جنجويد الحركة الشعبية... وكوميديا سوداء اسمها فصل القائد رمضان حسن نمر من التنظيم.. كتبه عبدالغني ب

جنجويد الحركة الشعبية... وكوميديا سوداء اسمها فصل القائد رمضان حسن نمر من التنظيم.. كتبه عبدالغني ب


05-20-2025, 08:30 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1747773052&rn=0


Post: #1
Title: جنجويد الحركة الشعبية... وكوميديا سوداء اسمها فصل القائد رمضان حسن نمر من التنظيم.. كتبه عبدالغني ب
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 05-20-2025, 08:30 PM

09:30 PM May, 20 2025

سودانيز اون لاين
عبدالغني بريش فيوف -USA
مكتبتى
رابط مختصر





في أروقة السلطة، سواء داخل الأنظمة السياسية والحزبية أو الهياكل التنظيمية وحتى في حركات النضال المسلح، لا تقتصر الصراعات على البرامج والرؤى فحسب، بل تمتد إلى ما هو أعمق وأكثر خفاءا، لتأخذ شكلا كيديا وانتقاميا. هذه السلوكيات التي قد تبدو شخصية أو هامشية، إلا أنها تدمر تنظيمات وحركات وأحزاب ومؤسسات. فالكيد السياسي ليس مجرد خصومة، بل هو أداة تستعمل لتصفية الحسابات، وتشويه السمعة، وإقصاء الآخرين بوسائل خفية وملتوية.
إذن الكيد، في اساسه، هو التخطيط الخفي لإيقاع الضرر بالآخر، عبر وسائل غير مباشرة، تعتمد على الخداع والتضليل والتحريض. أما الانتقام السياسي، فهو رد فعل انتقامي متعمد يُمارس بدافع الغضب أو الإهانة أو الرغبة في إثبات الهيمنة، وغالبا ما يتجلى في صورة طرد أوإقالات، إقصاءات، أو تشويه إعلامي.
وعندما يصبح الكيد والانتقام، لغة العمل السياسي والحزبي والتنظيمي، تنهار الثقة بين المكونات السياسية والتنظيمية والحزبية، وتتحول تلك المكونات وغيرها إلى ميدان لصراع دائم لا يتوقف. وإليكم مثالين من التأريخ على سياسة الكيد والإنتقام:
جوزيف ستالين وتطهير الحزب الشيوعي: مارس ستالين واحدة من أبشع حملات الكيد والانتقام السياسي في التاريخ، حين أعدم أو نفى رفاقه السابقين بتهم مفبركة وكاذبة.
الصراعات داخل الأحزاب السودانية: شهدت الأحزاب السياسية، موجات من الإقصاء والتخوين بسبب الصراع على القيادة.
وسياسة الكيد والانتقام، وإن بدت ناجحة على المدى القصير، إلا أنها تهدد أي كيان، سواء دولة أو مؤسسة أو تنظيم أو حركة من الداخل. فلا يمكن لسلطة أن تستقر، ولا لتنظيم سياسي أو مؤسسة أن تزدهر، وهي تُدار بالكيد، وتُحكم بالانتقام.
عزيزي القارئ..
هذا المقال يأتي على خلفية بيان منسوب للحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، منشور على موقعها الإلكتروني -تحت عنوان (بناءاً على مُخالفات تنظيمية، الحركة الشعبية تفصل القائد/ رمضان حسن نمر من عضويتها)، يقول البيان:
أصدرت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال قراراً فصلت بموجبه القائد/ رمضان حسن نمر – من التنظيم.

وقد تحصَّل الموقع الإليكتروني الرسمي للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال على حيثيات الفصل الذي أستند على توصيات لجنة التحقيق التي شكَّلت في التاسع عشر من مارس 2025، للتحقيق مع القائد/ رمضان حسن نمر لمُخالفته المواد (14/9، 100/3/ ز/ ح/ ط) من دستور الحركة الشعبية لسنة 2017 والمواد (6/2، 7 /7 /8 /9) من لائحة السلوك والإنضباط لسنة 2018.
ووفقاً للجنة التحقيق فإن رمضان نمر رفض المثول أمام لجنة التحقيق والتي أوصت بمُحاسبته. وبعد إتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة، أصدرت لجنة المُحاسبة قراراً بفصل القائد/ رمضان حسن نمر – من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.
وإعتبر قرار اللجنة ما يُسمَّى بـ(مُبادرة الإصلاح الهيكلي والتنظيمي) تنظيم مُعادي للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال ويُجرّم التعامُل معه.
وقد أوصَي قرار لجنة المُحاسبة أيضا بتجريد القائد/ رمضان حسن نمر – من الرتبة العسكرية وطرده من الجيش الشعبي لتحرير السودان.
تم تأييد قرار لجنة المحاسبة بواسطة المؤسَّسات الدستورية في الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، ووجَّهت جميع مؤسَّسات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال بوضع القرار موضع التنفيذ.
عزيزي القارئ..
هذا البيان الكيدي والانتقامي، اختلط فيه الحابل بالنابل والجِد بالهزل إلى حد لا يمكن معه التفريق بين المسرحية الساخرة والبيان الرسمي.
وبينما تشتعل الحرب في السودان منذ ما يزيد على سنتين، وتقضي على الأخضر واليابس، وتنتظر الناس من قادتها أقصى درجات التعقل والحكمة، تتفاجأ ببيانات لا يمكن تصنيفها إلا ضمن خانة "الكوميديا السياسية السوداء"، وآخرها البيان اعلاه الذي صدر من جهة تدّعي الشرعية، بينما هي غارقة حتى أذنيها في الأحقاد الشخصية والصراعات العبثية.
لكن السؤال المهم هو: هل هذا بيان لتوضيح موقف أم تصفية حسابات؟
من يقرأ البيان، يدرك منذ السطر الأول، أن الغرض منه لم يكن إيضاح موقف، ولا الدفاع عن مبدأ، بل أشبه برسالة ثأرية، تفيض غيظاً وتقطر سُماً. فهو مليء بالتناقضات والأكاذيب، والاتهامات المجانية التي تنضح بالكره والحقد الدفين أكثر مما تنطق بالحقيقة.
البيان، وكأنه مكتوب من قبل جهة لم تغادر بعد حالة الانتقام والتشفي، يكتب لا بمداد الرفقة النضالية، بل بأحبار الجراح الشخصية، وعندما يتحوّل البيان السياسي إلى وعاء تفرغ فيه جهة من الجهات كل مشاعر النقمة والحقد الدفين، فإننا إذن ليس أمام موقف تنظيمي، بل أمام "حالة نفسية" تحتاج إلى علاج، لا إلى بيان إعلامي.
تتناقض فقرات البيان بطريقة تدعو للضحك حد البكاء والإغماء، فهو يتحدث عن المخالفات، لكنه نسى أو تناسى أن يتحدث عن تفاصيل وطبيعة تلك المخالفات وتواريخ وقوعها.
وبينما يزعم البيان، الدفاع عن الشرعية المزعومة وما ادراك ما الشرعية، تجده نسى متعمدا أن يذّكر العضوية، بأن الحركة الشعبية -شمال، ومنذ ما يزيد على ثلاث سنوات، دون أجسام شرعية منتخبة. إنها حقاً مفارقة تجعلك تتساءل: هل الجهة صاحبة البيان، تعيش في وطن حقيقي، أم على خشبة مسرح ساخر؟
في مسرح الكوميديا السوداء، يُضحِكك الشيء لأنه مؤلم، ويثير فيك السخرية لأنه يعكس واقعا مريرا ومحزنا. وهذا تماماً ما يقدمه هذا البيان الكيدي الإنتقامي، الذي يعرّي قيادة الحركة الشعبية، ويكشف إلى أي درك سحيق يمكن أن تصل الأمور حينما يتحوّل الرأي الآخر إلى وسيلة للانتقام الشخصي.
البيان في مضمونه كان صراخا يائسا لا يحمل سوى رغبة في الرد، وليس في الإقناع، يفتقر إلى المنطق القانوني، وينعدم فيه الحس بالمسؤولية، يُكذّب نفسه في كل سطر، ويهاجم كل من لا يُصفّق للقيادة الحالية للحركة، وكأن التنظيم مسرح لعرض فردي لا يتحمّل الرأي الآخر.
مثل هذه البيانات لا تُضعف الخصم، بل تُحرج صاحبها، فهي تُظهره مضطربا، مندفعا، ومأزوما نفسيا قبل أن يكون سياسيا. وهي تؤسس لسقوط أخلاقي قبل السقوط السياسي، وتجعله مادة سهلة للتندّر والسخرية في الشارع والمجالس العامة وعلى مواقع التواصل.
لقد تحوّل البيان المذكور إلى نكتة، بل إلى كبسولة، يُعاد مشاركتها، لا لأنها تحمل مضمونا جادا، بل لأنها أقرب إلى المشاهد الهزلية التي تُعرض في برامج الترفيه، لا في مجال السياسة.
عزيزي القارئ..
البيانات السياسية يجب أن تُكتب بدقّة، وتُحرّر بعقلانية، وتراجع بروح من المسؤولية والإنضباط. أما أن تتحول إلى أدوات تصفية حسابات ومجال لتفريغ عُقد شخصية، فهذا ما يجعلنا نحكم بلا تردد ونقول إن هذا البيان، لا يمكن إلا وصفه بكوميديا سياسية سوداء، لكنها للأسف ليست ممتعة، بل محزنة، لأنها تجسد سقوطاً مدوّيا لقيادة الحركة الشعبية في الزمن الذي يحتاج هذا الجسم العملاق، لجميع أبناءه وبمختلف آراءهم، لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
الغريب في البيان عزيزي القارئ، هو أنه يأتي في أقل من شهرين، من الرسالة التي وجهها القائد/رمضان حسن نمر، لرئيس الحركة الشعبية -شمال، السيد/عبدالعزيز آدم الحلو، منتقداً فيها تحالف الحركة مع قوات الدعم السريع، معتبراً هذا التحالف خروجا عن مبادئ "السودان الجديد" وخيانة لدماء المناضلين.
العميد رمضان حسن نمر ليس شخصية عابرة في صفوف الحركة الشعبية، بل هو من القيادات التأريخية والأصوات العسكرية والسياسية البارزة التي أسهمت في صياغة خطابها النضالي والثوري، ومن المدافعين عن ضرورة التمسك بمبادئ السودان الجديد، الذي يقوم على قطيعة جذرية مع منظومات السودان القديم وأدواتها، وبناء دولة، تقوم على المواطنة المتساوية دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الجهة.
الجدير بالذكر أن رسالة العميد/ رمضان حسن، التي عبّر فيها عن رفضه القاطع لأي تنسيق أو تحالف مع قوات الدعم السريع، شكلت نقطة فاصلة في علاقته مع قيادة الحركة (الحلو)، حيث أشار في رسالته إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت، ولا تزال ترتكب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في دارفور وكردفان والخرطوم، وأن أي تحالف معها يُعد تنازلا أخلاقيا وسياسيا عن مشروع الحركة، واستسهالا للدم السوداني، وتنكراً لمعاناة الآلاف من الضحايا.
ويطرح هذا التطور -أي بيان الفصل، تساؤلات عميقة حول حدود الانضباط التنظيمي، وحدود الحق في التعبير داخل المؤسسات الثورية، هل من المقبول أن يُقصى عضو لمجرد إدلائه برأي مغاير، سيما إن كان يتعلق بمسألة أخلاقية مثل التحالف مع قوات ارتكبت مذابح وجرائم ضد الإنسانية.. أم أن التنظيم الثوري، حتى في أعتى لحظات الصراع، يجب أن يظل مساحة للنقاش الحر والنقد الداخلي، حفاظا على نضجه وصدقه أمام الشعب؟
إن بيان فصل العميد رمضان حسن نمر، ليس مجرد قرار إداري داخلي، بل هو مرآة لمشكلة تنظيمية عميقة تعيشها قيادة الحركة الشعبية، وحدود المبادئ، وسؤال المستقبل السياسي في سودان تتقاذفه النيران، وبين من يرى في الانتقاد خيانة، ومن يرى في الصمت على التحالفات المريبة جريمة، يظل صوت رمضان حسن نمر تذكيراً بأن النضال الحقيقي لا يكتمل إلا عندما تتطابق الوسائل مع الغايات، وحين لا يُضحى بالمبدأ في دروب التحالفات التكتيكية، وإلى أن تضع الحرب أوزارها، سيظل التاريخ هو القاضي العادل، والضمير هو المحكمة الكبرى.