الفكرية والسياسية والضغوط الخارجية عليها، بعد أن فقدت ثقتها في الحركة السياسية في الشمال وفي قدرة شعب السودان علي تغيير الأوضاع الراهنة في البلاد التي عاث فيها المؤتمر الوطني فسادا ونهبا لمواردها وثرواتها، وقهرا لشعبها ، وركزت علي الخارج في بحث عن الحلول لعقبات الاتفاقية وعرقلة المؤتمر الوطني لتنفيذها، اضافة لانكفائها جنوبا، وقنعت من تحقيق شعار السودان الجديدة بالانفصال.
• والحركة الشعبية عندما تأسست عام 1983م، كان موقفها واضحا من وحدة السودان وعلي أساس دولة المواطنة غض النظر عن اللون أو الدين أو العرق أو الثقافة. كما أشار بيان الحركة( المانفستو) الصادر في العام نفسه : الي ضرورة النضال من أجل سودان موحد اشتراكي، يبدأ النضال له من الجنوب، وذلك عندما كانت الحركة تستند علي دعم نظام مانقستو في اثيوبيا الذي كان يرفع شعارت الماركسية والاشتراكية.
وبعد انهيار نظام مانقستو والمعسكر الاشتراكي في بداية تسعينيات القرن الماضي، تخلت الحركة الشعبية عن شعار سودان اشتراكي موحد في مؤتمرها عام 1994م، واستبدلته بشعار السودان الجديد، كما طرح المؤتمر شعار حق تقرير المصير لجنوب السودان والمناطق المهمشة. وقبل ذلك كان هناك الصراع الذي دار داخل الحركة الشعبية عام 1993م عقب محاولة انقلاب الناصر، وبروز انجاه وسط قادتها للانكفاء جنوبا والاكتفاء بشعار الانفصال، مما ادي للانشقاق داخل الحركة الشعبية، وانقسمت منها مجموعة لام اكول ومشار والتي وقعت اتفاقية السلام عام 1997م والتي كانت حبرا علي ورق بعد نقض نظام الانقاذ لها، ولم يتم تنفيذ شعار تقرير المصير الوارد في الاتفاقية، مما ادي لعودة بعض القيادات( لام اكول ومشار...الخ) مرة أخري للحركة الشعبية.
كما أشار مؤتمر الحركة في مايو 2008م الي أن رؤية السودان الجديد تقوم علي : الديمقراطية ، والمساواة والتوزيع العادل للسلطة والثروة وفرص التنمية المتوازنة، وحكم القانون، واحترام حقوق الانسان، وذلك هو الخيار الأفضل لصيانة وحدة السودان وسيادة أراضيه والا التمزق.
والآن تتخلي قيادة الحركة الشعبية النافذة، كما يتضح من تصريحاتها، عن رؤيتها للسودان الجديد كما أشرنا سابقا، وتكتفي بالانفصال بدلا من مواصلة النضال مع القوي السياسية في الشمال وبقية المناطق المهمشة من اجل تفكيك النظام الشمولي واستعادة الديمقراطية التي تفتح الطريق لاقامة دولة المواطنة والتنمية المتوازنة والتوزيع العادل للثروة والسلطة، والحكم الذاتي لأقاليم السودان.
وهذا التغير في موقف الحركة الشعبية، اضافة للعامل الاثني والمظالم التاريخية، يرتبط بتحولات في التركيب الطبقي للنظام في الجنوب، فمنذ تجربة الانيانيا خلال اتفاقية اديس ابابا 1972م التي ادت الي تكوين طبقة رأسمالية طفيلية في الجنوب والتي كان مراكمتها للمال من جهاز الدولة ( الرشوة والفساد، واقتسام العمولات والأرباح، والتعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في الجنوب ، والاستحواذ علي الرخص والمشاريع والعقارات.) ، وتم خلق طبقة رأسمالية طفيلية في الجنوب.
وبعد اتفاقية نيفاشا ، كما أشار التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي، ص 39، (برز التفاوت الطبقي: أفراد وجماعات تتراكم في ايديها الملايين والمليارت من الجنيهات وتتنافس في تشييد الفنادق والشركات ووكالات السياحة وامتلاك الأراضي والعقارات، وفي تهريب العملات الدولار عبر الحدود، وهي تستهدف جهاز الدولة الاقليمي كأحد أهم أدواتها لمراكمة رأس المال).
وهذا التراكم الرأسمالي يرتبط بنظام شمولي في الجنوب، كما في الشمال، يقوم علي مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية.
وهذا يشكل الأساس المادي للمتغيرات في مواقف الحركة الشعبية، فطرح شعار الانفصال، يعبر عن نظرة ضيّقة، ويرتبط ايضا بتحقيق تطلعات صفوة جنوبية لتحقيق مصالح طبقية ، ولقيام دولة رأسمالية تابعة في الجنوب، تقوم علي ثراء قلة، وافقار الملايين من شعب الجنوب الذي تطحنه المجاعات والأمراض، وفتح الجنوب للشركات المتعددة الجنسية لنهب ثرواته وتصدير الفائض الاقتصادي للخارج، وأن يكون الجنوب قاعدة لأمريكا واسرائيل لتأمين مصالحهما في المنطقة، ولضرب حركات التحرر الوطني فيها، ومجابهة كل التحولات التي تستهدف الديمقراطية والاستقلال الاقتصادي وتحقيق السيادة الوطنية.