Post: #1
Title: إيران.. جريمة زعزعة الهيمنة كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 06-16-2025, 04:35 AM
04:35 AM June, 15 2025 سودانيز اون لاين د. ياسر محجوب الحسين-UK مكتبتى رابط مختصر
أمواج ناعم
في خضم النقاش المتكرر حول السياسات الإيرانية ودورها الإقليمي، يتكرّس تصور شائع مفاده أن “مشكلة إيران ليست في قوتها العسكرية، بل في تبنيها للصراعات وزعزعة استقرار المنطقة”، وكأن استهدافها دوليًا جاء ردًّا على سلوك عدواني بدأ منها. غير أن هذا الطرح يحتاج إلى إعادة تفكيك منهجية تضع الأمور في سياقها التاريخي والاستراتيجي الأوسع.
فإيران لم تكن يوما محل استهداف دولي بسبب سلوكها الإقليمي فحسب، بل لأنها منذ اللحظة الأولى لقيام الجمهورية الإسلامية، طرحت نفسها كمشروع مناهض للهيمنة الغربية، يتبنى خطابا إسلاميًا يرفض التبعية، ويدعو إلى استقلال القرار السياسي والاقتصادي، ويدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية بوصفها واجبًا شرعيًا وأخلاقيًا.
هذا الطرح بحد ذاته — لا الصواريخ ولا الحوثيين ولا حزب الله — هو ما جعلها عدوًا “أبديا” في عين ما يسمى بالمجتمع الدولي، ذلك المجتمع الذي لا يرى بأسا في امتلاك إسرائيل لترسانة نووية كاملة، لكنه يشن الحروب تلو الحروب لمنع إيران حتى من التخصيب.
ولو كانت زعزعة الاستقرار هي جوهر المشكلة، لكانت إسرائيل أول من يُدرَج في قوائم العقوبات. فهي الدولة الوحيدة التي احتلت أرضًا عربية بالقوة، وأنشأت مئات المليشيات العميلة، وشنّت عشرات الحروب، وهددت سلام الملاحة البحرية في المتوسط والأحمر والخليج.
ثم ما قيمة النموذج الباكستاني الذي يُشار إليه كـ”نموذج عقلاني” ودعوة إيران لاحتذائه؟ هل منعت القنبلة النووية الباكستانية واشنطن من الضغط عليها اقتصاديا وسياسيا؟ أم أن التبعية الاقتصادية تظل هي الثمن المدفوع مقابل الحياد؟ الحقيقة أن باكستان لم تزعزع شيئًا، لكنها لم تحصّل احتراما ولا أمنا، لأن ما يحكم العلاقات الدولية ليس “النية الطيبة”، بل موازين القوة والاستقلال.
المشكلة الحقيقية في إيران ليست في أدواتها وإن أختلف الناس معها كثيرا، بل في الطرح الإسلامي الذي تمثّله، والذي يُقرأ في الغرب باعتباره تحديا وجوديا للنظام الدولي القائم على الليبرالية الغربية، والعلمانية السياسية، والتبعية الاقتصادية.
الإسلام السياسي في حد ذاته — سنّيا أو شيعيًا — هو في مرمى الاستهداف، حتى لو جاء ديمقراطيا، كما حدث في مصر وتونس، أو مقاوما كما في فلسطين. فـ”الإسلام” حين يظل في المسجد، مرحب به. أما حين يطالب بالحكم، والسيادة، وتحرير الثروات، يُدرج فورًا في قوائم الخطر.
أما الحديث عن “العقلية” التي تدير القوة، فمخادع حين يصدر من دول كانت هي من قاد الانقلابات، وأسقطت الشرعيات، ودمّرت العراق وسوريا وليبيا. فالعبرة ليست في عقلية إيران أو نواياها، بل في رفضها للعب دور التابع.
إن المفارقة الكبرى أن من يدّعي الحرص على استقرار المنطقة، هو نفسه من يشعل حروب الوكالة، ويؤجج الطائفية، ويدعم الديكتاتوريات شريطة أن تكون على وفاق مع واشنطن.
ومن جهة أخرى، تُروّج بعض الخطابات لفكرة أن إيران وإسرائيل يجمعهما تحالف خفي ضد العرب والسنة، وكأن العداء الظاهري بينهما مجرد مسرحية تخدم مصلحة الطرفين. غير أن هذا الطرح، رغم انتشاره في بعض الأوساط، لا يصمد أمام اختبار الواقع. فالهجوم الإسرائيلي الأخير على قلب إيران — وهو الأعنف منذ اغتيال فخري زاده — يُفنّد هذه الفرضية بشكل حاسم، ويؤكد أن إيران لا تزال في نظر تل أبيب تهديدًا وجوديًا ينبغي احتواؤه أو تحطيمه.
نعم، في إيران جالية يهودية كبيرة، وقد نجحت إسرائيل في اختراق الداخل الإيراني أمنيًا أكثر من مرة، لكن ذلك لا يعني وجود تواطؤ سياسي، بقدر ما يكشف هشاشة بعض الأجهزة، أو حتى احتمال خيانة من أطراف داخلية، بعضها — ربما — من أبناء هذه الجالية نفسها. ومع ذلك، فإن جوهر الصراع يظل متمحورًا حول المشروع السياسي الذي تمثّله إيران، لا حول الأقليات ولا الهويات الفرعية.
غير أن ذلك لا يعني أن النموذج الإيراني بلا عيوب أو بلا حسابات خاطئة. فقد تعاونت إيران مع واشنطن خلال غزو العراق 2003، وفتحت المجال أمام الاحتلال الأمريكي، ليس فقط بدافع المصالح السياسية، بل كذلك بدافع التعصب لعقيدتها الشيعية ورغبتها في الإطاحة بنظام سني معادٍ لها.
هذا الموقف سُجّل عليها في وعي قطاع واسع من العالم الإسلامي، وأدى إلى تراجع الدعم الشعبي لها خارج الدوائر الشيعية، وسلبها كثيرا من الزخم الرمزي الذي كانت تتمتع به باعتبارها “قلعة مقاومة”.
ورغم أنها لا تزال تقود محورا مناهضا لإسرائيل، فإن هذا السلوك المذهبي عزّز الانقسام داخل الأمة، ووفّر الذرائع لأعدائها لتشويه كل طرح إسلامي مقاوم، عبر وصمه بالطائفية.
في النهاية، علينا أن نفهم أن الصراع مع إيران ليس صراعا على أدوات، بل على النماذج. والنموذج الإسلامي - أكان معيبا أو لا - لا يُسامَح عليه لأنه ببساطة يجرؤ على أن يحكم.
|
|