في الأيام الأخيرة ، أصبحت مدينة بورتسودان مسرحًا لحركة سياسية غير معلنة . هذه الحركة نراها في الاجتماعات المغلقة داخل مكاتب العسكر وقاعات الفنادق . هناك تُصنع سلطة مدنية مزيفة يقودها تحالف بين بقايا النظام السابق والعسكر وبعض الشخصيات التي تظهر وكأنها مدنية . ما يحدث وراء الكواليس هو تسابق سريع للسيطرة على مؤسسات الدولة منها أسماء كثيرة تظهر وتختفي ، وكأن هناك سباقًا مع الزمن لكن المسألة ليست فقط من يحكم ، بل من يتحكم في المال والثروات ويوقّع العقود .
هنا نصل للجانب الأخطر في ما يحدث الآن وهو كيف أصبحت وزارات مهمة مثل المالية والمعادن تُستخدم كأدوات لتوزيع النفوذ والنهب . حصلت بعض حركات الكفاح المسلح على هذه الوزارات ، وبدل أن يكون ذلك خطوة نحو العدالة ، تحوّلت هذه الوزارات إلى أدوات جديدة للفساد فوزارة المالية لم تعد تهتم فقط بإدارة الميزانية ، بل أصبحت وسيلة لشراء الولاءات وتوزيع الحصص بين الأطراف المتحالفة . أما وزارة المعادن فقد تحوّلت إلى بوابة للنهب الرسمي للذهب ، حيث يتم توقيع عقود مع شركات مشبوهة لا يعلم أحد من يملكها .
في الواقع الوزارات أصبحت تُستخدم لسرقة موارد السودان من الداخل تحت غطاء مدني غير حقيقي . اللاعبون الحقيقيون اليوم في بورتسودان هم بقايا النظام السابق الذين عادوا للمشهد بتحالفات خفية مخادعة ، والعسكر الذين ما زالوا يسيطرون على الأرض ، وبعض الحركات المسلحة التي انتقلت من المطالبة بالتغيير إلى المشاركة في تقاسم الغنائم . الحكومة المزمع تشكيلها هذه الأيام ليست حكومة وطنية ، بل واجهة مزيفة تخفي مصالح عميقة تستغل معاناة الناس وانشغالهم بالبحث عن لقمة العيش .
ما يدفع المواطن للغضب هو أن الذهب الذي يُستخرج من مناطق مثل النيل الأزرق والشرق والشمالية لا يُستخدم لتحسين الصحة أو التعليم بل يُباع في صفقات غامضة لمصلحة فئة صغيرة . وبدل أن تُبنى ميزانية الدولة على خطط تنموية يتم توزيعها وفق صفقات سياسية بين العسكر والفلول والحركات المسلحة . والحديث عن الاستقرار لا يهدف لخدمة المواطن، بل لحماية مصالح خاصة وعقود مالية كبيرة .
المدنية التي يُروّج لها الآن في بورتسودان بتولي كامل إدريس رئاسة الوزراء تعني الفساد المقنن المحمى بحصانة السلطة . ولهذا من المهم أن يعرف المواطن أن من يسيطر على الذهب ، يسيطر على القرار ، ومن يملك المال ، يملك النفوذ ، ومن يُبعد الشعب عن المشاركة لا يبني دولة ، وإنما يُعيد إنتاج نفس النظام القديم بوجوه جديدة . ما يجري الآن في بورتسودان دولة عسكرية تحت مسميات مدنية زائفة واستمرار لحكم المصالح بطرق جديدة تغلفها شعارات فارغة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة