Post: #1
Title: هل تقود التصريحات الإسرائيلية والصراع الإقليمي إلى انقلاب في السودان؟
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-06-2025, 07:44 PM
07:44 PM July, 06 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يعيش السودان واحدة من أخطر أزماته منذ الاستقلال، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). هذه الحرب كشفت هشاشة الدولة السودانية، وانهيار مؤسساتها، وفتحت الباب واسعًا أمام التدخلات الإقليمية والدولية. في هذا السياق المأزوم، جاءت تصريحات إسرائيلية رسمية، بينها تصريح لوزير الخارجية، تتهم البرهان بالولاء لإيران، وتصفه بـ«رجل إيران في إفريقيا». هذه الاتهامات ليست مجرد شتائم دبلوماسية؛ بل تعكس استقطابًا إقليميًا متزايدًا، حيث تحاول تل أبيب، عبر الحرب الإعلامية، التأثير في ميزان القوى بالخرطوم لصالح حلفائها. التصريحات الإسرائيلية، حتى لو كانت جزءًا من صراع السرديات مع طهران، تشكل عامل ضغط داخلي وخارجي يمكن أن يُستخدم كمبرر لإعادة ترتيب السلطة في السودان، بما في ذلك خيار الانقلاب العسكري.
بنية الأزمة السودانية: عوامل الفوضى وغياب الدولة انهيار الدولة السودانية ليس حادثًا طارئًا، بل نتيجة تراكمات طويلة. فالانقسام الحاد في المؤسسة العسكرية، وخسائر الجيش وتراجعه الميداني أمام قوات الدعم السريع، أضعفا الثقة بقيادة البرهان. تدور تقارير عن خلافات واتهامات بالخيانة داخل القيادة، ما يفاقم هشاشة المؤسسة. من جهة أخرى، تحول الصراع السوداني إلى ساحة مواجهة بالوكالة، تتداخل فيها مصالح مصر والسعودية والإمارات وروسيا وتركيا، في ظل غياب مشروع وطني موحد. القوى السياسية التقليدية عاجزة عن تقديم حلول، بينما الحركات المسلحة ترفض أي سلطة مركزية تفرض نفسها بالقوة. في المقابل، المجتمع الدولي يبدو في موقع المتفرج القلق.
في مثل هذا المناخ، يصبح الحديث عن انقلاب عسكري مسألة جدية، لكنه في الوقت نفسه خيار بالغ الخطورة، ومليء بالتعقيدات.
العوامل التي قد تدفع إلى انقلاب هناك عوامل موضوعية قد تزيد من احتمالية حدوث تغيير قسري في السلطة. أولها الضعف البنيوي للجيش، الذي يعاني انقسامات حادة وخسائر ميدانية، ما قد يغري جناحًا ساخطًا بالتفكير في إزاحة البرهان بدعوى إنقاذ ما تبقى من المؤسسة.
التصريحات الإسرائيلية نفسها يمكن أن تصبح أداة في يد خصوم البرهان، لتصويره كحليف لإيران، ومن ثم الضغط على حلفائه التقليديين، مثل مصر والسعودية، كي يتخلوا عنه أو حتى يدعموا انقلابًا يزيحه من السلطة.
يضاف إلى ذلك الاستقطاب الإقليمي، إذ قد تجد قوى عربية نفسها مضطرة إلى تمويل أو تسهيل تحرك عسكري داخلي إذا اقتنعت بأن البرهان انزلق فعلا في محور إيراني، وهو ما تنفيه الخرطوم رسميًا.
العوامل التي تحد من احتمالية الانقلاب لكن على الرغم من هذه العوامل، فإن احتمال الانقلاب يظل معقدًا. أول هذه المعوقات غياب البديل الموحد أو المقبول. لا يوجد قائد عسكري يحظى بإجماع داخلي أو بشرعية إقليمية كافية ليخلف البرهان، ما يعني أن أي محاولة انقلابية قد تفتح الباب لفراغ سياسي أكبر.
كذلك تعاني المؤسسة العسكرية من انقسامات داخلية عميقة، بين مجموعات موالية للبرهان وأخرى متعاطفة مع حميدتي أو مع أطراف خارجية، ما يجعل أي «انقلاب كلاسيكي» محفوفًا بخطر نشوب حرب أهلية داخل الجيش نفسه.
أما القوى الدولية، فرغم تحفظاتها على سلوك البرهان، ما تزال تعتبره شريكًا ضروريًا في أي مفاوضات أو ترتيبات انتقالية. انقلاب يطيح به قد يُنظر إليه كتصعيد كارثي ينسف جهود الوساطة الهشة أصلا.
المخاطر الأوسع للتصريحات الإسرائيلية التصريحات الإسرائيلية، أيا كان هدفها المباشر، تحمل تبعات خطيرة على الوضع في السودان. فهي تؤجج الحرب الأهلية بجعلها ساحة مواجهة غير مباشرة بين إيران وإسرائيل، على غرار ما حدث في اليمن وسوريا.
كما قد تتسبب في عزل البرهان عربيًا إذا اقتنع حلفاؤه التقليديون بأن له علاقات فعلية مع طهران. وهذا من شأنه أن يضعف موقفه في الحرب، ويشجع خصومه الإقليميين على دعم انقلاب ضده أو على تمويل خصومه الداخليين.
في الأعمق، تعكس هذه التصريحات حجم التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، وتسهم في تبرير مزيد من التدويل للصراع، بما يهدد ما تبقى من سيادة الدولة السودانية.
السيناريوهات المحتملة يُرجح أن تستمر الحرب الأهلية لفترة طويلة، مع بقاء البرهان في موقع السلطة اسميا، بينما ينقسم السودان فعليا بين مناطق نفوذ عسكرية متصارعة. ويظل احتمال وقوع انقلاب محدود داخل الجيش قائمًا، لكنه مرهون بتفاهمات إقليمية صعبة.
في أسوأ الأحوال، قد يتفكك الجيش تمامًا، وتتحول البلاد إلى كانتونات مسلحة متناحرة، على غرار النموذج الليبي. كما يبقى سيناريو انتصار الدعم السريع مطروحًا، إذا حصل على دعم إماراتي وروسي مكثف، ما قد يمكنه من السيطرة على العاصمة.
هل الانقلاب هو التهديد الأكبر؟ رغم التركيز الإعلامي على احتمال الانقلاب، فإن التهديد الأخطر هو خطر تحلل السودان إلى دولة فاشلة بلا مؤسسات أو احتكار مشروع للعنف. في مثل هذا السياق، تصبح الانقلابات مجرد تبديلات تكتيكية في تحالفات الميليشيات، لا حلولًا حقيقية.
التصريحات الإسرائيلية قد لا تعني انقلابًا وشيكًا، لكنها مؤشر على حجم الاستقطاب الذي يهدد بتمزيق السودان أكثر. إنها تكشف مدى ارتهان الأزمة السودانية لأجندات خارجية، وتزيد هشاشة موقع البرهان.
في النهاية، المخرج الوحيد هو وقف إطلاق النار فورًا، والاتفاق على تسوية سياسية شاملة، تنأى بالسودان عن لعبة المحاور الإقليمية وتمنح شعبه فرصة أخيرة لإنقاذ دولته.
السودان لا يحتاج إلى انقلاب آخر. إنه يحتاج إلى إنقاذ عاجل من حرب أهلية تلتهمه بلا رحمة.
|
|