Post: #1
Title: تحليل نقدي معاصر لرواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا #
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 04-24-2025, 11:51 PM
11:51 PM April, 24 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
تحليل نقدي معاصر لرواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2025: تفكيك الواقع وهوس الهوية في عصر ما بعد الحقيقة
السياق الثقافي والانزياح السردي تندرج رواية "صلاة القلق" ضمن خطاب ما بعد الحداثة الذي يشكك في الثوابت، لكنها تتجاوزه إلى استعارة مفاهيم من فلسفة الوعي وعلم النفس الاجتماعي، مُقدِّمةً نقدًا جريئًا لآليات صناعة الواقع في الأنظمة الشمولية والنيوليبرالية على حد سواء. الرواية ليست مجرد استعارة لأفكار كافكا أو أورويل، بل هي تفكيك لآلية اشتغال السلطة عبر الزمن، حيث يصبح التلاعب بالذاكرة الجمعية أداةً لترويض البشر، وهو ما يربطها بأسئلة عصر "ما بعد الحقيقة" وانتشار الأخبار المزيفة.
بنية السرد: تعددية الأصوات كتمثيل لفوضى الوعي تعتمد الرواية تقنية التعددية الصوتية (Polyphony) ليس كخيار جمالي فحسب، بل كاستعارة لفكرة تفكك الهوية في عالم مُسيطر عليه بواسطة السرديات الكبرى. تتداخل أصوات الشخصيات مع الوثائق السرية والمذكرات، مما يُنتج نصًّا يشبه أرشيفًا مفتوحًا، يُحاكي تشظي الذاكرة الفردية والجماعية. هذا الانزياح عن السرد الخطي يُذكِّر بأعمال ديفيد فوستر والاس، لكنه يضيف طبقةً من القلق الوجودي المميز للسياق العربي.
الزمن كأداة سلطة: نقد الرأسمالية الزمنية تطرح الرواية سؤالًا جذريًّا: مَن يملك حق تعريف الزمن؟ من خلال "مشروع الوعي البديل"، تكشف كيف تُحوِّل الأنظمةُ الزمنَ من ظاهرة طبيعية إلى سلعة خاضعة للاحتكار، حيث تُعاد كتابة التاريخ لخدمة أيديولوجيات هيمنة. هذا يتقاطع مع أفكار الفيلسوف بيير بورديو حول "العنف الرمزي"، لكن الرواية تذهب أبعد لتكشف كيف يصبح التلاعب بالزمن جزءًا من الاقتصاد السياسي للذاكرة، خاصة في مجتمعات ما بعد الكوارث.
الهوية والذات في عصر السيميولاكرا الشخصيات في "صلاة القلق" تعيش أزمة الانفصال عن الذات الأصلية، فهي تشبه أبطال روايات فيليب ك. ديك الذين يُجبرون على التشكيك في واقعهم. لكن الرواية تضيف بُعدًا اجتماعيًّا: فـ"يوسف" و"سارة" ليسا ضحايا نظام شمولي تقليدي، بل هما نتاج واقع افتراضي مُعولم، حيث تُختطف الذاكرة عبر آليات ناعمة (التعليم، الإعلام، الخطاب الديني المُعاد تدويره). هذا يجعل الرواية مرآةً لـعصر السوشيال ميديا، حيث تُصنع الهويات في فضاءات رقمية مُزيَّفة.
القلق كصلاة: الديناميكا النفسية للثورة القلق في الرواية ليس مجرد حالة سلبية، بل محركٌ للتمرد. هنا يتجاوز المؤلف الفهم الفرويدي للقلق، ليربطه بـالإمكانية الثورية، حيث يصبح الشكُّ في الواقع فعلًا مقاومةً. "صلاة القلق" – كعنوان – تحوِّل العبادة الوجودية إلى طقسٍ يومي لمواجهة النظام، وهو ما يذكر بفكرة الفيلسوف سلافوي جيجك عن "الاستلاب كشرط للتحرر".
النهاية المفتوحة: بيان سياسي ضد الأيديولوجيات المغلقة رفض الرواية للإغلاق السردي ليس خيارًا جماليًّا فحسب، بل بيانٌ ضدّ السرديات الشمولية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة. مشهد مغادرة يوسف وسارة إلى "البرية" – دون تأكيد ما إذا وجدا الحقيقة – يشي برفض فكرة "الخلاص النهائي"، وتبنّي فكرة المقاومة المستمرة كغاية في ذاتها، وهو ما يتوافق مع فلسفة الدريدية في تفكيك المركزيات.
اللغة: شعرية الانهيار والانزياح الرمزي اللغة في الرواية لا تروي أحداثًا بل تُجسِّد الانهيار. الانزياحات اللغوية بين الخطاب العلمي (التقارير السرية) والخطاب الصوفي (حوارات الشيخ منير) تُنتج تناقضًا يُحاكي صراع العقل والروح في عالم مُفَرْضَن. هذا التهجين يُذكِّر بأسلوب إليف شافاق، لكنه أكثر قتامةً، وكأن الكاتب يصرخ: "هذه هي لغة عالم فقدَ طعمَ الحقيقة!"
الرواية في سياق الأدب العالمي: نحو كونية عربية جديدة "صلاة القلق" ليست رواية عربية تقليدية تلهث وراء الاعتراف الغربي، بل عملٌ يخلق كونيته الخاصة عبر مزج الأسئلة الوجودية الغربية (التيار العدمي، فلسفة نيتشه) مع تراث الشك الصوفي العربي (ابن عربي، الحلاج). هذا التمازج يضعها في حوار مع أعمال مثل "1984" و"العمى" لساراماغو، لكنها تتفوق في كشفها عن الخصوصية العربية لأزمة ما بعد الحقيقة، حيث التاريخ نفسه ساحة معركة.
هل تعتبر هذه الرواية مرثية لعصرنا؟ "صلاة القلق" عملٌ لا يكتفي بتشخيص المرض، بل يدفع القارئ إلى إعادة تعريف المقاومة: ففي عصر تُختطف فيه الذاكرة عبر التكنولوجيا والسلطة، يصبح الوعي الفردي والجماعي هو الجبهة الأخيرة. الرواية – رغم قتامتها – تترك بصيص أمل: فالشكُّ ليس ضعفًا، بل فعلُ وعي قد يغير العالم، أو على الأقل يُعيد تعريف معنى أن تكون إنسانًا.
|
|