منذ وقت مبكر، اتخذت دولة الإمارات العربية المتّحدة قراراً حازماً ومبدئياً، اعتبرت بموجبه تنظيم الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، يجب محاربته بكافة السبل، وأينما وجد، وجاء هذا القرار نتيجةً لإدراك قياداته الرشيدة، خطوة الإسلام السياسي البراغماتي بطبعه، على الأمن المجتمعي، مستلهمين العبر من تجارب الإخوان في زعزعة الاستقرار في دول الجوار، والتآمر على دولة الإمارات ذات نفسها. قامت دولة الإمارات بتأسيس مركز هداية بالشراكة مع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في عام 2012م، وهو مركز دولي معني بالتدريب والحوار والأبحاث والتعاون في مجال محاربة العنيف والتطرف، وتعتبر دولة الإمارات عضواً مؤسساً في "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، ورئيساً مشاركاً لـ"مجموعة عمل مكافحة التطرف العنيف" التابعة للمنتدى مع المملكة المتحدة من عام 2011 إلى عام 2017م. لم تترك دولة الإمارات العربية المتّحدة أي مجال للمساومة في التعامل الحازم مع "الإخوان". فبعد أن كانت تفتح أبوابها لهم إلى أن اكتسبوا قوةً وتأثيرًا بالتغلغل داخل مؤسسات الدولة، باتت تنظر إليهم منذ بدايات الألفية الجديدة باعتبارهم يشكلون تهديدًا لاستقرار الدولة، حتى شرعت السلطات في قمعهم بلا هوادة منذ عام 2011. فقد كاد جماعة الإخوان المسلمين السيطرة على المفاصل الحيوية للعملية التعليمية في دولة الإمارات من خلال الهيمنة على وزارة التربية والتعليم والمناهج الدراسية، والتحكم في جامعة الإمارات العربية المتحدة، واحتكار نظام البعثات التعليمية في الدولة، بهدف السيطرة على المجتمع وقِيَمه. أورد د. عبدالمنعم همت في مقال له بصحيفة العرب "شيد الإخوان قصورا من الرمال ظنوها مانعتهم من وعي الحكومة والشعب الإماراتي والإنسانية جمعاء، بدأوا بحشد الجماعات والأفراد ليصنعوا ثقبا ينفذون من خلاله واعتبروا أن ما يسمى بالربيع العربي ساعة صفرهم، وفقا للتوهم وسوء التقدير، وانتهى حلم التنظيم الدولي ببناء مركز إخواني في الخليج بالضربة التي نالها في يناير 2014؛ وذلك عقب صدور حكم قضائي من المحكمة الاتحادية العليا يقضي بحل التنظيم وإغلاق مكاتبه ومصادرة ممتلكاته وأمواله، وتبعت ذلك ضربة قوية من الإمارات لتنظيم الإخوان بإصدار محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية (دائرة أمن الدولة) الأربعاء 10 يوليو 2024 حكما بإدانة 53 متهما من قيادات وأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين، كما عاقبت المحكمة ست شركات والمسؤولين عنها بغرامة مالية بلغت عشرين مليون درهم وبحل وإغلاق مقار هذه الشركات ومصادرة أصولها وحقوقها المادية والمعنوية والعقارات والواجهات المملوكة لها." لم تكفِ السلطات الإماراتية، بمحاربة الإسلام السياسي، الذي يتاجر بالدين، من أجل الهيمنة الأصولية، داخل دولة الأمارات فحسب، بل بذلت جهوداً جباراً، وتحركت إقليمياً بهمة لاستئصال التطرف الديني أينما وجد. متعاونة مع جهات أخرى ثائرة ضدهم. فقد دعمت حكومة السيسي مادياً ومعنوياً لتستقر وسط مؤامرات "الإخوان"، وواصلت دعمه لمصر، عندما تراجعت المملكة العربية السعودية، بسبب تراجع السيسي عن صفقة جزيرتي تيران وصنافير. وعكس ذلك، قطعت دولة الإمارات عن تونس كافة أشكال المساعدات بعد أن كانت، قبل عام 2011، ثاني شركائها الاقتصاديين بعد ليبيا. وسبب هذا القرار، سيطرة حزب حركة النهضة "الإخواني" على مقاليد السلطة برئاسة راشد الغنوشي. فأي مبدئية أكثر من هذا؟ وتحالفت دولة الإمارات مع الجنرال خليفة حفتر، ليقف سداً منعيناً في وجه "إخوان" ليبيا، ولولا الدعم الإماراتي المبدئي والمقدر، لكانت ليبيا لقمة صائغة للمليشيات الإسلامية المتطرفة، ولولا الصلابة الإماراتية المصرية، لقلبت التدخل التركي موازين القوى لصالح التطرف الإسلامي في ليبيا. دعم الإمارات اللامحدود للمشير حفتر، مكنه من السيطرة على شرق وجنوب ليبيا، وهو الجنرال المحترف، في وجه الميلشيات الإرهابية والمتطرفة، وغالباً سيسطر على كافة أجزائها حسب التطورات الأخيرة. ولو لا السند الإماراتي المقدر لدولة تشاد، والدعم اللامحدود أمنياً واقتصادياً، لما تمكنت حكومة محمد إدريس دبي، من الصمود في وجه تمدد حركة بوكو حرام المتطرفة إلى وسط أفريقيا. ولذات الغرض المبدئي، متّنت السلطات الإماراتية علاقاتها من دولة كينيا، لمحاصرة تنظيم "الشباب" الصومالي المتطرف، وللحد من تمددها في شرق أفريقيا، في ظل التفرج الدولي، وعدم المبالاة والعجز الإقليمي. تمتين العلاقات الإماراتية الكينية بصورة ملحوظة مؤخرا، ذات صلة مباشرة بالتحدي الكبير التي تواجها السلطات الإماراتية، في منع عودة تنظيم الإخوان المسلمين في السودان إلى سدة الحكم مرة أخرى، وهو من أشرس التنظيمات الإخوانية على الإطلاق. وفي سبيل القضاء على هذا الحلم "الإخواني" في السودان، لم تتردد دولة الإمارات العربية المتّحدة، في الوقوف إلى جانب قوات الدعم السريع، في حربها ضد فلول الحركة الإسلامية في السودان، وميلشياتها الأكثر تطرفا في المنطقة. وبما أن دولة كينيا قد فتحت أبوابها لقوات الدعم السريع وحلفائها المعادين لعودة فلول النظام البائد في السودان، فإن دولة الإمارات تعزز علاقاتها بصورة مدروسة مع كل من الجنرال حفتر والرئيس التشادي محمد كاكا والكيني وليام روتو. ظلت دولة الإمارات العربية المتّحدة تواجه شراسة تنظيم الإخوان المسلمين المتطرفة، شبه منفردة، على الأقل علنياً، لكنها تبدو مصممة، ولن تتراجع، والراجح أنها رابحة هذا التحدي، لخطورة هذا التنظيم الشيطاني، وكراهيته من قبل كافة شعوب المنطقة، سيما الشعوب التي تتاجر هذا التنظيم الانتهازي في فقرها وعوزها. ومما يزيد من فرص نجاح دولة الإمارات في محاربة هذا التنظيم، إدراكها لخطورة هذا التنظيم، وإصرارها على القضاء عليه، دون تردد وبلا هواة، والسند الدولي الخفي لهذا المجهود، وهذا سر التأثير السياسي الإماراتي المتنامي في المنطقة. إبراهيم سليمان [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة