Post: #1
Title: السودان في مفترق طرق: بين حرب الاستنزاف والتفاوض المباشر بضمانات دولية #
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-27-2025, 02:42 PM
02:42 PM June, 27 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
السودان في مفترق طرق: بين حرب الاستنزاف والتفاوض المباشر بضمانات دولية بين ركام المدن المنهارة ومعاناة ملايين النازحين، يقف السودان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: استمرار حرب الاستنزاف التي تحرق الأخضر واليابس، أو فتح باب تفاوض مباشر وجاد بين الأطراف المتحاربة تحت ضغط دولي متماسك وضمانات رقابية صارمة.
بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب الشاملة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، اتضح أن الحل العسكري المحض أثبت فشله في حسم المعركة، لكنه نجح في تدمير مؤسسات الدولة، وتفكيك المجتمع، وتهديد وحدة السودان ذاته.
هدنة هشة... من جدة إلى الحاضر شهد السودان محاولات عدة لوقف إطلاق النار، أبرزها اتفاق جدة في مايو 2023، لكنها سرعان ما انهارت. أسباب هذا الفشل تكشف بوضوح عن طبيعة المعضلة:
انعدام الثقة بين الطرفين، حيث يتبادل كل منهما اتهامات خرق الهدنة.
تعدد الأطراف المسلحة وتناقض مصالحها، بما في ذلك الحركات المسلحة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
الأجندات الإقليمية والدولية المتنافسة، إذ تدعم دول مختلفة أحد طرفي النزاع، وتضخ السلاح والأموال.
غياب آلية رقابة دولية فعّالة ومستدامة، قادرة على ضبط أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
دون معالجة هذه الأسباب، فإن أي هدنة مستقبلية ستظل هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة.
معوقات التفاوض الرسمي مع الدعم السريع رغم الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي والإقليمي لوقف الحرب والجلوس إلى مائدة التفاوض، ظلت هناك عوائق بنيوية صلبة:
رفض الجيش الاعتراف بالدعم السريع كشريك سياسي مشروع، مصرًا على وصفه بالمليشيا المتمردة.
تصلب المواقف، مع رفض الطرفين تقديم تنازلات حقيقية، خصوصًا في قضايا حساسة مثل دمج القوات أو تسليم السلاح.
الطموحات الميدانية، إذ يرى كل طرف فرصة في استمرار الحرب إذا شعر بتفوق عسكري موضعي.
سيطرة الدعم السريع على موارد مهمة (ذهب، ضرائب محلية)، ما يقلل حافزه في قبول أي صفقة قد تنتقص من سلطته الميدانية والاقتصادية.
ومع ذلك، فإن الضغط الدولي الجاد، خاصة عبر العقوبات الأميركية والأوروبية المتزايدة، وتكلفة الحرب الباهظة على اقتصاد شبه منهار، يشكلان عوامل قد تدفع الأطراف – مضطرة – للعودة إلى طاولة التفاوض.
عقدة الحركات المسلحة: التفاوض في ظل التفتت لا يقتصر الصراع على الجيش والدعم السريع وحدهما. فالحركات المسلحة، خصوصًا في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، تمثل عقدة إضافية في مسار أي تسوية سياسية:
مطالبها اللامركزية: تقسيم الثروة والسلطة وتوفير الخدمات، وهي مطالب مشروعة لكنها تُعقّد المشهد في ظل غياب حكومة مركزية فعالة.
انقساماتها الداخلية: بعض الحركات متحالفة مع الجيش، وأخرى مع الدعم السريع، مما يجعل التفاوض الشامل صعبًا ومفتتًا.
مخاطر التفتيت: هناك سيناريو مرعب بتحول بعض المناطق إلى إقطاعيات عسكرية خارجة عن سيطرة الدولة، خاصة إذا دخلت الحركات في صفقات ثنائية منفصلة.
التجنيد المتواصل: الأزمة الاقتصادية تدفع الشباب للانضمام إلى المعسكرات المسلحة، ما يطيل أمد الصراع.
السيناريو الأقرب: حرب استنزاف أم انفراج مشروط؟ على المدى القصير، يبدو السيناريو الأكثر ترجيحًا استمرار حرب الاستنزاف، تتخللها هدنات متقطعة، بينما يعمق التدخل الإقليمي الأزمة، وتزداد المأساة الإنسانية.
ومع ذلك، لا يعني هذا أن التفاوض مستحيل. بل على العكس، كلما استمرت الحرب واستنزفت موارد الأطراف المتحاربة، ازدادت احتمالات التفاوض. لكن هذا التفاوض لن ينجح بالنيات الطيبة وحدها.
التفاوض المباشر: خيار مرّ لكنه ضروري رغم العوائق العميقة، يبقى التفاوض المباشر بين الجيش والدعم السريع، مع إشراك القوى المدنية والحركات المسلحة، هو السبيل الوحيد القابل للعيش لوقف الحرب وإنقاذ ما تبقى من السودان.
لكن مثل هذا التفاوض لن يحدث تلقائيًا، ولا على قاعدة الضعف الحالي للوساطات. إنما يتطلب:
ضغطًا دوليًا موحدًا وجادًا، يفرض عقوبات ذكية ومدروسة على قادة الحرب، ويمنع تدفق السلاح والدعم المالي.
وقف الدعم الخارجي للأطراف، خاصة من القوى الإقليمية المتنافسة التي تغذي الصراع وتعرقل أي حل.
آلية رقابة دولية محايدة وممولة بشكل جيد، لضمان احترام أي وقف لإطلاق النار.
إشراك المدنيين والقوى الثورية الحقيقية، لضمان أن تكون أي تسوية سياسية مستدامة وشاملة.
خطة لإعادة هيكلة النظام الأمني وتفكيك اقتصاد الحرب، تبدأ بدمج القوات وفق معايير مهنية، وإنهاء تحكم العسكر والمليشيات في الاقتصاد.
فرصة ضيقة لكنها ممكنة الأمل في حل تفاوضي حقيقي يبدو ضعيفًا في ظل استمرار المكاسب العسكرية المتبادلة وتصلب المواقف، لكن البديل هو استمرار الحرب المفتوحة، وتفكك الدولة، ومجاعة وشيكة.
التفاوض المباشر بضمانات دولية وضغوط موحدة ليس خيارًا مثاليًا، لكنه الخيار الوحيد المتبقي لتجنب كارثة شاملة.
على القوى الدولية والإقليمية أن تدرك أن إطالة أمد الحرب لن يخدم إلا مشاريع التقسيم والفوضى، وأن الوقت قد حان لاستخدام نفوذها للضغط على الأطراف السودانية للجلوس إلى طاولة تفاوض جادة، تضع مصلحة الوطن والشعب فوق مصالح الجنرالات ورعاة الحرب الإقليميين.
|
|