Post: #1
Title: ممارسة العمل السياسي للنخب السودانية- بين شطحات الدراويش ويقين العلماء بحتمية التغيير
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-24-2025, 08:10 PM
08:10 PM June, 24 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
دولة مع وقف التنفيذ لم يكن إخفاق النخبة السودانية في بناء دولة حديثة محض فشل سياسي، بل هو نتاج تراكم طويل لأوهام زعامات روحانية، وتيه نخب ليبرالية فوقية، وجموح عسكري كلاسيكي لا يرى في الوطن سوى ثكنة. \ففي حين نجحت دول جوار السودان، مثل تونس والمغرب ومصر، في اجتراح تسويات سياسية و"عقود اجتماعية" – ولو هشة – ظل السودان سجين تكرار الانقلابات، وانبعاث الطائفية، وتيه القوى التقدمية. فما الذي جعل السياسة في السودان أقرب إلى دراما غيبية تُدار بإشارات الأولياء، أو حفلة نخبوية معزولة عن الجمهور، أو انقلاب عسكري يُسند نفسه بقوة الذهب والبندقية؟ أولاً: الطائفية السياسية – القداسة بدل الكفاءة الغيب كمنهج للحكم شكلت الطائفية (حزب الأمة والختمية خصوصاً) حجر الزاوية في المشهد السوداني ما بعد الاستعمار. لا كمجرد تيارات سياسية، بل كمؤسسات دينية اقتصادية ورثت النفوذ البريطاني وأعادت إنتاجه بعباءة التصوف. "البركة، النسب، الميراث الديني... كلها تحوّلت من مفردات روحانية إلى أدوات سلطة"، كما كتب الباحث عبد الولي الأمين. سيطرت هذه القوى على مشاريع زراعية (الجزيرة)، وعلى البنوك الإسلامية، وحتى على التمثيل الديني الرسمي، محوّلة التصوف إلى رأسمال سياسي ووسيلة لتجميد المجتمع.
"شطحات الدراويش" كشكل للهيمنة الرمزية الزوايا التي أنتجت "ولياً صالحاً" يُزار في الأرياف، صارت تنتج "زعيم طائفيًا" يُصوّت له في البرلمان. ومن التصوف، أُخذت رمزية الكرامات لتحصين الزعامات من المساءلة.
بعكس المغرب، حيث تم احتواء الصوفية كرافد تقليدي داخل المؤسسة الملكية دون أن تحتكر السياسة، ففي السودان أصبحت الطائفة نفسها هي الحزب والدولة والضمير.
ثانيًا: الليبرالية السودانية – يقين لا يستند إلى أرض نخبوية دون قاعدة التيارات الليبرالية التي نشأت كرد فعل للطائفية والعسكرية، خصوصاً منذ نهاية عهد النميري وحتى الثورة، لم تنجُ من داء النخبوية: خطابها غالبًا قانوني، مديني، ومجرد. اعتمادها على التحالفات فوقية (كما في نموذج قحت مع العسكر بعد البشير). فشلها في توليد سردية وطنية جامعة تمثل الهوامش والأرياف. كتب حيدر إبراهيم علي- "الليبرالية السودانية تريد التغيير بلا ثمن، وتخشى من الثورة إن خرجت عن السيطرة". مقارنة مع النموذج التونسي في تونس، نجحت النخبة الليبرالية رغم تشتتها في إنتاج خطاب دستوري تحالفي، وارتبطت بنقابات قوية. في السودان، بقيت الليبرالية أشبه بنادٍ اجتماعي في العاصمة. كان يقينها بالتغيير مشوباً بالجهل العميق بموازين القوى المجتمعية والإثنية والدينية في البلاد. ثالثًا: العسكر – كلاسيكية القوة وجشع الدولة من جيش الوطن إلى مافيا اقتصادية لم يُمارس الجيش السوداني دور الحامي، بل تحول منذ وقت مبكر إلى فاعل اقتصادي وسياسي مركزي. تزاوجت سلطته مع الدعم السريع، وجرى تقاسم موارد الذهب، السيطرة على الموانئ، والشركات القومية. كتب فيصل محمد صالح- "العسكر في السودان لا يحكمون فقط... بل يتملكون الدولة ويحوّلونها إلى ريع شخصي." العقلية الكلاسيكية التي ترى "الجيش فوق السياسة" قادت إلى تفتيت الدولة نفسها: جيش في مقابل جيش، ودولة في مقابل شركة أمنية. لماذا فشل النموذج المصري في السودان؟ في مصر، أسّس العسكر حكمًا بيروقراطيًا يفرض النظام عبر المؤسسات. أما في السودان، فقد جرى تفريغ المؤسسات وإطلاق الفوضى لضمان بقائهم كوسطاء وحيدين بين الخارج والداخل. رابعًا: تناقض النخبة وصراع الرموز ما يجمع الطائفية، الليبرالية، والعسكر، رغم اختلاف الشكل، هو غياب الرؤية الوطنية الجامعة، وتمركز السلطة والثروة في نخب مغلقة. الطائفي يوظف الغيب. الليبرالي يُنظّر من دون شعب. والعسكري يستقوي بالخارج. قال عبد الله علي إبراهيم: "العسكر والطائفة لا يختلفان: كلاهما يرفض المساءلة، أحدهما باسم الله، والآخر باسم الوطن". حتمية التغيير من خارج المعبد اليقين الحقيقي بالتغيير لا يأتي من شطحات "دراويش السياسة"، ولا من تنظيرات الصفوة، ولا من انقلابات الجنرالات. بل من تحرّك طبقات جديدة، من لجان المقاومة، ونساء الهامش، وشباب القرى، ومن قوى تتنفس من خارج هواء المركز.
وكما قال عبد الغني كرم الله- "العسكر ليسوا حراس السفينة... بل قراصنة يسرقون أشرعتها. وشطحات الدراويش ليست سذاجة، بل خطة لتأجيل الوعي. وأحلام الليبراليين ليست تنويرًا، بل قفز في الهواء".
#مراجع للاستئناس والتحليل----- عبد الولي الأمين، الاقتصاد السياسي للصراع في السودان، مركز دراسات الوحدة.
منى عبد الله، الطائفية كرأسمال اجتماعي، مجلة الفكر العربي.
Alex de Waal, The Real Politics of the Horn of Africa, Polity Press.
مقالات نقدية في الصحافة السودانية:
عبد الله علي إبراهيم،
حيدر إبراهيم علي،
عثمان ميرغني،
فيصل محمد صالح، (2018–2024).
|
|