تعيينات.. الوزراء البرهان في الكواليس كتبه د. ياسر محجوب الحسين

تعيينات.. الوزراء البرهان في الكواليس كتبه د. ياسر محجوب الحسين


07-04-2025, 07:54 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1751655257&rn=0


Post: #1
Title: تعيينات.. الوزراء البرهان في الكواليس كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 07-04-2025, 07:54 PM

07:54 PM July, 04 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة











محكّ التعيينات الوزارية ظل دائمًا كاشفًا لما تواريه الشعارات الفضفاضة والخطابات المنمقة. ففي لحظة الحقيقة، تسقط أوراق التوت عن “الاستقلالية”، ويفضح ميزان الترضيات ما إذا كانت السلطة تسعى إلى بناء دولة، أم أنها توزع الغنائم بحسابات البقاء. وفي السودان، حيث السياسة حقل ألغام من التناقضات، تصبح كل تشكيلة وزارية مرآة تعكس الصفقات في الكواليس، وتُظهر من يتحكّم في خيوط اللعبة، حتى لو حاول أن يختبئ وراء ستار “الوفاق الوطني” أو “المرحلة الحرجة”. لكل من يهاجم تعيينات كمال إدريس، باعتبارها تصب في مصلحة شخصيات يُعتقد أنها محسوبة على قوى “الحرية والتغيير” (قحت)، ربما فاتهم أن تلك التعيينات لا تنبع من قناعة أيديولوجية، بقدر ما تعكس توازنًا سياسياً دقيقًا يجري ترتيبه خلف الكواليس. فثمة تفاهم – قد لا يكون مكتوبًا، لكنه قائم – بين رئيس الوزراء كمال إدريس وعبد الفتاح البرهان، يقوم على صيغة براغماتية مفادها: لا مكان للإسلاميين في الواجهة التنفيذية، ولا عودة كاملة لقحت دون شروط، بل تُصاغ الحكومة من مكونات متباينة تضم شخصيات تكنوقراط، وبعض رموز “قحت” المعدّلين، إلى جانب عناصر من الحركات المسلحة، وتمثيلات جهوية وإثنية وإدارية وصوفية، تضمن ملامسة الخريطة المعقدة للمجتمع السوداني.



في هذا السياق، فإن وجود بعض الشخصيات ذات الصلة السابقة بـ”قحت”، لا يعني بالضرورة عودة تحالفها السياسي، بل هو جزء من توازن يهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي، دون إثارة غضب الداخل، خصوصاً المؤسسة العسكرية والتيارات الإسلامية. خذ مثلاً وزير الصحة الجديد، د. معز عمر بخيت، الذي لم يُعرف بولائه القاطع ل(قحت)، لكنه كان قريبا منها في مراحل سابقة، قبل أن يُظهر تماهيا تدريجيًا مع الجيش، ما جعله خيارًا مقبولًا في هذه المرحلة الانتقالية الهشة.



البرهان، من جهته، لا يزال يحاول إدارة لعبة مزدوجة: مغازلة القوى المدنية من جهة، ومخاطبة الخارج – وتحديدًا واشنطن وحلفاءها – من جهة أخرى. فهو يدرك تمامًا أن بوابة “الشرعية الدولية” تمر عبر واشنطن، وليس موسكو، وأن الطريق إلى “الدعم الخليجي” يحتاج إلى خطاب سياسي متزن، لا تنفر منه الرياض على سبيل المثال، ولا يغضب الدوحة. لذلك، يبدو ميّالا – أو مضطرا – لتقديم إشارات إيجابية للمجتمع الدولي عبر تعيينات محسوبة، دون أن يُقدّم تنازلات جوهرية تُفقده تماسك قاعدته العسكرية والإدارية.



المفارقة أن البرهان، رغم اعتماده الكبير على دعم الإسلاميين – خصوصًا في الأجهزة التنفيذية والقواعد الإعلامية – لا يمنحهم مقابلاً سياسيا واضحا. بل يتعمّد إبقاءهم في منطقة “الدعم بلا تمكين”، مستفيدا من حاجتهم له كحائط صد أمام تغوّل مليشيا الدعم السريع وخصومهم داخل المنظومة الدولية. وعلى الرغم من محاولاتهم الجادة لإقناعه بالانفتاح أكثر على موسكو، إلا أن البرهان ظل يراوح في مربع التردّد، خشية أن يُغضب واشنطن التي لا تُخفي دعمها غير المباشر لمليشيا حميدتي عبر غضّ الطرف وتوفير غطاء دبلوماسي مبطن.



في النهاية، يبدو أن البرهان يحاول أن يصوغ لنفسه مخرجا سياسيا من خلال إدارة تناقضات الداخل والخارج، مدفوعًا برغبة في البقاء، لا في الإصلاح. إنه يُراهن على الوقت، وعلى الإنهاك المتبادل بين القوى السياسية، ويمنّي نفسه بأن يخرج من هذه اللعبة المعقدة بورقة قوة. لكن السؤال الذي يبقى معلقًا: هل تنجح هذه البراغماتية المفرطة في تأمين مستقبله السياسي؟ أم أن اللعب الخطر عواقب وخيمة؟

للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب:

https://shorturl.at/YcqOh