Post: #1
Title: مسارات التغيير ٢٠٢٥ (٤) تقصير الظل الإداري وتخفيض تكاليف الدولة كتبه عادل عبد العاطي
Author: عادل عبد العاطي
Date: 06-26-2025, 04:25 PM
04:25 PM June, 26 2025 سودانيز اون لاين عادل عبد العاطي-بولندا مكتبتى رابط مختصر
مقدمة: في ظل إنكماش الناتج القومي السوداني في خلال السنوات الاخيرة والتراجع الحاد في الإيرادات العامة، بات من الضروري إعادة هيكلة الدولة السودانية بما يضمن كفاءتها وتوجيه مواردها المحدودة إلى الأولويات الحقيقية للمواطنين: الأمن، التعليم، الصحة، وتاهيل وأعادة بناء وتشغيل البنى التحتية ( الماء والكهرباء في المقام الاول). إن هذا المطلب لن يتحقق ما لم نكسر حلقات الترهل الإداري والصرف البذخي والتضخم البيروقراطي الذي أنهك كاهل الدولة والمجتمع. في هذا المقال نطرح بعض الحلول العملية لذلك..
من الولايات إلى الأقاليم – تقليص الهياكل وتفعيل الإدارة: إن الإبقاء على 18 ولاية حالياً، إلى جانب إقليمين إداريين ( دارفور والنيل الأزرق) يُثقل كاهل الخزانة العامة بأعباء مضاعفة، ويخلق طبقات من الصرف غير المنتج. فكل ولاية تستدعي والياً، وحكومة ولائية، وجيوشاً من الموظفين، فوق تكاليف الإقليمي، مما يؤدي إلى تضخم إداري بلا مقابل تنموي. إن اعتماد هيكل اداري من 6 أقاليم فقط سيحقق وفورات مالية وإدارية كبيرة، ويعيد ترتيب الأولويات التنموية وفق منطق الموارد الاقليمية والجغرافيا التاريخية لا الترضيات وتفريخ المناصب. فضلاً عن ذلك ستكون الأقاليم الأكبر أكثر قدرة على التخطيط ودمج الموارد، وتحقيق التنمية المتوازنة، مع تقليص التكرار في الهياكل والوظائف.
مجلس سيادة شرفي ورقابي من ثلاثة اعضاء: من غير المنطقي أن يستمر مجلس السيادة بـ11 عضواً، خاصة وأن أغلب مهامه أصبحت رمزية في ظل وجود حكومة تنفيذية ومجلس أمن ودفاع، واقتراح تكوين مجلس تشريعي انتقالي. لهذا، نقترح تقليص مجلس السيادة إلى ثلاثة أعضاء فقط: قائد الجيش واثنين من المدنيين يتم اختيارهم بتوافق وطني، وتكون صلاحياتهم شرفية ورقابية بحتة. هذه الخطوة وحدها كفيلة بتخفيض النفقات المرتبطة بالمخصصات والمرافق والإدارات المساندة ل٨ من أعضاء مجلس السيادة، ناهيك عن اختصار وقت الاجتماعات وتسريع اتخاذ القرار في القضايا المصيرية.
حكومة اتحادية رشيقة – الدمج بديلاً عن التشظي : لقد اقترحنا مراراً ونقترح اعتماد نموذج الحكومة الرشيقة التي لا يقل عدد وزرائها عن عشرة ولا يزيد عن عشرين، على ان يُنص على هذا التحديد في الاعلان الدستوري الانتقالي المقترح. مثل هذه الحكومة لا تُبنى على أسس الترضيات وتشظي الوزرات، بل على الدمج ما بين المهام المتقاربة والتخصص والكفاءة. إن الحكومة الرشيقة تعني تركيز المهام، تقليص التداخل في الصلاحيات، وتوجيه كل وزارة إلى هدف تنموي واضح. وهذا سيمكن الوزراء من التركيز على الملفات العاجلة والخروج من عقلية "إرضاء الحلفاء" التي دمرت مؤسساتنا لعقود.
مجلس تشريعي صغير الحجم ومجلس أمن ودفاع فعال: على عكس ما قد يظن البعض، فإن تشكيل مجلس تشريعي صغير الحجم من ١٠٠ او ٧٥ عضوا، وتثبيت دور مجلس الأمن والدفاع دستورياً، لا يزيد من التكاليف، بل يعيد تنظيم السلطة ويوزّع المهام. إن اعضاء مجلس الأمن والدفاع ليسوا موظفين جدداً حتى تتم صرف مخصصات اضافية، بل هم اعضاء في المجلس بحكم مواقعهم في مجلس السيادة والوزراء والجيش والأجهزة الامنية، لذلك لن يتقاضوا رواتب إضافية. أما أعضاء المجلس التشريعي، فسينالون رواتبهم فقط دون أي امتيازات إضافية، ويمكن ان تمنح لهم مكاتب في مبنى البرلمان في امدرمان واماكن اقامة مشتركة . هذا سيكفل قرباً جغرافياً من الحكومة ورقابة فعالة ويخفف العبء التشريعي عن اعضاء مجلس السيادة والوزراء، ما يتيح لهم التفرغ للسياسات العامة، ويضمن فصل السلطات في الدولة.
تقليص عدد السفارات – دبلوماسية ذكية بأقل التكاليف: إن الوجود الدبلوماسي السوداني في الخارج يعاني من التشتت والضعف، ومع ذلك يستنزف الميزانية بمخصصات سفر ورواتب وبنية تحتية غير ضرورية. في هذا الصدد نقترح تقليص عدد السفارات إلى 25 سفارة فاعلة فقط، في اهم الدول ذات العلاقات السياسية والاقتصادية الكبيرة مع السودان، وتبني مبدأ السفير غير المقيم (Ambassador-at-large) في الدول ذات التمثيل الاضعف، ودمج السفارات في نطاقات جغرافية معينة (مثل سفارة موحدة لدول شرق اوروبا أو غرب إفريقيا). بهذا، تتحول الدبلوماسية من عبء مالي إلى أداة ذكية لخدمة المصالح الوطنية عبر شبكات فعالة ومنخفضة التكلفة.
الخاتمة: في ظل واقع الحرب وظروف الفقر والتشريد والمسغبة التي يعاني منها الشعب السوداني، فإن تقصير الظل الإداري وتخفيض تكاليف الادارة الحكومية ليس خياراً نظرياً، بل ضرورة بقاء في ظل الموارد المحدودة والتدهور الاقتصادي. إننا نحتاج اليوم إلى دولة رشيقة، مركّزة، وفعالة—دولة تُنفق الموارد المتوفرة على المواطنين لا على الموظفين، وعلى التنمية لا على البيروقراطية، وعلى بناء البلاد لا على اغناء الافراد.
عادل عبد العاطي ٢٦ يونيو ٢٠٢٥م.
|
|