حكومة كفاءات مهنية وحكومة مستقلين.. الكذبة التي أصبحت شعاراً وطنياً!! كتبه عبدالغني بريش فيوف

حكومة كفاءات مهنية وحكومة مستقلين.. الكذبة التي أصبحت شعاراً وطنياً!! كتبه عبدالغني بريش فيوف


06-25-2025, 08:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1750879173&rn=0


Post: #1
Title: حكومة كفاءات مهنية وحكومة مستقلين.. الكذبة التي أصبحت شعاراً وطنياً!! كتبه عبدالغني بريش فيوف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 06-25-2025, 08:19 PM

08:19 PM June, 25 2025

سودانيز اون لاين
عبدالغني بريش فيوف -USA
مكتبتى
رابط مختصر





في كل مرة يشتد فيها أوار الأزمة السياسية في السودان، يتدافع الجميع نحو مخرج الطوارئ المفضل، تشكيل حكومة كفاءات مهنية مستقلة، كلمة السر التي يلوكها السياسيون كما يلوك البقر علكته، بينما يصفق لها المثقفون بحماس مريب، ويغرق الشارع السوداني في الأحلام الوردية، ها قد أتى زمن العقلاء!.
لكن دعونا نسأل بلا لف والدوران.. هل توجد كفاءات حقيقية فعلا في السودان.. وهل لدينا مستقلون أصلاً.. أم أننا فقط نعيد تدوير ذات النخب القديمة في أثواب نظيفة ومكوية حديثا؟
حين يُقال مستقل، فإن ما يتبادر للذهن هو شخص لا ينتمي لأي حزب، لا يخضع لإملاءات أيديولوجية، ولا تسيّره جهات خارجية، ولا تُحرّكه الولاءات القبلية أو الإثنية. باختصار، شخص ينتمي فقط للمنطق والمصلحة العامة.
لكن في السودان، دعونا نضحك قليلًا قبل أن نبكي. المستقل هو ذلك الذي خرج من حزب أمس، وأعلن أنه مفكر اليوم، وغدا سيصبح وزيرا، ثم يعود لحزبه بعد أن يتم التوزيع!
المستقل عندنا هو كائن هلامي الشكل، يتلوّن حسب المناخ السياسي، ويقف على كل الحبال دون أن يسقط، لكنه لا يُقدم شيئا سوى الخطابات الإنشائية
ألا تلاحظون أن أغلب من يسمون أنفسهم مستقلين، ينتهون دوما وزراء أو مستشارين أو متحدثين رسميين.. فهل هذه صدفة أم مهنة من لا مهنة له؟
أما عن الكفاءات.. فحدث ولا حرج، لكن دعونا لا نظلم أحدا، نعم، السودان فيه عقول نيرة وكفاءات علمية نادرة، لدينا أطباء بارعون، مهندسون مخضرمون، اقتصاديون مشهود لهم دوليا.
المشكلة ليست في وجود الكفاءات، بل في المُسمى السياسي لما يُسمى بالكفاءة، فكل من جلس على كرسي مدير إدارة يوما، صار يُقدم نفسه كخبير استراتيجي، وكل من كتب منشورا بلغة إنجليزية ركيكة، صار مرشحا لحقيبة وزارة الخارجية!
إننا نعيش في واقع مضحك، تطالبنا النخب السياسية بتشكيل حكومة كفاءات، بينما تُسند المناصب وفقا لمعيار، من له علاقات أكثر، لا من يفهم أكثر، فكيف بالله عليكم ننتظر التقدم للدولة وهي تُدار بهذه الطريقة؟
منذ الاستقلال وحتى اليوم، تكررت الشعارات ذاتها، حكومة تكنوقراط، حكومة انتقالية، حكومة مستقلين، حكومة وحدة وطنية.. ومع ذلك، لا زلنا عالقين في محطة التجريب المستمر. لماذا، ببساطة، لأننا نُغيّر الواجهات دون أن نُغيّر الجوهر؟
هل يعقل أن ننتظر من نفس العقول التي شاركت في خراب الدولة أن تُصلحها لمجرد أنها لبست بدلة مدنية وربطة عنق.. وهل نعتقد أن من نشأ في كنف الولاء القبلي أو الحزبي أو الجهوي، سيتحول فجأة إلى ملاك نزيه فقط، لأنه وُصف بأنه مستقل أو كفء؟
السودان لا يفتقر للخبرات العلمية، بل يفتقر لثقافة الدولة، لمفاهيم الحكم الرشيد، ولرغبة حقيقية في تقديم المصلحة العامة على الخاصة.
المستقلون حين يحكمون... يثبتون أنهم غير مستقلين، فلنأخذ مثلا، تجارب السودان القريبة، ففي كل حكومات المستقلين، نجد أن بعض الوزراء كانوا في الماضي منخرطين في نشاطات حزبية، أو كانوا مستشارين لقادة عسكريين، أو محسوبين على تيارات معينة، ثم عندما يتم استجوابهم، (هل أنت مستقل فعلا؟)، يجيبون بثقة مثيرة للريبة، أنا مستقل فكريا، وكأن الاستقلال الفكري يُلغي الانتماء العملي والمصلحي!
ثم إذا جرت الرياح السياسية عكس ما يشتهون، رأيناهم يصطفّون مرة أخرى في طوابير الولاء السياسي، أو يتحوّلون إلى ناشطين في الإعلام، ينتقدون السياسات التي كانوا هم جزءا من صناعتها قبل أسابيع فقط!
الكفاءة وحدها لا تصنع وطنا، لأن حتى لو افترضنا جدلا أننا وجدنا عباقرة في الاقتصاد والإدارة والسياسة، هل سيصنع هؤلاء وطنا مزدهرا وحدهم؟
الإجابة بلا، لأن الكفاءة إذا لم تُساندها رؤية وطنية وإرادة سياسية صلبة، فإنها ستصبح أداة في يد من يملكون السلطة الحقيقية. والكفاءات عندنا في السودان للأسف، غالبا ما تُستخدم كديكور شرعي في واجهات السلطة، بينما القرارات تُصنع خلف الكواليس في غرف ضيقة بين العساكر والنافذين.
بين وهم التكنوقراط وحقيقة الدولة العميقة: غالبا ما يُقدم التكنوقراط كحل سحري، لكن الحقيقة أن هذه الفكرة، حين تُفرغ من محتواها، تصبح مجرد غطاء لحكم غير مدني، إذ أن الواقع السوداني يؤكد هذا. فكم من مرة جاء التكنوقراط إلى الحكم، لكن ظلت الدولة تُدار بعقلية الأمن والمخابرات والموازنات القبلية؟
التكنوقراط في السياق السوداني أحيانا هم مجرد واجهات ناعمة لمؤسسة عسكرية خشنة، والحديث عن استقلالهم، لا يعدو أن يكون (ميك آب سياسي)، لتمرير سياسات السلطة الحقيقية.
قبل أن نحلم بحكومة كفاءات على المستوى المركزي، فلننظر إلى الإدارات المحلية.. البلديات، المحليات، المراكز الصحية، مكاتب التعليم. هل يعمل فيها كفاءات ..وهل تتم ترقيتهم بالكفاءة؟!
بالطبع لا، فالمحليات، هي الحاضنة الكبرى للفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، ولو أردنا بناء دولة حقيقية، فالخطوة الأولى ليست بتشكيل حكومة قومية، بل ببناء مؤسسات محلية محترمة.
يكفي خداعاً باسم الاستقلالية والحياد. إما أن نقول بوضوح أن هذه حكومة تابعة لتحالف كذا، أو أنها حكومة حزبية، أو أنها تُدار من المؤسسة العسكرية، أو من السفارات، لكن أن نُلبسها ثوب الاستقلالية والتكنوقراط، ثم نُحمّلها فشلا لا تملك من أمره شيئا، فذلك هو عين الوقاحة السياسية.
مشكلة السودان، ليست في عدم وجود الكفاءات أو المستقلين، بل في أن النظام السياسي القائم لا يسمح لهم بالعمل بحرية ولا يضمن لهم البقاء إلا إذا صاروا جزءا من اللعبة، فكم من كفاءة أُبعدت أو حُوربت لأنها رفضت الانحناء، وكم من مستقل أصبح تابعًا لأنه أراد البقاء؟
تغيير الوجوه دون تغيير العقلية الحاكمة يُشبه تغيير اللافتة على دكان خرب، دون أن تُرمم البضاعة أو تنظف المكان.
الاستقلال ليس وظيفة، ولا الكفاءة مجرد شهادة. الكفاءة موقف، والاستقلالية سلوك، وحين يصبح الهدف هو الكرسي، تسقط كل الشعارات.
السودان بحاجة إلى جيل جديد من الناس لا يريدون السلطة، بل يريدون بناء الدولة، بحاجة إلى عقول تُفكّر لا تُبّر، وقلوب تنتمي للوطن لا للقبيلة أو الحزب.
أما حكومات الكفاءات المستقلة، فغالبا ستبقى مجرد نكتة سوداء نُكررها كلما سئمنا من الواقع، ثم نعود لنفس الدوامة، ننتظر مخلصا لا يأتي.