Post: #1
Title: ماذا تعني هجمات بورتسودان للسعودية؟ كتبه د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 05-06-2025, 05:57 PM
05:57 PM May, 06 2025 سودانيز اون لاين د. ياسر محجوب الحسين-UK مكتبتى رابط مختصر
أمواج ناعمة
تشكل الهجمات الأخيرة على مدينة بورتسودان تطوراً مقلقاً لكل من السودان والمملكة العربية السعودية، بالنظر إلى الموقع الحساس الذي تحتله المدينة على البحر الأحمر، ولما تمثله من منفذ استراتيجي ومركز اقتصادي مهم. فالمسافة القصيرة بين بورتسودان وجدة، والتي لا تتجاوز 320 كيلومتراً، تعني أن أي اضطراب أمني في أحد الجانبين يمكن أن تكون له تبعات مباشرة على الطرف الآخر. وتبرز أهمية هذه المنطقة أيضاً من خلال طبيعتها الجغرافية الخاصة؛ إذ توجد في البحر الأحمر مناطق تُعتبر مياهاً دولية، وبالتالي هناك أيضاً أجواء دولية فوقها، وفقًا لقانون البحار الدولي (اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار - UNCLOS). إلا أن هذه المناطق تبقى محدودة، نظراً لعرض البحر الأحمر النسبي وتداخل المناطق الاقتصادية الخالصة للدول المطلة عليه. فعلى امتداد المسافة بين بورتسودان وجدة، التي تبلغ نحو 300 إلى 320 كيلومتراً، لا توجد مساحة كبيرة لمياه دولية صافية بينهما، إلا في مناطق محدودة وسط البحر الأحمر. أما المياه الإقليمية فتمتد حتى 12 ميلاً بحرياً (22.2 كيلومتراً) من خط الأساس الساحلي لكل دولة، وتخضع لسيادة الدولة الكاملة.
في هذا السياق، فإن أمن الساحل السوداني لا ينفصل عن أمن الساحل السعودي، والعكس صحيح، ما يجعل من أي تهديد على أحد الضفتين مسألة تمس أمن واستقرار الطرف الآخر. بالنسبة للسودان، تمثل هذه الهجمات تهديداً مباشراً لسيادته على أحد أهم موانئه البحرية، وتعني أيضاً تهديداً لحركة الملاحة التجارية ولبنيته التحتية الساحلية. إن هذه الهجمات تفرض على الدول المعنية بأمن البحر الأحمر دعم السلطات السودانية وهي تعمل تحت ظروف استثنائية على ضمان الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي لا سيما أمن هذا الممر الدولي الاستراتيجي باعتبارها شريكا يحظى بثقة واعتراف المجتمع الدولي ويمكن الاعتماد عليه في حماية الممرات المائية الحيوية. ومن الناحية الاقتصادية، فإن تصعيد التهديد في هذه المنطقة قد يعطّل واردات السلع ويقوّض أي استثمارات محتملة في قطاع الموانئ والطاقة.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن وقوع اضطرابات عسكرية وأمنية على الضفة الغربية للبحر الأحمر يشكل مصدر قلق بالغ، نظراً لقربها الجغرافي من بورتسودان، ونظراً لمشاريعها الكبرى الممتدة على سواحلها، كمشروع “نيوم” ومبادراتها لتحويل البحر الأحمر إلى محور استثماري وسياحي آمن. كما أن استمرار التهديدات عبر هذا الممر قد يفسح المجال لتحركات غير نظامية كتهريب الأسلحة أو تسلل الجماعات المسلحة، مما يعزز الشعور بضرورة تأمين خاصرة البحر الأحمر الجنوبية من أي فوضى قادمة من الضفة المقابلة.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يبدو من الضروري أن يعمل البلدان بشكل وثيق على إنشاء آلية مشتركة للإنذار المبكر والمراقبة البحرية والجوية في هذا القطاع الحساس، بما يضمن رصد أي تحركات غير طبيعية ومعالجتها بشكل استباقي. ويُعد تعزيز الدوريات الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية خطوات ضرورية لحماية المصالح المتبادلة، لا سيما في ظل هشاشة الترتيبات الإقليمية الحالية. وفي الإطار الأوسع، يمكن للسعودية والسودان توظيف هذه التهديدات في الدفع نحو تفعيل الدور الجماعي لمجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتوسيع مظلة التعاون الإقليمي لتشمل شراكات أمنية واقتصادية أعمق.
كما يمكن للسودان استخدام هذه الهجمات كورقة للضغط من أجل الحصول على دعم دولي في مجال حماية سواحله، وتعزيز قدراته البحرية، بينما تستطيع السعودية توظيفها في إبراز الحاجة الملحة إلى استقرار السودان كجزء لا يتجزأ من أمن البحر الأحمر. في النهاية، فإن تقارب البلدين في التعاطي مع هذه التحديات سيحدد إلى حد بعيد مستقبل الأمن والاستقرار في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
|
|