معركة الكرامة أم حرب الندامة؟ كتبه عاطف عبدالله

معركة الكرامة أم حرب الندامة؟ كتبه عاطف عبدالله


06-27-2025, 03:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1751034504&rn=0


Post: #1
Title: معركة الكرامة أم حرب الندامة؟ كتبه عاطف عبدالله
Author: عاطِف عبدالله قسم السيد
Date: 06-27-2025, 03:28 PM

03:28 PM June, 27 2025

سودانيز اون لاين
عاطِف عبدالله قسم السيد-UAE
مكتبتى
رابط مختصر






بقلم:
أطلق الإعلام الموالي للجيش اسم "معركة الكرامة" على الحرب الدائرة رحاها بين القوات المسلحة السودانية والمليشيات الموالية لها، من جهة، ضد قوات الدعم السريع من الجهة الأخرى.
وليس "الكرامة" مجرد تسمية لمعركة مثل "عاصفة الصحراء" أو "الأسد الصاعد" أو "الوعد الصادق"؛ أي معركة ذات أهداف عسكرية محددة وتوقيت معلوم، بل هو اسم محمَّل بدلالات رمزية تتجاوز ساحة القتال إلى عمق الهوية الوطنية. فالكرامة، كما تصورها الخطابات الرسمية والشعبية المؤيدة للحرب، ليست شعاراً تكتيكياً، بل قيمة وجودية لا تقبل المساومة أو القسمة على اثنين. فهي، بحسب هذا التصور، إما نصر أو شهادة. بل تُقدَّم كأنها أسمى من رخاء الشعوب أو حتى من حياة الأمة ذاتها - كما تحدّث ابن خلدون عن تضحية الجماعة من أجل المعنى الأسمى للوجود الجمعي.
وقد رأينا عبر التاريخ أمماً قدّمت ملايين الأرواح، لا حباً في الحرب، بل رفضاً للذل، وإصراراً على العيش بكرامة. وهذا التصور هو ما تبناه الخطاب الإعلامي الحكومي ليجعل من الحرب الحالية امتداداً لتلك السردية البطولية.
من ناحية أخرى، فإن ما ارتكبته قوات الدعم السريع من أعمال نهبٍ وسلبٍ واغتصابٍ وقتلٍ عشوائي - وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان وشهادات مدنية - ولّد احتقاناً شعبياً عارماً، خاصة وسط النساء السودانيات، اللاتي كُنّ أكثر الفئات تضرراً من ممارسات هذه القوات .
ولم يكن مستغرباً أن تتصدر المرأة السودانية، بكامل غضبها وألمها، جبهة المساندة للجيش تحت راية "معركة الكرامة"، مدفوعة بالخذلان والمهانة التي ألحقتها بها الحرب.
ولكن، لو حكمنا العقل وابتعدنا عن الانفعال العاطفي والرغبة في الانتقام، فسنجد أن ما نعيشه اليوم ليس إلا امتداداً لسلسلة طويلة من الحروب الأهلية التي اندلعت في السودان منذ الاستقلال في عام 1956، تتكرر فيها نفس المشاهد من القتل العشوائي، والتطهير العرقي، وانهيار الدولة، والاغتصاب كسلاح لإذلال المجتمعات.
الجديد فقط - والمؤلم أكثر - هو أن العنف هذه المرة اقتحم العاصمة ومدن الوسط والشمال، ولم يعد محصوراً في أطراف البلاد كما كان الحال في الجنوب ودارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق. اليوم، الخرطوم نفسها - العاصمة التي طالما نأت بنفسها عن تبعات الحروب - غدت مسرحاً للدمار والتشريد والانهيار التام.
والأكثر خطورة أن هذه الحرب لم تنفجر نتيجة اعتداء خارجي أو عدوان من عدو معروف، بل هي نتيجة صراع داخلي على السلطة بين جنرالات الأمس القريب، ممن تشاركوا في انقلاب 25 أكتوبر 2021، وأداروا البلاد بعقلية أمنية وعسكرية أقصت القوى المدنية وقمعت الحريات.
في جوهرها، هذه الحرب ليست معركة كرامة ولا ملحمة وطنية، بل حرب ندامة، يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين، وتُهدر فيها موارد البلاد، وتُهدَّم فيها الدولة من جذورها. وهي، في جوهرها أيضاً، نتيجة لتراكم عقود من التهميش السياسي، والفشل في بناء عقد اجتماعي جديد يتسع لجميع السودانيين، بمختلف ثقافاتهم وأعراقهم وأقاليمهم.
إن الحرب الحالية لا يمكن فهمها إلا ضمن سياق الحروب المتصلة منذ عقود - حروب تحمل خلفيات سياسية وثقافية وعرقية وإثنية، لا يمكن حلّها بالبندقية ولا بالدبابات، بل بحوار وطني شامل يعالج جذور الأزمة السودانية.
فمن دون اعتراف صريح بأن هذه الحرب عبثية، وأن لا أحد فيها منتصر، ستظل البلاد رهينة لمعادلة "إما نحن أو هم"، وهي معادلة قاتلة.
أما الكرامة الحقيقية، فهي في إنقاذ الأرواح، ووقف القتل، وبناء الدولة على أساس العدالة والمواطنة، لا على أنقاض المدن ولا فوق جثث الأبرياء.
[email protected]