Post: #1
Title: لا تمكين بعد اليوم- نحو دولة مواطنة سودانية لا أيديولوجية#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-24-2025, 03:19 AM
03:19 AM June, 23 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
لم يكن فشل الإسلاميين في السودان مجرد تعثر سياسي أو إخفاق في إدارة الحكم، بل هو انعكاس عميق لمشروع فكري مأزوم، تأسس على استعلاء ثقافي عربي، وتوظيف ديني انتهازي، حاول طمس التعدد السوداني وإخضاعه لنسخة أحادية من الهوية مستوردة من صحراء الحجاز أكثر من كونها نابعة من أرض النيل وكردفان والجنوب ودارفور. لسنوات طويلة، اعتمد الإسلاميون السودانيون ـ منذ تيار جبهة الميثاق ثم الجبهة الإسلامية القومية وصولًا إلى الإنقاذ ـ على مقولات تكرّس مركزية العروبة والإسلام السياسي في صياغة هوية الدولة السودانية، وهو ما مثّل امتدادًا لرؤية عربية عابرة للحدود حاولت أن تجعل من السودان مجرد تابع حضاري للفضاء العربي الإسلامي السني، لا بوصفه شريكًا ندًّا بهويته الإفريقية وتعدده الديني والثقافي. لكن هذا المشروع، حين اصطدم بواقع السودان، كشف عن فشله البنيوي. وكما يرى المفكر السوداني أبوالقاسم حاج حمد، فإن المعضلة لا تكمن في الدين كقيمة، بل في تحويل الدين إلى مؤسسة أيديولوجية مغلقة، وإلى أداة تعبوية تختزل الوعي الشعبي في الطاعة والتمجيد، وتبرّر إقصاء الآخر المختلف ثقافيًا أو سياسيًا. تجاوز ثنائية الاستلاب والاستعلاء رفض أبوالقاسم حاج حمد في مشروعه الفكري مقولة "الخصوصية العربية" أو "الإسلاموية" بوصفها مقدسة أو نهائية، بل دعا إلى فهم الدين كإطار حضاري مفتوح، لا يحتكر تأويله تيار واحد، ولا يُقصي التعدد الثقافي والاجتماعي. انتقد حاج حمد فكرة "التمكين" التي رسّخها الإسلاميون بوصفها انقلابًا على قيم الدين ذاتها، لا سيما في عدالة الشورى، وحرية التفكير، والتعايش بين المكونات المتباينة. وفي مقابل ما طرحه الكاتب دويري من نمطية التفكير الجماعي والركود الثقافي بوصفها ناتجًا تاريخيًا طبيعياً، فإن حاج حمد لا يرضى بهذا التشخيص القدري، بل يرى أن الفشل ناتج عن اختيار فكري وسوء قراءة للواقع التاريخي، واختزال الدين في سلطة لا في رسالة. فبينما يكتفي دويري بنقد العقل العربي من داخل بنيته ويقرّ بعجزه التاريخي، يدعو حاج حمد إلى تحرير هذا العقل من ثنائية الاستلاب الثقافي للغرب والاستعلاء على بقية الشعوب غير العربية، ومن بينها شعوب السودان. الهيمنة الثقافية العربية وتفكيك المركز من هذا المنطلق، فإن محاولة الإسلاميين فرض الثقافة العربية والإسلام السني الصحراوي على بلد متعدد اللغات والأديان والثقافات مثل السودان، ليست مجرد خطأ، بل جريمة فكرية وثقافية. لقد تم استبدال الهوية الوطنية الجامعة بهوية عرقية - دينية إقصائية صُمّمت لتخدم المركز النيلي على حساب الهامش، ولتكرّس ولاء السودانيين لمنظومة الأمة العربية والإسلامية، لا للدولة السودانية الحديثة. يرى حاج حمد أن فهم الإسلام ينبغي أن يُنتج دولة مدنية حضارية، لا دولة دينية أيديولوجية. بمعنى أن تكون المرجعية الإسلامية ضامنة لكرامة الإنسان وحريته وعدله، لا وسيلة للوصاية على الناس باسم السماء. في المقابل، فإن التجربة الإسلامية السودانية لم تفضِ إلى بناء دولة، بل إلى تفكيك الدولة؛ تسببت في انفصال الجنوب، وأشعلت حروب دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ورسّخت الاستقطاب بين المركز والهامش. الخروج من المأزق و تحرير الوعي لا استبداله إذا كان دويري يشير إلى أن التغيير يبدأ من مراجعة أنماط التفكير، فإن أبوالقاسم حاج حمد يذهب أبعد من ذلك، فيرى أن الأمر يبدأ من تحرير العقل السوداني من الوصاية المركزية العربية، ومن قوالب التفكير الموروثة التي تربط الدين بالسلطة، والهوية بالعرق والولاء بالطاعة. لقد قاوم السودانيون هذا المشروع باستمرار؛ من تمرد الجنوب إلى انتفاضات المدن، ومن الحركات الثقافية في الأطراف إلى وعي الشباب في المدن الكبرى، رفضًا لحكم الصوت الواحد. ولعل الثورة السودانية الأخيرة (2018-2019) تمثّل أبلغ دليل على رغبة عميقة لدى الشعب السوداني لتفكيك الإرث الإسلاموي ـ العروبي، واستعادة مشروع وطني قائم على المواطنة لا الانتماء الأيديولوجي.
أن مشروع الإسلاميين في السودان سقط ليس فقط لأنه قُمعي أو فاسد، بل لأنه مشروع مستورد، متعالٍ، منقطع عن واقع الناس وتنوعهم الثقافي. أما البديل الحقيقي، فهو ما سعى إليه مفكرون كأبوالقاسم حاج حمد: مشروع يتصالح مع التعدد، وينطلق من الداخل السوداني، لا من أوهام الخلافة أو الحنين العرقي للمركز العربي.
المصادر والمراجع أبوالقاسم حاج حمد
"جدلية الأصل والفرع: الفكر السوداني بين الوحدة والتعدد"، دار الأمين، القاهرة، ط1، 2001.
مصدر أساسي لرؤية حاج حمد حول الدولة الحضارية، ونقده لفكرة الدولة الدينية والهوية الأحادية.
"السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل"، مركز الدراسات النقدية، الخرطوم، 1996.
يتناول فيه نقدًا شاملاً للمشروع الإسلاموي، ويؤكد على مركزية المواطنة والتعدد.
"العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2، 2002.
الكتاب المؤسس لفلسفة حاج حمد في نقد المشروع الإسلامي التقليدي، والدعوة إلى التجديد من داخل النص لا عبر تعطيله.
أدونيس (علي أحمد سعيد)
"الخطاب والحجاب"، دار الساقي، بيروت، 2002.
تمت الإشارة إليه في النص كمصدر للرؤية التي تقول إن العرب لم يبنوا دولًا بل أنظمة قبلية، وقد تم استبدالها برؤية حاج حمد.
دويري، الكاتب المشار إليه (تم إسقاط طرحه):
أنماط التفكير والمواجهة في المجتمع العربي، (دراسة منشورة، أو إصدار أكاديمي معاصر).
هذا المرجع كان الأساس في النص الأصلي الذي طلبت إسقاطه، ويبدو أنه مصدر معاصر يستند إلى التحليل النفسي والسوسيولوجي لأنماط التفكير العربي، وتم تجاوزه لصالح رؤية نقدية داخلية من واقع الفكر السوداني.
مصادر مكملة ومرجعية سودانية لفهم خلفيات الصراع الهوياتي:
محمد أبو القاسم حاج حمد، "الفكر السوداني ومناهج التكوين: نقد التصور الإسلامي للعروبة والإسلام" (محاضرات غير منشورة أو ضمن مؤتمرات فكرية).
عبد الله علي إبراهيم، "الثقافة والديمقراطية في السودان"، دار عزة، الخرطوم، 2000.
|
|