Post: #1
Title: في عين الإعصار- البرهان بين مطرقة الإسلاميين وسندان الشعب
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 04-07-2025, 09:17 PM
09:17 PM April, 07 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يعود الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى قصر الخرطوم وكأنه "فاتحٌ" استرد المدينة من فراغ. تحيط به هتافاتٌ تخلط بين التكبيرات وشعارات "النصر"، بينما تقبع العاصمة تحت ركام الصمت والغبار وانعدام الحياة. من يرفع الرايات اليوم فوق أطلالها، كمن يزين تابوتاً بشراشف الموت.
منذ انقلابه على شركائه المدنيين في أكتوبر ٢٠٢١، ظل البرهان يتخبط بحثاً عن شرعيةٍ هَرِمة. فشل في تشييد قاعدة سياسية، فالتزم ثكنات الجيش، ثم أطلق شرارة حربٍ دموية ضد الدعم السريع، ليعود اليوم بحلفٍ غامض مع الإسلاميين، وكأنه يستدعي أشباحاً من زمن البشير بعد هدنةٍ قصيرة.
نعم، حقق الجيش مكاسب عسكرية، و"استعاد" مواقع جغرافية، لكن أيُّ نصرٍ هذا؟ مليونا نازح، آلاف القتلى، اقتصادٌ منهار، ومدينةٌ بلا روح. ليست هذه عودة "الدولة"، بل إحياءٌ لنظامٍ عفا عليه الزمن، لا يُجيد سوى لغة القمع وترهيب الذاكرة.
تحالُف البرهان مع الإسلاميين ليس مناورةً تكتيكية، بل استسلاماً لمشروعٍ سياسي يُخفي تحت عباءة الدين هيمنة أجهزة الأمن. باتت ملامح دولة الإنقاذ البائد تعود رويداً: وجوهٌ قديمة تعود إلى مناصب القضاء والدبلوماسية والإعلام، بينما تُصادر أصوات الثورة تحت ذرائع "الأمن القومي".
لكن هل يظن البرهان أنه قادرٌ على ترويض هذا الحليف؟ الجواب معلوم: الإسلاميون لا يرضون بمنصب الشريك الثاني، ولن يتوقفوا حتى يحتكرون السلطة.
أما المدنيون، فما عادوا سوى ظلٍّ باهت. الأحزاب غارقة في انقساماتها، ولجان المقاومة مُحاصرة، والنقابات التي كانت صاحبة الصوت العالي لم تعد تُسمع سوى في بياناتٍ عابرة. حتى الشارع الذي أشعل الثورة صار أسير الخوف والصراع من أجل البقاء.
في هذا المفترق المصيري، يُعاد تشكيل السودان بعيداً عن إرادة أبنائه: عسكريون يوزعون السلطة مع حلفاء الأمس، بينما تُهمَّش قوى التغيير والشباب. ليست هذه "تحريراً" كما يُروج، بل دورة جديدة من حلقات الاستبداد، تُعيد إنتاج أزمات الماضي بوجوهٍ مستعارة.
الخرطوم، التي تُصوَّر كـ"رمز الانتصار"، ما عادت سوى مسرحٍ لمعارك وهمية. سكانها يعيشون بين المقابر والأنقاض، بلا خدماتٍ ولا أمل. عودة البرهان لا تُقاس بالصور البطولية، بل بقدرتها على صنع مصالحة وطنية. وهذا مستحيلٌ في ظل حكمٍ يعيد إنتاج أدواته القمعية.
التاريخ لا يكتبه الأقوى سلاحاً، بل صاحب المشروع الذي يُعيد الكرامة ويُقيم العدل. أما "الدولة" التي تُبنى اليوم على الدماء، فهي جمرة تحت الرماد، ستشتعل حتماً في وجوه من يحسبون أن الشعارات تغني عن الإرادة الشعبية.
الخرطوم لا تحتاج لـ"منقذ" جديد، بل لخلاصٍ من حلقة العنف المفرغة. فهل من مُنصت؟
|
|