Post: #1
Title: حزب الأمة… البقاء مع الشعب لا مع الورثة ولا مًع الجيش المودلج كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 07-09-2025, 08:41 PM
08:41 PM July, 09 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
لا شك أن حزب الأمة القومي يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، ليس فقط على مستوى التنظيم الداخلي، بل في علاقته بالمجتمع السوداني الذي تغيّر كليًا بعد الثورة وبعد الحرب. قراءة الأستاذ عثمان فضل الله (صحيفةً آفق جديد ) كانت كاشفة لمشهد التمزق، لكنها، كما هو حال الكثير من التحليلات، ما زالت تُراوح داخل أطر الصراع بين التيارات، دون أن تُقدّم مفتاح البقاء الحقيقي لهذا الحزب العريق.
في تقديري، لا خيار لحزب الأمة في البقاء إذا اختار أن يتحالف مع الجيش المودلج. هذه المؤسسة التي انقلبت على الثورة، وارتكبت أبشع الجرائم في طول البلاد وعرضها، لا يمكن أن تكون الحليف الطبيعي لحزب ظلّ يدّعي تمثيل الشعب والمبادئ الديمقراطية. كل من يتحالف معها، سيغرق معها في مستنقع الدم، وسيفقد أي شرعية أخلاقية أو سياسية.
وفي المقابل، لا خيار للحزب أيضًا إن ظلّ مرتهنًا لعائلة الإمام المهدي. فمشروع الوراثة السياسية أثبت فشله، ليس فقط لأنه يعيد إنتاج الامتيازات، بل لأنه يعجز عن فهم الواقع الجديد الذي تجاوز الرموز التقليدية، وبدأ يبحث عن تمثيل حقيقي يعكس تطلعات الأجيال الجديدة والمهمشين والمناضلين.
وهنا لا بد من التذكير بحقيقة لا يتحدث عنها كثيرون: أن غالبية أعضاء حزب الأمة القومي هم من أبناء دارفور وكردفان والنيل الأزرق، ومعهم قواعد صلبة في النيل الأبيض والجزيرة والقضارف — وهي كلها مناطق تعرّضت لأبشع أشكال التهميش والحرب والتضحية، و قد شارك أبناءها قسرا ،كجنود مامورين ، في الحروب التي خاضتها جيوش الأنظمة الشمولية منذ عهد الحكم التركي، مرورًا بالاستعمار الإنجليزي، وصولا الي جيوش حكومات دولة ٥٦
فأي حديث عن مستقبل الحزب لا يشمل هؤلاء، ولا يضعهم في صدارة القرار، هو خداع سياسي محض.
الخيار الوحيد المتاح اليوم هو الانحياز التام للشعب السوداني، بمختلف مكوناته، في الريف والمدينة، في الهامش والمركز، في المقاومة المسلحة والمجتمع المدني. ذلك هو الجناح الذي يقوده اللواء فضل الله برمة ناصر اليوم، عبر انخراطه في مشروع تأسيس السودان.
قد يختلف البعض مع توجهات اللواء فضل الله برمة ناصر، لكن لا يمكن إنكار أنه قرأ التحولات ببراغماتية، وانحاز إلى مسار مدني–عسكري جديد يحاول تجاوز الاستقطاب العقيم بين جيش مؤدلج وميليشيات متحاربة. هذا الجناح لا يخلو من تناقضات، لكنه يُمثّل فرصة أخيرة أمام حزب الامة ليتفادى مصير الأحزاب التي تحوّلت إلى رمادٍ تاريخي.
اللواء فضل الله برمة ناصر هو الرئيس المكلف الشرعي الوحيد لحزب الأمة القومي، خلفًا للإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله. ولا يملك أحد تغيير قيادة الحزب إلا من خلال دعوة قانونية للجمعية العمومية، وهو أمر غير ممكن في ظل الحرب والنزوح واللجوء الجماعي لأغلب قواعد الحزب نحو دول الجوار. ومن غير العقل أو المسؤولية أن يُطالب بتغيير القيادة فقط لإرضاء أصحاب مطامع شخصية أو وراثية في حزبٍ يشكّل أبناء الهامش غالبية عضويته، وهم أنفسهم من يمثلون الغالبية الحقيقية من الشعب السوداني.
ومن المفيد هنا، الإشارة إلى ما ورد في مقال الأستاذ عثمان فضل الله بشأن المقرر العام للحزب الواثق البرير والجناح الذي يرفع شعار "الصمود"؛ وهو توصيف يُحيل إلى تيار لا يملك رؤية مستقبلية واضحة، ويُعاند حركة التغيير الجارية في الشارع السوداني. الصمود وحده لا يكفي، إن لم يكن مقرونًا بانحياز جريء للحقيقة، وبالتحلل من كل أشكال التواطؤ مع قوى الهيمنة العسكرية والسياسية، سواء كانت بلباس الجيش أو الطائفة أو المصالح الضيقة.
ولعل من المفيد أن اذكّر بأن عهد الإشارة قد ولّى، وأن ثورة وعي حقيقية قد انتظمت أوساط الشباب، حتى داخل الأحزاب الطائفية. ولم يعد ممكنًا أن تستمر هيمنة البيوتات والأسر على مفاصل القرار الحزبي. كان بالإمكان أن يكون تحالف تأسيس طوق نجاة لآل المهدي، لكن يبدو أن بوصلة الأسرة السياسية قد تعطّلت مع غياب الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله، الذي كان - بالرغم من عواهنه - يمثّل صوت الحكمة ورمانة ميزان الحزب في لحظات الأزمات الكبرى.
ولا يفوتني هنا أن احيّي الأصوات الاتحادية الشابة التي بدأت تخرج من عباءة الوراثة، وعلى رأسها السيد إبراهيم الميرغني، الذي لا يمثل فقط وجها شابا ، بل حالةً انتقاليةً داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، تسعي الي التحرر من الجمود الطايفي عبر قراءه حصيفةً للواقع السياسي الجديد.يشاركه بعض الخلصاء من كوادر الحزب الاتحادي الديمقراطي يدركون ان بقاء حزبهمً مرهون بالقدرةً علي الإصلاح من الداخل، لا بالاحتماء برمزية الماضي.
إن بقاء حزب الأمة لا يتوقف على نقاء قياداته أو وضوح هياكله، بل على قراره الجذري: هل ينحاز للشعب الحقيقي في أطراف البلاد، أم يبقى حبيس المؤسسة العسكرية والبيوت التاريخية؟
التاريخ لا يرحم، والشعب أوعى مما يتصور البعض
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
عضو تحالف تاسيس
٩ يوليو ٢٠٢٥ قرية نوكيا فنلندا
|
|