Post: #1
Title: نداء القوى المدنية لفرض السلام في السودان: بين واقعية الطموح وتشابك التحالفات في خضمّ واحدة من أسوأ
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-25-2025, 09:40 PM
09:40 PM June, 25 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في خضمّ واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي يشهدها العالم اليوم، وفي ظل حرب مفتوحة تمزّق السودان منذ أبريل 2023، تخرج القوى المدنية السودانية بنداء سياسي أخلاقي من قلب المحنة "نطالب بتدخل دولي أو إقليمي لفرض السلام ووقف المجازر". هذا النداء، الذي تبلور بشكل أكثر وضوحًا خلال زيارة وفد من القوى المدنية إلى دولة جنوب أفريقيا، لم يعد مجرد تعبير عن أمنية، بل تحوّل إلى ضرورة وجودية في ظل تصاعد الانتهاكات وغياب الأفق السياسي والعسكري. إنه طرح يتجاوز مناشدات وقف إطلاق النار التقليدية، ويدعو إلى تحرك فعلي – ولو كان مفروضًا – لإنقاذ ما تبقّى من الدولة والمجتمع. لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالًا ملحًا: هل يمكن فعلاً فرض السلام في بلد أنهكته الحرب وتوزعت فيه الولاءات الإقليمية والدولية؟ وهل القوى المدنية قادرة على تحويل هذا النداء إلى خطة واقعية تقنع العالم؟ الواقع على الأرض لا يحتمل الانتظار. إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد النازحين داخليًا وخارجيًا قد تجاوز حاجز العشرة ملايين، بينما تتوالى الشهادات الميدانية عن ارتكاب جرائم ممنهجة، خصوصًا في إقليم دارفور وولاية الخرطوم، ما قد يرقى قانونيًا إلى جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية. في الوقت نفسه، يشهد السودان انهيارًا شبه كامل في الخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه، وتآكلًا في مؤسسات الدولة. في هذا السياق، تطرح القوى المدنية تصورًا لتدخل إقليمي أو دولي، يرتكز على ثلاثة أضلاع: فرض حلول سياسية ملزمة للأطراف المتحاربة، إنشاء قوة لحماية المدنيين بإشراف دولي أو إقليمي، واستلهام النموذج الجنوب أفريقي في العدالة الانتقالية كإطار أخلاقي يفتح طريقًا نحو المصالحة المستقبلية. من الناحية النظرية، يملك هذا الطرح أساسًا قانونيًا لا يُستهان به. فوفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتدخل لحماية المدنيين ووقف النزاعات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، خاصة إذا ثبت وقوع جرائم ضد الإنسانية. كما أن السوابق الدولية – من كوسوفو إلى سيراليون – تشير إلى إمكانية اللجوء لتدخلات دولية محدودة النطاق بغرض حماية المدنيين وتهيئة الظروف لعملية سياسية. إلا أن النظرية شيء، والواقع الجيوسياسي شيء آخر. إذ تصطدم فكرة فرض السلام بجدار من التحديات. فداخل مجلس الأمن، ترفض روسيا والصين – لأسباب تتعلق بالسيادة وموازين القوى – أي تدخل خارجي في الشأن السوداني، بينما تنشغل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بملفات أكثر إلحاحًا بالنسبة لهم، مثل أوكرانيا وغزة. على مستوى المؤسسات الإقليمية، فإن الاتحاد الأفريقي يفتقر إلى الأدوات التنفيذية التي تمكّنه من التحرك بفعالية، في ظل تشرذم المواقف الأفريقية واختلاف تقديرات الموقف بين العواصم. أما الأمم المتحدة، فتميل إلى نهج التحفظ والاكتفاء بالتنديد وإبداء "القلق العميق"، دون خطوات عملية مؤثرة. المشكلة الأعمق تكمن في تضارب المصالح الإقليمية. فمصر، على سبيل المثال، ترى في بقاء الجيش السوداني موحِّدًا للدولة المركزية وضامنًا لأمنها القومي، وترفض أي تدخل دولي قد يعيد ترتيب المشهد السياسي السوداني بطرق لا تستطيع التأثير فيها. أما الإمارات، فهي تُتهم بدعم قوات الدعم السريع، سعيًا لتعزيز نفوذها في موانئ البحر الأحمر ومشاريع الزراعة السودانية. السعودية، من جانبها، حاولت لعب دور الوسيط عبر محادثات جدة، لكنها لم تنجح، وباتت حذرة في التدخل المباشر بعد تصاعد التوتر الإقليمي مع إيران. في المقابل، تبدو دول مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا أكثر قربًا من الطرح المدني، لكنها تفتقر إلى النفوذ الكافي لإحداث التغيير بمفردها. هكذا، تبدو المفارقة واضحة: القوى التي تملك أدوات التأثير متورطة أو متحيزة، بينما الدول المحايدة غير قادرة على التحرك بمفردها. وهذا يضع القوى المدنية أمام تحدٍ كبير: هل ستكتفي بإطلاق النداءات الأخلاقية؟ أم أنها ستُجيد لعب الدور السياسي والدبلوماسي لتصنع تحالفًا فاعلًا يضع السلام السوداني على أجندة المجتمع الدولي؟ في المدى القصير، وحتى نهاية عام 2024، لا يُتوقع أن يتم فرض السلام عبر تحرك دولي مباشر. ستبقى القوى المدنية تتحرك في هامش رمزي: بيانات تأييد، لقاءات، وربما إطلاق مبادرة أفريقية جديدة من جنوب أفريقيا أو غيرها. قد تتفاعل مصر – ولو تكتيكيًا – مع مقترح هدنة إنسانية طويلة المدى، لكن دون التزامات سياسية واضحة. أما في المدى المتوسط، فقد يدفع تفاقم الأوضاع الإنسانية إلى تحرك جديد، يتمثل في تشكيل "قوة مراقبة دولية" تحت مظلة أفريقية أو أممية محدودة، شرط توفر ثلاثة عناصر أساسية دعم أمريكي وأوروبي واضح، حياد مصري واقعي أو تفاهم سياسي تكتيكي، وتوحيد حقيقي داخل القوى المدنية السودانية بما يكفل تمثيلًا مقبولًا. لكن هذا السيناريو لن يتحقق تلقائيًا. يجب على القوى المدنية أن تتحول من مجرد طرف معارض للحرب إلى فاعل سياسي استباقي. عليها أن تبني تحالف ضغط دولي حقيقي، بدءًا من تنشيط الجاليات السودانية في أوروبا وأمريكا، وصولًا إلى العمل مع منظمات حقوق الإنسان الدولية لتوثيق الجرائم ورفع دعاوى قضائية في المحكمة الجنائية الدولية. كذلك، فإن التعامل مع الحذر المصري يمكن تجاوزه بتقديم ضمانات حول وحدة السودان ودور مؤسساته، بينما يمكن كشف دعم الإمارات عبر حملات إعلامية موجهة تفضح التمويل العسكري والاستثمار السياسي في الفوضى. وبموازاة ذلك، يجب أن يُطرح على الطاولة مقترح عملي لتأسيس "تحالف دولي لأصدقاء السودان"، على غرار أصدقاء سوريا وليبيا، برعاية جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، وبدعم من بلدان غربية مستعدة لتقديم مساعدات سياسية ولوجستية. النداء المدني لفرض السلام ليس مثاليًا، وربما لا يتحقق بالشكل الكامل الذي يتمناه أصحابه، لكنه – في ظل الانهيار الوطني الحالي – هو الخطوة الأجرأ في مواجهة تحالفات السلاح والسكوت الدولي. الكارثة الإنسانية حولت السودان إلى جرح مفتوح في الضمير العالمي، لكن تحويل هذا الجرح إلى إرادة سياسية فاعلة لا يكون عبر الاستجداء، بل عبر الضغط المنظم والتخطيط الواقعي.
*وفي نهاية المطاف، السلام لا يُفرض من الخارج دون إرادة داخلية. لكن، في ظل الإبادة والصمت، فإن إرادة الحياة قد تحتاج إلى دعم خارجي لا ينتظر دعوة، بل يستجيب لصرخة شعب يُباد في وضح النهار.
|
|