Post: #1
Title: الآثار القانونية المترتبة على قطع العلاقات الدبلوماسية بين السودان والإمارات وفقًا لاتفاقية فيينا
Author: حافظ يوسف حمودة
Date: 05-18-2025, 12:37 PM
12:37 PM May, 18 2025 سودانيز اون لاين حافظ يوسف حمودة-Sudan مكتبتى رابط مختصر
لآثار القانونية المترتبة على قطع العلاقات الدبلوماسية بين السودان والإمارات وفقًا لاتفاقية فيينا
يُعد قطعُ العلاقات الدبلوماسية بين الدول قرارا سياديا تترتب عليه تبعات قانونية مباشرة ، لا سيما فيما يتعلق بوضع البعثات الدبلوماسية والقنصلية . وقد جاءت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 لتنظيم هذا الجانب بدقةٍ بالغة ، غير أن هناك تساؤلاتٍ جوهرية تظلّ قائمة حول مصير البعثات القنصلية ، خاصةً إذا ما اختارت الدولة المضيفة الإبقاءَ عليها أو طلبَ مغادرتها . كما هو في حالة قطع العلاقات بين السودان والإمارات العربية المتحدة ، ويمكن إيضاح هذه الإشكالية من المنظور القانوني الدولي :
أولًا/ إستنادا على اتفاقية فيينا بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية تنص المادة (45) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) على أنه في حال قطع العلاقات بين دولتين ، يجوز للدولة المعنية أن تُوكل رعايةَ مصالحها إلى دولةٍ ثالثة ، وذلك بعد موافقة الدولة المستضيفة . وتُشير هذه المادة بوضوحٍ إلى أن قطع العلاقات لا يستلزم بالضرورة إنهاءَ كافة أشكال التواصل أو التمثيل بين الدولتين ، بل يظلّ المجال مفتوحًا لترتيباتٍ بديلة تحفظ الحدَّ الأدنى من المصلحة المشتركة .
ثانيًا/ التمييز بين البعثة الدبلوماسية والبعثة القنصلية حيث أن البعثة الدبلوماسية تمثل الدولةَ في المجال السياسي والعلاقات الرسمية ، والبعثة القنصلية تنحصر مهامُّها في تقديم الخدمات للمواطنين كإصدار الوثائق وتسيير الشؤون القنصلية . ومن ثمَّ، فإن مصيرَ كلٍّ من البعثتين عند قطع العلاقات قد يختلف تبعًا للسياق والظروف ، فضلًا عن القرارات التي تتخذها الدولة المضيفة .
ثالثًا/ هل يترتب على قطع العلاقات إبعادُ البعثة القنصلية ؟ عندما تقطع دولتان علاقاتهما الدبلوماسية ، فإن الإجراء المعتاد يتمثل في سحب البعثة الدبلوماسية أو إغلاق السفارة . أما فيما يخص البعثات القنصلية فإن وضعها يخضع لتقدير الدولة المضيفة. فطبقًا لـأتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 ، يحق للدولة المضيفة أن تُعلن أيَّ عضوٍ في البعثة القنصلية ( شخصًا غير مرغوب فيه ) مما يترتب عليه وجوب مغادرته . بيد أن هذا الإجراء ليس آليًّا، بل يتطلب قرارًا صريحًا من السلطات المختصة .
رابعًا/ السودان والإمارات – كنموذج ماثل مؤخرا أعلنت الحكومة السودانية قطعَ علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة ، غير أن التعامل مع البعثات القنصلية شهدَ اختلافًا بين البلدين : حيث أن السودان أبقى على القنصلية الإماراتية في مدينة بورتسودان ولم يطلب من موظفيها مغادرة البلاد ، مما يُعكس تمييزًا واضحًا بين الخلاف السياسي والاعتبارات القنصلية . ومن جانب الإمارات : قررت إبعاد البعثة القنصلية السودانية في 17/مارس/2025 ، ومنحت أعضاءَها مهلة 72ساعة لمغادرة البلاد ويُمثل هذا القرار ممارسةً مشروعةً للحق السيادي ، وهو مستندٌ إلى أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية ، ولكن أظهرت الأحداث الأخيرة في مطار دبي صورة مقلقة حيث تعرض أعضاء البعثة القنصلية السودانية لمعاملة غير كريمة بتفتيش امتعتهم وهواتفهم بشكل مبالغ فيه واحتجازهم لساعات طويلة ، هذه الاجراءات تتناقض مع المادة 44 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تؤكد على ضرورة تمكين الممثليين الدبلوماسيين من مغادرة البلاد بكرامة وسلاسلة ، ردا على ذلك اكتفت الخارجية السودانية بإصدار بيان إدانة لهذا السلوك .
خامسًا/ الدلالات القانونية لهذا التباين ، حيث نجد أن كلا الموقفين يجد سندَه في القانون الدولي بما في ذلك وجوب المعاملة الكريمة للبعثات الدبلوماسية . فبينما اختار السودان نهجَ التهدئة عبر الإبقاء على القنصلية ، اتجهت الإمارات إلى خيار الإبعاد كرسالةٍ دبلوماسية وهذا التفاوت يعكس في جوهره اعتباراتٍ سياسية أكثر منه خلافًا قانونيا .
يُبرز هذا المثال الواقعي أن القانون الدولي ، من خلال اتفاقيتي فيينا ( 1961 و 1963 ) يمنح الدول مرونةً كبيرةً في إدارة آثار قطع العلاقات الدبلوماسية . فإذا كان التمثيل السياسي يُغلق في العادة ، فإن استمرار العمل القنصلي أو إنهاءَه يظلُّ رهنًا بإرادة الدولة المضيفة . ومن ثمَّ يتعين تحليلُ مثل هذه المواقف في إطارٍ قانوني وسياسي متكامل، يُراعي السياقَ العامَّ وطبيعةَ العلاقات بين الأطراف المعنية .
حافظ يوسف حمودة 18/مايو/2025
|
|