لا لمشاريع الوصاية الخارجية كتبه د. ياسر محجوب الحسين

لا لمشاريع الوصاية الخارجية كتبه د. ياسر محجوب الحسين


07-04-2025, 04:18 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1751599093&rn=0


Post: #1
Title: لا لمشاريع الوصاية الخارجية كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 07-04-2025, 04:18 AM

04:18 AM July, 03 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة





حين تتحدث شخصيات قريبة من دوائر القرار في القاهرة عن “تطهير الجيش السوداني” و”ضبط تحالفاته”، فذلك ليس رأيًا بل مشروع هندسة خارجية للمشهد السوداني. المعركة لم تنتهِ، والسيادة ليست قابلة للتفاوض.



في تصريح لافت تداولته منصات سودانية، كشفت الباحثة المصرية أماني الطويل – المعروفة بقربها من دوائر صناعة القرار في القاهرة، وبدورها المتكرر في إطلاق بالونات الاختبار بشأن السودان – عما سمّته “فرصًا كثيرة قادمة لإنهاء الحرب”، مشيرة إلى اجتماعات الرباعية وبروكسل، بالإضافة إلى لقاء عبد الفتاح البرهان وعبد الفتاح السيسي في القاهرة، كإشارات إيجابية ضمن هذا المسار.



غير أن اللافت أكثر في حديث الطويل، ليس التلميح لبوادر تسوية محتملة، بل ما جاء في توصيفها للدور المصري المرتقب: “التوجه العام لمصر هو الاعتماد على القوات المسلحة السودانية فاعلاً رئيسيًا في المرحلة المقبلة، ولكن لا بد من تطهيرها من الأدلجة، وضبط تحالفاتها مع الإسلاميين والحركات المسلحة، وجعلها قوات قومية وطنية”.



هذا التصريح، بما يحمله من إملاءات مكشوفة، يكشف عن العقلية التي لا تزال تتعامل مع السودان بوصفه ساحةً لتجريب الترتيبات الإقليمية لا دولةً ذات سيادة وكرامة.



يخطئ من يظن – أو يتوهّم – أن في وسع أحد، بعد هذه الحرب الوجودية التي قدّم فيها الجيش السوداني ملحمة وطنية نادرة، أن يتدخل في شؤون البلاد أو يفرض عليها وصفات سياسية صادرة عن غرف مغلقة في عواصم أخرى.



إن الحديث عن “إعادة هندسة الواقع السياسي” وفق ما تريده القوى الإقليمية والدولية، لا يعدو كونه استمرارًا لمحاولات قديمة/جديدة لمصادرة الإرادة الوطنية، عبر أدوات ناعمة تارة وشعارات مخادعة تارة أخرى.



السودان، بعد كل هذا الثمن الباهظ من الدماء والصمود، لن يكون ساحة عبور لمشاريع الوصاية، ولن ينصت لوصفات مفروضة من الخارج، مهما تلونت بلغة “الفرص القادمة”، أو أُلبست عباءة “الإصلاح والديمقراطية”.



أما الزج بالمؤسسة العسكرية السودانية في خطاب مشروط من قبيل “تطهيرها من الأدلجة” أو “ضبط تحالفاتها”، فهو تدخل فجّ في شأن سيادي بامتياز، يكشف عن نوايا لإعادة تشكيل مؤسسة وطنية خالصة بما يخدم ترتيبات لا علاقة لها بمصلحة السودان، بل تخدم حسابات توازنات إقليمية تسعى إلى ضمان السيطرة على القرار السياسي السوداني.



المؤسسة العسكرية السودانية لم تعد قابلة لإعادة التعليب وفق رغبات الخارج. فهي اليوم، بمزيجها من القوى النظامية والوطنية، تمثل آخر خطوط الدفاع عن سيادة الدولة، وهي بهذا المعنى المستهدفة أولاً، تحت لافتات براقة مثل “الإصلاح الأمني” و”إعادة الهيكلة” و”ضبط التحالفات الأيديولوجية”.



والحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب هي أن القوى الوطنية الحيّة، داخل الجيش وخارجه، هي العقبة الكؤود أمام تمرير أجندات الخارج، ولذلك فهي المستهدفة بالإزاحة أو التحييد، لا لشيء إلا لأنها تقول: لا.



ومع ذلك، لا يمكن التعاطي مع مصر – كما مع غيرها من الجيران – بخفة أو شعارات عاطفية. فمصر ليست جهة واحدة، ولا دولة عابرة في الجغرافيا السياسية السودانية، بل هي دولة تتقاطع مصالحها معنا في ملفات وجودية، لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها.



نحتاج في هذا السياق إلى قدر كبير من الحكمة وضبط النفس، وإلى ميزان من ذهب في صياغة علاقتنا مع القاهرة. فمن حقنا أن ننتقد السياسات التي تضر بالسودان، ومن واجبنا أن نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية، أياً كان مصدره. لكن لا يجوز أن نغفل عن حقيقة أن التعامل مع مصر يتطلب فهماً عميقًا لتعقيدات التاريخ والجغرافيا والتداخل السكاني والاقتصادي والأمني.



وهنا، تبرز أهمية بناء سياسة خارجية سودانية متزنة، تفتح الأبواب حين تقتضي المصلحة، وتغلقها حين يُراد بنا شرّ، وتفاوض حين يكون التفاوض أداة قوة، وتواجه حين يكون الصمت خيانة.



السودان اليوم في مفترق طرق، يواجه ضغوطًا خارجية ومحاولات مكثفة لإعادة تركيبه بما يخدم مصالح غيره. لكن ما يجب أن يُقال بوضوح: إنّ هذا البلد لا يُدار عن بُعد، ولا يُرسم مستقبله في غرف الآخرين.



الإرادة الوطنية السودانية، التي صمدت في وجه المحن، وواجهت جحافل المرتزقة، ودفعت أثمانًا باهظة، قادرة، إن توفر لها وعي القيادة واستقامت البوصلة الوطنية، أن تحتكر هندسة المشهد السوداني لأبنائها وحدهم، دون وصاية أو استعارة عقول من الخارج.

للاطلاع على مزيد من مقالات الكاتب:

https://shorturl.at/YcqOh