كارثة السودان وهزائم القوى السياسية كتبه أحمد المهدي

كارثة السودان وهزائم القوى السياسية كتبه أحمد المهدي


05-23-2025, 00:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1747955335&rn=0


Post: #1
Title: كارثة السودان وهزائم القوى السياسية كتبه أحمد المهدي
Author: أحمد المهدي
Date: 05-23-2025, 00:08 AM

00:08 AM May, 22 2025

سودانيز اون لاين
أحمد المهدي-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر







‏"لقد بقينا حتى الآن نتحدّث عن الخسائر والهزائم التي ألحقها بنا الآخرون، وحانَ الوقت لأن نبدأ الحديث عن الخسائِر والهزائم التي ألحقناها نحنُ بأنفُسِنا. وستكون هذه بداية رُشدنا..."

المقولة الخالدة للزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش وصحيح أنها قولت في سياق آخر بعيد عن واقعنا ولكن لمصداقيتها قد تكون صالحة لكل زمان ومكان ، وقد تكون مناسبة الآن لأوضاعنا .
إذا ما أردنا فعلا أن نغير من أنفسنا ونتتدارك واقع بلادنا البائس ، فلا بد من التوقف لمراجعة أنفسنا وأن يكون الانطلاق نحو تصحيح الأوضاع من محطة تقييم الذات .

ما يجري في بلادنا الآن مأسي واقتتال ودمار في كل شيء جاءت كنتاج طبيعي لتراكمات أخطاء القوى السياسية التي مازلت مستمرة في طريق نهجها بنقل خسائرها وهازئمها على طول السنين الممتدة ولا يزال نفس العدوى متجذرة في عقول النخب السياسية وبسببها يعد السودان اليوم من الدول الفاشلة بجميع النواحي ويعيش مواطنوها في اسواء اوضاعهم من حيث الفقر و الجهل والتخلف ، مع الأنهيار الكامل في كل شئي بما فيها الأخلاق والقيم بسبب الحرب المدمرة.

كان هناك وهم كبير ظللنا ننسجها في مخيلتنا بأننا الافضل في كل شي ومميزون اخلاقيا عن باقي الشعوب التي تتعايش معنا في محيطنا ، وهو ما ثبت جليا بأنها مجرد خزعبلات وأدعاءآت كاذبة ظل يروجها المثقف السوداني من دون أي أساس لصحتها، نفس المثقف المتناقض والمتخاذل الكاره لأهله وثقافتهم وتكرهه بالمقابل ثقافات وجماعات أخرى يريد الالتحاق بها وتنظر اليه بأحتقار نظرة المتسول الغريب الفاشل والعاجز عن القيام بواجبه نحو وطنه وشعبه وأبتعاده عن اكثر اللحظات مفصلية من تاريخ يلده وترك قضاياها المهمة بأيدي الاغبياء من ذوي قصر النظر السياسي والفكري ممن أوردونا موارد الهلاك ولايزالون إلى الآن ينتشرون بكثرة و يتحكمون ويقررون في مصير البلاد .

اذا ما أردنا أن ننهض بعد كل هذه المآسي علينا أولا بأن نبدأ بالحديث عن الهزائم والخسائر التي الحقناها بأنفسنا وتشخيص ازماتنا المتجذرة بكل صدق، والاعتراف بكل ما ظل يكبلنا منذ بدايات تكوين الدولة وسودان ما بعد الأستقلال ، والاعتراف بعدم وجود نخبة جيدة التكوين فكريا وذات رؤية واضحة تتوق لإحداث التغير والنهضة سوى الآن أو منذ ذلك الوقت ، والانكسارات والهزائم المتتالية بسبب نخب ما بعد الأستقلال الذين تربوا في اجواء انتخابات مؤتمر الخريجين السنوية بكل ما فيها من مؤامرات ودسائس ومقالب ومساومات . وحين وصلوا للحكومة والبرلمان وقيادة الأحزاب نقلوا معهم كل هذه الموبقات الى الحياة السياسية والفكرية ، نقلوها معهم من خلال الصراع والتنافس في مستويات أعلى مثل السلطة والحكم والإدارة ، وقاموا بتكرار نفس النهج على الرغم من معرفتهم التام بعدم إمكانية أن يؤدي اسلوب انتخابات المؤتمر الى تحقيق الأستقرار والتنمية وظهرت نتائجها جليا بأنعكاس ذلك على أرض الواقع من خلال شهود سقوط وقيام الكثير من الحكومات قصيرة العمر في تلك الفترة التي عرفت فيها الحياة الحزبية بداية الأنقسامات وبروز العديد من الأحزاب المنشقة ، وليشكل هذه النشأة المضطربة فيما بعد خط تطور الديمقراطية وممارسة السياسة في بلادنا منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ، وظلت النخبة السياسية السودانية تعيد انتاج ذلك التاريخ وكأنه من البديهيات والمسلم به .

ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال لم تحدث الأحزاب والمنظومات السياسية أي قطيعة حقيقية أو تعديل للبدايات الخاطئة ٠ وظلت الأحزاب والتنظيمات السياسية تفتقد للمؤسسية والديمقراطية الداخلية في أدارة شؤونها ، خاصة فيما يتعلق بتجديد القيادات وأتخاذ القرارات الهامة ،ومستعيضين عنها بتحكم اقلية منتفعة تتعامل مع الأمر كغنيمة وليس كمبادئ سامية ومسؤلية تاريخية يترتب عليها الكثير من الإلتزامات وعوضا عن المضي في اتجاه بناء المؤسسات الراسخة انشغلوا في تقاسم المقاعد وغرقوا في سجالات عبثية بنقل نفس الداء العضال إلى فضاء العمل العام وكانت من نتائجها الكارثية تحويل ثورة ديسمبر العظيمة إلى ثورة بلا مشروع وخلق مناخ مسموم استثمرها عسكر النظام السابق لإعادة السيطرة مجددا على الدولة .

إذا ما أردنا المضي قدما في الإتجاه الصحيح ، لابد من ثورة فكرية في بلادنا تسبق الثورة السياسية لتصحيح الأخطاء والمفاهيم الموروثة لكي لانقع مجددا في براثن الفشل ، على جميع القوى السياسية أن تقوم بمواجهة اخطائها وهزائمها ومعالجة قصر النظر السياسي الذي بسببه دمرت البلاد ، علينا أن نتعامل مع كل قضايانا الأساسية بأحترافية وارادة وطنية خالصة لكي نحظي من بقية العالم بالاحترام والتقدير .
Image