Post: #1
Title: لعبة النفوذ الإيراني والهاوية الوجودية كتبه محمد هاشم محمد الحسن
Author: محمد هاشم محمد الحسن
Date: 07-05-2025, 05:25 AM
05:25 AM July, 05 2025 سودانيز اون لاين محمد هاشم محمد الحسن-Sudan مكتبتى رابط مختصر
في قلب الهاوية السودانية، حيث تراق الدماء وتتلاشى معالم الدولة، يبرز عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، كلاعب رئيسي في رقعة شطرنج جيوسياسية تُرسم ملامحها بدماء وأسلحة، وتطرح تساؤلات حارقة حول مستقبل بلدٍ يبدو وكأنه فقد بوصلته.
صحيفة (جروزاليم بوست) الإسرائيلية وصفته بأنه (يد إيران في السودان) وحليف لحماس والإخوان. وهو توصيف لا يُقرأ كاتهام بل كتشخيص سياسي يُحذّر من إعادة تعريف الصراع السوداني، وتحوّله من مجرد حرب أهلية إلى ساحة مواجهة جيوسياسية أوسع نطاقًا.
لم يعد الأمر مقتصرًا على مواجهة الجيش والدعم السريع، بل تحوّل إلى لوحة معقدة تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية بطريقة مرعبة. فالسودان، بتاريخه المتقلب مع إيران والحركة الإسلامية، يجد نفسه اليوم وقد انزلق مجددًا نحو محور كان قد تخلّص منه بعد سقوط نظام البشير.
وصول طائرات مسيّرة وأسلحة فتاكة ومستشارين تكتيكيين من طهران، لا يُقرأ كدعم تقني فقط، بل كمشروع نفوذ عسكري يُعيد تموضع إيران عند البحر الأحمر. هذا التحول اليائس يمنح طهران فرصة ذهبية لترسيخ وجودها في ممرات التجارة الدولية، ويحوّل السودان إلى منصة انطلاق لأهداف إقليمية لا تخدمه.
توصيف البرهان كحليف لحماس والإخوان لا يعكس مجرد اتهامات دبلوماسية، بل قراءة لواقع يعود فيه الإسلاميون إلى مفاصل القرار العسكري، مستغلين الفوضى السياسية. الحركة الإسلامية، التي همّشها حراك ديسمبر، وجدت في تحالفها مع البرهان طريقًا للعودة، ما يخلق تقاطعًا مقلقًا مع أجندات حماس التي استخدمت السودان سابقًا كمعبر حيوي.
هذا التلاقي بين البرهان، الإسلاميين، وطهران، يُشكّل قاعدة محتملة لشبكات إرهابية عابرة للحدود، ويُثير قلقًا لدى إسرائيل التي ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. لذا، فإن اتهاماتها تهدف إلى عزل البرهان دبلوماسيًا وتصويره كطرف غير موثوق فيه على المستوى الدولي.
لكن تداعيات هذه الاتهامات لم تتوقف عند حدود إسرائيل أو واشنطن، بل امتدت لتُحرج حلفاء البرهان الإقليميين، وعلى رأسهم السعودية ومصر، اللتين لطالما راهنتا على الجيش السوداني كضامن للاستقرار. تقرير جيروزاليم بوست، الذي وصف البرهان بأنه حارس الإرهاب في السودان وأداة طيعة بيد طهران، لم يكن مجرد تحليل صحفي، بل بمثابة إعلان دولي عن بداية السقوط السياسي للجيش السوداني كفاعل موثوق لدى بعض دول الإقليم.
هذا التصعيد الإعلامي والاستخباراتي، ترافق مع دخول العقوبات الأمريكية حيّز التنفيذ، بعد اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية في دارفور ومناطق أخرى. العقوبات، التي تشمل حظر الصادرات، وتجميد خطوط الائتمان، ووقف الدعم المالي، تُضيّق الخناق على البرهان سياسيًا واقتصاديًا، وتُضعف فرصه في أي مفاوضات مستقبلية، سواء مع القوى المدنية أو مع المجتمع الدولي.
في هذا السياق، لم يعد البرهان يُحرج خصومه فقط، بل يُربك حلفاءه، ويُهدد بتفكيك شبكة الدعم الإقليمي التي كانت تُراهن على الجيش كمؤسسة، فإذا بها تُواجه اتهامات بالإرهاب، والتورط في جرائم حرب، والارتهان لمحور طهران حماس. وهكذا، يتحول البرهان من ورقة ضغط إلى عبء دبلوماسي، ومن قائد جيش إلى نقطة ضعف في معادلة الأمن الإقليمي.
في ظل هذا التراكم من الاتهامات، والتحالفات المربكة، والانزلاق نحو المحاور، فإن البرهان يقف عند مفترق طرق حاسم. إذا لم يُراجع تحالفاته الداخلية والخارجية، ويفك ارتباطه بالإسلاميين، ويفتح نوافذ التفاوض بدلًا من الحسم العسكري، فإن السودان لن يواجه عزلة فقط، بل قد يشهد تدخلًا إسرائيليًا مباشرًا ضد قيادته العسكرية.
تقرير جيروزاليم بوست لم يكن مجرد توصيف، بل بداية انهيار الثقة الدولية في الجيش السوداني، وتحوله من مؤسسة إلى خطر إقليمي. ومع دخول العقوبات الأمريكية حيّز التنفيذ، فإن هامش المناورة يضيق، والسيناريو السوري قد يُعاد إنتاجه في السودان، حيث يُصاغ القائد من الخارج، ويُعاد ترتيبه وفق مصالح لا علاقة لها بالوطن. إنها لحظة الحقيقة، إما أن يُعيد البرهان تعريف موقعه، أو يُعاد تعريفه من قبل الآخرين.
|
|