Post: #1
Title: مأساة الحج السوداني عندما يتحول موسم العبادة إلى مسرح للفساد والإهمال كتبه محمد هاشم محمد الحسن
Author: محمد هاشم محمد الحسن
Date: 06-13-2025, 01:25 PM
01:25 PM June, 13 2025 سودانيز اون لاين محمد هاشم محمد الحسن-Sudan مكتبتى رابط مختصر
لم يكن حج هذا العام تجربة روحانية تهدف إلى التقرب إلى الله، بل تحول إلى كابوس من الإهمال والفساد، حيث استُغل الحجاج السودانيون من قبل مجموعة تتوارى خلف ستار الدين لخدمة مصالحها الضيقة، دون أي اعتبار لكرامة أو حقوق من جاءوا لأداء فريضتهم المقدسة. كل القائمين على تنظيم هذا الموسم يتبعون للمؤتمر الوطني سيئ الذكر، ولم تكن مهمتهم خدمة الحجاج بل تصنيفهم سياسيًا بين (وطني) و(معارض)، مما جعلهم يتعاملون مع الحجاج وكأنهم أدوات في مشروع سياسي فاسد بدلاً من كونهم ضيوفًا على بيت الله الحرام.
التكاليف التي فُرضت على الحجاج السودانيين كانت باهظة بلا أي مبرر، حيث تراوحت بين أربعة عشر ألف ريال سعودي وخمسة آلاف دولار أمريكي، ووصلت إلى ستة عشر مليون جنيه سوداني لمن تأخروا في التسجيل، وهي مبالغ خيالية مقارنة بالدول الأخرى مثل مصر، حيث لم تتجاوز تكلفة حج مواطنيها عشرة آلاف ريال، رغم حصولهم على خدمات أفضل بكثير، بما في ذلك الإقامة في فنادق فاخرة بالقرب من الحرم، على عكس السودانيين الذين دُفعوا إلى فنادق العزيزية البعيدة ذات البيئة السيئة والخدمات المتدنية. لم تكن هذه الفوارق المالية إلا نتيجة مباشرة لفساد مسؤولي الحج، الذين احتكروا الفرص المتاحة وقاموا ببيعها بأسعار مضاعفة في الأيام الأخيرة للتسجيل، في عملية استغلال مكشوفة.
وعوضًا عن تخصيص المنابر الدينية لتعليم الحجاج مناسكهم وإرشادهم لكيفية أداء الفريضة، تم تحويل هذه المنابر إلى منصات دعائية لحرب الكرامة، حيث لم يكن هناك أي اهتمام بتوعية الحجاج أو تقديم المعلومات الدينية الضرورية لهم، بل كان التركيز منصبًا على بث الرسائل السياسية، مما أثار استياءهم ودفعهم إلى الاحتجاج، مطالبين بأن يكون تركيز الخطب على العبادات لا على الصراعات السياسية.
حتى منذ اللحظة الأولى لوصول الحجاج إلى الأراضي المقدسة، كان واضحًا أن الإهمال هو السمة الأساسية لإدارة الحج السودانية. لم يكن هناك أي استقبال رسمي لهم في المطار، حيث لم يجدوا أي مندوبين أو مسؤولين يساعدونهم في الوصول إلى أماكن إقامتهم، واضطر البعض إلى السفر إلى المدينة على حسابهم الخاص. بعد طول انتظار، تمكنت مجموعات الحجاج الأخرى من التواصل مع مسؤولي الحج عبر تطبيق واتساب، وتم إرسال باصات لنقلهم، ولكن دون أي تنظيم أو مسؤولية واضحة. وحتى بعد وصولهم إلى مكة، بدأت مرحلة جديدة من العذاب، حيث لم تكن هناك أي ترتيبات واضحة حول أماكن إقامتهم، ما اضطرهم إلى البحث عنها باستخدام تطبيقات الخرائط، ليكتشفوا أن الفنادق المخصصة لهم لم تكن سوى منشآت رديئة، حيث تم إجبار خمسة أشخاص على التكدس في غرف صغيرة مصممة في الأصل لسريرين فقط، وسط بيئة قذرة واكتظاظ شديد، في حين أن تكلفة الإقامة في هذه الفنادق لم تتجاوز 150 ريالًا، رغم أنهم دفعوا مبالغ ضخمة.
وسائل النقل كانت كارثة أخرى، حيث لم توفر إدارة الحج سوى باصين في اليوم لنقل الحجاج إلى الحرم، مما جعل التنقل مهمة شبه مستحيلة، خاصة لكبار السن والنساء الذين اضطروا لدفع 100 ريال للذهاب ومثلها للإياب يوميًا للصلاة وأداء المناسك، بينما كان حجاج الدول الأخرى يقيمون في فنادق قريبة من الحرم، مما وفر عليهم العناء والجهد. وحتى عند الانتقال من مكة إلى المدينة، كانت الباصات المستأجرة متردية جدًا، واستغرقت الرحلة، التي لا تتجاوز ثلاث ساعات، أكثر من ثماني ساعات بسبب سوء نوعية المركبات. وعندما جاء يوم التروية، كان يُفترض أن يتم نقل الحجاج بطريقة منظمة إلى منى، لكن البعثة السودانية قررت ترحيلهم قبل اليوم المحدد بسبب عدم استخراج التصاريح، مما جعلهم يعانون بشكل مضاعف دون أي ضرورة.
في منى، بلغت المعاناة ذروتها، حيث تم وضع الحجاج السودانيين في قمة الجبل، بينما كانت بقية البعثات تقيم في مواقع مريحة، ولم تُوفر لهم أي وسائل نقل، فاضطروا إلى السير لمسافات طويلة وسط الحر الشديد، بينما كان حجاج الدول الأخرى ينتقلون بسهولة في بيئة منظمة. داخل المخيم، لم تكن هناك أي مراعاة لحقوق الحجاج، إذ ضمت كل خيمة نحو 200 حاج، دون وجود مساحات كافية للنوم أو التحرك، وكان الوصول إلى الحمامات يتطلب السير فوق أقدام الآخرين، مما ساهم في انتشار الأمراض، خاصة نزلات البرد، في ظل غياب التهوية والتكييف، رغم أن الحرارة وصلت إلى 54 درجة مئوية. كل ذلك جعل ظروف الإقامة لا تليق بكرامة الإنسان، خاصة مع وجود ثلاثة مقابس كهربائية فقط للحجاج جميعهم، مما جعل شحن الهواتف أو استخدام الأجهزة الإلكترونية أمرًا مستحيلًا.
حتى الطعام لم يسلم من الإهمال، حيث لم تكن الوجبات المقدمة تفي بأي معيار صحي، إذ اقتصرت على طبق فول غير مستساغ بسبب البهارات الرديئة، وبيضة أو بيضتين فقط، مما اضطر كثيرًا من الحجاج إلى شراء الطعام على حسابهم الخاص، وزاد ذلك من الأعباء المالية عليهم. وفي عرفات، كان الوضع أكثر سوءًا، حيث تم جمع الحجاج في هنجر ضخم بلا أي وسائل راحة أو احترام للخصوصية، بينما تم نقل بعثات الدول الأخرى إلى جبل الرحمة. لم يتلقَ الحجاج السودانيون أي توجيهات حول توقيت الدعاء أو الصلاة، بل تُركوا دون أي إرشاد ديني يساعدهم على أداء مناسكهم. أما في مزدلفة، فلم يتم توفير أي تجهيزات مناسبة، بل تم تخطي المبيت فيها بالكامل، مما دفع الحجاج إلى الاحتجاج وأجبر المسؤولين على العودة، لكن عند وصولهم، رفضت السلطات السعودية السماح للباصات المتأخرة بالدخول، مما أجبرهم على الصلاة في العراء، في حين كانت بعثات الدول الأخرى قد نظمت أماكن مبيت مريحة ومجهزة.
رمي الجمرات كان اختبارًا آخر لصبر الحجاج، حيث لم تُوفر أي باصات لنقلهم، مما اضطر كبار السن والنساء إلى السير لمسافات طويلة، وسط ظروف صعبة، في حين أن حجاج الدول الأخرى حصلوا على وسائل نقل مريحة. وبعد العودة إلى مكة، أعلن أمراء الحج أن مهمتهم انتهت، رغم أنهم لم يقدموا شيئًا، أما المسؤولون وضباط الجيش، فقد حصلوا على الحج مجانًا، مما جعل كل حاج دفع من ماله يتحمل تكلفة نصف حاج آخر جاء دون أن يدفع شيئًا، في مشهد يفضح الفساد المستشري في هيئة الحج والعمرة السودانية.
في النهاية، هذه الهيئة تعتبر بؤرة فساد، تقدم فتاوى مضللة لتبرير إخفاقاتها، مثل إجازة عدم المبيت في مزدلفة، ويجب حلها فورًا ومحاسبة كل من تورط في هذا الإهمال، حتى لا تتكرر هذه المهزلة في الأعوام القادمة، ويؤدي الحجاج السودانيون فريضتهم بكرامة تليق بهم، دون أن يكونوا رهائن لجشع المسؤولين وانعدام الضمير.
|
|